الأثنين. ديسمبر 23rd, 2024

طهران-ايران-13-1-2021

رباب حدادة-باحثة بالمركز الدولي للدراسات الأمنية والعسكرية

أكبر لوحة شطرنج في العالم هي منطقة الشرق الأوسط، حيث تتسابق القوى الكبرى والإقليمية على ربح أراضيها وبسط نفوذها والهيمنة على مواردها.

ويبقى ملف الصراع العربي الإسرائيلي واجهة هذا النزاع ثم التحق به العراق بعد تغيير النظام في 2003 وبعدها أزمة سوريا وبذلك احتدّ النزاع وأصبح الوضع أكثر تعقيدا.

سارت كل الأحداث في العقد الأخير نحو التأزم لتبلغ ذروتها في السنة الماضية لما شهدته المنطقة من تحولات سياسية وعسكرية كبرى.

فهل أصبحت سياسة الدول في المنطقة “البقاء لمن سيصمد للأخير ؟”


الدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الامريكية بالرغم من اختلاف سياساتها وأطماعها إلا أنها لا تدخل في نزاع مباشر وإنما تعتمد خطط الإنهاك البطيء وكلها توظف زخم رأس المال السياسي العسكري الكبير في كل من العراق وسوريا.

حالة الفوضى التي وصلت إليها المنطقة هي أحد ملامح فقدان توازن النظام العالمي الذي أرسته الولايات المتحدة الأمريكية بعد فترة الحربين. فحتى القوى المسيطرة في العادة دخلت في مسار ضبابي وفقدت قدرتها على الرؤية على المدى البعيد وأصبحت القوى الإقليمية الصاعدة ذات وزن في صنع القرار الدولي وكذلك القوة العائدة روسيا قلبت كل المعادلات، لذلك ستسعى القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية إلى مراجعة النظام الدولي وإرساء نظام عالمي جديد تضمن فيه السير على قواعدها والعودة الى الهيمنة التي خسرتها.. لكن السؤال الذي يطرح :

هل ستقدر الولايات المتحدة الأمريكية على الرجوع بعد أن خسرت الكثير من مصداقيتها والكثير من الميادين؟ وبأية طريقة ستفرض مخططها العالمي الجديد؟

من المعروف عن الولايات المتحدة الأمريكية أنها تضمن مصالحها من خلال نفوذها وهيمنتها على صنع القواعد السياسية والعسكرية، وتحديد العلاقات مع المنافسين، لذلك حين أشار بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلانكين أن الأولوية في السياسة الخارجية ستكون بالإهتمام بالعلاقات الأمريكية مع الصين وروسيا فمن الواضح أن الشرق الأوسط سيكون أحد أهم المعايير في المعادلة الجديدة للمفاوضات بين الثلاثي بما يمكن الولايات المتحدة الأمريكية من إنجاح نظام بديل يعتمد على موافقة المحور الروسي الصيني الذي قد يضغط في مفاوضاته حد انقلاب الأوضاع والوصول إلى مواجهات مباشرة خاصة وأن العالم بأسره كبرميل من البارود قد تفجره شرارة واحدة.

فما هي الإستراتيجية الجديدة في المنطقة، وهل سيضع بايدن حدا “للحروب الأبدية في الشرق الأوسط” كما أعلن؟
وما هو الدور الذي سيلعبه التحالف الخليجي الجديد؟


ثم ما هو مصير الملفات العالقة كالملف الليبي، والملف الإيراني، والإتحاد الاوربي، والغرب الإفريقي…؟
كلها ملفات تطرح على طاولة أكبر قوى عالمية.


الوضع الراهن في العراق و سوريا


يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية مستعدة لخسارة كل الشرق الأوسط إلاّ العراق، لكن عندما يوضع ملف العراق على الطاولة تحضر قوى أخرى كإيران وروسيا وخاصة الصين، القوة الصاعدة الناعمة وذات الحضور الراسخ والهادئ، إذ أن العراق جزء لا يتجزأ من مشروع الصين الجيوسياسي ذي الواجهة الإقتصادية وهو “حزام واحد طريق واحد” وهذا ما تدركه جيدا الولايات المتحدة الأمريكية ولهذا سترجع بقوة الى الميدان العراقي وقد بداته منذ السنة الماضية مع وكيلتها تركيا.

تعد منطقة الشرق الأوسط المحطة الأهم في طريق الحرير الصيني، لذلك مدت نفوذها من خلال تدخل اقتصادي كبير خلق تبعية عراقية لا تقل قيمة عن التبعية الأمنية لباقي القوى، كما لا ننسى أن العراق هو المزود الثالث للصين بالنفط بعد روسيا وإيران، لذلك لن تتخلى عن منطقة هي أشبه بالمحرك الأولي لمشاريعها الكبرى وقد رسمت استراتيجيات طويلة المدى في العراق.

وكان رئيس الوزراء عادل المهدي،قد وقع في 2019 اتفاقية عرفت باتفاقية النفط مقابل الإعمار التزم فيها العراق بتزويد الصين ب 100 ألف برميل من النفط يوميا مقابل إقامة الأخيرة مشاريع البنى التحتية والتجهيزات، وهي اتفاقية ستخلق تبعية كبيرة للعراق تجاه الصين، لذلك لم ترْضَ الدول المنافسة، وتم الضغط على مجلس النواب برفض دعمها وانتهى الأمر بتعليق الإتفاقية من قبل الحكومة الحالية برئاسة الكاظمي .

روسيا كذلك تضع يدها على العراق لكن بقبضة أقل حزما من سوريا ويظل نفوذها أضعف من النفوذ الأمريكي في الدولة ولكنها تُبقى على أوراقها الخاصة من خلال شركاتها الكبرى مثل “لوكايل” ومن خلال المجموعات المسلحة الإيرانية، وتبحث التمركز أكثر من خلال السيطرة على إقليم كردستان الذي اعتبر أن السياسة الأمريكية في العراق غير واضحة وأنه سيعيد النظر جديا في العلاقة مع واشنطن.. وتبقى سوريا أهم ملف بالنسبة إلى روسيا وكأننا نرى في الأفق تفاوضا أمريكيا روسيا حول الدولتين: العراق من نصيب الولايات المتحدة الأمريكية وسوريا من نصيب روسيا.

كانت بداية الإحتواء الروسي للإقليم العراقي المنفصل، عقد صفقة بين الشركة الروسية “روسنفت” وإقليم كردستان، والذي يقضي بتهيئة شبكة كبرى من أنابيب الغاز وذلك في تتمة لمشروع روسي إقليمي من خلال “روسنفت” التي أبرمت في نفس الفترة عقدا مع الشركة اللبنانية lebanon oil installations” ” الذي يقضي ببناء أكبر مستودع لتخزين المشتقات النفطية على البحر الأبيض المتوسط من خلال استثمار الأراضي اللبنانية لفترة 20 عاما.
لم تكن روسيا لتجد موطئ قدم في العراق لولا اقتناصها فرصة المشروع الإنفصالي لإقليم كردستان أمام اضطراب السياسة الأمريكية في العراق، والذي غابت فيه ملامح الإنضباط المعهود في السياسة الأمريكية التي تأثرت بالسياسات الفردية للرؤساء وخاصة في فترتيْ رئاسة أوباما وترامب.

فبالرغم من أن بوش اعتمد سياسة ثابتة وواضحة في العراق كسابقيه، بدأت ملامح التغيير مع أوباما الذي فضل الإنسحاب النسبي من العراق مقابل اعتماد تسوية مع إيران في خطة عمل دولية في المنطقة واستمر مسار الإنسحاب مع ترامب، ولكنه كان انسحابا بدون تسوية واختار سياسة أمريكا في عزلة عن العالم وتراجع عن الإتفاقيات الإقليمية في الشرق الأوسط، ما انقلب إلى الضد بإحباط الحلفاء وفتح المجال أمام المنافسين اللذين يعتبرون العراق كجائزة والسيطرة عليها إعلان “لسقوط الملك”.


 العراق

سياسة الإستخفاف الأمريكي في السنوات الأخيرة بنفوذ باقي القوى في العراق عرفت حدا، وانتبهت الولايات المتحدة لاضطراب سياستها في الشرق الأوسط، لذلك دعمت الحضور العسكري الأمريكي في الأشهر الأخيرة وبدأت في سياسة تنظيم الصفوف للحد من الخسائر البشرية التي تعرضت لها في العراق وسوريا وفي مناطق إفريقية كالصومال.. وما أعلنه بايدن من ضرورة انسحاب القوات من الشرق الأوسط والإبقاء على القوات في العراق وسوريا لمواجهة خطر الإرهاب ما هو إلا حفاظ على صورتها، ففي سياسة الإستنزاف التي فرضتها الولايات على الدول الإقليمية استنزفت كذلك قوتها كما لم تفعل من قبل.

استراتيجيا الحرب الرابعة التي تعتمدها الولايات المتحدة الأمريكية، أنهكت كذلك أفضل وكلائها وهو الكيان الإسرائيلي الذي شن حربا كبيرة طيلة سنوات ضد النظام السوري من جهة وضد المد الشيعي الإيراني من جهة ثانية وكذلك انهكت وكيلها الإقليمي الثاني تركيا واستنزفته تماما، واليوم تعمل على الإطاحة به لحفظ ماء وجهها، فهي لا تريد أن تعوّل على وكيل ضعيف وربما سيكون وكيلها الجديد هو ما يسمى التحالف الخليجي الجديد لتضعه في الواجهة في حربها ضد إيران وعدوتها التقليدية روسيا وعدوتها الصاعدة الصين.

إيران أكبر مستفيد مما يحدث في العراق إذ استفادت من كل أزماتها سواء الوجود الإرهابي الداعشي أو الحركة الإنفصالية لإقليم كردستان، فهي تقسم الأطراف الوطنية إلى مجموعات فردية تلتف حول الزعماء التي تسيرهم كل على حدة، وهي سياسة سليماني التي اتبعها في الشرق الأوسط ككل تحت شعار فضفاض اسمه “دولة المقاومة”.
تمدد إيران وتفاقم نفوذها في العراق وسوريا زاد مخاوف المحور التركي –الإسرائيلي-الأمريكي لذلك شهدت إيران في 2020 مقتل أفضل زعمائها وهما القائد العسكري قاسم سليماني ورئيس المشروع النووي محسن زادة .

ضرب أعمدة البيت الإيراني أبطأ تقدمها في الميدان ولكنه خدم مصالح إيران سياسيا، فمن جهة دعم نفوذها الإيديولوجي لدى حلفائها ومن جهة ثانية حول أنظار الشعب والمعارضة عن المسائل الوطنية نحو العلاقات الخارجية ووحد الصفوف ضد العدو الخارجي، فبعد أن كانت محرجة أمام شعبها وتشكو من مشاكل داخلية إذ بهذه العمليات رجعت الأقوى داخليا وصدرت هذه الأزمات مجددا إلى الخارج ورجعت “اللحمة الشعبية والتفافهم بنظامهم”.

بعد انتهاء حضر بيع الأسلحة الإيرانية في أكتوبر الماضي انتعشت تجارة الأسلحة الإيرانية وأصبحت أكثر علنية نحو سوريا والعراق وفنزويلا وازدادت الزيارات العسكرية العراقية لطهران منها إرسال وفد دفاعي عراقي كبير لزيارة طهران في 14 نوفمبر برئاسة وزير الدفاع السني جمعة سعدون الجبوري وضمّ قيادات من كافة الفروع العسكرية العراقية ونظمت اتفاقات ثنائية بين الطرفين كاتفاق قائد البحرية العراقي أحمد جاسم ونظيره في الحرس الثوري رضا تنكسيري على تدريب قادة في الأكاديميات الإيرانية .

وتتعامل إيران مع العراق كامتداد طبيعي لإقليمها، فالقرب الجغرافي والإمتداد الإيديولوجي الشيعي عوامل أسبقية إيران في الأراضي العراقية. كانت في السابق تتقاسم العراق مع الولايات المتحدة الأمريكية ولم يكن نفوذها قويا بما يكفي للإنفراد بالدولة غير أن الخطاب الإيراني أصبح أكثر جرأة وقوة وهي تسير نحو وقف “مرحلة لا سلم ولا حرب” إذ لم تعد تكفيها سياسة التعايش وإنما تعمل على حصر التدخل العسكري الأمريكي من خلال دعم تمركزها العسكري في كامل مناطق الدولة .


 سوريا

الصراع السوري هو انعكاس واضح لصراع الإيديولوجيات والقوى الكبرى التي تعتبر كل منها أن روسيا هي رمز لسياستها الدولية.

فروسيا لها الأسبقية ميدانيا في سوريا وقد وظفت كل قدراتها العسكرية للحفاظ على النظام السوري، الحليف التاريخي لروسيا والذي تميز عن دول الشرق الأوسط بتبنيه الإيديولوجيات السوفياتية لذلك لن تتخلى روسيا عن آخر رقعة لها في المنطقة حيث نفوذها السياسي والاقتصادي والعسكري.

أما تركيا فهي تقود مشروع “عثمنة” شاسعا وتمثل سوريا الحزام الحدودي الذي تسعى تركيا إلى ضمه من خلال الحفاظ على ميليشياتها خاصة في المناطق الحدودية بالإضافة إلى أزمتها مع الأكراد التي لن تحل أزمة الملف السوري بدون النظر إليها كإحدى المسائل الأولية.

من جهته يعتبر بايدن أن “استراتيجية عبر،من خلال و مع” BWT strategy” “التي يعتمدها الجيش الأمريكي في الشرق الأوسط ما تزال ناجعة وهي تقوم على محاربة أعدائها وعبر شركائها مع اعتماد إمكانياتها ودعمها و من خلال إشراف سلطاتها.

مواصلة اعتماد بايدن هذه الإستراتيجية يعكس رغبة أمريكا في التراجع أكثر لفائدة وكلائها، لذلك تراجعت عن مناطق الشمال الشرقي السوري تاركة المجال للقوات التركية وتمركزت في شمال وغرب العراق، وكما أشرنا منذ البداية همّ أمريكا الأكبر هو العراق.

فقدت أمريكا نفوذها في سوريا في فترة اوباما وترامب، ولم تكن في كل الأحوال مخططاتها في سوريا ذات أولوية على عكس العراق غير أن تراجعها العسكري الأخير جعل الحدود بين قواتها وقوات روسيا غير واضحة المعالم وعكست رغبة في الحفاظ ميدانيا على مناطق ضيقة في سوريا تحت التصرف الأمريكي المباشر لحماية مصالحها ومصالح حلفائها وعلى وجه الخصوص الأمن الإسرائيلي وكذلك التضييق على النفود الروسي.

الضغط الأمريكي تواصل سياسيا لإسقاط النظام السوري، وذلك من خلال آليات مثل “قانون قيصر” والحملات الدعائية ضده في محاولة لعزله اقتصاديا ودبلوماسيا على الصعيد الدولي ما سيزيد الضغط الداخلي على النظام في ظل انتشار الأزمات الإجتماعية وتردي الإقتصاد وقد لا يكون الدعم الروسي كافيا وهذه النقطة تضغط فيها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها في المنطقة حاليا، وقد سبق أن صرح بايدن باقتناعه بمحدودية التدخل الأمريكي في سوريا على المستوى العسكري.

من الواضح أن التحرك الأمريكي في الملف السوري سيسير أكثر إلى أن يكون سياسيا لاعسكريا.. فإلى جانب انسحاب القوات الأمريكية من الشمال الشرقي السوري أكد مستشار الأمن القومي المعيّن في إدارة بايدن، جيك سولفان، أن الكثير من الأخطاء قد وقعت في الأزمة السورية في فترة ترامب، كما أنه ليس من المحتمل أن تواصل الولايات المتحدة الأمريكية تعاملها مع نظام الأسد.


السيناريوهات الممكنة للفترة القادمة


النظام العالمي بما هو مجموعة القواعد التي تحكم سلوك الدول، كان دائما وسيلة الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق أهدافها القومية لذلك أنشات نظاما عالميا تسيره منظمات دولية ونماذج سياسية وهي صناعة أمريكية للحفاظ على هيمنتها العالمية وفرض قوانينها، غير أن هذا النموذج تآكل من خلال مقاومة باقي القوى التي تعتبر أن صناعة القواعد من أخطر معايير السلطة، لذلك تسعى إلى فضحها وصنع نماذجها الخاصة في إطار ضرب المصالح الأمريكية .

ومع تآكل النظام القديم وتهرئته ستعمل الولايات المتحدة الأمريكية على صنع نظام عالمي جديد يقوم على إعادة جدولة للمصالح وتشكيل الأحلاف، يعني تفتيت التحالفات القديمة وبناء تحالفات جديدة، غير أن نجاح الولايات المتحدة في تحقيق نظام عالمي جديد يخدم مصالحها يبقى رهن موافقة كل من روسيا والصين على النظام الجديد، وبالتالي التفاوض على الملفات السياسية الكبرى أهمها منطقة الشرق الأوسط بمختلف نزاعاتها المتفرقة .. وما تعيشه منطقة الشرق الأوسط من تغيرات في العناصر السياسية والعسكرية والثقافية دليل على أن كل القوى تجهز لبيئة عمليات جديدة لتنفيذ سياسة مخالفة تقلب الأوضاع الذي عاشتها المنطقة منذ أكثر من عقد.

على ضوء ذلك نجد أربعة سيناريوهات ممكنة وهي كالتالي:

السيناريو الأول:


ربما تكون الأشهر القادمة فترة تشكيل أحلاف قوية، وبروز قطبين على الساحة الدولية يخوضان نزاعا عن طريق وكلائهما في منطقة الشرق الأوسط ويكون الميدان لمن سيصمد إلى الآخر..ومنذ فترة تعمل كل من الصين وروسيا على استعادة “الدول السوفياتية” من خلال الدعم الإقتصادي والسياسي الذي يرتكز على موروث ثقافي، فالعديد من تلك الدول تستعمل الروسية كلغة رسمية في أنظمتها التعليمية والإدارية، أما الصين فقد استعملت سياسة القوة الناعمة وأصبحت شريكا أساسيا للعديد من الدول ما سيمكنها من حشد الحلفاء في حال قامت قطبية واضحة الملامح .

وستركز كل دولة قواها على دعم ممثليها للتموقع، في هذه الحالة ستركز الولايات المتحدة الأمريكية ضغطها العسكري لإنهاء النفوذ الإيراني في العراق من خلال إرساء حكومة موالية وفرض سيطرتها على إقليم الدولة، فالفوضى في العراق قد أفادت كل منافسي الولايات المتحدة الأمريكية في مقابل ازدياد خسائرها وضعف نفوذها.
إقرار الأمن فيها سيمكنها من وضع حد لخسائرها العسكرية وسيتماشى مع رغبتها في الإنسحاب من منطقة الشرق الأوسط عسكريا مع الإبقاء على النفوذ السياسي إلى جانب التفرد بأكبر احتياطي للنفط في العالم كما أن السيطرة على العراق أصبحت في تاريخ العلاقات الدولية أشبه بالحفاظ على تاج الحكم.

وما سيدعم هذه الفرضية أيضا الصلح الخليجي مؤخرا في قمة العلا في هذا الوقت بالتحديد الذي توحدت فيه الأصوات الخليجية لوقف الخطر الإيراني، كما لا ننسى عاملا مهما وهو الشعب العراقي الذي كثرت احتجاجاته ومسيراته المطالبة بوقف التدخل الإيراني في العراق.


في المقابل ستواصل روسيا دعم نظام الأسد وإخراج الولايات المتحدة الأمريكية و”حليفها العدو” التركي من سوريا، غير أن وسائل الضغط الأمريكي في الملف السوري لها تأثير وهي مسار المشاورات السياسي من أجل إنجاح مرحلة انتقالية للسلطة، ما قد يمكن الولايات المتحدة الأمريكية من وضع حد للنظام السوري وضمان عدم إرساء نظام جديد قد يكون مواليا لروسيا من خلال تحريك بطاقة الأمم المتحدة الجامدة.

من جهة ثانية للولايات المتحدة الأمريكية سلطة تدخل ميداني من خلال المجموعات المسلحة التابعة لتركيا والمنتشرة في مناطق شاسعة في سوريا.


السيناريو الثاني


إن مواصلة تبادل الضغط بين الحلفين قد يؤدي إلى الزيادة في تعقيد الوضع خاصة أن كل طرف قد خسر الكثير وراهن لفترة طويلة على الإبقاء على نفوذه وقد يؤدي توتر العلاقات إلى مواجهات مباشرة بين القوى الكبرى، فقد شهد التاريخ حروبا كبرى عندما تبلغ القوى مرحلة من الزيادة والمبالغة من التسلح والجاهزية القتالية بالتوازي مع ضغط طويل المدى والتوتر في العلاقات بين طرفين.


لكن هذا السيناريو قد لايأخذ الصدارة من جهة أخرى لكون إيران ليست سوى طرف في تحالف روسي-صيني، ودخول أمريكا وإيران في مواجهات طرفية مؤقتة أمر ممكن من حين إلى آخر لأنه لا وجود لنزاع زعامة بين الدولتين وسنبقى في الصورة النمطية التقليدية أمريكا تستعرض قوتها و ايران تستفز و الخليج يتسلح.

في المقابل من غير الممكن أن تدخل أمريكا في نزاع مسلح، ولو وقتي مع روسيا أو الصين، وبرغم التشنجات الكبرى بين الطرفين إلا أن تجنب النزاع المباشر يأتي في صدارة أولويات الطرفين والحرب الباردة أكبر دليل على أن الأقطاب العالمية تخشى إعادة شريط الحربين العالميتين.


السيناريو الثالث:


اعتماد مبدإ “التوزيع العادل للسلطة “.. في هذه الفرضية سيضطر الجميع إلى التفاوض واقتسام مناطق النفوذ ليكون العراق تحت التسيير الأمريكي وسوريا تحت النفوذ الروسي وتنازل إيران يكون مقابل تسوية لملفها النووي وخاصة إيجاد حلول ملائمة لاقتصادها الذي تضرر بسبب العقوبات المفروضة عليها، كما يمكن أن يضاف إلى إيران وروسيا إقليم كردستان الذي يسير نحو الإنفصال وتركزت فيه أهم المشاريع الإيرانية والروسية.

أما تركيا فقد تجد لنفسها تسوية ملائمة بالتنازل عن تدخلها في سوريا مقابل تنازل روسيا والتنازل عن الملف الليبي لصالح التحالف الخليجي الجديد الذي يضم مصر بقيادة سعودية.


السيناريو الرابع


قد لا يمس النظام الدولي القائم تغيير جذري وإنما تعديلات جزئية وكبرى باختلاف الأولويات والملفات، وذلك من خلال التنازل عن دعم بعض الحلفاء كتخلي حلف الخليج بشقيه المناهض والداعم للإخوان عن نظام رجب طيب أردوغان ووضعه مع إيران في لائحة الأعداء وذلك ضمن مخطط القوى الكبرى لتغيير الوكلاء وملامح مواجهة مسلحة بين الخليج العربي بقيادة المملكة السعودية و تركيا خاصة بعد نشر المملكة العربية السعودية قواتها الجوية في جزيرة كريت اليونانية في نفس الوقت الذي استدعى فيه اردوغان قادة الميليشيات والجماعات المسلحة في ليبيا وإعادة تشكيل جديد جماعات مسلحة في سوريا.

By Zouhour Mechergui

Journaliste