الأربعاء. ديسمبر 25th, 2024

إعداد: الدكتورة بدرة قعلول :رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتجية الأمنية والعسكرية

شاركت بريطانيا في عماليات الناتو سنة 2011 بكثافة كبيرة وقد لعبت دورا أساسيا مثلها مثل فرنسا خاصة في القصف الجوي على ليبيا خلال الأحداث التي جدت في ذلك الوقت والحملة الدعائية المناوئة للنظام الليبي ، وذلك بدعوى”إنقاذ المدنيين بليبيا” من ممارسات النظام وأنصاره ضد” الثوار الليبيين”.
وقد امتدت عماليات القصف ثمانية أشهر كاملة، استخدمت خلالها أعقد الأسلحة في ترسانة حلف شمال الأطلسي الذي كان موجها أساسا إلى الإتحاد السوفياتي ..

تم تدمير أغلب المؤسسات القائمة وأسقط النظام ليطال العدوان القتل المتعمد للقائد معمر القذافي بأمر مباشر من بعض القادة الغربيين في 20 أكتوبر 2011 ونكل به حيا وجثة. أعلن الناتو وبريطانيا على أثر ذلك “انتصار الثورة الليبية” معلنين أن “المهمة” قد انتهت وتركوا ليبيا للفوضى بدون أي رؤية أو خطة لما بعد الأحداث.
وظل البريطانيون كعادتهم يتخفون وراء دول بعينها، وينكر الكثير من السياسيين وأصحاب القرار في بريطانيا في العديد من المناسبات أي تدخل في الشأن الليبي الداخلي، وليس لهم أي تواجد عسكري، بل يدعمون المصالحة الليبية والإنتقال الديمقراطي والسياسي في ليبيا للحفاظ على الوحدة الليبية.
وقد أنكرت بريطانيا التهم الموجهة إليها من قبل الليبيين الذين يؤكدون وجود قوات ووحدات خاصة بريطانية قد شهدوها على الأراضي الليبية، ويشيرون إلى أن الوحدات الإستخباراتية البريطانية منتشرة بكثرة على الأراضي الليبية ويوجد الكثير من الليبيين الذين يشتغلون لصالحهم ويمدونهم بالمعلومات..
سقطت الدولة والمؤسسات في أيدي الميلشيات المسلحة وأصبحت بريطانيا تتعامل معهم مباشرة بل وتدعمهم في الخفاء.
لكن جاء ما لم ترده بريطانيا ولم تتوقعه وهو تصريح لملك الأردن عبد الله الثاني على أثر اجتماع عقده مع قيادات في الكنغرس الأمريكي في منتصف شهر يناير 2016، والذي طشف عن أن بريطانيا قد استعانت بقوات خاصة ميدانية استخبارتية أردنية في عمليتها السرية في ليبيا، وذلك قصد شنّ عمليات عسكرية ضد داعش والقاعدة وكانت القوات الأردنية موجودة لمعاضدة تلك القوات الخاصة البريطانية في ليبيا. هذا التصريح لملك الأردن يعد حجة ودليلا قطعيا على بريطانيا التي طالما نفت تواجدها العسكري والإستخباراتي على الأراضي الليبية بمعية دول عربية و أوروبية تستعملها للتخفي.
لقد تم إرسال جنود بريطانيين من قوات النخبة في الوحدات الجوية الخاصة للحد من التهديد المتنامي لداعش في ليبيا، وكجزء من الحرب الدولية ضد التنظيم، واستعانت بريطانيا بقوات خاصة أردنية للدعم الإستخباراتي على الأرض، كذلك كتبت الصحافة البريطانية والأمريكية كثيرا حول موضوع التواجد الفعلي العسكري البريطاني على الأراضي الليبية الذي طالما نفته الحكومة البريطانية.
وحسب نفس المصادر أراد ملك الأردن أن يحثّ الأمريكان على أن يكون له نفس الإتفاقية مثل البريطانيين بخصوص دور له في الشأن الليبي ويفتح للأمريكان الطريق لاستغلال القوات الأردنية في محاربة الإرهاب مثلما فعل في الحرب على الارهاب في سوريا.
وفي خضم التحولات المتسارعة في المنطقة أراد العاهل الأردني أن يضمن لنفسه مكانا مع القوى العظمى ويؤكد ولاءه لها خوفا من أي مخطط يمكن أن يطيح به و حتى لا تشمله الثورات أو التحولات السياسات في المنطقة.
وتؤكد المعلومات الإستخبارتية والإستقصائية التي تم الحصول عليها من مصدر مقرب من الإجتماع في الكونغرس الأمريكي، أن الملك عبد الله كان يتوقع أن تتصاعد وتيرة العمليات السرية في ليبيا، فقد ذكر لمستمعيه الأمريكيين أنالقوات الخاصة الأردنية ستعمل مع نظيرتها البريطانية عسكريا، علمًا أنه لم يكشف عن حجم أو نطاق أو نوعية العمليات في المناطق الليبية لكنه لمّح إلى خطورة الوضع. ولتبرير هذا التعاون البريطاني الأردني كان يجب على الأردن تبرير تبعيته لبريطانيا بزعمها أنها تتحالف وتعمل من أجل نزع قوى الشر في أي مكان من العالم.
وخلال الإجتماع السري بين الأمريكان و الأردنيين في الكونغرس، تحدث وزير الخارجية الأردني، “ناصر جودة”، والمديرة السياسية للديوان الملكي الأردني، منار الدباس، مطولًا عن الكيفية التي ستبدأ بها المعركة التي وصفاها العاهل الأردني بـ”الحرب العالمية الثالثة”، والتي ستمتد من إندونيسيا إلى كاليفورنيا، كما حاول الملك عبد الله الثاني إقناع الأمريكان بضرورة التنسيق معه ومع قواته الخاصة التي لها خبرة في الحرب على الإرهاب، وقال بصريح العبارة وبكثير من الثقة في معلوماته: “المشكلة أكبر من داعش، إنها حرب عالمية ثالثة، فالمسيحيون واليهود يعملون اليوم مع المسلمين ضد الخوارج والخارجين عن القانون”، في إشارة إلى داعش وفي نفس الوقت يقول ان المشكلة أكبر من داعش.
في هذا اللقاء تقلد العاهل الأردني منصب حمامة السلام العالمي والمصلح بين القوى العظمى وذلك عندما حثّ الولايات المتحدة وروسيا على دفن الأحقاد والعمل معًا للتغلب على داعش، مستطردًا بقوله: “المشكلة هي أن العديد من البلدان لا تزال تعيش بعقلية الحرب الباردة، ولكن عليها تجاوز ذلك والتركيز على الحرب العالمية الثالثة”.
وقد مارس البرلمان البريطاني الضغط على رئيس الوزراء “ديفيد كامرون” لتوضيح ما يجري من تدخل عسكري بريطاني عسكري في ليبيا. كذلك طلبت لجنة الشؤون الخارجية بمجلس العموم البريطاني من ” كامرون” الحقيقة كاملة كما طالبت لجنة الدفاع إيضاحات حول اعتزام الحكومة إرسال 1000 جندي إضافي إلى ليبيا كجزء من قوة دولية قوامها 6000 جندي.
حضر “كامرون”إلى مجلس العموم في شهر أغسطس 2016 ليقول إن الخطر أصبح قريبا منا بعد وصوله إلى شمال افريقيا والضفة الجنوبية للبحر المتوسط، مشيرا إلى أن أوروبا كلها مهددة بالإرهاب وكل أنواع الجرائم، كما ذكر ” كامرون” أن بريطانيا شهدت عمليات إرهابية،وأردف قائلا: “لا تحدوثني عن حقوق الإنسان عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي” وكل هذا يأتي ضمن التنافس الأوروبي المحموم على ليبيا ومواردها.
كما صرّح النائب المحافظ “كريسبن بلانت”، الذي يرأس لجنة الشؤون الخارجية، بعدم تفاجئه من انخراط القوات الخاصة البريطانية في ليبيا، حيث أوضح أن بيان “توبياس إلوود”، الوزير البريطاني لشؤون الشرق الأوسط، يحمل ضمنًا تلميحات حول اشتراك سلاح الجو الملكي البريطاني برحلات ذهاب وإياب إلى ليبيا، وهو طيران له مهام محددة للإستطلاع والكشف عن مخابئ الإرهابيين، وهذا التدخل العسكري يعتبره جيدا لحماية بريطانيا من التهديدات الإرهابية القادمة من ليبيا،حيث لم ينقطع التواجد العسكري والإستخباراتي البريطاني منذ 2011 بل ازداد بسرية وبذرائع متعددة، فالإستعمار دائما له مؤيداته.
التواجد العسكري البريطاني مثل غيره يندرج ضمن سياسات القوى الكبرى التي تريد أن يكون لها تموقع على الأراضي الليبية لنهب الثروات وخاصة البترول والغاز وللحصول على عقود كبرى لشركاتهم مع وجود تنافس حاد بين الشركات الكبرى البريطانية والفرنسية،إلى جانب استراتجية التموقع في إفريقيا التي تحتوي على ثروات معدنية ضخمة لنهبها واستغلالها،وهنا تعتبر ليبيا البوابة إلى المعمق الإفريقي.
دائما، وتحت نفس شعار “مكافحة الارهاب” وخطر داعش والقاعدة الذي تبين الدراسات والتحاليل أنه صناعة بريطانية أمريكية، والحدّ من الإضطرابات الموجودة في ليبيا والمنطقة ومواجهة الهجرة غير النظامية وتأثيرها على استقرار الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط ،فإن التدخل العسكري البريطاني وغيره يأخذ “مشروعيته” من الداخل والخارج و خاصة من مجلس الأمن.
وحسب الخبراء العسكريين البريطانيين فإن التواجد العسكري على الأراضي الليبية ينطوي ناحيتين إيجابيتين على الجهود العسكرية الواسعة في بلد مضطرب، حيث يتمثل الأثر الإيجابي الأول في توفير معلومات استخبارية لتوجيه الضربات الجوية البريطانية ضد الإرهابيين، أمّا الأثر الثاني فهو توفير عامل معزز للقوات المحلية التي تعمل مع الوحدات الخاصة، من خلال منحها المعلومات الإستخباراتية والمشورة التكتيكية وطبعا بدعوى حماية اليبيين وتهيئة الأرضية للإستقرار والتدريب للجيش الليبي والميلشيات والكتائب المسلحة الموالية لطرف معين، وهذا يذكرنا بالإستعمار الذي دخل من خلال أبواب: الحماية والإستشارات السياسية والعسكرية.. يعني الشكل الإستعماري الجديد وغير المعلن.
وخطة البريطانيين حسب زعمهم هي أن وجود القوات الخاصة البريطانية في ليبيا، يستتبع بشكل شبه حتمي وجود قوة رد سريع مع قوات بحث وإنقاذ، جنبًا إلى جنب مع الطائرات بدون طيار مع قدرة قصف كاملة، وذلك للتعامل مع حالات قتل او اختطاف عناصر القوات الخاصة في ليبيا.

كما بينت التقارير البريطانية أن كثافة ذلك التواجد هو لتنفيذ غايتهم الأساسية المتمثلة في قتل قادة داعش كجزء من خطة لمنع الإرهابيين من التكاثر على الأراضي الليبية و في دول المنطقة وامتدادات الساحل والصحراء التي تعد طريقًا رئيسيًا للاجئين المتجهين نحو أوروبا.
وحسب المصادر الإستخبارتية والعسكرية الليبية فان بريطانيا لها تواجد كبير ميداني خاصة في مصراتة جنبا إلى جنب مع القوات الإيطالية والتركية، وتتولى إعادة بناء منظومة الدفاع الجوي بالرغم من حظر تصدير السلاح إلى ليبيا، كما أكدّت المصادر الليبية أن بريطانيا تعمل لحساب “كتائب مصراته” علما أنه تتواجد في مصراتة 216 كتيبة من أشرسها وأعنفها كتيبة شرخان وكتيبة اللواء محجوب وكتيبة الحلبوص (كتائب مرتزقة ليس لها ايديولوجية ولا مرجعية وتتعامل مع من يدفع أكثر) وكتيبة الفاروق وكتيبة حطّين اللتين لهما مرجعية سلفية.

وأبرمت بريطانيا اتفاقيات خاصة مع مصراتة لتدريب طيارين وفنيين، وتوريد طائرات حربية ومنظومة صواريخ دفاع جوي ورادارات، بالتزامن مع إعادة تأهيل قصير المدى لمنظومة الدفاع الجوي الروسية القديمة.
ولبريطانيا تموقع استراتيجي كبير في الغرب الليبي وتشاركها كذلك بعض الوحدات الخاصة الجوية الأمريكية في المنطقة الفاصلة بين مصراتة وسرت، وظهر ذلك جليا خلال اشتباكات مع عناصر داعش، في مايو 2016، خلال عملية “البنيان المرصوص”، التابعة لحكومة الوفاق.

والملاحظ للتقسيم الدولي لليبيا أن الولايات المتحدة وإيطاليا وبريطانيا تعمل معا على الأراضي الليبية وتنسق عمالياتها بشكل سياسي مع حكومة الوفاق،وبشكل عسكري مع “كتائب مصراته”، على الأرض.
ويعتبر المحللون والمهتمون البريطانيون بالشأن الليبي، أن بعثة القوات الخاصة البريطانية ضعيفة وصغيرة ولا يمكن أن تحقق أية نجاحات لأن دورها سيغيب من خلال تدخل الكثير من القوى الأجنبية الأخرى، كل هذا ياتي في اطار التنافس الكبير بين القوى الأجنبية على ليبيا.
كما أن البريطانيين يعتبرون أن قواتهم الخاصة هي الأنجع ولها الخبرة الأكبر ميدانيا في مكافحة الإرهاب إشارة إلى مشاركاتها في أفغنستان العراق وسوريا وكذلك ليبيا.
إضافة إلى ذلك، وحسب الخبراء البريطانيين الإستراتجيين ، فإن التواجد البريطاني مع طرف ليبي واحد ليس بالناجع، بل يجب أن يكون على كامل التراب الليبي وأن يتم التعامل مع كل الأطراف الليبية بدون انحياز لأي طرف من الأطراف المتنازعة وبذلك يمكن أن يكسبوا حلفاء من الشمال والجنوب والشرق والغرب الليبي، حتى يضمنوا بعد ذلك مصالحهم فالبريطانيون حسب قراءتهم يعتبرون المشهد الليبي معقد جدا ولا يمكن التنبؤ بمن سينتصر وربما لن يكون هناك منتصر على الأقل على المدى القريب ، ولهذا فإن بريطانيا تدعم بشدة تقسيم ليبيا إلى فيدراليات.
لقد ظل كل بلد على حدة يريد أن يكسب نصيب الأسد من الوجود بالإدعاء أنه هو من كان له الفضل في النصر حتى يحوز على أكثر قدر من الغنائم وخاصة عقود النفط والبناء و الإستثمارات. لهذا يرى صانعو القرار البريطاني أن التواجد العسكري الإضافي مهم على الأراضي الليبية.
أما الحضور السياسي البريطاني على الساحة الليبية فلا يبتعد كثيرا عن النسق العالمي فالكل يدعم حكومة الوفاق والسراج كلاما، أما فعلا وتطبيقا فلا أحد يدعم السراج بل يجبرونه على توقيع الإتفاقات والصفاقات فقط وهو يحاول كسب رضاهم
وفي تصريح ل صحيفة “أتلانتيك” اعتبر أوباما أن بريطانيا متخاذلة في الملف الليبي وأنها تخلت عما بدأته منذ 2011 ولم تكمل دورها الأساسي، فبعد إسقاط الحكومة الليبية- بالنسبة لأوباما- وبعد أن كانت بريطانيا وفرنسا الفاعلين الأساسيين في إسقاط نظام معمر القذافي، إلاّ أنها لم تواصل متابعة ما بدأته بل تركت الأمور تفلت من أيديهم في ليبيا.

By Zouhour Mechergui

Journaliste