إعداد: الدكتورة بدرة قعلول، رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية
ليس للولايات المتحدة حدود لأطماعها وإرادة هيمنتها على العالم مهما كانت المسافات الفاصلة بينها، فالإدارة الرأسمالية المتوحشة الأمريكية حدودها تنتهي مع انتهاء مصالحها، ومصالحها لا نهاية لها ولا سقف لها.
أمريكا تنظر إلى إفريقيا على أنها المنطقة السحرية والساحرة ورائحة الغاز والبترول والذهب واليورانيوم يسيل لعابها ويجعلها تطمع وتخطط للدخول وخاصة الهيمنة ووضع اليد عليها وإحكام القبضة، فأمريكا تخطت أن تكون شرطي العالم لتصبح أكبر شركة عالمية مستثمرة رأسمالية تريد فرض هيبتها مهما كان الثمن “يموت من يموت و يعيش من يعيش” المهم تحصيل الثروة والنفود على جثث وجماجم البشر. القارة الإفريقية تثير شهية الأمريكان وتعتبرها القارة الأكثر جاذبية وخاصة الغرب الإفريقي الذي يضم أربع عشرة دولة، تتجمع في تنظيم “إيكواس”.
ويتميز الإقليم بالعديد من المميزات التي تمنحه الجدارة ليكون ضمن أبرز الأولويات في أجندة السياسة الخارجية الأمريكية. هذا الإقليم يعتبر ذا أهمية قصوى، فهو يتميز بثرواته وموارده الإستراتيجية ومعادنه الطاقية النفيسة، وثقله السكاني، وكذلك الأرضية الخصبة والحاضنة للإرهاب والجريمة المنظمة، ومصدراً هاما تستعمله أمريكا للمهاجرين غير الشرعيين واللاجئين.
تؤكد التقارير الدولية أن 70% من النفط الإفريقي يتمركز بالغرب الإفريقي إذ يزخر الإقليم بثروات هائلة، تجعله محط أطماع الكل وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، ونصف الإكتشافات النفطية التي شهدها العالم مؤخراً كانت من نصيب الإقليم، خاصة في منطقة خليج غينيا، التي يطلق عليها “الكويت الجديدة”.
علاوة على النفط يحظى الإقليم بثروات أخرى كبرى بنحو 60% من اليورانيوم الإفريقي، و40% من الإنتاج العالمي للكاكاو، بالإضافة إلى الماس والذهب والأخشاب والمطاط والثروة السمكية.
كما تتمتع نيجيريا وهي الدولة القائدة للإقليم بوضع فائق الخصوصية، باعتبارها المصدر الرابع عالمياً للغاز الطبيعي، والمنتج الأول للنفط في إفريقيا، وسابع مصدر عالمي للنفط إلى الولايات المتحدة، والثامن عالمياً في إنتاج الأخشاب، لهذا نجد فيها التنظيم الارهابي الأكثر شراسة في إفريقيا “بوكو حرام” بقيادة “داعش” .
ومن الناحية السكانية لا يقل الإقليم أهمية عن ثرواته الطبيعية، فهو يتمتع بثقل سكاني كبير في إفريقيا، حيث يضم نحو 367 مليون نسمة، بما يمثل 30% من إجمالي سكان القارة، وهو ما يجعله سوقاً استهلاكية كبرى وقريبة من المنتجات الأمريكية، ومحوراً جاذباً للمستثمرين، خاصة في قطاعات التعدين والتجارة والاتصالات والنقل.
كما يرتبط الإقليم أيضا بالعديد من مصادر التهديد للمصالح الأمريكية، وذلك نتيجة لتنامي أنشطة الإرهاب، الذي تمارسه حركات الإسلام السياسي الراديكالية، والتي تناصب الولايات المتحدة العداء، وتعتبرها المسؤول الأول عن جل مشكلات العالم الإسلامي.
وهنا تبرز جماعة “بوكو حرام”، وتنظيم “القاعدة” في المغرب الإسلامي، و”الجماعة السلفية للدعوة والقتال”، و”حركة أنصار الدين”، والتي طالت هجماتها الكثير من المنشآت الحيوية والمصالح الأمريكية، طبعا هذه الهجمات ستعطي للأمريكان الشرعية للتدخل من أجل حماية مصالحها شركاتها,.
كما أصبح الإقليم أكثر فأكثر مصدرا للمهاجرين غير الشرعيين أين تجد العناصر الارهابية فرصة للتسلل بينهم لتنفيد عملياتها ضد المصالح الأمريكية والأوروبية، كذلك يعتبر الإقليم مصدراً ومعبراً أساسياً لموجات الشباب الفارين من ظروفهم القاسية في بلدانهم أملاً في حياة كريمة، وخاصة هاربين من ويلات الصراعات والحروب الأهلية والفقر، التي ما زالت حاضرة بتداعياتها السلبية في ليبيريا وسيراليون ومالي وغينيا بيساو وغيرها، بما يحمله ذلك من مخاطر محدقة.
كما تجد المافيا العالمية بتعاون مع العصابات الإقليمية ضالتها في الإقليم أين الجريمة المنظمة، من تجارة للسلاح والمخدرات وغسيل الأموال، والقرصنة البحرية، والتي يمارسها أبناء المنطقة مع حكامهم الفاسدين وذلك نتيجة للإستغلال الأجنبي لثرواتهم الطبيعية التي يتمتع بها المستثمرون الأجانب، خاصة بقطاع النفط والذهب واليورانيوم.
وحسب جل التقارير فإن منطقة دلتا النيجر بجنوب نيجيريا أحد أبرز معاقل هذه الممارسات “المافيوزية”، بما يرفع تكلفة الإستثمار بالإقليم، ويزيد السكان الأصليين فقرا وخصاصة ويجد الإرهابيون حواضن لهم، كما يزيد حكامهم فسادا وديكتاتورية وملجأ للإنقلابات العسكرية.
وبالرغم من كثرة العراقيل التي تواجهها الولايات المتحدة الأمريكية بالغرب الإفريقي، فإنها لم تبتعد بل هي متواجدة في عمق الإقتصاد الإقليمي خاصة مع قطاع النفط الذي يعتبر المحدد لسياستها إزاء الإقليم، حيث تتبنى واشنطن استراتيجية لزيادة واردتها النفطية إلى 60% في العام 2020، مع تنويع مصادر وارداتها من إمدادات الطاقة، في ظل المشكلات المحيطة باستيراد النفط من الخليج العربي.
فالغرب الإفريقي بالنسبة للإدارة الأمريكية هو البديل الأساسي للنفط والغاز العربي وخاصة لدول الخليج التي ترتب لها أمريكا عدم استقرار في المراحل القادمة، ولهذا يجب أن تؤمن احتياجاتها النفطية من القارة السمراء ولا يمكن أن تتخلى عنها مهما كانت العراقيل والتحديات.
هذه الحسابات النفطية وحسابات الرأسمالية المتوحشة الأمريكية انعكست ممارساتها بالغرب الإفريقي خاصة فيما يتعلق ب”أصلها التجاري” المزعوم مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومحاربة الفساد والإرهاب، والمساعدات الإقتصادية، حيث بدت واشنطن مدفوعة بحسابات المصالح، وتحليل التكلفة والعائد أكثر من الإلتزام بالقيم والمبادئ، التي تدعي الدفاع عنها وحمايتها عبر العالم، في إطار تحسين صورتها القومية التي أصبحت متهرئة كثيرا في كل بقاع الأرض.
من أجل مصالحها لا تكترث أمريكا بالشعارات، فيمكن أن تضع دولة في القائمة السوداء وبعد فترة وبقدرة قادر تصبح تلك الدولة نموذجا للإنتقال الديمقراطي وحقوق الإنسان..
طبعا هذا ليس بالصعب على الإدارة الأمريكية وخاصة بقيادة “ترامب” زعيم التقلبات، فمثلا، ولأجل عيون النفط، يرفع اسم غينيا الإستوائية من لائحة الدول التي تنتهك حقوق الإنسان لتفتح من جديد سفارة الولايات المتحدة الامريكية بمالاوي وتصبح قبلة المسؤولين الامريكان و يصبح نظامها الدكتاتوري يحضى بحماية الأمريكان بل وأكثر لتصبح عضوا غير دائم بمجلس الأمن الدولي لمدة سنتين 2018 و 2019. كذلك دولة نيجيريا الغنية بالنفط تتموقع أمريكا بشركة “شال” إذ تسيطر هذه الشركة بنسبة 50% من إنتاج النفط بالبلاد.
كما توظف جيشاً من العملاء بمختلف الإدارات الحكومية لتزويدها بالمعلومات، وفيما يخص كذبة محاربة الإرهاب فإن الولايات المتحدة نظريا قد طرحت مبادرة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء، وفي حقيقة الأمر من أجل هدف هو إيجاد مقر للقيادة الأمريكية الجديدة لإفريقيا “أفريكوم”، بغرب إفريقيا، والغريب أن واشنطن لا تحرك ساكنا أمام الجماعة الإرهابية “بوكو حرام”، لأن هذا التنظيم الإرهابي قد خدم مصالح أمريكا بأن تسحب عضوية النيجر من أوبك، وبالتالي تظل في وضع التابع لها وليس الحليف.
ومن المفارقات للدولة الكبرى التي تقود كل التحالفات من أجل مكافحة الإرهاب تتقاعس في تقديم الدعم المالي للقوة الإفريقية المعنية بمواجهة “بوكو حرام” تاركة فرنسا وحدها تتحمل العبء الأكبر لإضعافها وإخراجها من المنطقة الإقليمية، وهذا خير دليل للعالم وللأفارقة أنفسهم على الإنتقائية في محاربة الإرهاب، ويؤكد أن واشنطن لا تحاربه، بقدر ما هي تصنعه وتوظفه لمصلحتها.
كما خفضت إدارة ترامب المساعدات الإنسانية والإقتصادية للغرب الإفريقي وذلك للتضليل بأنها لا تكترث بإفريقيا وفعلا تم التخفيض في ميزانية المساعدات المخصصة لها، وتمّت مراجعة قانون النمو لنحو 39 دولة إفريقية، وكذا مراجعة برامج المساعدة الموجهة لمقاومة الأوبئة مثل الإيدز والإيبولا.
هذا ما يبرز الوجه الحقيقي لعنصرية الأمريكان المتشدقين بالديمقراطية وحقوق الإنسان، كما يؤكد أن السياسة الأمريكية الحالية في غرب إفريقيا لا تنظر بعين الإنسانية لمشاكل الإقليم والبلدان الإفريقية، بقدر ما تحركها رائحة النفط والثروات الطبيعية للقارة.