الخميس. ديسمبر 26th, 2024

قسم البحوث و الدراسات الدولية بالمركز الدولي للدراسات الاستراتجية الامنية و العسكرية

اعداد رباب حدادة/ تونس 07-05- 2021

مراجعة : الدكتورة بدرة قعلول

دخلت الولايات المتحدة الأمريكية مسار تخفيض قواتها العسكرية في مختلف مناطق العالم باتباع سياسة غلق للجبهات المتعددة بعد خسائر مادية وبشرية كبيرة إلى جانب تغير ملامح النظام الدولي وموازين القوى بين الفاعلين الدوليين ما يجعل من إعادة ترتيب الاستراتيجيات أمرا حياتيا لواشنطن وما انسحاب قواتها من أفغانستان و الشرق الأوسط سوى احد ابرز ملامح إعادة التنظيم.

اتفاق السلام بين الولايات المتحدة الأمريكية و طالبان

 أهم انسحاب للقوات الأمريكية من مناطق تركزها التقليدي كان من أفغانستان بعد تمركز بلغ العقدين من الزمن وهذه الخطوة بدأت مع ترامب في نهاية مدته الرئاسية حين قرر في جانفي 2021 تخفيض عدد الجنود الأمريكيين إلى 2500 جندي على ضوء الاتفاق المبرم بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية في سبتمبر2020 ويقضي بإخراج القوات الأمريكية والتزام طالبان بعدم القيام بأي هجوم يمس من امن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها كما تلتزم بعدم دعمها لأي مجموعة متطرفة.

بعد جولات من المفاوضات أمضت طالبان والولايات المتحدة الأمريكية اتفاق سلام في فيفري 2020  في الدوحة والذي يقضي بتخفيض القوات الأمريكية من 13 ألف إلى 8 ألاف جندي خلال 135 يوما التي تلي إمضاء الاتفاق وبانسحاب البطيء لكامل القوات الأمريكية من أفغانستان في استعداد لإنهاء كلي للحرب  إذا التزمت طالبان بالبنود إضافة إلى تبادل للأسرى بين الطرفين والتزام طالبان بعدم القيام بأي هجوم يمس من امن  الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها كما تلتزم بعدم دعمها لأي مجموعة متطرفة.

هذا الاتفاق كغيره لحقه مشروع تعديل للرئيس الجديد، إذ أشار المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض “إميلي هورن” في  بلاغ له للحكومة الأفغانية جانفي المنقضي أن الإدارة الجديدة وإن كانت موافقة على مبدآ اتفاق السلام إلا أن مراجعة الاتفاق أمر ضروري ستعمل فيه إدارة بايدن على إلزام جدي لطالبان بقطع علاقاتها مع الحركات المتطرفة مع ضرورة إدراج بنود تحمي النساء والأقليات، وكذلك إرساء أرضية تفاهم بين الحركة والسلطات الرسمية من اجل إرساء سلام فعلي ودائم حسب “إميلي هورن” .

من جهتها اعتبرت طالبان أن مراجعة الاتفاق من قبل إدارة بايدن هو خرق مباشر للاتفاق ستعتبره طالبان نقض للاتفاق، وأنها ستعتبر بقاء القوات الأمريكية في الأراضي الأفغانية أكثر من المدة المتفق عليها “احتلالا” وحسب المتحدث باسم الحركة في الدوحة سهيل شاهين “نحن لم نبرم اتفاقا مع الولايات المتحدة لأربع سنوات، بل أبرمنا اتفاقا مع الولايات المتحدة ونظامها الحاكم، نحن ملتزمون بالاتفاق، وفي حال انتهاكه من قبل إدارة بايدن، سنعيد تقييم موقفنا”.

لم يتم أي تغيير في الاتفاق من قبل ادارة بايدن التي  كان من أول قراراته الانسحاب الكامل من أفغانستان الذي من المقرر أن ينتهي حسب إدارة بايدن في 11 سبتمبر الموافق للذكرى العشرين لأحداث 11 سبتمبر 2001، وبدأت الانتشار العسكري الأمريكي في 1 ماي لتامين خروج القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي .

حسب اتفاق إدارة ترامب وطالبان تاريخ 1 ماي من المقرر أن ينتهي فيه خروج القوات الأمريكية وذلك ما اعتبرته الحركة إخلالا بالاتفاق وينذر بعودة الفوضى إلى المنطقة خاصة وأن الحركة اعتبرت وجود أي جندي أجنبي بعد تاريخ 1 ماي  2021 هو “غزو أجنبي” يمنح مقاتليها الحق في” اتخاذ  الإجراءات المناسبة” نافية أي تفاوض مع الإدارة الأمريكية حول التزامها بمنع هجوم التنظيمات المسلحة الأخرى على القواعد الأجنبية وجنودها أثناء عملية الانسحاب.

يتواجد على الأراضي الأفغانية في الوقت الحالي  قرابة 3500 جندي أمريكي و 7000 جندي من قوات التحالف وقوات الناتو التي قررت كذلك إتباع الموقف الأمريكي وتخفيض قواتها العسكرية وتلك التي تعمل في إطار بعثة الدعم غير القتالية التي بدأت في 2015 من اجل تأطير وتدريب القوات الأفغانية.

دوافع الانسحاب الأمريكي

تعتبر الحرب الأمريكية في أفغانستان هي الأطول في تاريخ الجيش الأمريكي وقد استنزفت أمريكا في مستوى التمويل والعتاد العسكري والجنود وقد بلغت النفقات العسكرية الأمريكية في أفغانستان منذ 2001 حتى 2019 ما يقارب 778 مليار دولار.

كل تلك الخسائر تدفع الإدارة الأمريكية إلى الحد من التشتت العسكري لقواتها ووقف النفقات العسكرية التي استنزفت ميزانيتها في حروب جانبية ليس في أفغانستان فقط بل في الشرق الأوسط وإفريقيا دون تحقيق الأهداف المنتظرة وحتى الأهداف السياسية بإبقاء السيطرة الأمريكية على الملفات العالمية الكبرى لم يعد ممكنا في ظل تصاعد الضغط الدولي.

تصاعد المحور الصيني الروسي أصبح يشكل الخطر الأكبر للنفوذ الأمريكي و في اعتراف واضح للرئيس الأمريكي بأن دولته تراجعت في السنوات الأخيرة و بهذا فقد بدأ بإعادة ترتب أوراقه السياسية، للتركيز المباشر على الحلف المنافس.

بقيت الولايات المتحدة الأمريكية تسير العالم وفق النظام التي فرضته وكان تدخلها الأجنبي في مختلف القضايا يأتي في إطار ترسيخ ذلك النظام الذي تلعب فيه أمريكيا دور شرطي العالم لكن بروز نموذج مختلف للسياسة العالمية يقدم نظاما عالميا بديلا على الطريقة الصينية حيث الدول لا تكون أتباع وإنما شركاء أصبح يغري الدول وقادتها خاصة الدول الطموحة التي تبحث على اتخاذ مكانتها الدولية والإقليمية.

على ضوء هذه الأرضية لم يعد التركيز على الحروب وتأجيجها نقطة قوة للجانب الأمريكي وإنما أصبحت هذه السياسة بابا للانتقاد الدولي وخاصة في جانبها الحقوقي لذلك دعمت سياسة الانسحاب والتركيز على تضييق مجال نشاط الصين وذلك ما يحدث خاصة في المناطق الإستراتيجية لمبادرة الحزام والطريق حيث ركزت أمريكا قواتها في أهم مسالك التجارة العالمية ومناطق النفوذ الصيني وما يحدث في بحر الصين اكبر دليل على ذلك.

تبعات الانسحاب الأمريكي

انسحاب القوات الأمريكية وقوات التحالف يثير مخاوف من تمدد طالبان والنشاط الإرهابي و اندماج عناصر القاعدة ضمن حركة طالبان خاصة أمام ضعف القوات الأفغانية التي كانت تعتمد بشكل أساسي على القوات الأجنبية والتمويل الخارجي حسب التقارير، فان طالبان تسيطر على أكثر من نصف مساحة الإقليم الأفغاني أي تمددها يتجاوز مجال سيطرة القوات الرسمية للدولة التي لا تفرض سيطرتها الفعلية سوى على مراكز الأقاليم أما باقي الأقاليم فهو تحت سيطرة طالبان والمجموعات المسلحة الأخرى.

حسب تقرير الأمم المتحدة فان المواجهات بين السلطات الأفغانية وطالبان راح ضحيتها قرابة 2346 قتيل في 2020 و 1800 قتيل وجريح في الثلاثية الأولى من 2021 وهذه الأرقام تنذر بالارتفاع في ظل التوترات القائمة وضعف الحكومة الأفغانية بانسحاب القوات الأجنبية الداعمة لها.

الحملات الأمنية السابقة حدت بشكل كبير من انتشار الحركات المتطرفة، ما يقارب 6000 مقاتل من طالبان والقاعدة وإصابة 2300 واعتقال 564 ولكن هذه الحملات لن تكون بهذه الفاعلية بعد انخفاض التركز العسكري في الدولة  وما سيجعل كذلك المدنيين هدفا مباشر للإرهاب والتطرف فالبرعم من أن 3/2 السكان يتمركزون في المحافظات التي تحت سيطرة السلطات الأفغانية إلا أن هذه السيطرة ستضعف وستخسر الدولة بعض من الإقليم التي تحت سيطرتها وعودة الفوضى وتنامي الإرهاب سيفتح المجال أمام تدخل دول الجوار والقوى الإقليمية.

 فهل الولايات المتحدة بانسحابها تريد ايقاع دول الجوار في مستنقع الارهاب؟  

تعد إيران اهم دول الجوار المنتفعة من خروج الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان. تاريخيا حققت إيران نفوذا واسعا فيها من خلال روابط دينية وثقافية استغلتها في تدعيم تأثيرها على المجموعات العرقية الأفغانية أهمها “الهزارة” وهي اكبر تجمع للشيعة في أفغانستان إلى جانب قبائل قيزلباش وقبيلة الفرسوان وكذلك السيدز ويمثل الشيعة  20 بالمائة من الشعب الأفغاني ذو الأغلبية السنية .

تعتبر مجموعة الهزارة امتدادا سياسي لإيران في أفغانستان خاصة بعد سقوط حكم طالبان في 2001 حيث تدعمت مكانتها السياسية واكتسبت مناصب حكومية عديدة من المرجح أن تحتفظ بها حتى بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية وتدعم حركة طالبان فقد اكتسبت المجموعة مكانة اجتماعية وسياسية مؤثرة في الساحة الوطنية الأفغانية ويعد حزب الوحدة الإسلامي أهم أحزابهم وقد وصل عدد النواب الهزارة  في البرلمان الأفغاني 55 عضو من المرجح أن تكون لإيران تأثير مباشر عليهم.

عامل اللغة كذلك خلق تفاعل إيراني- أفغاني بما أن اللغة الدارية وهي إحدى اللغتين الرسميتين في أفغانستان تتقارب بشدة مع اللغة الفارسية بشكل يضمن التواصل بين الشعبين.

تاريخيا كان لأفغانستان تأثير مباشر على الأمن القومي الإيراني لذلك تعمل الأخيرة على إبقاء اذرعها في الدولة وتحريك الأوضاع بما يخدم مصالحها. منذ السيطرة السوفيتية على أفغانستان عملت إيران على تدعيم الأحزاب السياسية المناهضة للمد الشيوعي خوفا من تأثير نظامها السياسي وضرب نموذج ولاية الفقيه.

حتى بعد سقوط النظام السوفياتي وتصاعد نشاط حركة طالبان ازداد التدخل الإيراني في الدولة خاصة من خلال اضطهاد شيعة الهزارة من قبل طالبان أهمها كانت مجزرة 1996 للقبيلة واغتيال الدبلوماسيين الإيرانيين في مزار شريف وقد عملت إيران على الضغط كذلك على طالبان من اجل الحد من النفوذ الباكستاني ودعم المد الشيعي.

خروج الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان سيؤدي إلى تقارب بين الموقف الإيراني والأمريكي في الفترة القادمة وذلك لعدة أسباب فالانسحاب الأمريكي يخفف الضغط على إيران بما أن تواجدها العسكري في أفغانستان كان يهدد بشكل مباشر برامجها النووية.

من جهة أخرى طالبان هي العدو المشترك للطرفين وبالتالي الفراغ الذي ستتركه القوات الأمريكية ستعمل على ملئه إيران لان تصاعد نمو الحركات المسلحة في أفغانستان يهدد الأمن الإيراني خاصة مع اختلاف الإيديولوجيات الدينية فطالبان تعد امتدادا لفكر المتطرف الوهابي ذو المنشأ السعودي المنافس الأول لإيران وتوجهها الشيعي لذلك تعمل الأخيرة على اكتساب علاقات تقارب مع الأقليات الدينية الأخرى ليس الشيعية فقط بل وحتى السنية المضطهدة كالطاجيك التي عرفت بتقاربها مع إيران التي حافظت كذلك على علاقاتها مع المجموعات المسلحة الصغرى كبطاقة تدخل استراتيجي في أي ظرف.

انخفاض الدعم الأمريكي للحكومة الأفغانية سيفتح المجال أمام الدعم المادي الإيراني بما أن إيران من أهم الشركاء الاقتصاديين لأفغانستان كما أن الحكومتين تجمعهما مصالح هامة كاللاجئين الأفغان في إيران وكذلك التقاسم المشترك لمجاري المياه .

من جهتها انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية من المشهد فاتحتا المجال لإيران دون ضغوطات فهي تعمل على جمع قواها لإعادة التمركز في مواجهة تمدد الصين وتعد إفريقيا هي الفضاء المستقبلي للمواجهة الصينية الأمريكية وما العودة القوية للمجموعات الإرهابية في إفريقيا وعودة الهجمات المتطرفة والانقلابات العسكرية والاغتيالات سوى إعداد  لميدان العمليات والتدخل الأجنبي الأمريكي على وجه الخصوص.

By Zouhour Mechergui

Journaliste