الأثنين. أكتوبر 7th, 2024

بلحسن اليحياوي : تونس-5-2-2020

شهدت تركيا خلال السنوات التي سبقت وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم ازمة اقتصادية خانقة عجلت بإنهاء حكومة أجاويد، وكان الإنهيار رمزًا للمشاكل السياسية والإقتصادية التي كانت تضرب تركيا لسنوات وقلت الثقة في الحكومة بشكل كبير جدًا بسبب الفساد والعجز عن تشكيل تحالفات دائمة.

 وقد كشف انهيار السوق المالي في سنة 2001 أن الوضع الإقتصادي التركي ليس فقط ضعيفًا للغاية ولكنه يعتمد اعتمادًا كليًا على الإستثمار الأجنبي وكان من الطبيعي أن يسلط هذا الإنهيار الضوء على الوضع السياسي غير المستقر في تلك الفترة في تركيا…

وبعد فوز حزب العدالة والتنمية بالإنتخابات واستلامه السلطة في 2002 بدأت تركيا في رسم خطة جديدة لموقعها ومكانتها ودورها على المستوى الإقليمي والدولي وكان العالم العربي والإسلامي مركز الأطماع التركية انطلاقا من الخلفية التاريخية والمشترك الحضاري بين العرب والأتراك ولا سيما خلال العهد العثماني، ونجح حزب العدالة والتنمية في استبدال الصورة النمطية السلبية لتركيا في عيون العرب من تلك المعادية للإسلام والعرب إلى صورة استعادت من خلالها تركيا الكثير من إشعاعها الإقتصادي والثقافي والسياسي في العالم العربي جعلت رجب طيب أردوغان يصدق نفسه قبل الأوان ويأمر حرفييه بتجليد عرش السلطان العثماني بصورة مبكرة.

وأمام الصورة المهتزة لدول الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وجنوب القوقاز وغيرها أين تعاني كل هذه الدول من أزمات اقتصادية، وفشل مطّرد في تحقيق تنمية متوازنة وتلبية الحد الأدنى من الإستقرار الإجتماعي والإقتصادي والسياسي نجحت تركيا في فرض نفسها كـ {الدولة الأنموذج} متوسلة بانتهازية لا مثيل لها جعلتها تستغل الأزمات الإقتصادية لكل هذه الدول المجتمعة من أجل تمرير سياساتها في المجال الإقتصادي والعودة بقوة إلى المنطقة العربية وأسيا الوسطى.

وتشير الكثير من الإحصائيات إلى ارتفاع الصادرات التركية إلى الشرقين الأدنى والأوسط من 10 مليار دولار في سنة 2005 إلى 19 مليار دولار في 2009 مسجلة اختلالا كبيرا في الميزان التجاري لصالح تركيا مع هذه الدول مما سوّل وسهل لتركيا احتواء هذه الدول بعد استقلالها للإستفادة من ثرواتها التي كانت منذ البدء تحتل سلم أولويات السياسة الخارجية التركية فنجحت في أن تحول نفسها إلى منصة رئيسية لإمدادات الطاقة وتعزيز دورها كمركز لعبور الطاقة نحو أوروبا.

لقد أدركت تركيا بشكل مبكر أن الثروة الطاقية الحقيقية ليست في منابع النفط والغاز بقدر ماهي في مسالك النقل pay plan فكانت المفتاح لحركة النفط الخام وإمدادات الغاز الطبيعي من روسيا ودول بحر قزوين ودول الشرق الأوسط إلى أوروبا كما كانت نقطة العبور الرئيسية لكميات النفط المنقولة بحرا فأصبحت بذلك أكثر أهمية للدول المصدرة للنفط والغاز الطبيعي من خلال الإستثمارات الأجنبية في خطوط الأنابيب المستخدمة لنقل كميات متزايدة من النفط الخام والغاز الطبيعي من روسيا ودول بحر قزوين عبر الناقلات التي تمر بالمضائق التركية الى الأسواق الغربية بالإضافة إلى ميناء جيهان الذي يمثل المتنفس الأساسي لصادرات النفط من العراق وأذربيجان والواقع 30 كلم جنوب شرق ولاية أضنة على ساحل البحر الأبيض المتوسط على خليج إسكندرون المحتل.

ولذلك لم تتوانى تركيا في العمل على الإستحواذ بهذا الدور من خلال إفشال كل مشاريع نقل الطاقة في المنطقة حتى وإن كلف الأمر إشعال فتيل الحروب في دول الجوار والعبث بالأمن القومي للمنطقة ككل على خلاف أسطورة تسفير المشاكل مع دول الجوار كما حدث في سوريا ومن قبلها في العراق …

ولم يكن تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين ووريثه الشرعي داعش سوى إحدى أذرع السلطان العثماني في المنطقة من أجل الحفاظ على المصالح التركية المتعلقة بمشاريع إمدادات الطاقة في المنطقة كما سنأتي على تفصيل كل ذلك لاحقا…كل هذا ساهم في تحقيق نمو اقتصادي كبير لتركيا حققت بفضله الموازنات العامة للدولة فائضا لسنوات متتالية ولكن كما هو معلوم في الإقتصاد فقط يمكن لأحدهم إثبات الشيء ونقيضه في نفس الوقت …ففائض الميزانية يعني فعلا أن مصروفات الدولة أصبحت أقل من إيراداتها وأنها استطاعت ادخار جزء من المال لتسديد ديونها وهو أمر جيد بلا شك إلا أنه إذا تحقق ذلك على حساب تخفيض الإنفاق على قطاعات الصحة والتعليم مثلا فذلك لا يعني سوى تدهور كل تلك المؤشرات التي تعني المجتمعات بصورة مباشرة وهو نفس الأمر الذي يحدث مع ارتفاع مؤشرات الدخل الفردي الخام حين يستأثر 10 بالمائة من أغنى سكان تركيا على 32.1 بالمائة من إجمالي الدخل المتحقق سنة 2016 في حين لم يحصل أفقر 10% من السكان سوى على 2.2% من الدخل المتحقق في نفس العام.

 بيد أن اختلال توزيع الدخل ليس وليد عام 2016، فالبيانات تشير إلى أن ثمار النمو تذهب منذ 2010 إلى الشريحة الأغنى في المجتمع، بينما لم يحدث أي تحسن في وضع الشريحة الأقل دخلا .

يتبع…

By Zouhour Mechergui

Journaliste