الأثنين. ديسمبر 30th, 2024

الدكتورة بدرة قعلول:رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية بتونس

لما طُردت وهربت القيادات الإخوانية من بلدانها، استقبلتها البلدان الأوروبية كعناصر معارضة سياسية، و تفرقت تلك العناصر على كامل أوروبا أين أسّسوا لأنفسهم حواضن شعبية من المهاجرين العرب هناك، وبذلك أصبحت أوروبا الحاضنة والملاذ لجماعة”الإخوان المسلمين” المحاصرة في أغلب البلدان العربية.
وبانتقالهم إلى أوروبا وقعوا في أيادي المخابرات وبدأ تقديم التسهيلات لهم لتكوين شبكات علاقات من مختلف الجنسيات وتراوحت فيما بينهم المصاهرات السياسية بالعلاقات الشخصية وجمع المال والمتاجرة بقضايا السجناء السياسيين، وجمعتهم الخطط والأهداف، وامتدت نشاطاتهم في أوروبا عبر مؤسسات مالية وشركات ومراكز كثيرة وحصلوا على الدعم من الدول الداعمة للتنظيم الدولي للإخوان كما تلقت الدعم المالي من بلدان أوروبية لتستخدمهم وترجعهم فيما بعد في لدمار بلدانهم.
كانت أوروبا تعدهم من أجل الإبتزاز والتفاوض بما يسمى ملف “المعارضة المضطهدة” مع حكام دولهم، ولكنها لم تتفطن إلى أن هؤلاء يمكن أن يصبحوا خطرا على مجتمعاتها.
بعد أن تمكنت الجماعة وقياداتها من أوروبا بدأ الإعلان عن مخططاتهم في “أسلمه المجتمع” الأوروبي و”الفتح الإسلامي” في أوروبا، ومساعيهم إلى هدم المجتمعات الأوروبية من الداخل وتطويعها لإرادتهم وإيديولجيتهم، معتبرين وجود أعضائهم في أوروبا “جهادا” في سبيل الدعوة الإسلامية بزعم مضحك بأن لهم توكيلا مفوضا عن الدين الإسلامي.
وأصبح أصحاب القرار الأوروبي يخشون هذه الجماعة وتمددها إدراكا لمدى تمكنها وتغلغلها في المجتمع الأوروبي من خلال المساجد والأئمة والجمعيات الدعوية …

وقد حذرت استخبارات العديد من الدول الأوروبية من خطورة الجماعة والمتعاطفين معها الذين تحصلوا على الكثير من الإمتيازات كالتعليم الجيد والمناصب العليا، كما كونوا علاقات ممتدة في العالم في ظل تمتعهم بسهولة التنقل وتسللهم إلى مؤسسات الدول على غرار ألمانيا وفرنسا وبلجيكا وسويسرا وبريطانيا وغيرها وذلك باستخدام واجهات عمل منها شركات تجارية ومنظمات ومجالس إسلامية وأبناء “الإخوان” من الجيلين الثاني والثالث الذين يحملون الجنسية الأوروبية وأصبحوا مواطنين لهم نفس الحقوق لكن الواجبات لا تزال مرتبطة بتنظيم”الإخوان المسلمين”.
في ألمانيا على سبيل المثال، توجد أكثر من 10 مراكز كبرى لتنظيم”الإخوان” لها نشاطات كبرى كمجموعة عمل ZMD ومجموعة DİTİB التركية وهي واحدة من أبرز المجموعات التي ينشط فيها تنظيم”الإخوان”.
واستفاد “الإخوان” في السنوات الأخيرة من موجة اللجوء الكبيرة التي وصلت إلى ألمانيا منذ عام 2015، لكسب المزيد من التعاطف.
وأفادت الإستخبارات الألمانية بأن جماعة “الإخوان المسلمين” في ألمانيا هم من أبرز اللاعبين في تقديم الدعم اللوجستي إلى التنظيمات المتطرفة ونشر الكراهية وبناء مجتمعات موازية، كما أن هذه التنظيمات ضغطت على أصحاب القرار في ألمانيا لدعم ما يسمى “الربيع العربي”.
وإدراكا من ألمانيا لخطورتهم مهدت لتغلغلهم داخل دولهم ودافعت عنهم وقدمت لهم الدعم المادي واللوجستي للرجوع إلى دولهم لأنها تريد إبعادهم والتخلص منهم. وتعتبرأوروبا اليوم نفسها في مأزق التنظيم الذي ربته من أجل افتراس مجتمعاتهم الأم، فإذا بهم يحاولون افتراسها وينقلبون عليها.

ثم إن فكرة عودتهم إلى أوطانهم لم تأتِ أكلها لأن الجيلين الثاني والثالث من تنظيم الإخوان، أصبحا يحملان الجنسية الأوروبية، ففي سنة 2014 كشفت الإستخبارات الألمانية عن عمل “إمبراطورية الإخوان في ألمانيا”، وبرغم أن التقارير في البدء كانت سرية، إلا أنه تم الكشف عنها بطلب من البرلمان الألماني وقد تضمنت التقارير الإستخباراتية حقائق التهديدات الأمنية على ألمانيا من قبل جماعة”الإخوان”.

وفي هذا الصدد بالذات كتبت صحيفة (فرانكفورت) الألمانية مقالًا في 15 يوليو 2019، تناوله أيضا موقع(دوتش فيلله) الألماني يقول: “إن الإخوان يحاولون إظهار أنفسهم على أنهم “منفتحون على الديانات الأخرى”، وهذا أحد الأسباب التي يُساء فيها فهم هذا التنظيم على أنه مسالم ومنفتح ما يمكِّنهم من كسب تأثير كبير في المجتمع…غي حين أن التطبيق يحمل أطروحات متطرفة.

وفي كل الدول الأوروبية يوجد “مجلس أعلى للمسلمين” يمثل العديد من المساجد والجمعيات وهو تابع لتنظيم “الإخوان”،وبحسب المخابرات، فإن”التجمع الإسلامي في ألمانيا” يضم 1300 عضو، ونسق نشاطات مع أكثر من 50 مسجدًا.
منظمة”ميلي غوروش”
تعتبر واحدة من أكبر المنظمات الإسلامية في ألمانيا، أسسها التركي نجم الدين أربكان في ستينات القرن الماضي وهي مجموعة متطرفة،بحسب تقرير الإستخبارات الألمانية والتي تثار حولها العديد من إشارات الإستفهام وتخضع لمراقبة أجهزة الدولة الألمانية ومتهمة بالترويج لأدبيات تدعم التطرف والتحريض على الكراهية والتمييز.

تمركزت جماعة الإخوان القادمين من سوريا في مدينة آخن،في مقاطعة نورد ويستفالن، شمال غربي ألمانيا عند الحدود الهولندية البلجيكية، وأبرز مقراتهم في مدينة آخن هو مسجد بلال الذي يعتبر صرحا ضخما في المدينة، بينما اتخذت قيادات الجماعة من أصول مصرية مدينة ميونخ جنوب ألمانيا مقرا لها.

وبحسب الإستخبارات الألمانية الداخلية، تحول “التجمع الإسلامي في ألمانيا” ومقره كولن، إلى المكتب الرئيسي لأنشطة الإخوان المسلمين في البلاد.

الإخوان في أوروبا

الخلاصة :

لاتزال الإستخبارات الألمانية تواجه تحديًا في الحصول على وثائق وشواهد، من أجل وضع الجماعة على قوائم الإرهاب، برغم تحذيراتها من أن الجماعة أخطر من تنظيمي القاعدة وداعش.
المشكلة التي تواجه الإستخبارات، هي الفصل بين “النواة الصلبة” للإخوان وتنظيماتها السرية، بين الواجهات التجارية والسياسية والمنظمات التي تتخذها غطاء لأنشطتها، وما يزيد المشهد تعقيدًا أن تلك الواجهات التي يمكن اعتبارها أذرع “الإخوان” تنفي وجود أي علاقة تنظيمية، ويعود ذلك إلى أن جماعة “الإخوان” في ألمانيا وأوروبا، تفهم جيدا القوانين والإجراءات، بما يمكنها من الإلتفاف على تلك القوانين وحماية نفسها من أي مساءلة قضائية أو أمنية.
إلا أن البرلمان الألماني، وكذلك المعارضة السياسية يضغطان على الإئتلاف الحاكم من أجل الكشف عن أنشطة الجماعة وتأثيرها على المجتمع الألماني.

By Zouhour Mechergui

Journaliste