-تونس-06-8-2021-إعداد/ رباب حدادة
مثلت ظاهرة الفساد في تونس إحدى أخطر الأزمات التي مست استقرار البلاد وتسببت في تردي الوضع الاقتصادي والسياسي، ونخر الفساد نسيج الدولة التي تتداعى منذ سنوات وازداد استفحالا بعد الثورة التي كان من أهدافها إسقاط منظومة فاسدة و إذا بها تسقط في أيدي طبقة سياسية جديدة أكثر فسادا من سابقتها ،جعلت البلاد في العشرية الأخيرة تحتل مراتب متقدمة في مؤشر مدركات الفساد حيث احتلت سنة 2019 المرتبة 74 عالميا من جملة 180 بلدا وهو الترتيب الأسوأ الذي بلغته تونس في تاريخها.
تونس تعاني اليوم عجزا فادحا في الميزانية وتراكم المديونية وتفاقم الديون، وعجزا حادا غير مسبوق في الميزانية جعل الدولة غير قادرة على تسديد القروض والفوائد ما اضطرها إلى اللجوء إلى قروض جديدة.في 2021 إذ بلغت قيمة خدمة الديون الواجب تسديدها 4.5 مليار دولار. لقد ارتفعت الديون الخارجية المتراكمة للبلاد إلى 30 مليار يورو في حين قدرت احتياطات تونس ب 7 مليار يورو حسب نشرة الغرف الاقتصادية النمساوية.
وفي ظل انخفاض حاد لمصادر التمويل يتسبب الفساد في خسائر مالية تقدر حسب إحصائيات هيئة مكافحة الفساد بـ 8.4 مليار دينار سنويا وهي الأرقام الرسمية و المتوقع أكثر من ذلك بكثير.
أسباب عديدة ساهمت في تفشي الفساد خاصة بعد 2011 ومنها عدم وجود إرادة سياسية حقيقية لمكافحته وفق خطة وطنية واضحة والاكتفاء بتقنين أساليب مجابهة الفساد ضمن مؤسسات كالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وهيئة الحقيقة والكرامة ،هيئات هي ذاتها لم تتصف بالنزاهة الكافية أمام ما طال رؤساءها من شبهات فساد وتلاعب سياسي بالملفات، إذ أكد الناطق الرسمي باسم محكمة الاستئناف بتونس الحبيب الطرخاني أن الوكيل العام لمحكمة الإستئناف أذن الخميس 29 جويلية 2021 لوكيل الجمهورية بالمحكمة الإبتدائية بتونس بفتح تحقيق ضد الرئيس الأسبق للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب في خصوص شكاية تقدمت بها شركة “فيفان” وتعلقت ب”شبهة تدليس واستعمال مدلس”.
رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة، سهام بن سدرين هي الأخرى لم تكن في منأى عن شبهات الفساد إذ تقدمت هيئة مكافحة الفساد برئاسة عماد بوخريص في افريل المنقضي بتقديم شكاوى ضد بن سدرين تتعلق بتدليس التقرير النهائي للهيئة خاصة فيما يتعلق بقضية البنك الفرنسي التونسي وتوريطها الدولة أمام هيئة التحكيم الدولية بما قدمته من تقديرات غير حقيقية تورطت فيها الدولة بأكثر من مليار دولار.ولم تكن هيئة الحقيقة و الكرامة المؤسسة الوحيدة التي رفعت دعاوى قضائية ضد رئيستها بل كذلك محكمة المحاسبات ومنظمة” أنا يقظ”.
إضرار الفساد بالدولة لا يتوقف عند حد نهب الأموال و الأملاك العمومية واستغلال النفوذ السياسي في الصفقات العمومية التي بلغت خسائر الدولة فيها 25 بالمائة سنويا وكان إسقاط حكومة الفخفاخ نتيجة شبهة فساد في مناقصة عمومية و تضارب مصالح بعد حصول شركات يملك فيها أسهما على مناقصات بقيمة 43 مليون دينار، بل يصل حد تجنب رؤوس الأموال الأجنبية الاستثمار في تونس بسبب داء الفساد.
يقول الخبير الاقتصادي فهد تريمش في هذا الصدد”المتعاملون الاقتصاديون ولاسيما الأجانب منهم،باتوا حذرين من التوجه نحو السوق التونسية،بسبب الفساد الإداري والقضائي وعدم قدرتهم على مواجهة القضاء في حال التحكيم بينما يدفع الاقتصاد منذ سنوات فاتورة باهظة بسبب تمكن الفساد من مفاصل الدولة ومحاولات الأحزاب والبرلمان توفير الغطاء السياسي للوبيات الفساد المتنفذة”
بين استغلال النفوذ السياسي وبين غياب نزاهة الهياكل الأمنية و القضائية تغول الفساد وأضعف سيادة الدولة التي أصبحت عاجزة حتى عن تفعيل قانون حماية المبلغين الذين تعرضوا لتضييقات وضغط حال دون تشجيع المواطنين على الانخراط في مسار مكافحة الفساد.
مكافحة الفساد أصبحت أيضا تبنى على أساس تصفية الخصوم السياسيين والضغط عليهم .. فحركة النهضة لطالما ضغطت على سياسيي ما قبل الثورة بتهديدهم باستغلال ملفاتهم وأجبرتهم بذلك على الرضوخ لإرادتها السياسية.
وحسب نفس الخبير”مكافحة الفساد ليست حملات انتقائية تستهدف أشخاصا دون غيرهم بل هي مجهود وطني يتعين على مختلف السلطات الانخراط فيه “.
وللتذكير كانت بداية الأزمة السياسية بين رئيس الجمهورية وحكومة هشام المشيشي والبرلمان، بسبب رفض رئيس الجمهورية تعيين وزراء جدد تعلقت بهم شبهات فساد تم بعد ذلك إقالة عماد بوخريص رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد من قبل رئيس الحكومة .
في لقائه بعماد بوخريص بعد إقالته قال سعيد مخاطبا إياه: “من يقاوم الفساد بناءً على معطيات ثابتة صحيحة، هو من يتم إعفاؤه، ، ثم يرفعون بعد ذلك شعار مكافحة الفساد !.. كان من المتوقع أن يتم ذلك، لأنك أثرت جملة من القضايا وقدمت جملة من الإثباتات المتعلقة ببعض الأشخاص، من بينهم الذين تم رفض أدائهم اليمين الدستورية وتعلقت بهم قضايا فساد، وهناك من لديه قضية لدى القطب المالي، ومن الوثائق الموفرة أن هؤلاء متورطون ويتخفون وراء عدد من الأشخاص ثم يتحدثون بعد ذلك عن مكافحة الفساد… الفساد لا يقاوم بالآليات التي وضعوها من أجل إخفاء عدد من الملفات”.
حرب ضد الفاسدين بدأت مع رئيس الجمهورية منذ ذلك الوقت وتواصل صدامه مع الحكومة والبرلمان بطرق قانونية بين إقالات وفتح تحقيقات ولم يتمكن من الوسائل الكافية لمكافحة الفساد إلا بعد 25 جويلية حيث تم تجميد البرلمان وإعفاء حكومة هشام المشيشي.
كان ذلك المنعرج الحاسم في هذه النقطة حيث بدأ رئيس الجمهورية حملة واسعة من الإقالات طالت وزراء وولاة وعددا من إطارات الدولة تمهيدا لإصلاح شامل في مؤسسات الدولة.
وكان رئيس الجمهورية قد أعلن يوم الأربعاء يوم 28 جويلية 2021 قائمة اسمية تضم 460 شخصا ممن تورطوا في قضايا الفساد وتسببوا في سرقة البلاد ونهبها وقدر المبلغ ب 13,5 مليار دينار (4,8 مليار دولار) من المال العام.
وأشار سعيّد إلى “أنه بناء على أمر رئاسي سيصدر لاحقا، ستخصص الأموال المنهوبة التي سيقع استرجاعها لفائدة الجهات المحرومة وفق ترتيب تنازلي لها مع كل من يجنح إلى الصلح من رجال الأعمال المعنيين في إطار الصلح الجزائي الذي كان رئيس الجمهورية قد أعلن عنه”.
تراكم ملفات الفساد في ظل انتشار الفساد القضائي، وغياب الشفافية في التحقيقات، وإداريون متورطون في إتلاف الأرشيف والوثائق، يخلق تحديات كبرى أمام الإرادة السياسية لرئاسة الجمهورية في مكافحة الفساد الذي طمأن التونسيين بقوله ” لن نتركهم لا لحيتان البر ولا لحيتان البحر.”
فإلى أي مدى سيسير قيس سعيد في الإلتزام بتعهداته؟