الثلاثاء. نوفمبر 19th, 2024

إعداد: د .بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية الأمنية والعسكرية

برغم خسارة تنظيم داعش معاقله  في العراق وسوريا ، إلا أنه  لايزال يشكل تهديدا قائما إقليميا ودوليا،وبات معروفا أن التنظيم يضع أوروبا نصب أعينه.. الذئاب المنفردة تبقى تمثل تحديا لأجهزة الإستخبارات الأوروبية رغم ماتتخذه من إجراءات ناجحة في مكافحة الإرهاب.

وتقوم عمليات “الذئاب المنفردة” عادة على مبدإ التمويل الذاتي المحدود واستخدام المواد التي تستعمل في صناعة المتفجرات والتي يمكن الحصول عليها من الأسواق بدون إثارة أيّ نوع من الريبة، وغالبا ما ينتمي هؤلاء المتطرفون إلى فئة الأشخاص الأسوياء الإعتياديين الذين التي لا يثيرون الشّكوك حول سلوكهم وحركتهم اليومية.

ووفق هذا الطارئ التكتيكي، تتحول العمليات الإرهابية من عمليات واسعة تنفّذها تنظيمات ومجموعات منظمة إلى عمليات فردية ينفذها أفراد.

ويمكن أن تتنزل هذه العمليات في إطار بحث المنظمات الإرهابية عن حلول لمواجهة مشكلة التمويل والنقص في القيادات الميدانية من الجيل الأول للقاعدة، الذين تقدّم بهم السن وخرجوا من الخدمة.

كما أنّ هؤلاء العناصر ليس بالضرورة أن يترددوا على المساجد، أو يكون مظهرهم”إسلامويا متطرفا”، مع إجادة التعامل مع وسائل الإتصال والتكنولوجيات الحديثة، حيث إنّ المعلومات التي توفرها لهم شبكة الإنترنت حول كيفية التحول من مواطن عادي إلى “جهادي مفخخ” تعتبر مادة قيّمة من وجهة نظر التنظيمات الإرهابية.

لقد تراجع مؤشر الإرهاب كثيرا خلال عامي  2018 و 2019 حيث نجحت  أجهزة الإستخبارات الأوروبية، إلى حدا ما، في نزع عنصر المبادرة من تنظيم داعش والجماعات المتطرفة، من خلال اعتماد استراتيجية شن عمليات استباقية وقائية ضد خلايا تنظيم داعش.

وتركزت العمليات الإرهابية في أوروبا خلال عام 2018 و 2019  على عمليات الطعن.

أوروبا : الإرهاب نتاج محلي

كشفت دراسات معنية بالإرهاب، عن  أن  56  من منفذي هذه العمليات كانوا من مواطني البلد الذي تعرض لهذه العمليات الإرهابية، أي ما يشكل (73% ) من مجموع المنفذين، ويضاف إلى هؤلاء نسبة (14% )ممن يتمتعون بإقامة دائمة في البلد الذي نُفّذت فيه العمليات، أو وفدوا من بلد مجاور، وأن (8% ) فقط منهم تلقوا أوامر مباشرة من “داعش” أو من تنظيم إرهابي آخر لتنفيذ هذه العمليات، أما النسبة الأكبر، أي (92%)، فكانوا من ذوي صلة غامضة بالتنظيم. 

وقد حذرت أجهزة الإستخبارات الأوروبية  من دعاية الجماعات المتطرفة لاستقطاب الشباب وتجنيدهم  عبر الإنترنت أو عبر بعض المساجد والجمعيات التي تدعو إلى التطرف وتتخذ الإسلام  غطاء لأنشطتها.وتركز الإستخبارات الأوروبية على مواجهة الفكر المتطرف باعتباره الأساس الذي تبرر به هذه الجماعات أعمالها..ويمثل المتطرفون العائدون من مناطق القتال في سوريا والعراق ، تهديدا أمنيا للدول الأوروبية  لتصبح تلك القضية هي الأولى على قائمة أجهزة الأمن.

يقول جوناثان أدلمان، أستاذ القانون بجامعة دنفر جوزيف كوربل للدراسات الدولية  إنه وفقاً لشهادات العائدين من مناطق الصراع بين صفوف داعش، فإن التنظيم يطلب من المنضمين حديثا تسليم حساباتهم على مواقع التواصل تويتر أو فيسبوك إلى التنظيم الذي يعطيها إلى مختصين بالمواقع الإلكترونية يعملون بداخله، وثاني الطلبات تصوير مقاطع فيديو لدفع الشبان إلى الإنضمام إلى تنظيم داعش، وإطلاق حملة جمع تبرعات مالية.

وقد نجحت أجهزة الإستخبارات الأوروبية في ضبط وتفكيك خلايا إرهابية على أراضيها وإحباط العديد من العمليات الإرهابية التي كان من المقرر تنفيذها. وأسفرت الجهود التي قامت بها الأجهزة الأمنية والقضائية،  عن الحد نسبيا من وقوع عمليات ارهابية.

وشهدت أوروبا خلال عام 2018 العديد من العمليات الإرهابية ، انحصرت مابين الطعن والدهس، وهي عمليات محدودة  تعطي مؤشرا على أن تنظيم داعش تراجع كثيرا  في أوروبا.

بَيْدَ أن عدم وقوع عمليات إرهابية داخل أوروبا، لايعني تراجعا في حجم هذه الجماعات محليا..

ماتحتاجه دول أوروبا هو الإستمرار باعتماد إجراءاتها بفرض رقابة على الجماعات المتطرفة محليا، ومتابعة العناصر المشبوهة التي يمكن ان تنفذ عمليات إرهابية، وإخضاعها للمراقبة على مدار الساعة، وتعزيز سياساتها بمنع الدعاية المتطرفة على الإنترنيت،علاوة على متابعة المراكز التي تدعو إلى التطرف أو تلك المتورطة في تقديم الدعم اللوجستي للتنظيمات المتطرفة.

الذئاب المنفردة تكتيك داعش المفضل

تقدم المواقع”الجهادية” المعلومات بعدد من اللغات لاستهداف الشباب في المجتمعات الغربية.وغالبية عمليات “الذئاب”يقوم أصحابها، قبل تنفيذ أي عملية، بايقاف اتصالاتهم قبل فترة التنفيذ، وايقاف اتصالات الهاتف وغلق حسابات الفيس بوك أو تويتر، وبعض هؤلاء ربما يقوم بالسفر لأغراض سياحية خارج الدولة الهدف من أجل التمويه على أجهزة الإستخبارات.

جنسيات المقاتلين داخل داعش

تشير مجموعة سوفان وهي منظمة بحثية مقرها في نيويورك ولها مكاتب إقليمية في العديد من الدول تقدم خدمات أمن إستراتيجية للحكومات والمنظمات متعددة الجنسيات،إلى أن المقاتلين الأجانب الذين ينضمون إلى هذه الجماعات يأتون من حوالي 86 دولة، والدول العشر التي تتصدر قائمة المقاتلين الأجانب في العراق وسوريا تشمل تونس (6500) والسعودية (2500) وروسيا (2400) والأردن (2250) وتركيا (2100) وفرنسا (1700) والمغرب (1350) ولبنان (تسعمائة) ومصر (ثمانمائة) وألمانيا (760)…

وتشير الإحصاءات إلى أن نحو 760 “جهاديا” من بريطانيا سافروا إلى سوريا والعراق، وتبين بعض التقديرات أن نصف هذا العدد عادوا إلى وطنهم، بينما يعتقد أن أكثر من خمسين قتلوا هناك.

وعن أعداد المقاتلين في سوريا والعراق من كل قارة تشير إحصاءات المنظمة إلى (14 ألفا و72) من آسيا و(9607) من إفريقيا و(5997) من أوروبا و(330) من أمريكا الشمالية و(195) من جزر المحيط الهادئ و(76) من أمريكا الجنوبية.

تغريدات داعش

ساعدت الصور التي تداولتها الخلايا النائمة للتنظيم الأجهزة الأمنية في تحديد مواقع تلك الخلايا، حيث رد أحد المغردين على أحد عناصر داعش في ألمانيا، بتحديد الموقع الجغرافى له، وتبين أنه غرّد من تقاطع طرق في الضاحية الشمالية لمدينة مونستر، بينما تم تعقب أحد المؤيدين الآخرين ليتبين أنه من هولندا، وبالتحديد هوفدورب، وهي بلدة قريبة من مطار سخيبول أمستردام.

كما تم تعقب آخر كتب في منشوره فرنسا، تبين أنه بجوار محطة مترو أنفاق بروس غروف، في شمال لندن، اعتمادًا على شعار مترو أنفاق لندن وحافلة ذات الطابقين ظهرتا في الصورة، وهناك ما يزيد على   543 حسابًا على تويتر استخدم الهاشتاغات.

ومن ضمن تلك الدول التي شملها الهاشتاغ ألمانيا وإيطاليا، حيث أصدر التنظيم إصدارات خاصة باللغة الألمانية، كما سبق للسلطات الإسبانية أن أعلنت أن خلايا التنظيم نشطة جدًا على الشبكات الإجتماعية، ولعبت دورًا في تقديم إغراءات في عمليات تجنيد للإنضمام إلى جيش المقاتلين في التنظيم الإرهابي.

ويقول مدير الإستخبارات الوطنية الأمريكية،جيمس كلابر، إن الحدود المفتوحة بين الدول الأوروبية سمحت لتنظيم “داعش” بزرع خلايا نائمة عبر القارة.

ولمح إلى أن المتشددين يستغلون أزمة اللاجئين في أوروبا للتسلل إلى القارة، مطالبا بتعاون استخباراتي أفضل بين الدول الأوروبية.

من جهته،قال المكتب الأوروبي للشرطة(يوروبول) عام 2016 إن هجمات “الذئاب المنفردة” تمثل خطرا كبيرا على الإتحاد الأوروبي، وأضافت أن ما حدث في فرنسا وألمانيا يظهر أن هذا النوع من الهجمات من الصعب للغاية كشفه ومنع وقوعه.

وفي تقريره الأخير حول الإرهاب، توصل المركز الدولي لمكافحة الإرهاب في لاهاي، إلى أن بنية الإرهاب شهدت عملية “لا مركزية” واضحة من خلال ظاهرة “الذئاب المنفردة” والكسب على الإنترنت. ويضيف التقرير أن التعمق في كشف شبكات الإرهاب، عند التحقيق مع أحد المعتقلين أو عند الكشف عن أحدهم، أصبح متعذراً بفعل هذه “اللامركزية”.

ولم يكن ميل منفذي الإرهاب للعنف جديداً عليهم، وتوصلت الدراسة إلى أن 57 في المائة منهم هم من ذوي ماض إجرامي ولديهم سجلات لدى الشرطة، و8 في المائة فقط منهم تلقوا أوامر مباشرة من “داعش” أو من تنظيم إرهابي آخر لتنفيذ هذه العمليات. أما النسبة الأكبر، أي 92 في المائة، فكانت من المتأثرين بدعاية “داعش” أو من ذوي صلة غامضة بالتنظيم، أو من الذين تصرفوا بمفردهم مستوحين العبرة من الإرهابيين.

وبيّن اليوروبول أن عددا كبيرا من الأشخاص وحتى النسوة، انضموا إلى صفوف “داعش” في سوريا والعراق، وقد تم على الأقل تدريب هؤلاء النسوة على استخدام الأسلحة النارية ودورهن يمكن أن يتطور في المستقبل، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر على طبيعة وتأثير عمليات “داعش” في أوروبا.

وكشفت دراسة أميركية عن أن العديد من الأشخاص المتعاونين أو المتعاطفين مع تنظيم داعش والذين يعرفون إعلاميا بـ “الذئاب المنفردة” يتلقون تشجيعا وتوجيها عبر الإنترنت من التنظيم لتنفيذ هجمات يمكن له لاحقا تبنيها، وذلك بعد تراجع قدرة التنظيم على تنفيذ هجمات كبيرة.

واقترحت المفوضية الأوروبية عام 2016 بشكل خاص تدبيرا جديدا يتيح على الدوام اعتبار تبييض الأموال جريمة جزائية، والعمل على “سد الثغرات” في القوانين الوطنية لكل بلد في هذا المجال. كما اقترحت تدبيرا جديدا يعزز الرقابة على حركات الأموال السائلة بما يتعلق بالأشخاص الذين يدخلون الإتحاد الأوروبي أو يخرجون منه وبحوزتهم عشرة آلاف يورو على الأقل.

كما تريد المفوضية إفساح المجال لاحقا أمام السلطات الوطنية للتحرك حتى ولو كان المبلغ المعني أقل من عشرة آلاف يورو، في حال وجود شبهات عن نشاط إجرامي، ومن الإجراءات الأخرى أيضا توسيع “الرقابة الجمركية لتشمل أيضا المال السائل المرسل عبر الطرود البريدية أو عبر الشحن، ومراقبة تحرك الأحجار الثمينة والذهب”.

كما قدمت المفوضية اقتراحات لتحسين “نظام شنغن للمعلومات” وهو عبارة عن نظام لتقاسم المعلومات بين السلطات القضائية والشرطة بشكل خاص.

وقال مسؤولون بالإتحاد الأوروبي إن بعض الهجمات في أوروبا نُفذت بأموال محدودة أرسلتها في بعض الأحيان شبكات إجرامية من خارج الإتحاد الأوروبي، وتدرس المفوضية أيضا إنشاء “برنامج مكافحة تمويل الإرهاب”.



By Zouhour Mechergui

Journaliste