الأثنين. نوفمبر 25th, 2024

تونس-19-8-2021-

25 جويلية يكشف الوجه البشع لديمقراطية الأخوان ومن والهم

تشهد تونس بعد 25 يوليو2021، الموافق لعيد الجمهورية وللقرارات الاستثنائية التي اتخذها رئيس الجمهورية قيس سعيد بناء على الفصل 80 من الدستور والمتمثلة في إعفاء رئيس الحكومة المشيشي من القيام بمهامه وتجميد مجلس النواب لمدة ثلاثين يوما قابلة للتمديد، جملة من الصراعات والخلافات التي تمحورت حول مدى شرعية هذه القرارات المتخذة.

وقد اختلفت الأطراف المتنازعة باختلاف غاياتها ومصالحها، حيث اعتبر أنصار حركة النهضة على الحكم طيلة عشر سنوات متتالية بأن ما قام به رئيس الجمهورية لا يعتبر الا انقلابا على الشرعية والديمقراطية، التي حسب مزاعمهم كانت تنعم بها تونس طيلة الفترة السابقة العشرية السوداء الى حدود تاريخ 25 يوليو2021، في حين كانت البعض من المواقف الدولية تحركها ايديولوجيتها الاخوانية على غرار قطر وتركيا، أمّا المواقف الاخرى فكانت في تبعية مطلقة مع مصالحها وهو الحال بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية.

أمّا بالنسبة للشعب التونسي الذي خرج في 25 يوليو، مناديا بسقوط النّظام وحلّ البرلمان بعد بلوغ أوضاعه ذروتها من الهشاشة والخراب، فقد كانت قرارات الرئيس قيس سعيد بالنسبة له بمثابة الانفراج والخروج من المأزق، بحيث شهدت ليلة 25 الشوارع احتفالات كبيرة من العائلات التونسية على كافة الاراضي التونسية من جنوبها الى شمالها.


الاستياء الشعبي و المقاومة السياسية


إنّ ما يدلّ على أن الأوضاع في تونس أصبحت معقدة ومتشابكة إلى حد كبير هو الاتحاد الكامن بين مختلف الاسلاك والهياكلوالتحالف المصلحي مع الطبقات السياسية، حيث أثبت الاعلام التونسي في العديد من المناسبات عدم استقلاليته ونزاهته،بل أنه يعمل لصالح اجندات معيّنة ويعمل بالمال السياسي أو أنه مطوّع لفائدة مجموعة بعينها، حتى انه صار متجردا تماما من المصداقية والموضوعية.
وقد كان التفاعل مع أحداث 25 يوليو وما تلاها من تحركات شعبية وتقديم لمواقف مختلف الأطراف السياسية وحتى منها الدولية خير دليل على ذلك. وقد تم اتخاد قرارا بغلق مكتب الجزيرة في تونس على خلفية بث الفتنة ونشر المغالطات التي قامت بنقلها وانحيازها الواضح للحزب الذي نادى الشعب بإبعاده من المشهد السياسي، كونه الحزب المحتكر للسلطة منذ عشرة سنوات باعتبار أن الجزيرة مكلفة بمهمة حماية وتبييض حكم الاخوان في تونس وتعمل على بث الفتنة والتفرقة ونشر الأكاذيب المغرضة في تونس و كادت في تلك الليلة أن تحدث كارثة بين أفراد الشعب الواحد.

وحقيقة تحرك الشارع يوم 25 يوليو أنه لم يكن هناك أحزاب ولا ايديولجويات موجودة، فلم تكن هناك انتماءات حزبية أو ايديولوجية معيّنة خرج من أجلها الشعب التونسي في أغلب مناطق الجمهورية.

كما أن موجة الاستياء الشعبي كانت موجّهة على وجه الخصوص للحزب الاخوانيالنهضةوذلك نتيجة سيطرته على جلّ مفاصل الدولة ومؤسساتها طيلة فترة حكمه حتى أنها كادت تصبح ملكا خاصا لهؤلاء، ويجدر الذكر في هذا الاطار أن الارادة الشعبية في مجملها هي ضدّ المشهد السياسي بأكمله بجميع انتمائيته واختلافاته وايديولوجيته، لذلك كان قرار تجميد البرلمان بكل اختصاصاته شافيا بالنسبة للشعب المحتج.

و من هنا قد يبدو الاشكال أكثر عمقا، وهو ليس في علاقة مباشرة بتزوير واضح للانتخابات أو بتقديم رشوة للمنتخبين، لأن القرار الشعبي كما ذكرنا متعسّف على كلّ الاحزاب السياسية.

حتى و لو فرضنا أنّ الطبقة الحاكمة قد تمّ انتخابها عبر انتخابات نزيهة وشفافة أو أنّ النظام السياسي خلال العشرية الفارطة هو نظام حكم ديمقراطي، فأين يكمن المشكل بالتّحديد؟

فالأطراف السياسية المجمّدة والأطراف الاخرى المنتفعة من غوص تونس في ذلك المستنقع الذي يعتبرونه “ديمقراطيا ” تعتمد تبريرات واهية تقول بأنّ ما حدث في تونس في 25 جويلية هو انقلاب وبداية انطلاق نظام حكم ديكتاتوري .


التقاطع بين الديمقراطية و الرأسمالية


في مقال للدكتور حسين الباردي بعنوان ” حراك 25 يوليو2021 في تونس أو الحقد على الديمقراطية ” ما يستوقفنا تحديدا في العنوان هو ” الحقد على الديمقراطية ” و المقصود هنا هو النظام الذي تسير به تونس منذ 2011 ، و هو التعددية في السلطة و التداول عليها و القيام بانتخابات نزيهة و الفصل بين السلط الثلاث و غيرها من سمات نظام الحكم الديمقراطي ، لكن ما الذي استدعى الشعب الى تحركه يوم 25 جويلية ؟ هل هو بالفعل حقد على الديمقراطية التي يزعمها هؤلاء و التي ساهمت بقدر كبير في تأزم الأوضاع في تونس ؟

و في تقديم الكاتب للمشهد العام ليوم 25 يوليو أشار الى أنّ السياسي هو من يميّز جيّدا بين الـ “هم” أي الشعب المحكوم فيه و الـ “نحن” وهم أصحاب الحكم و السلطة و النفوذ و الثروة ، لذلك فإنه في اليوم الحاسم الموافق لعيد الجمهورية احتجّ المُستضعفون و المُستبعدون عن السلطة ، الفئة الهشة و المفقّرة من الشعب و التي ليس لها من مساهمة في أخذ أي قرار يحدّد مصيرها إلا من خلال انتخابات مرّة كل خمسة سنوات لاختيار من يمثّلهم من النخبة الغنية و المثقفة .

لكن في النهاية فقد انتصرت إرادة الشعب لتنقسم الساحة بكلّ وضوح الى الشعب العاجز عن تحديد مصيره والعدو الاخواني المهيمن على الحكم.

و بذلك أثبت التونسيون قطعا مدى وعيهم خاصة بعد استبدال علم حزب النهضة بعلم تونس حيث عبّر عنها الدكتور حسين الباردي بأنّها ” مواجهة للاستبداد الديمقراطي المفبرك دستوريا على القياس ” .

تعتبر الطبقة السياسية أنّ الشعب التونسي ليس له القدرة على تحديد مصيره ، و أن ليست له الأهلية الكافية حتى يدرك الأمور المتعلقّة بالنظام الديمقراطي لذلك فإن الحزب الاخواني يوم 25 يوليو اعتبر أن ما قام به رئيس الجمهورية قيس سعيد في استجابتة للاحتجاجات هو انقلاب و ليس له أيّة شرعية أو علاقة بالديمقراطية ، وكأن الشعب عاجز عن تقرير مصيره و لا يدرك ما يتوجّب فعله ، وأن القرارات السياسية هي حكر على الطبقة الحاكمة . و هل هناك من الأساس ديمقراطية منفصلة عن إرادة الشعب ؟


• الديمقراطيةالخاضعة


توظّف النخبة السياسية المتكوّنة من الاثرياء و المثقفين و رجال الأعمال مفهوم ” الانفلات الشعبي ” في وصفها للتحركات الشعبية المناهضة للنظام الحاكم ، لذلك كثيرا ما يقع قمع هذه الاحتجاجات أو تحييدها عن مسارها و تشتيتها حتى تتخذ ذلك الشكل الفوضوي المرفوض على جميع المستويات ، أي بكل بساطة تسعى الطبقة الحاكمة لإثبات لا شرعية الارادة الشعبية حتى تستمد هي شرعيتها في الحكم ، فالكثير من الاحتجاجات التي قام بها التونسيون خلال السنوات الماضية وقعت ضحية ألاعيب السياسين الذين قاموا بتوظيف أجندتهم و أتباعهم كمندسين للقيام بأعمال العنف و السرقة و الشغب، و هو ما حصل تحديدا في احتجاجات 14 جانفي 2021، حيث اعتقل العديد من المشاغبين و تحدثت وسائل الاعلام عن ذلك حتى فقد التحرك غاياته الحقيقية و أصبح مجرّد تشويش و أعمال غير قانونية .

في هذا الاطار، شدّد الدكتور ” حسين الباردي ” الى أنّ التحركات الشعبية التي يعتبرها السياسيون انفلاتا شعبيا أو خروج الأوضاع عن السيطرة، إن لم يكن هناك جزم بأنها الديمقراطية الأصح فإنها حتما الاقرب اليها، ذلك لأن الشعب خرج لتقرير و تحديد مصيره بنفسه، ففي 14 جانفي 2011، خرج التونسيون منادينبشعار واحد و هو التخلص من نظام الحكم بأكمله دون استثناء، و في 23 يوليو خرج مدويا في الشوارع معبرا عن غضبه من الأحزاب السياسية التي على رأسها حزب النهضة الاخواني و قد قام رئيس الجمهورية باحترام قرار الشعب و إرادته، أي إرساء و تطبيق الديمقراطية بمفهومها الثابت و هو حكم الشعب لنفسه و تقرير مصيره، فحاولت الطبقة السياسية كعادتها استخدام أجندتها و المنظومات التي تسيطر عليها كوسائل الاعلام حتى تقدم هذا القرار على أنه انقلاب على شرعية أي قمع ما أراده الشعب مثلما حصل في العديد من الاحتجاجات.

و في معنى الديمقراطية في الفترة السابقة لمنتصف القرن التاسع العشر فإنها ارتبطت خلالها باختيار الشعب لمصيره بنفسه دون وجود أي طبقة فوقية تتحكم بهم و تفرض قراراتها، و بمرور تلك الفترة فإنه تمّ إعادة صياغة الديمقراطية لتصبح السلطة حكرا على النخبة الارستقراطية،و أخذ الأمور من يد الشعب ” المشاغب ” و” المتسرع ” والذي لا يجب الاعتماد عليه و إلا سوف تتأزم الأمور.

من هنا فقدت الديمقراطية معناها الأصيل و هو حكم الشعب لنفسه و أصبحنا نتحدّث عن ديمقراطية ” مزيّفة ” أو التي وقع تحويلها وفقا لرغبات الطبقة المالكة و كان نتيجة ذلك حدوث فجوة عميقة بين فئتين هما الطبقة المتوسطة و الفقيرة مع الطبقة الراسمالية.
و قد بدأ هذا المعنى الجديد للديمقراطية بالتفشي مع النموذج الامريكي الذي أعلن انتصاره اقتصاديا مع بداية تحالف السياسين مع النخب المثقفة و رجال المال و الأعمال، لذلك أصبح نظام الولايات المتحدة الامريكية مغريا بالنسبة للعديد من الدول و أصبح التوجه العالمي يقر بضرورة الجمع بين الديمقراطية والرأسمالية في نظام حكم كل بلد و ذلك بعد إثبات قدرته على الرقي بالمجتمعات مثل ما حصل في اليابان والمانيا والعديد من الدول الغربية الاخرى.

في خضم كل ذلك، كانت الدول العربية منجذبة الى ما توصل إليه العالم الغربي من تطور اقتصادي دون التركيز على حقوق الافراد و مشاركتهم في الحكم، أي ارتباط العملية الديمقراطية ارتباطا وثيقا بكل ما هو تنموي، حتى أنها أصبحت ضمن معادلة ضيقة جدّا ولم نعد نتحدث عنها كمفهوم قائم بنفسه، نتيجة لذلك أصبحت نقطة قوة اقتصاد العالم الغربي هي نفسها سبب انهيار انظمة العالم العربي ، ذلك لأن التقليد لم يأخذ بعين الاعتبار العديد من المتغيرات و الوقائع التي يتميّز بها العالم العربي ، و اصبح الجمع بين الديمقراطية و الرأسمالية ملاذا للنخب الثرية لتزيد من ثروتها و تتحكم في المال العام بما يتوافق مع مصالحها وهو ما زادا الامور تعقيدا في مختلف الاوضاع، والتي على رأسها الوضع الاقتصادي .

By Zouhour Mechergui

Journaliste