الخميس. مارس 28th, 2024

تونس:04-08-2021

المشهد السياسي التونسي ما بعد 25 جويلية هو المشهد الاكثر متابعة من الداخل والخارج، الكلّ ينتظر ويتساءل: “ماذا بعد؟”.

لقد اختار الرئيس قيس سعيد أن يستجيب لمطالب الشعب التونسي الذي عايش ويلات تعاقب الحكومات التي سعت جاهدة لمناصرة مصالح الأحزاب العاملة تحت جناحها، إثر احتجاجات شعبية في عدّة  ولايات مطالبة بإسقاط المنظومة الحاكمة بكاملها، في ظلّالأزمات السياسية والاقتصادية والصحية التي تعيشها البلاد.

ولكن، كانت ليلة عيد الجمهورية بمثابة ولادة جديدة لروح شعب عانى من 10 سنوات من التهميش والفقر، لحظة إعلان سعيد تفعيل الفصل 80 من الدستور التونسي والذي بمقتضاه تمّ تعليق أعمال المجلس النيابي وتجميد أعضائه لمدّة شهر قابل للتجديد.

ومنذ توليه رئاسة الجمهورية التونسية، سعى سعيد الى بعث رسائل اعتبرها الكثيرون مجرّد تهديدات، ولكن لم يعوا أنّ الأمين من حفظ الأمانة وعرف مقدارها، وبمجرّد اصدار القرارات التي لاقت ترحيبا شعبيا ودوليا كبيرين، وكان سعيد دائما محملا بالمفاجآت، فلم يستكن للحظة حتى يفي بوعده الى الشعب الذي سانده وأيّده وشدّ على يديه، لتكون خطواته محسوبة ومتقنة وغاياتها واضحة للعيان.

تصحيح مسار..

وفي اطار تصحيح المسار، عمد الرئيس سعيد الى تطبيق مبدأ “تطهير الادارات التونسية”، حيث تشهد البلاد موجة إقالات لمسؤولين كبار في مؤسسات حكومية ومناصب هامّة في مفاصل الدولة، وبعد عشرة أيام، تمّ إنهاء مهام 30 مسؤولا حتى مساء البارحة الثلاثاء، 3 من أغسطس الجاري.

وانطلقت هذه الموجة من الإقالات على إثرالتدابير الاستثنائية التي  اتّخذها الرئيس قيس سعيّد، في 25 يوليو الماضي، فعقب اجتماع طارئ مع قيادات عسكرية وأمنية، كان سعيد قد أعلن عن  إقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، على أن يتولى بنفسه السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة يعين رئيسها، وتجميد اختصاصات البرلمان لمدة 30 يوما، ورفع الحصانة عن النواب، وترأسهللنيابة العمومية.

ولئن خلت سلسلة الإقالات التي بدأتها الرئاسة التونسية من التفاصيل حول أسبابها والدوافع منها، فيتوقع المراقبون أن تتواصل سلسلة الإقالات في الأيام المقبلة لتشمل هياكل محلية، كإقالة ولاة المدن التونسية(كما حصل بالأمس) وتجميد أعمال المجالس البلدية.

إقالات بدء من  أعلى الهرم

ابتدأت سلسلة الإقالات عند إصدار الرئيس قيس سعيد أمرا رئاسيا، يوم 26 يوليو، وبمقتضاه تمتإقالة كل من رئيس الحكومة هشام المشيشيوالمكلّف بإدارة شؤون وزارة الداخلية بالنيابة، ووزير الدفاع إبراهيم البرتاجي ، والوزيرة لدى رئيس الحكومة المكلّفة بالوظيفة العمومية ووزيرة العدل بالنيابة، حسناء بن سليمان.

وأعلنت الرئاسة التونسية، يوم 27 يوليو، عن سلسلة إقالات جديدة استهدفت مسؤولين في مناصب عليا بالدولة، بحسب ما نشر في الرائد الرسمي التونسي. وبمقتضى أمر رئاسي، أقال الرئيس سعيّد المكلّف بمهام وكيل الدولة العام ومدير القضاء العسكري، العميد القاضي توفيق العيوني، ورئيس الهيئة العامة لشهداء وجرحى الثّورة والعمليات الإرهابية، عبد الرزاق الكيلاني.

كما شملت الإقالات كلاّ من المعزّ لدين الله المقدّم، مدير ديوان رئيس الحكومة ، وكاتب عام الحكومة وليد الذهبي، وكذلك تمّت إقالة كل مستشاري رئيس الحكومة المُقال الثمانية، وهم رشاد بن رمضان ولحسن بن عمر وإلياس الغرياني وأسامة الخريجي وعبد السلام العباسي وسليم التيساوي وزكريا بلخوجة ومفدي مسدي.

ولم تقتصر الإقالات على مسؤولي الحكومة فقط بل شملت أيضا عديد القطاعات وعلى رأسها مؤسسة التلفزة الوطنيّة، حيث أصدر سعيّد، مساء 28 يوليو، أمرا رئاسيا يقضي بإعفاء محمد لسعد الداهش، المدير العام لمؤسسة التلفزة الوطنية الرسمية وتكليف السيدة عواطف الدالي بتسيير مؤسسة التلفزة مؤقتا.

وفي 29 يوليو، جاء قرار إعفاء المدير العام للمصالح المختصة “مدير المخابرات”، بوزارة الداخلية الأزهر لونقو من مهامه، وتكليف محمد الشريف المدير المركزي للاستعلامات العامة، بمنصب مدير عام للمصالح المختصة بوزارة الداخلية بالنيابة.

وفي 2 أغسطس الجاري، صدرت أوامر رئاسية بإعفاء وزير الاقتصاد ودعم الاستثمار، علي الكعلي من مهامه، وتعيين السيدة سهام البوغديري  نمصيّة مكانه.كما تمّ إعفاء وزير تكنولوجيات الاتصال ووزير الفلاحة والصيد البحري والموارد المائية بالنيابة، محمد الفاضل كريّم من مهامه، وتكليف السيد نزار بن ناجي بتسيير وزارة تكنولوجيات الاتصال.

وآخر الإقالات، كانت مساء أمس الثلاثاء، حيثأصدرت الرئاسة التونسية، أمرا رئاسيا يقضي بإنهاء مهام نجم الدين الأكحل كسفير فوق العادة ومفوض للجمهورية التونسية بواشنطن.كما أصدر الرئيس سعيد أمرا رئاسيا يقضي بإنهاء مهام أنيس الوسلاتي كوالٍبولاية صفاقس.

وجاءت قرارات الرئاسة التونسية بتوليّ الكتّاب العامّون أو المكلّفون بالشؤون الإداريّة والماليّة في رئاسة الحكومة والوزارات المذكورة تصريف أمورها الإدارية والمالية لحين تسمية رئيس حكومة جديد ووزراء جدد.

ولا يزال المراقبون للشأن التونسي ينتظرون إعلان الرئيس سعيد عن تسمية رئيس وزراء جديد وتكليف حكومة تخضع لإشرافه.

شرعيّة دوليّة.. ومبدأ حياد مؤسسات الدولة

وتجدر الاشارة، الى التأييد الوطني والدولي الكبير لقرارات الرئيس سعيد حيث أبدت أكثر الديمقراطيات في العالم عن دعمها وإشادتها بالقرارات الحكيمة التي اتخذها سعيد في سبيل الديمقراطية والشرعيّة.

وجاءت هذه الشرعيّة الدولية كداعمة لمبدأ مكافحة الفساد والمفسدين داخل مؤسسات الدولة والعمل على تطهيرها، وهذا ما سعى سعيد إليه منذ توليّه لمقاليد رئاسة الجمهورية في 2019، حيث شدّد في عديد المناسبات على أن حياد مؤسسات الدولة هو مبدأ قانوني في تسيير المرافق العمومية.

وكان الرئيس سعيّد، قد أعرب في لقاءاته في المكلفين الجدد على أن الدولة التونسية هي دولة قانون ولا أحد فوق القانون ، إذ أنّ كلّ من ثبت تورّطه لا بدّ من محاسبته دون اعتبار لمسمياته وكلّ هذا في إطار تطبيق القانون وضمان مبادئه.

ولئن ازدادت ضغوطات المنظّمات التونسية للتسريع بتقديم خارطة طريق واضحة لإنقاذ البلاد، على أن تكون ضامنة لمبدأ احترام الدستور وحقوق الإنسان، فيعتبر المراقبون أنّ تونس هي الدولة العربية الوحيدة التي نجحت في إجراء عملية انتقال ديمقراطي من بين الدول العربية الأخرى التيانزلقت في أحداث خطيرة كانت نتيجتها الدمار وتفشي الإرهاب والتدخلات الخارجية.

By admin