إعداد الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتجية الأمنية والعسكرية
أضحت أطماع أردوغان وشطحاته في المنطقة العربية مستفزة ولا تخفى على أحد..
فما هي عروضه الجديدة للأمريكان في هذه الفترة الحساسة، و ما مدى نجاعتها؟ خاصة أن أمريكا وإسرائيل “يلبّيان” طلباته حتى يصبح العدو الأول للعرب وليست إسرائيل ومنها يكون أردوغان بطمعه وجشعه آليتهم للتنفيذ.
نبدأ مقالنا بالإجابة على مدى صحة التسريبات الواردة من الشرق الأوسط عن تقديم أردوغان مشروعا للولايات المتحدة يتضمن قيادته لسنّة الموصل في العراق وأطماعه في اليمن لتطويق الخليج والإطاحة بالمملكة العربية السعودية من اليمن إلى السودان خاصة أن أذرعه الإخوانية منتشرة في شمال إفريقيا.
المعروف أن الولايات المتحدة تريد إحكام السيطرة على العراق وتعتبرها مركزها الإستراتيجي وساحة معاركها وتموقعها في عمق الشرق الأوسط.. وبسبب مشاكلها مع إيران لم يتم ذلك إلى حد الآن، خاصة بعد رسالتها الواضحة باغتيال قاسم سليماني.
إن الصراع الذي تقوده اليوم الإدارة “الترامبية” يحتاج منها مواجهة صعبة جدا للحشد الشعبي المسلح المتمركز في الميدان، والضغط على إيران للإنسحاب تماماً من العراق، وهو صعب بالنسبة للأمريكان في ظل فشلها الكبير بتكوين إرهابيين سنة بقيادات موالية للأمريكان كارهين الإيرانيين، وهذه الخطة قد فشلت فشلا كبيرا وكادت أمريكا تخسر بها العراق بالكامل..
بهذا الفشل الذي ساهمت فيه تركيا مساهمة كبيرة، هاهي اليوم وهي الوكيل الرسمي للأمريكان في المنطقة، تقدم الحل البديل للأمريكان “كيدٍ” ضاربة للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة ككل، ويستهدف الخليج العربي القوي اقتصادياً وهو يعرف أن المواجهات العسكرية تبدل التحالفات وتفتح مجال لتسويات كثيرة خاصة أن هناك ملفات عالقة مع روسيا وإيران في سوريا ولديه ملف الإخوان في ليبيا.
فما هي الخطة التي ستنتهجها تركيا والأمريكان في العراق؟
المتوقع أن تذهب الولايات المتحدة إلى دعم عسكري كبير للأكراد كما فعلت مع أكراد سوريا “الجيش الديمقراطي” وبعدها أعطتهم فريسة للأتراك، هذا السيناريو سيكون طبعا بتنسيق تركي، وبزج الأكراد وتسليحهم وتقديم المدد اللوجستي العسكري و الإستشارات في مواجهة مع الحشد الشعبي المنسوب إلى إيران.
الولايات المتحدة تريد سيطرة تامة على العراق وشبكة نفطية من كردستان العراق إلى جنوب السودان وسط حاضن مرتبط بإسرائيل..ومن يفهم استراتجيات الإحتلال الأمريكي، سيفهم ما يحصل في العالم وكيفية استغلال وباء”كورونا” للتعجيل بالمشروع الأمريكي التركي الصهيوني في المنطقة وستكون الدول الخليجية كالعادة هي حنفية المال للأسف لتمرير المشروع.
ولن يكون ممكناً التكهن بآثار العرض “الأردوغاني” للأمريكان، على دول الخليج العربي وخاصة على المملكة العربية السعودية حيث يحاول أردوغان نزع ملف”رمزية الإسلام”منها وستكون آثاره بفتح الصراع التركي العربي على المدى الطويل. وأهم سلاح تستعمله تركيا ضد العرب وخاصة دول الخليج وبلدان الشرق الأوسط هو الأذرع الإخوانية في كل بلدان العالم.
ومن يعتقد من الدول العربية أنه بيده الملف السوري وأنه سينجح بدعمه للأكراد كمعارضة لنظام بشار الأسد هو مخطئ جدا.. واللافت للنظر وما لا يعرفه الكثيرون أن هناك عقبات كثيرة تحكم الملف الكردي الذي تكمن خطورته في علاقة البرزاني بتركيا شكلاً ومضموناً.. وملف “قسد” إشكالية لم يتم حلها محلياً في سوريا بسبب الولايات المتحدة ولن يُحل في أستانا في حين أن إيران تعتبر أستانا بوابة الحل في سوريا.
أما روسيا فتبقى علاقتها بتركيا حذرة لاعتبارات ديموغرافية واقتصادية
وربما يعمد الخليج إلى دعم الأكراد بمواجهة تركيا ولكن إذا تمكن أردوغان من إقناع الولايات المتحدة (هي شبه موافقة) وصنع تنظيمات إرهابية جديدة، أو قام بنقل مرتزقته فإن حجم المخاطرة في هذا الملف على الخليج كبيرة منتهاها الجغرافيا خاصة، بينما قد تؤدي صفقة القرن في الجنوب إلى تغيرات حادة في الأردن الذي سينتهي بانتهاء الملك عبد الله هو وعائلته، حليف الخليج المباشر في تلك الجغرافيا..وإذا اختارت إيران التخلي عن ملف العراق واستمر العداء السعودي الإيراني فسيفسح المجال لتحالف تركي إيراني قطري معلن بحثاً عن وجود في ملف اقتصادي معقد قبل أن يكون سياسيا على أرضية الإيدولوجيا.
والمفارقة أنه برغم عداء إيران المطبق وحلفائها لإسرائيل، إلا أن الأخيرة دولة دينية قد تجد شرعيتها في محيط دول دينية أخرى خاصة وأن البرزاني في العراق قابل لتقبل واقع ديني، بعكس”قسد” الموجودة في شرق الفرات،وهنا تكون خلطة هذا الصراع المرعب،وهذا يتطلب موقفا غير متردد لدعم القومية العربية وإعادة إنتاجها سريعاً لأن الإيدولوجيا المقابلة هي”الإخوان المسلمين” .
خلاصة القول، ها هو أردوغان يتحالف مع الأمريكان والصهاينة وإيران وقطر، لنصب العداء لدول الخليج ولمركز الخليج العربي: المملكة العربية السعودية. طبعا الملف الذي وضعه أردوغان على الطاولة الأمريكية والطاولة الإيرانية مهم جدا بالنسبة له ولهما في خلطة غريبة تجمع المتناقضات واللعب في ساحة الكبار واقتناص الفرص، خاصة أن روسيا ليس لها الخيار الكبير إلا أنها تقبل به، وسوف تكون وسائل أردوغان القذرة هي المرتزقة وأذرعها الإخوانية التي تعول عليهم كثيرا في تفكيك البني الإجتماعية الداخلية والتمكن السياسي.
المخطط الأردوغاني يستهدف الهيمنة على المنطقة العربية نتيجة الضعف الكبير الذي تردت فيه ويستغل الصراعات القائمة لتطويق بلدان الخليج من اليمن الى السودان،وضرب البنية الإجتماعية الداخلية للمملكة العربية السعودية لينتهي الخليج بأكمله تحت السيطرة التركية عبر أذرعها الإخوانية وبمباركة أمريكية روسية.
وإذا لم يستفق الخليج العربي الآن على خطورة مساعي أردوغان ومراميه فستكون نهاية العرب ، فاردوغان،هذا الثور الهائج، إن لم توقفه الوحدة العربية، والقوة العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية فهو سيتمادى وستدعمه كل القوى الدولية.
وعلى العالم العربي أن يدرك معنى القطبية الإقليمية التي يطمح إليها أردوغان، ومن هنا يجب أن يحسم العرب أمرهم بمراجعة سريعة لجغرافية سوريا، التي تسببت بكل هذا المخاض العسير، وهي ذاتها التي منحتها البعد الكبير في إدارة الملفات الخارجية وهذا مدخل للحديث عن حدود المشروع الأخطر جهة الشمال السوري. وللمفارقة أن المد الإخواني في المنطقة العربية ليس من أي جهة أخرى بل هو من الشمال ، أي جهة الحدود التركية السورية، والدليل على ذلك أن الخليج باستثناء قطر، قد ساعد الشعب المصري في التخلص من “الإخوان”.
وعودة بالذاكرة،كانت إسطنبول مقر الإجتماعات ضد سوريا في حين كانت”أنطاليا” مركز محاولة تسويق الإخوان خارجياً حتى مع إسرائيل، وهذه المقدمة للإستذكار ولتكون مدخلاً للحديث عن الخطر الإخواني على المنطقة.
في بداية سنوات الحرب الطويلة طرحت مساومة تركية لإدخال شخصيات إخوانية في صلب الحكومة السورية وتم رفضها فكان نتيجتها العنف الذي شهدته سوريةا وتصنيع الإرهاب ليتحول لاحقاً برغم كل محاولات الإحتواء من دول مجاورة، إلى عصا أردوغان للترهيب وتبديل الخرائط في المنطقة ليثبت بالدليل القطعي أن الأيديولوجيا الإخوانية المطروحة هي الإطاحة بكل ما هو عربي عبر سوريا ممر الأيديولوجيات ومركز قوتها، ولهذا وبعد القفز على تفاصيل أهمها العداء التاريخي بين الدولة السورية والإخوان وصلنا إلى مفصل خطير في التسويات، فالجغرافيا السورية القوية تصدت لمحاولات الأصدقاء والأعداء لمنع”الإخوان”من المشاركة في السلطة عبر نفوذ تركي واضح مما جعل أردوغان يقبل بتطويق المنطقة بعد عصيان الجغرافية السورية.
إذن، المخطط التركي هو شيطاني وجب أن تدرك خيوطه كل دول الخليج وهو يتمثل في عملية الإلتفاف “الأردوغانية” التي جعلته من خلال امتلاكه “ألحصري” للمعارضة المسلحة في سوريا يفاوض على نقل مرتزقته الذين تتراوح أعدادهم بين 60 و70 ألفا، وتوزيعهم في حلقة “تضيق على الخليج”، حتى يصل إلى تفاوض أكبر على قيادة العالم الإسلامي في محاولة لابتلاع عروبته، في حين استغل الظرف الليبي الذي تسببت به سياسات أوروبية قصيرة النظر، ليحاول السيطرة التامة عليه،ثم انتقل إلى اليمن ليقدم نفسه ببعد إايديولوجي مذهبي بدعم تيار”الإخوان” الذي سيعمل على خلق تحالفات ضد المملكة العربية السعودية، ولن يكتفي بهذا الحد لأن علاقته الحذرة مع البرزاني ستدخله لاعباً قوياً في إدارة الملف النفطي الضخم في المنطقة بعد أن يبدأ بشكل واسع تحركاته في الموصل، خاصة وأن ترامب سيحارب الصين التي كانت مؤخراً حاضرة في البنى التحتية الخليجية والإفريقية,, ومن هنا سيطمح أردوغان إلى تجاوز الدور الروسي مهما عظمت تفاهماته معه مستغلاً كافة الأحداث الدولية، خاصة كورونا التي يتمدد في أثنائها مقدماً نفسه قادراً على تنفيذ الإستراتيجية الأمريكية.
هذا المقال أريده أن يكون رسالة للعرب ليفهموا أنهم على المحك وأن روسيا سوف تذهب مع أردوغان في مخططه بالرغم من كرهها العميق له، لأنه قادر على أن يحرك لها المسلمين الروس وهي التي خرجت منذ فترة قصيرة من مشكلة الشيشان ولا تريد في خضم هذا الوضع بالذات الدخول في مهاترات أخرى مع المسلمين، لأنها تدرك تماما قدرة أردوغان على تحريكهم وتأليبهم عليها.
لكن هناك على ما يبدو صفقة كبرى تدار اليوم في الغرف المظلمة بين الإيرانيين والأمريكان بوساطة تركية، بخصوص اتفاق على خروج الإيرانيين من العراق وتسليم سنة العراق إلى أردوغان، وفي المقابل إطلاق يد إيران في اليمن وسيكون ذلك بتعاون تركي وتخلي أمريكا عن أصدقائها السعوديين، وهذا الإتفاق يناسب جيدا الإيرانيين إذ لست لديهم مشكلة مع تنظيم “الإخوان”، بل بالعكس،هم يدعمونهم وستضطر روسيا إلى غض النظر عن هذه التحالفات بل سوف تدعم “الإخوان” إذا ما سقطت الدول العربية وخاصة دول الخليج.