مالي-
في ظل تمدد الإرهاب و تردي الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية استفاقت مالي مؤخرا على الانقلاب العسكري الخامس في تاريخها بعد أن تم في مساء الاثنين 24 ماي اعتقال رئيس الحكومة الانتقالية باه نداو ووزيره الأول مختار وان من قبل قوات عسكرية مالية حيث قامت بإخراج القائدين من منزلهما وسط العاصمة باماكو و اقتيادهما للمقر العسكري في كاتي و الذي يبعد قرابة 15 كيلومتر عن شمال شرق باماكو.
و أعلن رئيس رئيس المجلس الرئاسي اسيمي غويتا عزل الرئيس و نائبه باعتبار ان البلاد ستشهد انتخابات العام القادم.
و باه نداو هو رئيس انتقالي تم تعيينه بعد الانقلاب العسكري الماضي في 18 أوت 2020 والذي أطاح بالرئيس المالي إبراهيم أبو بكر كيتا ورئيس وزرائه بوبو سيسيه، و بالتالي يأتي هذا الانقلاب قبل إرساء سلطة دائمة في الدولة.
فلماذا يعتقل الجيش القيادي الذي شاركهم الانقلاب على الرئيس السابق كيتا؟ وما هي ردود الأفعال المحلية و الدولية عن هذا الانقلاب الجديد ؟ و ما هي خفايا التحالفات الممكنة في ظل التغيرات الجديدة في الساحة الوطنية المالية؟
1/دوافع الانقلاب
تقرر بعد انقلاب 2020 تشكيل حكومة انتقالية تعمل طيلة 18 شهرا من اجل التنظيم للانتخابات رئاسية وتشريعية تعهدت القوى العسكرية أن تكون مدنية و من المفترض حسب ما أعلنت عنه الحكومة ستكون الانتخابات في مارس 2022 .
وترأس الجيش الحكومة من خلال باه نداو و هو كولونيل سابق بالجيش و ضمت الحكومة 25 وزيرا منهم 21 وزير مدني و 4 وزراء عسكريين تزعموا وزارات السلطة و هي الأمن و الدفاع و الإدارة المحلية و المصالحة الوطنية.سيطرة القوات العسكرية على السلطة آثار غضبا وطنيا و إقليميا خاصة من قبل مجموعة تكتل دول الغرب الإفريقي و كذلك الاتحاد الإفريقي اللذان نددا باستمرار من تدخل الجيش في تسيير السياسة في مالي.
بالرغم من سيطرة الجيش على مفاصل السيادة و النفوذ في الحكومة الانتقالية إلا أن ذلك لم يحل دون التصادم بينهم و بين رئيس الحكومة حول منصب الوزير الأول ،من هذه النقطة بدا تصدع التحالف بين باه نداو الذي يعتبر عسكريا غير انه تسلم قيادة المرحلة الانتقالية و بين الجيش الذي شعر بفقدانه للسلطة بخسارة منصب الوزير الأول.
يعرف باه نداو بعناده و تمسكه بقراراته ورفضه الخضوع للتوجيهات العسكرية و قراره الأخير بعد التعديل الحكومي الذي قام فيه بإقالة ضابطين في الجيش(وزير الدفاع السابق ساديو كامارا ووزير الأمن السابق موديبو كوني) شاركا في انقلاب 2020 أدى مباشرة إلى الانقلاب الجديد ، بعد بضع ساعات من التعديل ،و الذي عرض فيه الجيش سلطته في الدولة وان له اليد العليا في صنع القرار السياسي في مالي و هذا ما برهن عليه التاريخ السياسي في هذه الدولة التي ارهقها عدم الاستقرار و أشعلت أراضيها المجموعات الإرهابية.
2/الانقلاب وباقي مكونات الساحة السياسية في مالي
ليس الجيش و الحكومة وحدهما من يشكلان المشهد السياسي المالي إنما نجد مكون لا يقل أهمية و هو حراك 5جوان/يونيو و هو تحالف يجمع قوى سياسية مدنية و دينية و اخذ تسميتها من الحراك الاجتماعي في 5 جوان 2020 في ساحة الاستقلال في باماكو مطالبين بإسقاط حكم أبو بكر كيتا.
يعد هذا التحالف ذو ثقل سياسي كبير فمن أهم مكوناته “تنسيق الحركات والجمعيات والمتعاطفين مع الإمام محمود ديكو” و يعرف رجل الدين ديكو بمدى تأثيره على الرأي العام المالي و قدرته على تحريك الشارع و طالما كان حاضرا في الحياة السياسية من خلال مواقفه من القادة السياسيين و حتى القوى الدولية. يضم التحالف كذلك أحزابا سياسية و جمعيات مدنية ذات قواعد شعبية ممتدة.
يلاحظ في الفترة الأخيرة تقارب سياسي بين الجيش و حراك 5 يونيو في موقفهم السلبي من الحكومة فان كان غضب الجيش يعود للصراع على منصب الوزير الأول ثم التعديل الحكومي فاستياء حراك 5 يونيو سببه إقصاؤهم من تشكيلة الحكومة و بالتالي ضعف تمثيلهم في السلطة الانتقالية.
على ضوء هذه الأحداث يمثل قادة الانقلاب العسكري في منطقة قوة وطنيا خاصة و ان رئيس الحكومة باه نداو لا يملك من النفوذ و من التحالفات السياسية ما يدعمه و لم يبقى في حوزته غير الشرعية القانونية و الدعم الدولي كوسائل لمقاومة عملية الانقلاب.
3/ الضغط الدولي
بين الدهشة و الاستنكار قدمت مختلف الدول و المنظمات رفضها من تصاعد القوة العسكرية في مالي خاصة و انه لم تمضي سنة واحدة على الانقلاب العسكري الفارط .
التصادم الدائم بين السلطة السياسية و العسكرية يعرقل هياكل الدولة التي تعاني أساسا من ضعف هياكلها و سيادتها على إقليمها.
كانت لجنة المتابعة المشتركة للاتحاد الإفريقي وبعثة الأمم المتحدة في مالي و منظمة الاكواس أول الأطراف التي طالبت بإطلاق سراح الرئيس و نائبه في بيان مشترك بينما حذرت السفارة الأمريكية جاليتها مما يحدث في الدولة.
أتى الاستنكار و التنديد كذلك من الجانب الأوروبي على لسان شارل ميشال الذي وصف الأحداث كعملية اختطاف لكبار المسؤولين مطالبا بالعودة للمسار الدستوري في البلاد.
وسط هذا الضغط تجري عملية التفاوض بين الجيش الذي يطالب بعزل الوزير الأول و بين الرئيس المتمسك بقراره رغم قبول مختار وان الاستقالة.
على الأرجح أن الجيش المالي لن يتراجع حتى أمام كل الضغط الخارجي و ستتم عملية الانقلاب فعليا بعزل الرئيس ووزيره مع تعيين سلطة انتقالية جديدة.
موقف الجيش سيتدعم إذا اصطف إلى جانبه حراك 5يونيو الذي يعرف برفضه للتدخل الأجنبي خاصة الفرنسي و الذي يتحكم في الرأي العام المالي من خلال قياداته البارزين كمحمود ديكو.