الأثنين. نوفمبر 25th, 2024

قسم البحوث و الدراسات الافريقية

اعداد صبرين العجرودي- 20/01/2021

في ظل امتداد خطر التنظيمات الإجرامية والإرهابية في عدة مناطق من العالم، كان الحد من توسع هذه الظاهرة محل الإهتمامات الدولية و كان للدول الإفريقية النصيب الأكبر من امتداد الخطر الإجرامي والإرهابي حتى أنها أصبحت على رأس قائمة الدارسات السياسية، الأمنية و العسكرية  الإفريقية منها و الدولية، و يعود ذلك لتفردها بكونها تمثل مجالا مفتوحا لمختلف أشكال الجريمة والإرهاب.

ان هشاشة الدولة و تردي الاوضاع الاجتماعية و الاقتصادية و النزعات المسلحة قد ساهم في ظهور تنظيمات الجرائم وجماعات الإرهاب و التهريب و تجارة السلاح و الهجرة الغير شرعية و تجارة البشر دون أن تلقى مقاومة كبيرة من الحكومات المركزية الإفريقية.

الطريق نحو الهجرة من إفريقيا

بعد الحرب العالمية الثانية  انتهجت أوروبا سياسية الباب المفتوح  باعتمادها مشروع المارشال وذلك لإصلاح مخلفات الحرب، بحيث شهدت الميادين الصناعية والفلاحية تطورا ملحوظا وقد مثلت إفريقيا أحد أهم موارد رأس المال البشري لأوروبا.

ترافق ذلك مع ضعف الدولة المركزية  وتشكل عصابات الجريمة المنظمة  في إفريقيا، وكان للسكان المحليين دور في تعمق نشاط هذه العصابات خاصة مع تنامي الحاجة لدى البعض منهم  للعيش و لو بحد أدنى، اما البعض الاخر فقد اضطرُ للهجرة  والعمل  مع هذه المنظمات الأوربية باعتبارها القوة المركزية الصاعدة في ظل تفكك الحكومات المركزية.

 تحول النشاط الصناعي لأغلب  الشركات الغربية الى الصين وجنوب آسيا، أثر ذلك سلبا على الموارد البشرية المهاجرة من إفريقيا الى أوروبا، خاصة وأنه لم يقع الإهتمام بها  بشكل رسمي على مستوى الأوضاع الاقتصادية والإجتماعية التي تُخول لها الاندماج فعليا داخل المجتمعات الأوروبية، حيث  كان يُعتقدُ أن هؤلاء  المهاجرين لن يستقروا بصفة مستمرة  في أوروبا، إلا أن الظروف التي تمر بها بلدانهم الأصلية لم تترك لهم إلا خيار الاستقرار والخضوع تحت وطاءة التهميش وندرة فرص العمل هناك والقبول بعيش حياة غير إنسانية.

المفارقة في دولة نيجيريا ..

تتموقع جمهورية نيجيريا الاتحادية في الجنوب الشرقي من إفريقيا الغربية على خليج بنين و خليج غينيا و هي أحد دول الساحل الافريقي ، و تبلغ مساحتها 923,768 كم2، و تحيط بها من الجهات الأربعة أربعة دول هي بنين والكاميرون وتشاد والنيجر. كما تشارك حدودها البحرية مع دولة غينيا الإستوائية وغانا وساو تومي وبرينسيبي. وتتكون نيجيريا من 36 ولاية تطبق القانون الفدرالي الذي يقضي بالحكم الذاتي، و يجدر بالذكر أن دولة نيجيريا تتكون من كثافة سكانية مسلمة تمثل 60 % من مجموع 206, 139, 589  نسمةً وهو العدد الجملي لعدد سكان الاتحادية النيجيرية لعام 2020.

وتُوصفُ ب”عملاق نيجيريا” كونها أكبر مصدر للنفط في إفريقيا بإنتاج يقارب مليوني برميل يوميا، إلى جانب احتياطي هائل من الغاز الطبيعي صُنف الأكبر في القارة الإفريقية، حيث تحتل المرتبة الثانية عشر لإنتاج الغاز، وتشمل الثروات الطبيعية الاخرى مناجم مهمة من القصدير والكولمبيت (خام معدني) توجد في هضبة جوس بأواسط نيجيريا، والذهب، والفحم الحجري، وخام الحديد والرصاص، والحجر الجيري، والزنك.

فضلا عن ذلك، تعد الإتحادية النيجيرية منتجا رئيسيا لكميات هامة من الفول السوداني كما تمتلك غابات واسعة  احتلت من خلالها المرتبة الثامنة عالميا في إنتاج الخشب، وتعتبر الشريك التجاري الأهم للولايات المتحدة في إفريقيا جنوب الصحراء، كما تحتل المرتبة الخامسة عالميا كأكبر مصدر للنفط إلى أمريكا.

لا يمكن  من خلال هذا الكم الهام من الثروات في نيجيريا إلا القول بأنها دولة غنية تتعدد مزاياها على مواطنيها بحيث يكون أقلها التمتع بالعيش المرفه، إلا ان المفارقة في هذا الإطار تُصنف الإتحادية النيجيرية أنها أغنى دول إفريقيا لكن سكانها هم الأكثر فقرا حول العالم.

في هذا الإطار حددت ساعة الفقر العالمية (World Poverty Clock) أن 91.8 مليون نيجيري يعيشون الفقر المدقع وهو ما يعني أن أكثر من نصف سكان نيجيريا يعيشون بأقل من دولار واحد في اليوم. ومنذ عام 2018 تجاوزت نيجيريا الهند من حيث احتوائها عدد كبير من السكان الذين يعانون أسوء حالات الفقر في العالم بإحصاءات تُظهر أن 87 مليون شخص يعيشون تحت وطاءة الفقر. كما يشير المعهد بأنه بمعدل 6 نيجيريين تقريبا ينزلقون في دوامة الفقر المدقع كل دقيقة وستبلغ نسبة الفقر 45.5 % مع حلول عام 2030 مقابل 44.1% حاليا أي 120 مليونا من إجمالي عدد السكان في الاتحادية النيجيرية وهو ما يعادل تقريبا نصف سكانها.

و وفقا لمؤسسة Bill & Melinda Gates Foundation   المؤسسة في عام 2000   ـ التي تتلخص أهدافها في تعزيز الرعاية الصحية والحد من الفقر على المستوى العالمي ضمن مشاريع تنفذها وكالات الأمم المتحدة المتخصصة في البلدان الافريقية ـ فإن التوقعات تشير الي أن في عام 2050 ستتوزع نسبة 44% من جياع العالم على دولتين رئيسيتين إفريقيتين هوما نيجيريا  وجمهورية الكونغو الديمقراطية وكلاهما يُصنفان من أغنى الدول  بالنظر الي ثرواتهم الطبيعية .

و كان للحروب وتتالي الإنقلابات العسكرية  دورا في تردي الأوضاع في إفريقيا، وذلك من خلال توفير جميع السبل لتُطور عصابات المافيا من أنشطتها التي تتركز على الإستلاء على الثروات الطبيعية، والأحجار الكريمة، والإتجار بالبشر، والعمل لصالح بعض الشركات العالمية  من خلال  تأمين احتياجاتها من المواد الخام مثل المطاط والنفط وغيرها من المنتجات الطبيعية و الطاقة. تمادت أنشطة المنظمات الإجرامية لتتجاوز المجال المحلي وتشكل تحالفات إقليمية  صلبة عابرة للحدود الإفريقية مستغلة عجز الحكومات المركزية عن تأمين حدودها أو تنظيم التنقل بينها وبين المدن الاخرى، فضلا عن وجود مصالح وأنشطة اقتصادية كانت الحرب السبب الرئيسي في تشكلها “تجارة الحروب”، دعم من ذلك أيضا استقرار قبائل وعائلات في الحدود الإفريقية جعل من هذه الأخيرة معبرا متاحا للعصابات المسلحة. وبذلك، ازداد نفوذ قادة المنظمات الإجرامية بتوطيد علاقاتهم وبناء مصالح كبرى مع الكثير من الأطراف الغربية النافذة مما أتاح لهم  الحصول على الكثير من الإمتيازات كانتقالهم الي العواصم الأوروبية والتمتع بجنسيات بعض بلدان أوروبا وبالتالي ازدادت أنشطتهم الإجرامية تغولا.

المافيا النيجيرية

لم يكن فقر سكان  “عملاق نيجيريا” اغنى دول افريقيا  من لا شئ  فقد اتفقت الظروف الأمنية التي تمر بها البلاد وتتالي الصراعات و الحروب على أن تصبح ثروات نيجيريا على غير ملك سكانها المحليين، اذ تظافرت الجهود من مختلف الأطراف الداخلية والخارجية لتُستغل المخزونات الطبيعية لمصالح ومعاملات خاصة، بحيث تخوض الدولة النيحيرية مواجهات مع بوكو حرام وقد تمعشت هذه الاخيرة من مخزونات نيجيريا ولكن الجدير بالذكر في هذا السياق أن الحروب والصراعات في الإتحادية النيجيرية لم تنطلق مع جماعة بوكو حرام فقد كانت التركيبة العرقية في نيجريا تُفضي لخطر الإنقسامات والصراعات القبلية منذ فترات طويلة، كذلك لم تكن الحروب السبب الوحيد في تنامي عتبة الجوع في نيجيريا فالظروف الديمغرافية والمناخية كارتفاع في عدد السكان وفترات الجفاف طويلة الأمد دور هام في ذلك حسب تقرير البنك الدولي.

وتم الإستلاء واستغلال ثروات نيجيرية بقدر أكبر من قبل المنظمات الإجرامية الإفريقية حيث تكونت لديها ثروات ضخمة زادت من نفوذها مستغلة حالة التفكك والضعف التي تشهدها الدولة. كما قاموا باللجوء إلي زعامات اخرى تقوم بتمثيلهم  فتداخلت أطراف اخرى عبر شبكة واسعة من العلاقات مع الأمريكيتين وآسيا بالإضافة للموطن الأصلي في إفريقيا والإقامة في أوروبا.

تمددت المافيا النيجيرية في جميع أنحاء أوروبا منذ الثمانينات، وفي السنوات الأخيرة كانت على درجة كبيرة من النفوذ للحد الذي جعلها تسيطر على الأراضي الإيطالية الوحيدة التي لم تستقبل اي حشد من المهاجرين أو الأجانب، حيث كان زعماء الجزيرة الصقلية من المافيا والتي يُطلقُ عليها “كوزا نوسترا” La cosa nostra    وقد تشكلت من عصابات الجريمة الناشطة في القرن الثامن عشر ميلادي في الجزيرة، وشُهرت هذه المافيا في الولايات المتحدة بحيث كانت تخوض صراعات مع العصابات الأخرى في شيكاغو ونيويورك من أجل مصالحها، وكان نشاطهم يرتكز أساسا على الإبتزاز والمقامرة والقتل وتجارة الهيروين، و يعتبرون  أن أراضيهم ملكية خاصة يستحيل مشاركتها، إلا أن جزيرة صقلية جمعت بين كوزا نوسترا والمافيا النيجيرية.

وقد تراجعت جرائم المافيا الإيطالية بشكل ملحوظ بعد اعتقال قادتها ولم تعد الأكثر دموية، ورُصدت لأول مرة علامات وجود المافيا النيجيرية في صقلية عام 2013 مع تزايد الإعتداءات وذلك بعد موجات الهجرة المتتالية من إفريقيا نحو الجزيرة، بحيث مثلت هذه الأخيرة بابا رئيسيا للمهاجرين الأفارقة  حتى أغلق سالفينيSalvini  وزير الداخلية الحدود، وتوزعت الجالية الإفريقية على مناطق مختلفة من إيطاليا واستقر بعضهم في صقلية.

وتبين بشكل واضح التفاهم القائم بين كوزا نوسترو والمافيا النيجيرية من خلال تنصت السلطات الإيطالية على محادثات مسجلة بين اثنين من كبار مسؤولي المافيا الايطالية بحيث وصفوا مدى صعوبة نظراءهم النيجيريين وقدرتهم على التركيز على أهدافهم والقيام بها.
في هذا الغرض يقول الجنرال غوزيبي غوفيرنال ( Giuseppe Governale) ، رئيس وكالة مكافحة المافيا المركزية في إيطاليا: “لم يكن ممكناً في الماضي تصور أن تشارك مافيا أجنبية نظيرتها الإيطالية وداخل موطنها الأصلي، ولكن منذ الثمانينيات وقت مجيء مافيا منسوبة إلى نيجيريا وحتى التسعينيات تمكنت من إزاحة المافيا الإيطالية، وهو ما لم تجرؤ عليه أي مافيا أخرى. فأصبحت اليوم صقلية مركز ثقل “المافيا الجديدة” التي يمكن تسميتها مجازاً بـ”النيجيرية”!

كانت العواصم الأوروبية مجالا لبسط نفوذ “المافيا النيجيرية” و يُذكر أنها تغولت في إيطاليا أين توسعت أنشطتها على كامل اراضي الدولة حتى أنها تفوقت على المافيا الإيطالية وحسب ما أفادا بيه شيكو هارلان (Chico Harlan ) و ستيفانو بيتريلي (Stefano Pitrelli ) في  مقالهما بعنوان ” أتت مافيا أجنبية الى ايطاليا و استقطبت مزيد من الجدل حول الهجرة ”  “A foreign mafia has come to italy and further polarized the migration debate   ”     فإن هذه المافيا تمتلك أراضي من الشمال في تورينو الى الجنوب في باليرمو و من بين أنشطتها تهريب المخدرات والإتجار بالنساء في شوارع إيطاليا بحيث يتم استغلالهن في الدعارة. كما يذكر المحققون و مسؤولو العدالة في ايطاليا في هذا شأن أن المافيا النيجيريا قد استفادت بشكل كبير من موجات الهجرة التي تتالت على مدى نصف عقد وهو ما حذرمنه السياسيون والقوميون في اوروبا منذ بدايات الهجرة الى البلدان الاوروبية، حتى أصبحت تبعاتها اليوم مزيجا بين المهاجرين والجريمة، بحيث تستمد المافيا النيجيرية جزءا هاما من أعضائها في نشاط التجنيد من المهاجرين غير الشرعيين من مراكز اللجوء التي تديرها الحكومة الإيطالية كما تسيطر على أحياء المهاجرين وتستغلهم .

و في الوقت الذي تنشغل فيه الدولة الإيطالية بمواجهة المافيا النيجيرية  فإنها تتساءل  أيضا ما ان كانت بظهور هذه المافيا تجني ثمار الغزو الإفريقي طويل الأمد، طالما أكد الزعماء في أوروبا على خطر الهجرة وكيف يمكن للمهاجرين أن يقوموا بتشكيل تنظيمات إرهابية .

لم يقع تحديد عدد أعضاء المافيا النيجيرية الذين يستقرون في إيطاليا ولكن وفقا لعدة مصادر كضحايا الإتجار بالبشر والمدعين العامين وعمال الإغاثة وبعد الإطلاع على عدد هام من التحقيقات  تبيّن أنّ إيطاليا هي الموقع الأوروبي الرئيسي لتمركز هذه المافيا، وأنّ هذه الأخيرة تقوم بتهريب الكوكايين من أمريكا الجنوبية والهيروين من آسيا.

وأفادت الإستخبارات الإيطالية على أن المافيا النيجيرية استفحلت في الدولة حتى أنها صُنفت كونها ” الأكثر تنظيما و ديناميكية” مقارنةُ بالعصابات الإجرامية المشهورة الأخرى في اليابان وروسيا والصين.

كما عبر المدعي العام لمكافحة الإرهاب في إيطاليا فيديريكو كافييرو دي راو  (Federico Cafiero De Raho)  عن مدى قوة المافيا النيجيرية  مقارنة بتنظيمات الجريمة  والمافيات الأخرى ببلاده وأنها تمتد على كل بلدان أوروبا لكنها تمتلك قاعدة قوية في إيطاليا.

وقد احتد الجدل بين اليمين المتطرف واليسار في إيطاليا بخصوص سياسة التعامل مع المافيا النيجيرية حيث أصر الحزب اليميني في البرلمان على التعامل بأكثر صرامة مع هؤلاء في حين انتقد سياسة التهديد الغير ناجعة التي ينتهجها اليسار.

 أدت هذه القرارات إلي تصادم في بعض الآراء فقد صرح عمدة مدينة باليرمو الصقلية ليولوكا أورلاندو بأنه ضد التمييز على أساس العرق أو الدم داخل التنظيمات الإجرامية، ونظّم العديد من النيجيريين في باليرمو مؤتمرات صحفية واحتجاجات تقول أن ليس كل النيجيريين ينتمون الى المافيا النيجيرية او أنهم عُرضة للتجنيد أو الإستغلال منها، كما قال سامسون أولومو رئيس جمعية باليرمو النيجيرية : “تمامًا كما هو الحال مع الصقليين، ليس كلهم ​​من المافيا”.

 الدعارة : أبرز نشاطات المافيا النيجيرية

أخذت عصابات الجريمة المنظمة الإفريقية في إيطاليا كل مقومات المافيا بحيث يلتزم المنضمّين لها بقواعد وقوانين ومدونة سلوك صارمة واستراتيجيات معينة في ارتكاب جرائمهم، بالإضافة الى ذلك فإن هناك جرائم تُجرى بنفس الأساليب والاستراتيجيات  بالرغم من كونها تتوزع على مناطق مختلفة لا ترتبط فيما بينها وهو يحيل حسب فيديريكو كافييرو دي راو إلى فرضية وجود قيادة عليا تسيّر أعمالهم في نفس الشبكة.

يقوم وكلاء المافيا الإفريقيين في الأراضي الافريقية بقيادة الراغبين في الهجرة الى أوروبا الى السواحل الإيطالية مستغلين حالة الفقر المدقع التي يعيشونها في بلدانهم، بحيث يعدونهم بتحسن أوضاعهم في أوروبا، وتبلغ تكلفة الهجرة للفرد الواحد بين 20 إلى 30 الف يورو وهو ما يعجز عليه الراغبين في الهجرة، وتستغل المافيا هذه الوضعية للاستلاء على جميع ممتلكاتهم  وتقنعهم بتسديد بقية المبلغ عند عملهم في أوروبا ولكنهم يكتشفون فيما بعد عند وصولهم أنهم محتجزون لدى المافيا ومطالبون بالقيام بأعمال إجرامية غير قانونية.

فقد تنوعت جرائم المافيا النيجيرية لتشمل التهريب والإتجار بالبشر، تجارة البغاء، المخدرات، تجارة الأسلحة، الإحتيال السيبراني والإختطاف والإغتيالات.

وقد خصّصت المافيا ما يقارب 50 جمعية كانت قد زعمت أنها تقوم بمساعدة المهاجرين الأفارقة، لكن تبين فيما بعد أن هذه المنظمات الإجرامية تستعمل هذه الجمعيات للتغطية عن نشاطاتها المشبوهة وتجنيد أعضاء جدد من خلالها. كما لم يتوصل المحققون إلى معرفة أعضاء هذه الجمعيات ومسانديها بالضبط لكنهم يرجّحون كونها تجد المساندة من سياسين ورجال أعمال أثرياء .

    16 الف هو عدد النساء النيجيريات اللاتي كنّا  ضحايا الإتجار بالبشر منذ عام 2016 إلي غاية عام 2019، وقد اُستغل عدد هام منهن في الدعارة ، و يمكن الإشارة أن هؤلاء النساء كنّا يعشن في بلدهنَّ الأصلية ضمن ظروف متردية وهو ما أفضى إلى سهولة إستغلالهم من قبل المافيا النيجيرية.

وفي الأغلب يُستهدفُ هؤلاء النساء من قبل المتاجرين بالبشر في وطنهم ويمرون عبر شبكة واسعة حتى ينتهي بهم المطاف في ألمانيا في بيوت الدعارة عند ” المدامز ” (Madames) أو القودات  وهي المكان الوحيد الذي يمكن أن يكسب فيه الإفريقيات المال لتسديد ديون انتقالهم الى أوروبا وذلك بعد تلقيهن التهديد من المافيا أو إقناعهنّ عن طريق ممارسات سحرية أن عائلاتهم سيكونون عرضة للمرض أو الموت، ولذلك من النادر أن يخرج هؤلاء النساء عن سيطرة هذه العصابات.

ايديولوجية الجريمة المنظمة و الإرهاب ...

تعجز الجماعات الإرهابية عن تكوين دولة خاصة بها والحال أنها على اختلاف أساليبها وتركيباتها وإيديولوجيتها فإنها ما تنفك عن القيام بالمواجهات والصراعات العنيفة ضد خصومها، ومع تحولها لهاجس بالنسبة للكثير من الدول التي تغولت فيها  فإنها أصبحت هدفا تجتمع مختلف الأطراف لملاحقته والتضييق عليه.

وقد أصبح الإقتصاد السياسي ـ يرتبط ارتباطا وثيقا بسلوك الدول وإدارتها وايدولوجيتها في تلبية  حاجيات جميع أصناف الشعوب ـ  المنفذ الرئيسي والهام لضمان ديمومة هذه التنظيمات الإرهابية وذلك لتتلقى دعمها من الأسلحة والذخائر وتلبية حاجاتها الأخرى، بحيث انطلقت مرحلة جديدة نحو تكوين علاقات تجمع عدة أطراف وتكون المصالح متبادلة ومشتركة. 

ويتبيّن أن الشبكات الإجرامية في أوروبا سريعة التطور حيث تشكّل هذه المنظمات علاقات مع الجماعات الإرهابية في دول الساحل وغرب إفريقيا وتمثل أحد مصادر إيراداتها.

وقد سعت الدول الى فهم وتفكيك مختلف الروابط بين الجماعات الإرهابية والأطراف الممولة لها بعد قرار 1373 لعام 2001  لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ولكن لم تُصدر هيئات مكافحة الإرهاب قرارات صارمة في تقصي المصالح المشتركة التي تجمع بين التنظيمات الإرهابية ومنظمات الجريمة. وقد أضاف مجلس الامن الدولي قرار 2195 في عام 2014 تحت عنوان ” صون السلام والأمن الدوليين ” ويتعلق أيضا بتحديد العلاقات التي تجمع بين الجريمة المنظمة والجماعات الإرهابية. ولم تتعامل مختلف الأطراف مع هذه القضية المتشعّبة  بجدية لغياب تعريف موحد للجريمة والإرهاب، ويجدرُ القول أيضا بأنه تنحدر عدة مسائل اخرى تُفضي لهذا التعامل مع قضية العلاقات القائمة بين التنظيمات الإرهابية والمافيا، بحيث تتضارب مصالح الكثير من الدول وتتداخل السياسيات مع هذه الجماعات لتحقيق مكاسب مختلفة، حتى أن هذا التداخل أصبح سياسة متداولة وذكية لضمان المصالح الدولية.

في هذا الصدد، استغلت الجماعات الإرهابية هشاشة الدول الافريقية وفقدانها السيطرة على حدودها  والصراعات القائمة للتمركز وتكوين علاقات مع القبائل المتصارعة ما جعلها في حاجة لدعم مالي أكثر من أجل تطوير أنشطتها.

ولم تكن ممارسات التنظيمات الإرهابية  في دول إفريقيا مختلفة كثيرا عن منهج جماعات الجريمة المنظمة  وذلك بارتكاب جرائم السطو على البنوك والإختطاف والإتجار بالبشر … ومع فقدان التنظيمات لبعض الأطراف التي تضمن لها اقتصادها السياسي تشكلت علاقات دعم متبادل بين الجماعات الإرهابية والمنظمات الإجرامية.

وفقا لذلك اتضحت شبكة من هذه العلاقات في دراسة قام بها المركز الدولي لمكافحة الإرهاب بحيث يستقبل ميناء لاغوس النيجيري سفنا من أمريكا اللاتينية محملة بالمخدرات وتُمرر الى الداخل عن طريق المافيا النيجيرية، في حين تتولى بوكو حرام أمر الممرات الحدودية وتربطها بالجماعات الإرهابية الأخرى ببلدان الساحل و الصحراء التي تقوم هي الأخرى بنقلها لسواحل المتوسط في المغرب والجزائر وليبيا حتى تصل البضاعة إلى بلدان أوروبا أين تقوم المافيا النيجيرية بتوزيعها، و بذلك ـ من خلال تمرير البضاعة من قبل الجماعات الإرهابية عبر الحدود لتقوم المنظمات الاجرامية ببيعها في أوروبا ـ يحقق الطرفين أرباحا طائلة عبر هذه الشبكة.

وتقوم المافيا أيضا بتهريب الذهب والأحجار الكريمة  لبيعها في أوروبا والتي تحصل عليها من الجماعات الإرهابية العاجزة عن القيام بذلك، كما تتولى هذه المنظمات الإجرامية تهريب أسلحة من بلدان أوروبا الشرقية لتدعم بها الجماعات، وبذلك فإن العلاقة بين الإرهابيين والمافيا أخذت شكل التكامل أو ما يمكنه وصفه بالتحالف العضوي نتيجة استفادة الطرفين من العلاقة بينهما.

وقد رصدت دراسة اخرى التحالف القائم بين المافيا في نيجيريا ذات العلاقات الدولية مع التنظيمات الإرهابية، بحيث قامت المنظمات الإجرامية بالاستلاء على طريق كوتونو (Cotonou) الذي يمثل نقطة العبور بين سواحل بنين على الأطلسي ونيجيريا، وانظم العديد من المقاتلين الأفارقة الذين كانوا من أتباع الرئيس الليبي معمر القذافي الى الجماعات الإرهابية منها بوكو حرام التي كونت صلات مع مختلف الجماعات الإرهابية الأخرى في غرب و وسط وشمال إفريقيا من أجل ضمان ممرات العبور لقيام المافيا بأنشطتها .

الطريق بين المافيا و الإرهاب

أشارت دراسة لصحفي بريطاني تحت عنوان ” المافيا النيجيرية ” الى إستخدام هذه المافيا العقائد الدينية والمعتقدات التقليدية كأحد أهم الإستراتيجيات في استقطاب ضحاياها وأتباعها. حيث تسير المافيا وفقا لإيديولوجيا معينة تُفرضُ على أتباعها والعاملين داخلها وتتمثل في نماذج معينة من السلوك وذلك حتى يتحقق التوافق و العمل بأساليب متشابهة حسب رأي المافيا. وقد قامت المافيا النيجيرية بوضع هذه القواعد ضمن كتاب يُطلق عليه الكتاب المقدس الأخضر وتمكنت الشرطة الإيطالية من ايجاد نسخة مختصرة منه عند إحدى المنظمات الإجرامية  النيجيرية المسماة “مافيت” (MAPHITE ) أما النسخة الأصلية فتوجد لدى القائد ولم يتم العثور عليها الى الآن.

كما يقوم جهاز التجنيد لدى المافيا النيجيرية على هذه القواعد السلوكية الموجودة في الكتاب الأخضر لضمان طاعة المنضمّين الجدد ويكون ذلك عبر إقناعهم بضرورة القيام بهذه الأفعال الإجرامية حتى لا تغضب منهم الأجداد والأرواح الماورائية، إلى جانب انها تعتمد أساليب اخرى كتهديد المهاجرين بعائلاتهم وتعذيبهم.

وإضافة الى كون الكتاب الأخضر يتضمن هذه القواعد والقوانين فإنه يحتوي على مدونة لأحكام تطبق على المخالفين لهذه القواعد، فمثلا يُحكمُ بالقتل على أفراد المافيا المصرّين على الخروج من المافيا والعودة الى حياتهم الطبيعية.

ويقع تدريس قواعد الكتاب عن طريق القادة  بشكل شفاهي عبر لغة الزولو التي  تعتبر مقدسة وغير قابلة للترجمة، ويحتفظ عدد قليل من هؤلاء بنسخة الكتاب المكتوبة.

يتعرض للمساءلة القانونية كل فرد يقع في يد الشرطة وبحوزته نسخة من “الكتاب المقدس الأخضر” و في حالة إيقافه داخل السجن  فإنه يتلقى الدعم من المافيا والجماعات الإرهابية،  يتلقى عقوبة سجنية فإنه يحصل على مبلغ بقيمة 10 ألاف دولار بالإضافة الى كفالة أفراد أسرته أما الأفراد الذين يعترفون للشرطة فإنهم يتعرضون للقتل.

وفي حالة تقاعد القائد في هذه الجماعات فإن هذا الأخير يسلم النسخة الأصلية الكاملة للقائد الجديد.

تُستخدم الرموز للإشارة للأنشطة الإجرامية وتُحدد أيضا أهمية كل عمل إجرامي، كما يتضمن الكتاب الموقف الذي يجب أن يتخذه أتباع الجماعة من مختلف الأعراق و الطوائف .

ويمكن تلخيص القواعد السلوكية الأخرى في ” الكتاب الأخضر المقدس “ في ضرورة أن يكون كل فرد جاهزا للتضحية في سبيل حماية الجماعة ومصالحها وكما يُشرعن  الكتاب أموال الأخرين ويؤثر على تمثلات الأعضاء لفعل القتل  بحيث يجعله فعلا عاديا.

يقول أحد عناصر المافيا  المتعاملين مع الجماعات الإرهابية  : “لا يهمني إن كان أي شخص عربياً أو كردياً أو فلمنكياً. لقد عملنا مع جميع المجموعات”. هكذا يقول عضو بلغاري سابق في هيكل المافيا” الشيء الوحيد المهم هو احترام القواعد”.

و قد مثل ” الكتاب الأخضر المقدس ” نقطة مركزية بين جماعات المافيا والجماعات الإرهابية بحيث اتخذ دليلا واضحا ومشتركا تتبعه هذه الجماعات في القيام بأنشطتها وان اختلفت الأهداف فيما بينها.

By Zouhour Mechergui

Journaliste