الخميس. أبريل 25th, 2024

إعداد الدكتورة بدرة قعلول : رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتجية الأمنية والعسكرية بتونس

لم تتخلَّ أوربا عن تموقعها الإستراتجي أو التاريخي في شمال إفريقيا وخاصة في ليبيا التي تعتبر موقعا استراتجية لها، ولن تسمح لأية أطماع أن تزيحها عن المشهد كما أنها لن ترضى بالفتات الذي تنوي الولايات المتحدة الأمريكية أن تخصها بها.

والأهم في الموضوع لن ترضى بالوكيل “الفأر أردوغان” كما يسميه بعض الأوربيين بأن يستحوذ على نصيب الأسد في ليبيا والغرب الإفريقي ويحقق أطماعه.
لهذا تبقى الأزمة الليبية تتصدر جدول أعمال الدول الأوروبية وخاصة دول الضفاف الشمالية للمتوسط التي تبعد أقل من 200 كلم عن ليبيا، الجنوب الشرقي للمتوسط، ويعود ذلك بالأساس إلى تداعيات الأزمة الليبية على الأمن القومي لدول أوروبا، ويهدد استقرارها بتسلل المتطرفين والإرهابيين إليها الذين أتى بهم أردوغان إلى ليبيا.

أوروبا تدرك مدى التهديدات والمخاطر الناجمة عن الأزمة الليبية على أمنها القومي والإقتصادي لكن لم تتوصل إلى اتفاق فيما بينها من أجل التمركز وإعادة التموقع، فنجد صراعا بين الفرنسيين والإيطاليين والألمانيين والبريطانيين، هذا التناحر قد استغلته الولايات المتحدة، وأزاحتهم عن الملعب كلاعبين ميدانيين، وعوضتهم بلاعب جديد طمّاع ومطيع، هو اللاعب التركي، فأصبحت ردود أفعالهم الميدانية محدودة كثيرا، وظهر الوكيل الوحيد للأمريكان “أردوغان”وأمام هذا الإجتياح التركي والإستفزاز “الأردوغاني” وجدت دول شمال المتوسط نفسها في حرج كبير مما سيجعلها تغير ردود أفعالها خاصة السياسية والميدانية أمام التعنت التركي وأطماع أردوغان التي ستتجاوز ليبيا لتصل إلى دول الساحل والغرب الإفريقي أين توقفت الإمبراطورية العثمانية،إمبراطورية أجداد أردوغان.

دول أوروبا خاصة ايطاليا وألمانيا وفرنسا شبه العاجزة أمام التحركات السريعة الميدانية والعسكرية والاقتصادية(عقود إعادة الأعمار والتنقيب على الغاز والنفط) أدركت الموقف جيدا وتحركت على مستوى مؤتمر برلين والآن لم يبقَ لها أي حل سوى تفعيل ما صدر عن مؤتمر برلين من قرارات.. وفعلا بدأت تنظم صفوفها وأعلنت عن ذلك في الثامن من يونيو الجاري، عن طريق مفوضية الإتحاد الأوربي.وصرح الناطق الرسمي باسم المفوضية للشؤون الخارجية السيد بيتر ستانو، بأنه “ليس هناك حل عسكري للأزمة.. فقط الحل هو السياسي” هذا طبعا في إشارة إلى تدفق السلاح التركي إلى ليبيا، وكذلك في إشارة إلى الإتفاقات العسكرية التي وقّعها السراج مع أردوغان، وتطبيق حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على ليبيا.
وتعهّدت الدول الأوروبية بالمهمة البحرية الجديدة وذلك بتكليفها بمنع تدفّق الأسلحة عن طريق البحر إلى ليبيا عبر”إيريني” بمشاركة البارجة الفرنسية “جان بار” وطائرة للمراقبة البحرية تتبع لوكسمبورغ، كما ستكون اليونان رأس الحربة في هذه العملية وستتعقب كل سفن تركيا المتجهة إلى ليبيا، وقد بدأت عملها بالفعل.

وأكدت الدول الأوروبية على ضرورة بذل مزيد من الجهود من أجل “ضمان التطبيق الكامل والفاعل” للحظر في ليبيا تطبيقا لمبادرة واتفاق برلين جوا وبرا وهنا ستكون دول الجوار الليبي القواعد اللوجستية أوالمد اللوجستي تحت الرقابة الأوروبية وربما قد يصل الأمر إلى القصف، لأية إمدادات من الذخيرة والسلاح.

“جوزيب بوريل” الممثل الأعلى للشؤون الخارجية بالإتحاد الأوروبي، أعلن عن رفضٍ أوروبي للخطط التركية عبر إرسال عسكريين إلى ليبيا.ودعا إلى الوقف الفوري للقتال والتدخل الأجنبي في ليبيا بدون شروط في إشارة مباشرة إلى تركيا.
وفي الثامن من يونيو الحالي صادق مجلس الأمن الدولي على القرار الذي صاغته ألمانيا “بتمديد التفويض المنصوص عليه في القرار 2473 لمدة 12 شهرا إضافيا”،ما يعني تنسيق الجهود لتفتيش السفن التي يشتبه بانتهاكها حظر الأسلحة المفروض على ليبيا منذ عام 2011، وسيكون التنفيذ ضمن المهمة الأوروبية “إيريني” تضيقا على الإنتهاكات المعلنة والمباشرة من تركيا لحظر السلاح المقرر منذ 2011 والذي لم تلتزم به الكثير من الدول وعلى رأسها تركيا.
هذا القرار قد أزعج كثيرا “أردوغان” وحكومة السراج في ليبيا وخاصة تجار السلاح والميليشيات، باعتبار أنه ستضيق الخناق على طرق إمدادات تركيا للميليشيات بالأسلحة وهي المزود الرئيسي لها.
نقاط سياسية ودولية قد بحثت عنها أوروبا وحلفاؤها وتحصلت عليها، كما رحبت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا بالدعوات التي وجهتها الجهات الدولية والإقليمية الفاعلة في الملف الليبي إلى الوقف الفوري لإطلاق النار أمام التعنت التركي، وقد أكدت البعثة الأممية بأن الأزمة الليبية ليست بالمعقدة بل هي في المتناول يمكن حلها سياسيا لو شاءت الأطراف الدولية و الإقليمية.
كما حثت البعثة في بيان صادر لها كل الأطراف الصراع الليبية على الذهاب سريعاً وبصورة بناءة إلى محادثات اللجنة العسكرية المشتركة (5+5 ) من أجل التوصل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار.

وأشار البيان إلى أنه يتوجب أن تقترن محادثات (5+5 ) بتنفيذ صارم واحترام تام لقرار مجلس الأمن بشأن حظر الأسلحة المفروض على ليبيا والذي تم تحديده يعني الإلتزام بمخرجات مؤتمر برلين.

تركيا وحكومة السراج لم ترضيا بمهمة” إيريني” لأنها ستحد من تحركاتها المشبوهة، وهذا الدور”لإيرني” قد اتفقت عليه الدول الأوروبية لمحاصرة أردوغان ولمراقبة تنفيذ حظر الأسلحة على ليبيا، وتهدف المهمة التي يوجد مقر قيادتها حاليا في روما، إلى وقف تدفق الأسلحة إلى ليبيا، وتعمل المهمة في شرق المتوسط لمراقبة السفن التي يشتبه في نقلها أسلحة ومقاتلين إلى ليبيا.

طبعا، هذا لن يرضي أردوغان ولا أعوانه.. فقد هاجم وزير الدفاع التركي مهام “إيريني” الأوروبية لمراقبة السواحل الليبية وتطبيق حظر توريد الأسلحة، ووقف تهريب النفط والإتّجار بالبشر، ورداً على انتقاد بروكسل المتكرر للسياسات التركية في ليبيا والبحر المتوسط، زعم أن “إيريني لا تتوافق مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة”، وأضاف”أنها تُعتبر بمثابة دعم للقائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر”.

وبهذا تصبح إمكانية التدخل العسكري في ليبيا واردة جدا، عندما يتجاوز أردوغان المحددات الأوروبية والدولية واتفاق مؤتمر برلين لوقف إطلاق النار ولحظر الإمداد بالسلاح، وربما ستتأزم الأوضاع الميدانية والسياسية وسيكون المأزق والفخ قد نصب لأردوغان، ليدخل مجلس الأمن على الخط، وتأخذ الدول الأوروبية التأشيرة الأممية والدولية للتدخل العسكري المباشر والميداني وهذا ما يزعج الآن أردوغان وأتباعه بعد أن اعنر بأنه اللاعب الوحيد.

أصبحت الخطة الأوروبية واضحة لترجع القضية الليبية قضية دولية يعني باختصار العودة الى تدويل الأزمة الليبية.
“هناك احتمال لنشر قوات أوروبية في ليبيا من أجل دعم عملية السلام “.. كلام ردده الكثير من المسؤولين الأوربيين وعلى رأسهم “جوزيبي كونتي” وزير الخارجية الايطالي، وكذلك الممثل الأعلى للسياسة الخارجية بالإتحاد الأوروبي “جوزيف بوريل” وهو ما يعتبر تأكيدا على أن الإتحاد الأوروبي مستعد للعب هذا الدور في ليبيا وأن موضوع إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا أمر مطروح، وسيتم على ضوء مخرجات مؤتمر برلين وتفعيلها، وتحديد نوعية ومهام هذه القوات.

كما ترى “ستيفاني وليامز” القائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، أن الوضع خطير جدا في ليبيا وأصبح متشعبا وفي مفترق الطرق، وقد حذرت في وقت سابق من أن الحرب في ليبيا ستشتد ضراوة وتتسع وتتعمق.

وأبلغت “ستيفاني وليامز” أعضاء مجلس الأمن بالقول: “لا نزال نشهد حشداً عسكرياً ينذر بالخطر نتيجة إرسال الداعمين الأجانب للأسلحة المتطورة والقاتلة بشكل متزايد، ناهيك عن تجنيد المزيد من المرتزقة في طرفي النزاع”.

كما حذرت “ويليامز” في تقريرها إلى مجلس الأمن الدولي:”وصلنا إلى نقطة تحول أخرى في الصراع، لأن ما نشهده من تدفق هائل للأسلحة والمعدات والمرتزقة إلى الجانبين، يؤدي إلى استنتاج وحيد يمكننا استخلاصه هو أن هذه الحرب ستشتد وتتسع وتتعمق.”
إذن، غطرسة أردوغان وتدخله العسكري دفع الحكومات الأوروبية اليوم إلى تقديم تنازلات فيما بينها وذلك للتوصل إلى موقف فاعل وقادر على فرض توجهها في ليبيا وعلى الميدان العسكري و السياسي.

فالدول الأوروبية لم ولن ترضى بالإقتحام الشامل لأردوغان الملفَّ الليبي وخاصة من خلال البوابة العسكرية وفرض أجندته، وكذلك لن ترضى أوروبا بتزايد النفوذ الروسي في ليبيا، ما قد يدفع الدول الأوروبية وخاصة فرنسا وإيطاليا وبريطانيا وألمانيا إلى تبني مواقف أكثر تقارباً وأكثر وضوحاً فيما يتعلق بالموضوع الليبي،خاصة في ظل ازدياد حدة تأزم الوضع الذي من المرجح أن يشهد تعقيدات كبرى داخلية وإقليمية وحتى دولية، وسيتناحر الطامعون وأصحاب المصالح على الأراضي الليبية، وسيكون الخاسر الأكبر هو الشعب الليبي ودول الجوار.

By admin