الأربعاء. أكتوبر 30th, 2024

اعداد قسم البحوث و الدراسات السياسية بالمركز الدولي للدراسات الاستراتجية الامنية و العسكرية

اعداد : صابرين عجرودي ورباب حدادة

الاشراف  و التأطير : الدكتورة بدرة قعلول

شهد العالم العديد من الحركات الانفصالية أين يستخدم شعار مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها من خلال ربطه بالاختلافات العرقية و الدينية و اللغوية و الثقافية… مما يتسبب في تفتيت الدول و إضعافها و تجزئتها، مثل الاتحاد السوفياتي و الهند و فقدان الصين لجزء من أقاليمها،كذلك انقسام كوريا و السودان تحت شعار كبير ” حق الشعوب في تقرير مصيرها” الذي اصبحت تستغلها دولا لتأزيم الاوضاع الداخلية لدول أخرى و الضغط عليها و سهولة الهيمنة عليها.

1-مفهوم الحركات الإنفصالية :

تُعرف الحركات الإنفصالية بأنها  ” حركة سياسية سلمية أو مسلحة تطالب بالإنفصالوالإستقلالعن الدولة أو الكيان المتواجدة و الناشطة به من أجل تكوين كيان أو دولة آخرىلإعتبارات قومية أو دينية أو عرقية ، و تظهر الحركات الإنفصالية نتيجة ظروف تاريخية أو إقتصادية أو نتيجة الإحساس  بالتهميش و الإهمال أو الإضطهاد من طرف القومية التي تسيطر على الدولة الأم “.[1]

كما تعرف الحركة الإنفصالية بأنها ” قيام مجموعة عرقية أو دينية بالإنفصالعن الدولة الجامعة بقصد تأسيس كيان سياسي مستقل، وهذا لا يأتي فجأة بل يكون له مقدمات ” .[2]

“حالة نشأة دولة من دولة أخرى تكون جزءا  من العالم ذاتسيادة”.[3]

و بالتالي فإن الحركات الإنفصالية هي سعي أقلية لهم هدف مشترك ـ و يمكن أن يجمعهم نفسهم الانتماء الديني، الاثني، العرقي أو الطائفي … ـ  للإستقلال و الخروج عن الدولة الأم قصد تكوين دولة قانونية مستقلة تجمع تلك الأقلية . و يكون هذا الإنفصال جغرافي ، سياسي و اقتصادي و اجتماعي و يعني ذلك التخلص من جميع أنظمة الدولة القديمة و تكوين دولة خاصة تحمل أنظمة جديدة و لها كل المقومات القانونية .

2/ – دوافع قيام الحركات الإنفصالية :

التحرر من الإستعمارو الشعور بالإضطهاد

عندما تضغط القوى الإستعمارية على مستعمراتها التي عادة ما تكون دولا فقيرة و تعاني من عدم الإستقرار على جميع المستوايات ، تلجئ بعض الأقليات إلى رفع شعار التحرر من الدولة المركزية التي تقع تحت الإستعمار لتكوين دولة مستقلة عن الهيمنة و التسلط ، و في هذه الحالة تشترك الأقلية المطالبة بالإنفصال في الإنتماء الفكري الرافض للرضوخ لهيمنة المستعمر، وعادة ما تُقاد الحركات الإنفصالية ضمن هذا الدافع من الأطراف التي تشرّع لها مكانتها الإجتماعيةوالخوض في هذا المسار في إطار حركات التحرير الوطنية .

عموما ترتبط الحركات الإنفصالية سواء منها الهادفة للتحرر من أيدي المستعمر أو للحفاظ على الإنتماء الثقافي بالشعور  بالظلم و عدم المساوات مع الهوية الجماعية للدولة الأم ، و ترا هذه الأقلية أن الدولة التي تقوم بربط العلاقات مع بقية الدول و صياغة السياسات و أخذا القرارات باسم الهوية الطاغية ليس إلا تحقيرا لهوية الأقليات و مساهمة في اندثارها، لذلك فهي تسعى لإبراز خصائصها من خلال دولة مستقلة تعبّر عنها و تجعل بقية الدول تعترف بحدودها، كما تمكن هذه الأقلية من تحديد مصيرها و صياغة قراراتها بنفسها. و يساهم الإنفصال عن الدولة المركزية في تنمية هوية الأقلية و تطويرها.

و وفقا للدكتور ” مثنى أمين نادر ” العضو في الإتحاد الإسلامي الكردستاني”، كان لإنتشار مفاهيم حقوق الإنسان و حق الشعوب  في تقرير مصيرها و الأدب الأمني التحرري و مبادئ المساوات و الحرية داخل الدولة دورهام في جعل الكثير من الأقليات التي تفتقد ذلك داخل الدول الأم إلى الدعوة إلى الانفصال و تكوين دولة خاصة بها”. و قد ساهمت الفترة الإستعمارية في ترسيخ الفكر الإستقلاليومن ضمنه الحركات الإنفصالية، فقد كانت السياسات الإستعمارية في الكثير من الدول المُستضعفة مبنية على طمس هويات الشعوب و النيل من لغتها و ثقافتها، في سعي منها للحفاظ على الهوية بادرت الأقليات إلى السعي إلى تكوين دولة مستقلة خاصة. و يجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن في الفترات الإستعمارية كانت بعض الشعوب تطالب بالإستقلال عن طريق خروج المستعمر عن دولها، في حين أن بعض الأقليات كانت ترا أن الحل في خروجها عن أزمات الدولة الأم و تكون بذلك قد حققت استقلالية تامة و أعادت بناء هويتها التي ترا أنها مقموعة سواء من طرف المستعمر أو الدولة الحاضنة لها.

و ترا الكثير من الأقليات الداعية للإنفصال في فترة ما بعد الإستقلال، أن المستعمر في فترة هيمنته على الدولة كان قد رسّخ مناطق ذات ثقافة و لغة و ايديولوجيا مختلفة لازالت الكثير من الدول تعاني منها خصوصا في ظل تمييز هذه الثقافات و انسياق أصحاب الثقافة المهيمنة ورائها، و هو ما يعزز الشعور لدى الأقليات المتشبثة بانتمائها بالخلل الهوياتي  الموجود في الدولة الأم التي بدورها مستعدة للتنازل  حتى عن الهوية الجماعية الموجودة بها. و في الطرف المقابل يمكن أيضا لهذه الكيانات الثقافية الجديدة أن تكوّن مناطق معزولة عن الدولة بدافع أنها مميزة.

كما أشار ” مثنى أمين نادر ” إلى أن من أحد أهم العوامل المسببة لظهور الحركات الإنفصالية هو  ” مطالبة القوميات بحقوقها الثقافية و الإقتصادية و السياسية و حقها في المساواة مع القوميات الأخرى في داخل كيان مشترك واحد أو الإستقلال بنفسها في كيان خاص، لتحقيق العدالة في توزيع الثروة و السلطة، و الإعتراف بالتعددية وحقوق الأخرين في الوجودوالتعبير “.[4]

ترسيخ الهوية

تُعرف الأقلية على أنها مجموعة أفراد قليلة العدد مقارنة بعدد سكان الدولة التي يعيشون داخلها ، تجمعهم بعض الخصائص العرقية أو الدينية أو اللغوية أو الطائفية أو حتى الإيديولوجية ، لهم هدف مشترك يتمثل في الحفاظ على ثقافتهم و ترسيخ هويتهم لضمان حقوقهم و تحقيق مصالحهم . و تكون الرغبة في الإنفصال عن الدولة المركزية و تكوين دولة خاصة أهم ركيزة لترسيخ هذه الهوية و البروز كدولة مستقلة لها خصائصها و مميزاتها، و قد زخرت الفترات ما بعد الإستقلال عن المستعمر  بهذه الحركات الإنفصالية.

3/- وسائل القيام بالحركات الإنفصالية

تختلف وسائل الأقليات في تحقيق هدف الإنفصال عن الدولة المركزية فمنها من يسعى لذلك عن طريق اعتماد الطرق السلمية و منها من يعتمد طرقا تمس من أمن الدولة و استقرارها و هي الطرق العنيفة .

  • الأشكال السلمية : تنتمي الأقليات المطالبة بالإنفصال عن الدولة في هذه الحالة إلى المؤسسات السياسية و الإجتماعية  و الثقافية الموجودة قانونيا داخل الدولة و هي الأحزاب و الجمعيات و المنظمات و الحركات الثقافية، و تدافع هذه الفئة عن أفكارها و مبادئها بالصيغ القانونية، و يكون ذلك ناجما عن قناعة داخلية لهذه الجماعات  في أن الطرق السلمية  هي المنعرج الأساسي نحو تحقيقها دولة مستقلة، لذلك فهي تركز على الترويج لقضيتها.

 و التأثير على الرأي العام بالمشاركة في الحياة السياسية و إبراز مبادئها في المحافل و المناسبات الدولية.

” مثل هاته الحركات تؤمن بان المشاركة السياسية و التنافس السلمي و التفاوض هي السبيل الوحيد لتحقيق أهدافها، حيث تضمن عدم الدخول فيالإنقلابات العسكرية و الحروب الأهلية و الأحداث العنيفة، لتجنب الوضع الأمني الغير مستقر الذي لا يساهم في تحقيق الأهداف ” . [5]

و يمكن أن اللجوء إلى اعتماد استفتاء شعبي أي اعتماد مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها في الإنفصال عن الدولة الحاضنة دون أية ضغوط. فمثلا تم الإعتماد على الإستفتاء الشعبي في اتخاذ قرار فصل جنوب السودان عن الدولة السودانية.

كما يمكن الإعتماد على هيئة مُنتخبة من الشعبلإتخاذ قرار الإنفصال عن الدولة مثلا موريتانيا و نيجيريا، ويجدر الذكر أنه يمكن لهذه الهيئة أن تنساق وراء التصور الدولي و يعود ذلك إلى أن الدولة لها قدرة في تحديد أعضاء الهيئة عن طريق التدخل في الإنتخابات و ممارسة التأثير بما يتوافق مع مصالحها .

الأشكال العنيفة :

تقوم بعض الأقليات الأخرى بإعلان التمرد و الرفض لمختلف أنظمة الدولة الحاضنة و سياساتها من أجل الإنفصال عنها لذلك فهي توظف الميليشيات و تستعمل السلاح و توتر الإستقرار العام للدولة و تضغط عليها كي يتم تطبيق مطالبها، و غالبا ما تكون الوسائل المعتمدة  من هذه الأقليات لا تضاهي قوة أجهزة الدولة ، لذلك يتم اللجوء إلى بعض الأطراف الاخرى لتلقي الدعم ، و يمكن أن تكون هذه الأطراف إما داخلية مندسّة في أنظمة الدولة أو أطرافا خاريجية عادة ما تكون لها مصالح في الدعم ضد الدولة المركزية ، و قد تعلن الأطراف المساندة عن نفسها و تبرر ذلك تحت غطاء حق الاقليات في العيش تحت مبدأ المساوات .

4/- الحركات الانفصالية من منظور قانوني

تتغير التقسيمات الجغرافية باستمرار نتيجة للحروب أو تغير أشكال التجمعات البشرية من إمبراطوريات و مستعمرات إلى دول مستقلة و حتى هذه الأخيرة شهدت تغيرا جذريا بعد  الحربين و تيارات الاستقلال و أصبح العنصر السياسي الوحيد المؤثر في الخرائط الجغراسياسية هي الحركات الانفصالية التي غزت العالم و هي عملة ذات وجهين الأول قانوني حقوقي و الثاني سياسي.

الحق في الانفصال droit à la sécession يثير جدلا قانونيا كبيرا بين المختصين و تتداخل فيه الوقائع السياسية بالثوابت القانونية و هذا ما يزيد الأمر تعقيدا لذلك لابد من أن انعرج على نشأة هذا الحق(1) و تطبيقاته القانونية (2).

الحق في الانفصال و تطوراته

بعد نهاية الحرب العالمية الأولى رسم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وودرو ويلسون برنامج سياسي ب 14 نقطة بما فيهم حق الشعوب في تقرير مصيرها.تأسست عصبة الأمم النموذج الأول لمنظمة الأمم المتحدة  أساسا من برنامج ويلسون و نص الفصل 22 من ميثاق عصبة الأمم أن الدول غير مستعدة للاستقلال و سرعان ما فشلت المنظمة في نيل السلم و انحلت.

بعد الحرب العالمية و تأسس جمعية الأمم المتحدة نص الفصل الأول و الفصل 55 من الميثاق على مبدأ”تساوي الشعوب في الحقوق و حقها في تقرير مصيرها.” و كانت هذه الفصول هي الوسيلة التي دافعت بها الشعوب داخل المنظمة لنيل استقلالها من الاستعمار.

وارتبط بذلك مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها بتحقيق الاستقلال وتأكدت بقرار 1514 للأمم المتحدة الصادر في 14 ديسمبر 1960 حول ضمان الاستقلال للشعوب المستعمرة و الذي اقر هذه الصلة بين الشعوب و المقاومة و تتالت النصوص الدولية التي نظمت لجانا لاستقلال و برامج لتطبيق مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها و أصدرت محكمة العدل الدولية آراء استشارية عديدة في قضية ناميبيا 1971 و كذلك الصحراء الغربية 1975 و أقرت الحق في الاستقلال.لتصبح بذلك حق الشعوب في تقرير مصيرها قاعدة آمرة jus cogens في القانون الدولي المعاصر.

المشكل القانوني الثاني المتعلق بهذا المبدأ هو تحديد مفهوم للشعب فالقانون الدولي لم يحدد أي معيار لتحيد مفهوم دقيق و هنا يجب التمييز بين الشعب كسكان الدولة و يكون من هذه الزاوية مجموعة من الأفراد  يجمعهم إقليم واحد و تربطهم صلة قانونية بسلطة سياسية يخضعون لها.

ونجد مفهوم ثاني و هو مفهوم الأمة و هي مجموعة من الأفراد تربطهم صلات تاريخية و ثقافية مشتركة أو خصائص ذاتية كالعرق و اللغة و الدين.لتأسيس دولة لا يشترط في الشعب أن ينتمي إلى نفس الأمة و لكن ذلك يعزز الوحدة الوطنية و يخفض خطر التفتت و النزاعات.ففي الهند مثلا يتكون شعب الدولة من أمم مختلفة في حين تنقسم الأمة الإسلامية إلى دول عديدة.

حسب ألان بيليه “الشعب يعرف حسب الحقوق و الواجبات التي اعترف بها له القانون الدولي” و ذلك ما يعني أن المفهوم يحتوي على عناصر متغيرة و بالتالي يصبح تقديم مفهوم للشعب خاضع لاعتبارات فردية تختلف من مجموعة إلى أخرى.

إذا طبقنا القاعدة خارج الإطار الاستعماري هي نقطة التعقيد إذ لا توجد صراحة أي قاعدة قانونية تقر بوضوح حق الشعوب في الانفصال عن دولها و اختلفت التأويلات و تطبيقات المبدأ الذي شهد تطورا خارج إطار الأنظمة الاستعمارية.

التطور الأول الذي شهده المبدأ هو الانتقال من إقرار حق الشعوب في نيل استقلالها الوطني عن الأنظمة الاستعمارية إلى حق الشعوب في التحرر من أنظمة الاحتلال (الشعب الفلسطيني) أو أنظمة التمييز العنصري (إفريقيا الجنوبية/زيمباوي قديما).

التطور الثاني شمل حق الشعوب في تقرير أنظمة حكمها الوطنية و تسيير شؤونها السياسية.وبالتالي يصبح للمبدأ تطبيقين الأول خارجي في علاقة الدولة بباقي الدول و أخر داخلي بين الشعب و سلطاته الوطنية.

ذهب بعض رجال القانون أن مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها تنسحب على المجموعات العرقية و تمكنها من الاستقلال عن الدولة التي تنتمي إليها شرط تعرضها لاضطهاد الشديد من قبل سلط دولها.وهنا يظهر مشكل قانوني أخر و هو مبدأ الحفاظ على سلامة الإقليم و الوحدة الوطنية.

ينص قرار 1514 للأمم المتحدة المتعلق للأمم المتحدة الصادر في 14 ديسمبر 1960 حول ضمان الاستقلال للشعوب المستعمرة “كل محاولة تهدف للنيل من الوحدة الوطنية و سلامة إقليم دولة ما تتعارض مع أهداف و مبادئ ميثاق الأمم المتحدة.”

هذا المبدأ ذو أهمية قصوى للدول وتنص عليها كافة الدساتير نظرا لأنه مرتبط ارتباطا وثيقا “باستمرارية الدولة” و ضمان بقائها من خلال الحفاظ على عنصر أساسي و هو الوحدة الإقليمية و بذلك يضم القرار المذكور و القانون الدولي عموما تناقضا صارخا بين مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها و بين ضرورة الحفاظ على السلامة الإقليمية لذلك تكون الدخول في حركات انفصالية هو بوابة لصراع قانوني لا نهاية له و تكون العوامل المؤثرة في سير النزاع هي عوامل عسكرية و سياسية بامتياز.

تطبيقات المبدأ

في موضوع الحركات الانفصالية يجب أن نميز كثيرا بين مقتضيات القانون الدولي وحيثيات العلاقات الدولية.ففي العالم نجد العديد من الحركات الانفصالية لكن قليلة هي التي حظيت بدعم دولي هذا من جهة و من جهة ثانية الإعلان الفردي للاستقلال الذاتي لا يفرض على الدول الاعتراف بالكيان الجديد الذي طفا في المشهد الدولي  خاصة و انه ما من قاعدة قانونية تمنح صراحة هذا الحق.

تتخذ الحركات الانفصالية ثلاث طرق إما نزاع مسلح مثل السودان الشمالية-الجنوبية/أثيوبيا-تيغراي/اليمن-الحوثيين.. أو إعلان أحادي الجانب مثل كيباك-كندا/ كاتالونيا–اسبانيا/اسكتلندا-بريطانيا العظمى أو شكل اتفاق مثل تشاك تكون هذه الاتفاقات السلمية خاصة في الدول التي تمنح دساتيرها حق الانفصال.

لتشكيل دولة لابد من توفر ثلاث عناصر أساسية و هي شعب، إقليم، و سلطة سياسية فعلية، هذه العناصر تمنح الدولة الجديدة شرعية داخلية لكن دوليا لا تكتسب هذه الدولة الشخصية القانونية إلا باعتراف المجتمع الدولي بها هذه القواعد تشكلت انطلاقا من قواعد دولية عرفية  فقد نصت المادة الأولى من اتفاقية مونتيفيديو بين الدول الأمريكيةحول حقوق وواجبات الدول سنة 1933 “يجب أن تمتلك الدولة الصفات التالية لكي تعتبر شخصا للقانون الدولي: سكان دائمين، إقليم معين، حكومة، قدرة الدخول في عالقات معدول أخرى”.

الاعتراف هو إجراء قانوني فردي يعطي صفة الشخص القانوني للمعترف به من قبل المعترف لكنه خاضع لاعتبارات سياسية فكوسوفو مثلا اعترفت بها 200 دولة لكن اسبانيا لم تفعل لأنها تعيش تحت تهديد انفصال  إقليم كاتالونيا و اعترافها بانفصال كوسوفو سيمنح حق كاتالونيا كذلك بالانفصال.

و قد يكون الاعتراف علني(de jure) من خلال إعلان الدولة رسميا اعترافها بالدولة الجديدة كجزء جديد من المجتمع الدولي و قد تكون الإعلانات الرسمية فردية من خلال دولة منفردة أو جماعية من خلال أجهزة جماعية كمنظمة الأمم المتحدة ففي القانون الدولي غالبية ما يكون قبول عضوية دولة جديدة مشروط باعتراف كافة الدول الأعضاء لذلك انسحبت المغرب قديما من منظمة السين الصاد عند قبول عضوية الصحراء الغربية في حركة استنكار من موقف الدول الأعضاء.

الشكل الثاني للاعتراف هو الاعتراف الضمني أو الفعلي (de facto) و يكون من خلال التعامل مع دولة الجديدة من خلال إبرام الاتفاقيات و تبادل التمثيل الدبلوماسي (لذلك آثار إقامة سفارة لكوسوفو في القدس استنكار جامعة الدول العربية مؤخرا.

أوروبا تقاوم بشدة الحركات الانفصالية بالرغم من وجود العديد من مطالب الانفصال و ذلك في إطار الحفاظ على الوحدة الأوروبية و تسعى لعدم صنع سابقة تفتح الباب لموجة من الحركات الانفصالية.

مثل انفصال كوسوفو سابقة في تاريخ القانون الدولي لكن هذا القرار جاء مدعوما من مجلس الأمن الدولي و عند استشارة محكمة العدل الدولية في شرعية انفصال كوسوفو أقرت بشرعية لعدم مخالفته قرار مجلس الأمن غير إن رأي المحكمة أثار جدلا قانونيا واسعا بما انه لم ينظر في شرعية الانفصال من زاوية قواعد القانون الدولي و إنما وفق ملاءمته لقرار مجلس الأمن.

5/- أمثلة عن الحركات الإنفصالية

القارة الإفريقية

انعقد مؤتمرالكونغو في برلين عام 1884 بين 13 دولة أوروبية : ألمانيا، وفرنسا، وإنجلترا، والنمسا، والمجر، وبلجيكا، والدنمارك، والسويد، والنرويج، وإسبانيا، وهولندا، وإيطاليا، والبرتغال، و كان الهدف منه تقسيم ” الغنيمة ” الإفريقية بين هؤلاء الدول و تقنين التخريب الإستعماري للقارة السمراء، حالت نتائجه إلى تقسيم عشوائي لإفريقيا دون اعتبار للإنتماءات البنيوية و الدينية  و العرقية، أي تقسيم القبائل ذات الإنتماءات المشتركة و الفصل فيما بينها، أدى ذلك في فترة ما بعد الإستعمار إلى تأجج الصراعات داخل الدول ذات التعدد القبلي و الديني و الإثني و الدعوة للإنفصال و الإستقلال . و فيما يلي مثالين عن الحركات الإنفصالية القائمة في إفريقيا .

قضية  البوليساريو

تبلغ مساحة الصحراء الغربية 252 ألف كيلو متر مربع و تمتد على الساحل الشمالي الغربي للقارة الإفريقية  تدير المغرب نسبة  80 % من أراضيها و هي منطقة ذات كثافة سكانية ضعيفة 567 ألف نسمة، يتحدّث سكاّنها العربية الحسّانية لكن هناك أقلية تتحدث اللغة الفرنسية  و الإسبانية نتيجة للإستعمار ويعتنق نسبة 99% منهم الإسلام السني.

تأسست الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء و وادي الذهب (البوليساريو) في مايوعام 1973  لتحرير المنطقة من الإستعمار الإسباني الذي فرض هيمنته  في الفترة الممتدة بين 1884 و 1935  ثمّ استمد شرعيته فيما بعد في مؤتمر برلين في عام 1884، و في عام 1961 أعلنت إسبانيا أن الصحراء الغربية ” محافظتها الخاصة “، و انطلقت في عام 1967 في استغلال ثروات الصحراء الغربية، و قد شنت البوليساريو أول عملية عسكرية لها ضد الإحتلالالإسباني  في 20 جويلية عام 1973. و قد استمرت التضييقات من طرف الجبهة على الإحتلال الإسباني .

و كان  الرابع من أكتوبر عام 1975 هو تاريخ توقيع اتفاقية مدريد التي تنص على خروج إسبانيا من الصحراء الغربية وتقسيمها بين المغرب و موريتانيا الساقية الخضراء للمغرب، وادي الذهب لموريتانيا، و قد سحبت  إسبانيا اخر جندي لها من الصحراء عام 1976 في حين أعلنت البوليساريو في نفس العام تأسيس ” الجمهورية العربية الصحراوية الشعبية الديمقراطية  ”  و استقرت في تندوف جنوبي الجزائر.

و في 27 مارس أعلنت المغرب قطع علاقاتها الديبلوماسية مع الجزائر ردّا على الدعم الجزائري للبوليساريو و الحركات الانفصالية.

و أعلنت موريتانيا في 5 اوت عام 1979 انسحابها من منطقة الصحراء في إطار اتفاق مع البوليساريو و تنازلت عن منطقة وادي الذهب، لتقوم المغرب فيما بعد في نفس الشهر بالتصرّف في 14 إقليم من المنطقة.

 و بتاريخ 6  من ماي 1988 أعيدت العلاقات الديبلوماسية بين المغرب و الجزائر و وافقت كل من المغرب و البوليساريو على مبادرة السلام  للأمين العام للأمم المتحدة و التي تنص على وقف إطلاق النار .

و قد تشبثت البوليساريو بالقيام باستفتاء شعبي لتقرير مصير الصحراء الغربية، و في حين اقترح الأمين العام للأمم المتحدة في عام 2002  أربعة مقترحات لحل مشكلة الصحراء الغربية و هي : القيام باستفتاء شعبي دون اشتراط اتفاق الطرفين، التنازل عن الحكم الذاتي للبوليساريو في إطار السيادة المغربية، تقسيم المنطقة بين الطرفين، انسحاب الأمم المتحدة و ترك الطرفين حرية الاختيار.

قضية أرض الصومال

تتمثّل ديانة سكّان أرض الصومال في الإسلام حيث يتبعون المذهب الشافعي و يدينون المذهب السني، و يتحدّثون اللغة الصومالية و العربية و الانجليزية. يتكوّن سكّانها من قبيلة إسحاق و قبيلة القدبيرسي، قبائل الغبوييي والهرتيالورسنجلي و الدولباهنتي، و تمثّل قبيلة إسحاق ما يُقارب 70 % من سكّانها.

بعد حصول أرض الصومال ـ الواقعة في شمال الصومال على استقلاها عام 1960 ـ  قرّرت الإنضمام بمحض إرادتها إلى الجنوب و تكوين أرض الصومال الكبيرة بعد سياسات التخريب التي انتهجها المستعمر. شعر سكّانها بالتهميش السياسي و الإقتصادي من المنطقة الجنوبية أعلنت أرض الصومال  في 18 من شهر مايو عام 1991 انفصالها و استقلالها الكلي عن الدولة الأم أي دولة الصومال،وكان ذلك عقب سقوط حكومة محمد سياد بري في الصومال، و لكن لم تحظى أرض الصومال بالاعتراف القانوني ولا بالتأييد الدولي و الإقليمي.

كانت قضية الإنفصال قد ظهرت في الواجهة بعد انعقاد مؤتمر في مدينة برعوBurao عام 1991، حيث تم الإتفاق من طرف زعماء العشائر الشمالية و قيادة الحركة الوطنية الصومالية على وجه الخصوص على بناء دولة مستقلة عن الدولة الأم.

و قد قام استفتاء شعبي عام 2001، صوّتت فيه الأغلبية 97.1% لإنفصال ارض الصومال عن الدولة الحاضنة لها.

و استمرت رحلة البحث عن الإعتراف الديبلوماسي و القانوني لدولة أرض الصومال أكثر من 30 سنة ، وقد انفصلت 5 اقاليم عن دولة الصومال لتنظمّ لأرض الصومال و هي : أودال، قوهي جالبيد، توغدير، سناغ، سول و التي تحوّلت لاحقا إلى سته أقاليم للدولة المنفصلة هي : عدل، سناغ، سول، توغدير و تم تقسيم إقليم وقوهي جالبيد إلى إقليمين هما : ساحل و ماروديجيكس .

من جهة اخرى نجحت أرض الصومال في تحقيق الإستقرار الأمني و تكريس مبادئ الديمقراطية، كما نجحت في تهدئة الصراعات القائمة بين القبائل داخلها، و هو ما لم تتوصل إليه دولة الصومال خلال عقود من القتال بيم القبائل. و ليست الدولة في حالة من العزلة الدولية فبالرغم من عدم الإعتراف بها فهي ترتبط بعلاقات تجارية و ديبلوماسية مع ما يقارب 22 دولة .

و على الرغم مماّ حققته أرض الصومال من استقرار و علاقات ديبلوماسية و تجارية و إنجازات سياسية و أمنية فإنها لازالت تُقابل بالرفض من دولة الصومال، و تدين ” أدن أدم ” المسؤولة عن ملف الإعتراف بالدولة هذا الرفض الغير مبرر من مقديشو.في حين يعتبر الكثير أن مسألة عدم الإعتراف بأرض الصومال لا تقتصر على دولة الصومال فهناك العديد من المصالح التي تتقاطع مع الاعتراف بها في القرن الإفريقي، لذلك فهي ترفض ذلك و مثال على ذلك نجد جيبوتي التي ترفض الإعتراف خوفا على مصالحها الإقتصادية، على اعتبار أن هرجيسا قريبة من الممرات العالمية التي تمر بها التجارة الدولية .

و يُرجح المهتمين بمصير دولة أرض الصومال أنها تواجه مصيرا غير معروف و أن النزاعات لازالت مستمرة مع مقديشو، و يضيف اخرون أن قضية الإعتراف ليست بقدر أهمية تحقيق النمو الإقتصادي الداخلي، خاصة و أن أرض الصومال لها علاقات واسعة رغم الرفض الذي تتلقاه .

الحركة الإنفصالية بشمال مالي : الطوارق

تتموقع منطقة أزواد في شمالي جمهورية مالي قرب الحدود الموريتانية ، تبلغ مساحته 822 ألف كلم مربع و هو ما يقارب 66% من مساحة دولة مالي، يتميّز الإقليم بمناخه الصحراوي ، حيث أن معظم أراضيه  من الصحراء  و له ثروات مائية هامة في باطن الأرض .

تتكون دولة أزواد الواقعة بشمال مالي من أربعة عرقيات هم الطوارق و العرب و الفلان و السونغاي. لغة الطوارق تُسمى “تماشق، أما العرب فيتحدثون اللغة الحسانية، بالنسبة للغة السونغاي فهي ” الكوربوراتية “،

 و لغة الفلان هي الفولانية.

يُقارب عدد الطوارق ـ أو ما يُطلق عليهم أمازيغ الصحراء ـ 3.5 مليون شخص، 85 % منهم في مالي و النيجر، في حين يتوزّع البقية في دول شمال إفريقيا خصوصا الجزائر و ليبيا. و يتركّز أغلبهم في دولة أزواد، حيث تُقارب نسبتهم 35 % من مجموع الأزواديين .

يختلف المؤرخون حول تسميتهم فهناك من اعتبرهم نسبة لتوغلهم في طرق الصحراء، و منهم من اعتبره يعود للقائد طارق بن زياد، أما البعض الاخر فيعتبره مأخوذ من كلمة تاركة و تعني الأرض الغنية بمنابع المياه، لكنهم يُفضلون أن يُطلق عليهم اسم تماشق و تعني الرجال الاحرار.

شهدت الفترة ما بعد استقلال مالي عن الإستعمار الفرنسي في عام 1960 الكثير من الصراعات و النزاعات التي أعلنها إقليم أزواد. كان عام 1962 هو تاريخ انطلاق أول حركات الطوارق بدأ من مدينة كيدالالتي قام الجيش المالي بقمعها  بتدمير مخازن الغذاء و تسميم آبار المياه في الإقليم حتى تمكّن من فرض الحكم العسكري على مناطق الطوارق.

و كان عام 1988 هو تاريخ تاسيس الحركة الشعبية لتحرير أزواد، حيث مثلت أول منظّمة سياسية للطوارق في مالي، كما مثّلت هذه الحركة منطلقا لتأسيس حركات اخرى تدعو إلى استقلال أزواد .
و قام المسلحون الطوارق في عام 1990 بتنفيذ سلسلة من الهجومات الاخرى التي استهدفت سجنا و ثكنة عسكرية في منطقىميناكا.

و في عام 1991 قامت الحكومة المالية و الفصائلالأزوادية بتوقيع اتفاق تمنراست، حيث تضمّن إرساء اللامركزية في شمال مالي، و إدماج مقاتلي الطوارق ضمن الجيوش المالية، لكن الإتفاق لم تكن له جدوى في إنهاء الصراع بين الطرفين.

و قد استمر فيما بعد توقيع الإتفاقيات التي من بينها اتفاقية تمبكتو بالشمال لعام 1996، حيث قام مقاتلو الطوارقبموجبها بتسليم 3000 سلاح و لم تعد هذه الجماعات موجودة. كما قام رئيس مالي في ذلك الوقت عمر كوناري بمنح مدينة كيدال حكما ذاتيا، لكن كل هذه الإجراءات و إن ساهمت في التخفيف من الصراع فلم تقم بإيقافه، حيث قامت حركة حديثة النشأة من طرف الطوارق، في عام 2006،  تحت اسم ” تحالف 23 مايو الديمقراطي من أجل التغيير ” بشن هجمات على حاميات عسكرية في كيدال و ميناك، إلا أن هذه المداهمات انتهت بتوقيع اتفاقية سلام في الجزائر بين الحكومة المالية و الحركة الطوارقية، و كانت من أبرز نقاطها تركيز الأمن و التنمية في مدينة كيدال.

إلا أن النزاعات سرعان ما عادت إلى الواجهة في عام 2007، حيث قام الطوارق في حركة مشتركة في كل من كيدال الواقعة بشمالي شرقي البلاد و أغاديز بشمالي النيجر بشن هجمات و حجز جنود ماليين على خلفية أتفاقية الجزائر التي عبرو عن رفضهم لها.

و كان عام 2011 هو تاريخ عودة عدد كبير من المقاتلين  الطوارق ـ الذين كانو ضمن جيش القذافي بعد سقوط نظامه ـ إلى شمال مالي لتنظيم تمرد كبير يهدف إلى إقامة دولة مستقلة. و في نفس العام تمّ تاسيس “الحركة الوطنية لتحرير أزواد ” التي شنت سلسلة من الهجمات كانت نقطة تحقيق الهدف الرئيسي للطوارق. حيث أعلنت الحركة  في 6 أبريل 2012 قيام دولة مستقلة في شمال مالي و هي دولة الطوارق، و كان ذلك على خلفية استغلال التوترات التي تعيشها مالي بعد قيام انقلاب عسكري، ساهم ذلك من في سيطرة الحركة على مدن أزواد الكبرى و تحقيق غايتها .

الشرق الأوسط

الحوثيون

الحوثيون جماعة دينية تنتسب إلى المذهب الزيدي الشيعي أصلها فارسي . اتخذت المجموعة اسمها من حسين الحوثي مؤسسة “حركة أنصار الله” و هي الجناح السياسي و العسكري للمجموعة و مثلتها في ملتقى الحوار الوطني و قد تأسست الحركة في 1992 و نشطت لسنوات في منطقة صعدة و قتل قائدها في 2004 من قبل السلطات اليمنية.

تدعمت القوة العسكرية للحوثيين في 2015 وحاصروا القصر الرئاسي مجبرين منصور هادي لمغادرة الدولة ،السيطرة على العاصمة أعلن صافرة الخطر للمملكة العربية السعودية التي تخشى من تمدد الحركات الشيعية في المنطقة بما أنها امتداد لخصمها الإيراني .

شكلت السعودية و دول خليجية أخرى قوات مسلحة عرفت بقوات الحلفاء للتصدي للحوثيين و بعد ضغط إقليمي و دولي استطاع قوات التحالف السيطرة على سواحل عدن و إجبارالحوثيين للتراجع و ذلك ما مكن حكومة منصور هادي للعودة و الاستقرار في اليمن.

تفكك الدولة مكن القاعدة و داعش من التسلل إلى الدولة و السيطرة على عدة مناطق من الإقليم الذي أصبح مدججا بالسلاح و انقسم بين أطياف مختلفة(قوات التحالف- حركة أنصار الدين-المجلس الجنوبي الانتقالي-القاعدة-داعش-تحالف حضرموت القبلي- القوات المنشقة عن الجيش الرسمي و كانت مؤيدة لصالح..)و الكل يريد السيطرة .

الصراع في اليمن تجاوز صراعا انفصالي بين مجموعة دينية و سلطة الرسمية للدولة و إنما أصبح حرب وكلاء فالحوثيين تدعمهم إيران بالأسلحة من خلال البحر الأحمر و خليج عدن و السلطات اليمنية تدعمهم السعودية و حلفائها و من جهة ثانية خلقت الفوضى تيارات إرهابية متطرفة و شجعت على ظهور حركات انفصالية صغرى و هذا ما صعد نسق العنف و خلق أزمة إنسانية ربما هي الأبشع في التاريخ المعاصر.

صنفت واشنطن في الشهر المنقضي”حركة أنصار الله”كحركة إرهابية في إطار ضغط ترامب على إيران في ساعاته الأخيرة في الرئاسة الأمريكية، و تعد هذه الحركة الجناح السياسي للحوثيين و مثلتهم في مجلس الحوار الوطني ، قرار عده البعض العرض الأخير لترامب لكن الأمم المتحدة رفضت هذا التصنيف واتخذت موقفها السلبي المعهود و الدعوة إلى الحل السلمي للازمة اليمنية حتى حياد منظمة الأمم المتحدة قاتل فأي تهدئة و مماطلة و طفل يموت كل 10 دقائق في اليمن إما بسبب الحرب أو الجوع.

كردستان العراق

كردستان العراق أكثر حركة انفصالية كانت قد تنجح رسميا في الاستقلال عن دولتها لكن أسباب سياسية حالت دون ذلك و يعتبر الآن كردستان إقليم فدرالي بحكم ذاتي ينقسم إلى ثلاث محافظات، دهوك والسليمانية و اربيل التي تعتبر العاصمة السياسية ،و يعيش حياة سياسية في معزل عن العراق إلا أنه يظل في تبعية للعراق بما انه لا يحضا باستقلال خارجي فهم لم ينجح في رسم ملامح الدولة و ظل قانونيا تحت الحكم العراقي.

تاريخيا انقسم الأكراد بين عدة دول و هي سوريا، إيران، تركيا و العراق. و قد عاشوا حملات تصفية عرقية تاريخيا و حتى اليوم من قبل تركيا التي قادت ضدهم حملات عسكرية كبرى في شرق سوريا و قصفتهم في العراق و ذلك خوف القيام بحركة انفصالية كما هو الأمر في العراق.

 ففي 1970 توصلت السلطة العراقية مع أكراد كردستان إلى إقرار حكم ذاتي للإقليم بعد صراع طويل إلا أن القوات العراقية نظرا لدخولها في صراعات حدودية مع إيران لم تغادر الإقليم إلا في 1991 عندها نال الإقليم الانفصال الفعلي .غير أن تنازع الأطياف الكردية فيما بينها جعلها تعجز عن تشكيل موقف سياسي موحد و لم يعلن أي من الحزبين المسيطرين على كردستان(الاتحاد الوطني الكردستاني/الحزب الديمقراطي الكردستاني) قرار الحكم الذاتي و ظل الإقليم يسير بنظام الحكم الذاتي إلى أن تم إقرار دستور العراقي الجديد و تم فيه اعتبار كردستان كيان فدرالي بحكم ذاتي تابع لدولة العراق.

التشتت السياسي لأكراد كردستان منع قيام “دولة كردستان” هذه الصراعات أججتها إيران و تركيا و السلطات العراقية و ذلك للحفاظ على وحدة إقليمهم و إفشال مشروع الانفصال الكردي

إلى جانب الأهداف السياسية تظل الأطماع الاقتصادية هي المحرك الأساسي للتدخل الأجنبي فللإقليم ثروات هامة من الغز الطبيعي و النفط و تعتبر روسيا و إيران أهم مستفيدين من حالة الفوضى التي يعيشها الإقليم و من الشتات السياسي و ذلك لتمرير مشاريعهم الاقتصادية و استغلال الثروات خاصة المتركزة في كركوك الذي يظل أهم نقطة نزاع بين كردستان و العراق و تنصب عليه الأطماع الخارجية إذ يضم 12 بالمائة من احتياطي نفط العراق الذي يعتبر احتياطي النفط الأول في العالم .و يضم الإقليم ثلاث أعراق مختلفة و هم العرب ، الأكراد، والتركمان ما جعل إدارة الإقليم محل الاختلاف بين اربيل و بغداد.

يعيش كردستان في السنة الأخيرة أزمة اقتصادية كبرى جعلته يعود إلى الدولة في مفاوضات للحصول على التمويلات الضرورية و ذلك يثبت العجز السياسي للانفصال و البقاء تحت النفوذ السياسي لدولة العراق فنجاح الحركات الانفصالية لا يكون فقط بوجود مجموعة مختلفة عرقيا أو دينيا على رقعة جغرافية محددة بل لابد من سلطة سياسية فعلية و ذات سادة تضمن التسيير السياسي لتلك المجموعة و هذا ما يعجز عنة كردستان منذ نشأة الحركة الانفصالية.


[1] ” سعد كرم ” ، التحركات الإنفصالية في العالم : نموذج كتالونيا ، مجلة السياسة الدولية 2011 ، 30 – 12 – 2015 .

 ” سليم نزال ” ، حصاد مر : نظرات في الفكر و الثقافة و الإجتماع السياسي ، لندن ، أي كتب ، 2015 ، ص 104[2]

[3]Julie Dahlitz ,secession and international law , New york : United Nations publications , 2003 , p 6.

[4] د . ” مثنى امين نادر ” ، قضايا القوميات و أثرها في العلاقات الدولية ـ القضية الكردية نموذجا ، رسالة لنيل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية ، مركز كردستان للدراسات الإستراتيجية ، السليمانية ، 2003 ، ص ص 43 – 48 .

[5] ” نجدت صبري ” ، الإطار القانوني للأمن القومي ، عمان : دار دجلة ناشرون و موزعون ، 2011 ، ص 161 .

By Zouhour Mechergui

Journaliste