الأربعاء. أبريل 24th, 2024

تونس:19-08-2021–أميرة زغدود

أصبحت أوراق لعبة الإخوان المسلمون مكشوفة… بعد قرن من الزمن ولاتزال السياسة المتبّعة هي ذاتها فقطالتغيير في الأسماء ولكن الفكر والمبدأ واحد هي نفسها الايديولوجيا العنيفة المتطرفة…

انطلقت رحلة الإخوان في العام 1928 بتأسيس المرشد حسن البنّا لحركة الإخوان المسلمين كحركة  دعويّة بالأساس، بالمدينة المصرية الاسكندرية… لتتوالى الأحداث ولترفع غطاء التستر الذي ادعته الحركة لتكشف النقاب عن خفايا النوايا لها.

مراحل التكوين والعمل

المتعارف عليه أنّ الحركات الدعوية هي حركات تنشر الدين وأسسه الحقّة، لكن ما كان من الحركة جاء عكس ذلك، لنراها تتلصص الفرص لبلوغ السلطة مهما كانت الضروف. ليعمل مرشدهم على بثّ خطابات ضمنية فحواها التكفير، تكفير كل من لم يتبّع خطاهم وكان دوما الإشارة منه الى غريمهم الأول ألا وهو السلطات ومن يتولاها في البلاد.

كانتفترة الأربعينيات حاسمة، لتبيّن الحقيقة من وراء ستارة الدّين والدعوة لحركة الإخوان… حقيقة الدمّ وسياسة تصفية اللاموالين لها، لتكون حوادث اغتيال المسؤولين الكبار في دولة جمهورية مصر العربية خير دليل، لينتهي عقد الأربعينيات بمقتل مرشدهم والمؤسّس للحركة  في 12 من فبراير من العام 1949،على يد أحد القيادات في الحركة، والمسمّى بعبد الرحمن السندي، على إثر إصدارشيخهم حسن البنا قراراً بعزله وتعيين السيّد فايز قائداً للنظام الخاص بدلاً منه، وجاءإصدار البنّا للبيان الذي قال فيه: ” ليسوا إخواناً .. وليسوا مسلمين”، وبعبارة اخرى اعترف البنّا بتكفير أعضاء النظام الخاصّ الذين اغتالوا رئيس الوزراء النقراشي والمستشار أحمد الخزندار.

لم تنقطع وصلة الدماء بمقتل المرشد، لتظهر أسماء جديدة على الساحة تواصل غرامتها مع الحكام وميزتها حملها لأفكار أشدّ تطرّف من سابقتها، ليظهر في الصورة شخصيّة جديدة “السيّد قطب” والذي عرف عليه التطرّف الشديد لتأثرّه بأفكار البنّا في مصر، وبأبو الأعلى المودودي زعيم حركة الإخوان في الهند في1941، ليكون الحديث عن شخصيّة مخضرمة من الافكار المتطرّفة والتكفيرية وجامعة أيضا.

لا تنبع المسميّات من الفراغ أو من المواقف المعادية لحركة الإخوان، بل نبعت منهم بالأساس فالقارئ لكتاب “معالم الطريق” للسيّد قطب يفهم طرحه لمفهوم جاهليّة المجتمع وتكفير الحكّام في تلك الفترة، ولازلنا نرى ذلك ولكن بطرق مستحدثة سنتحدّث عنها في فرص قادمة، كان السيّد قطب واضحا في دعوته لاستخدام القوّة للقضاء على النظام السياسي في مصر… لتتطور الأوضاع والخلفيات لدرجة الوصول الى مرحلة الصدام.

الصدام مع عبد الناصر وبراغماتية الإخوان

لم تنسى الذاكرة البشرية محاولة اغتيال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، أو ما عرفت بحادثة المنشيّة في 26 من اكتوبر 1954، لتكون سببا في القاء القبض على أبرز قيادات الجماعة، ومن ضمنهم السيّد قطب، ليتمّ الافراج عنه وتعيد السلطات القبض عليه بتهمة التحريض على النظام، والدعوة الى أعمال تخريبية ليصدر بحقّه حكم بالإعدام… فكانت مرحلة الصدام مع عبد الناصر ماهي الا توطئة لسقوط قناع الإخوان وأسلوب التقيّة الذي اتبعوه لإخفاء سياستهم الحقيقية ومآربهم.

وبعد فعاليات القمة العربية بمصر من العام 1970، جاءت حادثة وفاة الرئيس جمال عبد الناصر في 28 من سبتمبر 1970، لتكون مرحلة جديدة أمام الإخوان وتمهيدا لعودة ظهورهم في الصورة من جديد، من خلال سماح الرئيس أنور السادات للإخوان بالعودة للحركة الدعوية لا السياسية، وكانت موافقة المرشد الثالث للجماعة عمر التلمساني على عرض السادات  للعمل الدعوي دون الانخراط في العمل السياسي.

لتظهر هاهنا، حقيقة براغماتية الإخوان خلال فترة حكم أنور السادات، فما انفكت الحركة بعد حصولها على اعتراف الدولة بكيان الإخوان، ليشحذوا الهمم مغتنمين الفرصة لإعادة بناء التنظيم وحشد موالين جدد وتجنيدهم.

وبذلك احتدم الصراع بين الجماعة والحاكم،وانتهت المرحلة باعتقالات سبتمبر السوداء من العام 1981، والتي سميّت بإجراءات التحفّظ، واعتقل خلالها المرشد الثالث للجماعة التلمساني رفقة 17 قيادي من الجماعة، وشملت الاعتقالات أكثر من 1500 شخصية سياسية ودينية إسلامية ومسيحية.

لقد استفادت حركة الإخوان من التنظيمات العسكرية الإرهابية في تلك الحقبة،لتأليب الإسلاميين ضدّ أنظمة الحكم في جمهورية مصر العربية، وجاء الرئيس الراحل محمد أنور السادات، على ذكره قبيل اغتياله بوقت قصير في خطابه الشهير بمجلس الشعب عند اعترافه بالخطأ الكبير في إخراج قيادات الإخوان من السجون والسماح لهم بالعودة للحياة الطبيعية، ليكون مصيره الدليل الملموس على سياسة الإخوان الذين لا يؤتمن جانبهم بتصفية الرئيس السادات في 6 من أكتوبر 1981.

تورط الحركة في مقتل أنور السادات وسياسة التوافق

كان هناك إجماع على تورّط جماعة الإخوان المسلمون في مقتل بطل حرب أكتوبر، أنور السادات، حيث أجمع الباحثون في شئون الحركات الإسلامية على غرار هشام النجار، الذي أقرّ أنّ التنظيمات التكفيرية الجهادية التي نشأت بعد فترة السبعينيات،هي وليدةجماعة الإخوان الإرهابية والمتأثّرة بفكر القياديالإخواني سيّد قطب، وهذا الإجماع جاء بعداعتراف  كل قادة هذه التنظيمات وعلى رأسهم أيمن الظواهري مؤسّس تنظيم الجهاد الذي كان يهدف بالأساس للثّأر لإعدام سيّد قطب.

ما بعد فترة السادات، وخلال الفترة بين عامي1981 و2011 أي فترة حكم الرئيس حسني مبارك، كانت الفترة الذهبية التي عاشتها الحركة منذ نشأتها، حيث امتازت تلك بالتوافق الضمني بما يخدم مصلحة استقرار البلاد.

فاستندت العلاقة بين الجماعة في مصر ونظام الرئيس مبارك إلى معادلة ضمنية قوامهافسح المجال أمام الحركة للقيام بدورها الديني الدعوي، دون التطرّق فيما من شأنه يهدّد النظام سياسياً ويمسّ بالاستقرار الأمني للبلاد. هذا ما أوضحته تصريحات مرشد حركة الإخوان في علاقة بتصريحاتهم الموجّهة للرئيس.

وعلى إثر الاتهامات التي وجهّها الرئيس حسني مبارك لحركة الإخوان  في العام 2004 ، تعليق المرشد السابع محمد مهدي عاكف، على اتهامات الرئيس بأنّ:”الرئيس مبارك يؤمنُ بالتعددية السياسية، واختلاف الرؤى، وهو في النهاية رئيس مصر، الذي نفخر به جميعاً حكومة وجماعة وأحزابا”.

على الرغم من تغيّر لهجة الحديث لدى حركة الإخوان خلال فترة حكم مبارك، إلا أنّ المبدأ لم يتغيّر والنزعة ظلّت مكنونة في الصدور دون التفكير في المحاولة، ولكن مع سقوط نظام مبارك بعد ثورة يناير2011، عادت حركة الإخوان للظهور في الصورة وعادت عقيدتها التي صارت مفضوحة وبيّنة للعيان وتمكنّت الحركة من بلوغ الحكم الذي ظلّ حلما للجماعة منذ نشأتها، ليكون محمد مرسي أول إخواني يتمكّن من تقلّد منصب الحاكم في جمهورية مصر، فتغيّرت اللهجة لتعمّ النزعة الإخوانية القائمة على العنف والإرهاب،ولتشهد البلاد العديد من العمليات الإرهابية، حيث نفذت بعض الجماعات السلفية الجهادية بسيناء بـ 15 عملية إرهابية، وتركزت الهجمات على تفجير خطوط الغاز بسيناء، اضافة الى عملية 29  يوليو 2011 والتي أسفرت عن مقتل خمسة من بينهم ضابط بالقوات المسلحة المصرية.. لتتوالى بذلك العمليات الإرهابية الدموية خلال فترة حكم مرسي .

وبعد سقوط محمد مرسي، بدأت الصورة الحقيقية للإخوان في التجلي من قبيل نشر الفوضى وجرّ البلاد الى أتون الحرب الأهلية والتقاتل، وتجدر الإشارة، الى تواصل الدعم القطري وتجلّى الدعم الإعلامي في مساعدة القنوات القطرية الداعمة لحركة الإخوان. لكنّ الشعب المصري تعلّم الدرس من التاريخ، فمن خان مرّة لا يجوز ائتمان جانبه مرّة أخرى، لتجهض مخططات الإخوان الظلامية.. وليتمكّن الشعب المصري من الذود بالدولة من عقيدة الدماء …

قرن من الزمن، تأرجحت فيه حركة الإخوان وتلوّنت بما يخدم مصلحة بقائها، ولكن ما بني على باطل فهو باطل.. ولعلّ ما حدث في السيناريو التونسي، اليوم، يتشابه في عديد الجزئيات  مع سيناريو الإخوان في مصر فهل حانت ساعة اقتلاع جذور الظلامية من الأوطان العربيّة؟

By admin