تونس-30-1-2020 بلحسن اليحياوي
في أثناء افتتاح القمة العربية في سرت خلال شهر مارس 2010 قال رئيس الوزراء التركي آنذاك ، في كلمة له، إنه من الجنون أن تعتبر إسرائيل القدس بشطريها عاصمة لها.
وأضاف:”هذا جنون لا يلزمنا ” وتابع: ” القدس هي قرة عين كل العالم الإسلامي ولا يمكن قبول اعتداء إسرائيل على القدس والأماكن الإسلامية بتاتا، وأشار ” وإن احتراق القدس يعني احتراق فلسطين، واحتراق فلسطين يعني احتراق الشرق الأوسط “.
وبفضل هذه الوصلة حظي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بحفاوة الزعماء العرب وباهتمام خاص من العقيد الراحل معمر القذافي دون أن يدري أو أنه كان يدري ولايصدق أن السلطان العثماني غير المتوج سيلعب الدور الأهم في مشروع إسقاطه ووضع ليبيا على أبواب الجحيم، وهو الأمر الذي شجع الطيب العثماني على مزيد التدخل في الشؤون العربية بحلول مواسم الربيع الأسود وحسابات إيصال الإخوان المسلمين إلى السلطة في دول المنطقة..
بعد هذا التاريخ ببضعة عشر شهرا التقت إرادة داود أوغلوالخوجا -راهب السلطان العثماني- بنظيره القطري حمد بن جاسم لاستصدار قرار تعليق عضوية سوريا من الجامعة العربية وبداية العمل التركي العربي المشترك ضد سوريا ومن معها وخاصة إيران، تلك التي تجاهل أردوغان العداء معها منذ أن استلم حزب العدالة والتنمية السلطة في 2002 في الوقت الذي اعتقد كثير من العرب أن تركيا السنية تقف في وجه إيران الشيعية، بيد أن للبيدر حسابات مختلفة تماما عن تلك التي يجريها الفلاح الذي اعتقد طويلا أنه وجد في تركيا /العدالة والتنمية خير بديل لصدام حسين للوقوف في وجه الثورة الإيرانية، إلا أن كسب ودّ العلويين والشيعة في تركيا والذين يمثلون 25 بالمئة من تعداد الشعب التركي كان بالنسبة لرجب طيب أهم بكثير من جرح مشاعر الدول والممالك العربية ما دفعه للسعي إلى توطيد علاقته بالنظام السوري /العلوي آنذاك قبل أن تتغير كل هذه الحسابات مع هبوب نسائم”الربيع العربي” التي دفعت بأردوغان إلى تغيير تكتيكاته مع الحفاظ على نفس الإستراتيجيات..
فبدلا من السعي المحموم إلى الإنضمام إلى الإتحاد الأوربي أصبح هاجس الأتراك ترسيم تركيا كقوة إقليمية في المنطقة برغم أنف العرب والمسلمين وبسط النفوذ من أعالي الأناضول نحو غرب آسيا شرقا وحتى جبال الأطلس غربا..
فبعد أقل من عشر سنوات على استلام حزب العدالة والتنمية اللسلطةَ في تركيا كانت أسهم الرئيس التركي في ارتفاع لدى جزء كبير من الشعوب العربية، وبغض النظر عن أيديولوجياتهم وانتمائهم السياسي انبهر أولئك بالإنجازات الإقتصادية والسياسية لأردوغان وإن قلّ هذا الإنبهار تدريجيا نتيجة لتأييد الزعيم التركي المطلق للإخوان المسلمين إلا أن أتباع الإسلام السياسي ازدادوا حبا وإعجابا بالسلطان العثماني الذي حول تركيا إلى قبلة لهم لممارسة أنشطتهم السياسية والإجتماعية والإستثمارية في أحيان كثيرة..
والحقيقة أنه طالما وقعت النخب العربية فريسة للدوغمائية فاختلفوا فيما بينهم حول التقييم الدقيق لماهية السياسة التركية ولا يزالون.ففي الوقت الذي فهم فيه البعض خطر الدور التركي على الأمن القومي للمنطقة العربية برمتها عد البعض الآخر هذا الدور إيجابيا دون أن يتمكن أحد الطرفين من وصف وكشف دورها ومشاريعها الإقليمية والدولية، وفي الحقيقة إن هذا الخلاف ناتج أساسا عن غياب جملة من المفاهيم لدى المثقفين العرب أو قل عدم الإتفاق حول هذه المفاهيم من قبيل العروبة والقومية والدين والعلمانية وحقوق الأقليات والتي لم تكن يوما من ضمن أولويات أولئك الذين يعيشون أزمة الولاء للأنظمة التي يعتقدون أنها الأنموذج الأفضل أو أولئك المثقفين المدفوع لهم سلفا …
ولغياب الرؤية المشتركة لدى النخب والمثقفين وعلاقاتهم الملتبسة مع النظم الحاكمة لا يمكن إيجاد صيغة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وفكرية لمستقبل الدول العربية بأجمعها بدءٍ من الجزائر مرورا بتونس وليبيا وصولا إلى الشام ومابين النهرين، وهو العمل الذي يقع على عاتق المثقفين والطبقات السياسية والباحثين والإستراتيجيين بعيدا عن مظاهر الفولكلور والممارسات المريضة.. مثل هذا الجهد لا يمكن أن ينتجه سوى مراكز البحوث الإستراتيجية للقضاء على كل هذه التناقضات وعلى غياب الفكر العربي المشترك ولكن أنّى لنا الحديث عن مراكز البحوث وشقيقنا العربي لا يقرأ وأصبح اليوم لا يفهم!
يتبع…