تونس:13-08-2021
لئن اعتقد الشعب التونسي أنّه قام بقطع رأس الأفعى، بعد إسقاط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، في 14 يناير 2011، لكن فيروس الفساد الذي غذّته المناصب بدرجة أولى كان اقوى والأكثر فتكا.
فبعد إزاحة بن علي عن السلطة، بعد أكثر من عقدين من الزمن، من احتكاره وأركان حكمه عمليات الفساد التي عانى منها الشعب التونسي، ساد الاعتقاد أنّه تمّ قطع دابر الفساد، ليجد الشعب نفسه في مواجهة مئات الفاسدين ممّن اتبعوا أهوائهم ليستشري الفساد في البلاد كالنار في الهشيم، لتتكرّر حوادث تورّط العديد من الشخصيات الوطنية المعروفة كرؤساء الحكومات ما بعد 2011، وحتى غير المعروفة من مواطنين بسطاء في ممارسات فاسدة كشفت ولم تبق طي الكتمان كما عهدنا.
منذ 2011، تتالت الحكومات وكانت نتيجة التحديات غير مرضية، فلم تعرف البلاد تقدّما في مواجهة الفساد بل تعمّقت الأزمة لنجد الملفات تركن جانبا دون البتّ فيها بما يمليه القانون على اعتبار تونس بلد قانون..
لنجد الأيادي الخفيّة، التي أحكمت قبضتها على مفاصل الدولة من خلال التعيينات بالولاءات، قد تمكنت من اخفاء الدلائل والبراهين حول التجاوزات الصارخة في حق البلاد والشعب…
فساد على جميع المستويات
يُعدّ الفساد قوة مزعزعة للاستقرار في أيّ بلاد تقوم على الديمقراطية، وفي تونس ألقى الفساد بظلاله على جميعالمستويات الاقتصادية والأمنية والسياسية والصحية والاجتماعية،لتعلن الأنفس الحرّة شنّ تونس حرباً على آفة الفساد والفاسدين.
حربا أعلنها الرئيس قيس سعيد على الفساد، ولئن أعتقد البعض من الواهمين أن رئيس الدولة رجل تهديدات فقط، فصدموا بتفعيله الفصل 80 من الدستور التونسي معلنا الحرب على كلّ من صوّغت له نفسه أن يستأثر بخيرات البلاد لنفسه أو لذويه، ولتكون قرارات الـ25 من يوليو بمثابة ولادة الجمهورية التونسية الجديدة.
المشهدية التونسية ما بعد عيد الجمهورية، جاءت محمّلة بآمال جديدة في مواجهة الفساد لتكون قرارات الإقالات الجديدة والتعيينات كخطوة أولى نحو تطهير البلاد من الفاسدين، والجدير بالذكر أنّ تورّط الحركة السياسية الاولى في تونس “حركة النهضة” الإخوانية جاءت واضحة من خلال تورّط عدد من نوابها في ملفات تتعلّق بفساد مالي وتهرّب ضريبي واختلاس أموال واساءة إلى رئيس الجمهورية وإلى الغير من قبل بعض النواب وصولا الى تهم متعلّقة بالإرهاب والاغتيالات السياسية.. في انتظار بتّ القضاء فيها.
اجراءات تشريعية وشعارات سياسية دون نتائج
وبرز مبدأ مكافحة الفساد كأحد الأولويات التشريعية لجميع الحكومات المتعاقبة ما بعد الثورة، وكلّ الاحزاب على إختلاف توجهاتها السياسية حملت شعار مكافحة الفساد خلال الحملات الانتخابية، وبعد عشر سنوات لكن لا توجد نتائج..
وكان المرسوم عدد 7 لسنة 2011 المؤرخ في 18 فبراير 2011 المتعلّق بإحداث لجنة وطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد، ثمّ المرسوم عدد 13 لسنة 2011 مؤرخ في 14 أذار 2011 المتعلق بمصادرة أموال وممتلكات منقولة وعقارية من أول النصوص التي تم اتخاذها مباشرة إثر ثورة 17 ديسمبر2010-14 يناير 2011 والتي تتعلق بمكافحة الفساد.
وفي نفس الإطار ولتعزيز الشفافية تمّ إصدار المرسوم عدد 41 لسنة 2011 مؤرخ في 26 مايو 2011 والمتعلّق بالنفاذ إلى الوثائق الإدارية للهياكل العمومية والذي وقع تنقيحه بموجب المرسوم عدد 54-2011 المؤرّخ في 11 جوان 2011.
كلّ هذه الاجراءات لم تكن كافية لاجتثاث الفساد من البلاد، لنجد الجميع ممن تمّ تعيينهم في مراكز حساسة من الدولة متورطين في ملفات فساد وقضايا تضارب مصالح منهم رؤساء حكومات ووزراء على غرار رئيس الحكومة يوسف الشاهد والابن المدلّل للراحل الباجي قايد السبسي، في قضية ما يعرف بالبنك التونسي الفرنسي، وكذلك مبروك كرشيد الوزير الأسبق لأملاك الدولة والشؤون العقارية، كما تورّط رئيس الحكومة ووزير الصناعة الأسبق مهدي جمعة بتهمة استغلال النفوذ ومنحه أشقائه الثلاثة صفقة تقدر قيمتها بعشرات المليارات من الدنانير التونسية.
فساد مستشر في كلّ القطاعات
لم تقتصر آفة الفساد على مجال دون غيره، ليستشري في جميع القطاعات الحيوية في البلاد، ولعلّ من أهم القضايا التي تمّ كشف اللثام عنها قضيّة اللوالب القلبية الفاسدة في القطاع الصحي وقضية صفقة الكمامات التي أثارت جدلا كبيرا خلال الفترة الاولى لجائحة كورونا وتورّط وزير الصناعة صالح بن يوسف والنائب جلال الزياتي عن كتلة الإصلاح الوطني بمجلس نواب الشعب في قضية تضارب المصالح، كما تمّ تفكيك شبكة فساد مكوّنة من مسؤولين في الديوانة التونسية، وملف تدليس الذهب وملفات تبييض الأموال وملفات فساد في صفقات ضخمة تتعلّقبشركات وطنية على غرار الشركة الوطنية لاستغلال الكهرباء والشركة الوطنية لاستغلال المياه، وقضايا الانتدابات الغير قانونية، كما كشفت الناشطة التونسية العاملة في مجال الرقابة الصحيّة نوال المحمودي عن خفايا ملف استيراد شحنات من القمح الفاسد لتتحول الى قضية رأي عام، حيث تعرّضت نوال المحمودي لضغوطات وتهديدات بالتصفية الجسدية بسبب هذه القضية… وتطول قائمة القضايا المتعلّقة بالفساد .
وبعد قرارات الرئيس سعيّد عادت موجة محاربة الفساد بقوّة وتمت اثارة عديد الملفات شملت تورّط عديد المسؤولين السامين في الدولة التونسية. وعلى الرغم من التشريعات والقوانين التي أقرّتها الدولة التونسية بعد الثورة لمحاربة الفساد، لا تزال آفة الفساد تكلّف تونس 3 مليارات دولار سنويا وفق الإحصائيات الرسمية، وتشنّ تونس حربا ضدّ نظام حكم اللصوص الذين يتغيّرون في الأسماء ولكن لا تزال تونس مواصلة حربها ضدّ الفساد بقيادة الرئيس قيس سعيد