السبت. نوفمبر 23rd, 2024

أحمد محمد عبدالله الحسني : باحث في سلك الدكتوراه في العلاقات الدولية- فاس

المقدمة:

يعد البعُد الديني ركناً ركيناً، وعنصراً مهماً في معادلة الحرب اليمنية الجارية، إذ ينظر إليه على أنه المحرك الرئيسي لدفة الحرب، فالأسس والمنطلقات التي انطلقت بها جماعة أنصار الله المساه (الحوثي)، منطلق عقائدي ومذهبي بحث، واشعلوا ثورتهم لتصحيح المسار العقائدي والفكري الاثني عشري، وفرضه بالقوة ليكون جزء رئيسياً من عقيدة الشعب اليمني، وكان ردة فعل الطرف الأخر السني هو الدفاع والمحافظة على المورث العقائدي والمذهبي السني الشافعي الأصيل.

وفي سياق متصل وعند قيام الحرب في اليمن عام 2015م، واستمرار أمد الصراع فيها، فهل اليمن وقعت بين كماشتين أو المطرقة والسندان، فجماعة الحوثي المتشيعة ظلت مسيطرة على الجزء الشمالي من اليمن، والتيار السلفي المتطرف هو ايضا سيطر على الجنوب اليمني، ومن هذا المنطلق تثار عدة اشكاليات، فهل استطاعت تلك الجماعات بشقيها التأثير والمساس في عقيدة المجتمع والمعروف على مر العصور بحرية المعتقد الديني ووسطية اعتداله في الفكر الإسلامي القويم، ثم هل القوة العسكرية استطاعت خرق النسيج المجتمعي وتغيير معالم الطقوس والمعتقدات والعادات الدينية لدى اليمنيين، وما كان نتاج الهيمنة الفكرية المتطرفة على اليمن وانعكاساتها الإقليمية والدولية عليه.

ثم يتم التطرق إلى مآلات تلك الجماعات الاسلامية ومستقبلها المصيري في اليمن، وماهي النظرة الاستشرافية في تقويمها وكيفية ارساء دعائم التعايش السلمي وحرية المعتقدالديني.

  • المقدمة.
  • المبحث الأول: الدوافع الدينية لنشوب الحرب الأهلية اليمنية.
  • المطلب الأول: أسس المنطلقات الدينية لتسعير الأزمة اليمينة.
  • المطلب الثاني: اليمن بين كماشتي تيار سلفي متشدد في الجنوب وتيار حوثي شيعي متطرف في الشمال.
  • المبحث الثاني: أثر البعُد الديني على الأزمة اليمنيةوانعكاساتها الإقليمية والدولية عليه.
  • المطلب الأول: تجليات الحرب اليمنية على الأمن الاقليمي والدولي.
  • المطلب الثاني: وضع رؤيا استشرافية لمحاربة الإرهاب وارساء دعائم التعايش السلمي.
  • الخاتمة.

المبحث الأول

الدوافع الدينية لنشوب الحرب الأهلية اليمنية

ممّا لا شك فيه أن الحرب المندلعة في اليمن في الآونة الأخيرة والتي امتدت نيرانها حتى على دول الجوار، كان محرك دفتها الرئيسي البُعد الديني والطائفي بكل تجلياته، لذا كان منطلق جماعة الحوثين المسماة بحركة أنصار الله تطهير اليمن من داعش والجماعات الارهابية ، وأيضا فرض المعتقدات الشيعي الاتنى عشري على المجتمع اليمني بالقوة، وهذا بخلاف ما كان عليه المجتمع اليمني  في جميع الحقب التاريخية, فكان شافعي المذهب في أرجاء الجنوب، وزيدي المذهب في مناطقه الشمالية.

ومن هذا السياق يتم مناقشة الأسس والمنطلقات الدينية التي أججت وطالت من أمد الأزمة اليمينة، مما زادت من معاناه الشعب اليمني، وعلمت على تهجير بعض العائلات، وممارسات كافة أنواع الاضطهاد الديني، وهدم مساجد ودور العلم كانت مخالفة للمعتقد الديني لجماعة الحوثين.

وفي المقابل ولضعف هيبة سلطان الدولة الشرعية، استطاعت التيارات السلفية المتشددة في السيطرة على المناطق الجنوبية في اليمن، مما زادت من وتيرة العلميات الإرهابية ومظاهر العنف والتطرف الديني بكل أبعاده، مما جعل اليمن بين كماشتي تيار سلفي متشدد في الجنوب وتيار حوثي شيعي المتطرف في شماله.

المطلب الأول

أسس المنطلقات الدينية لتعسير الأزمة اليمينة

مما لاشك فيه أن الطائفية الدينية والايدلوجية الفكرية هي الدافع الخفي للحرب اليمنية الأخيرة، وقبيل انفجار الأزمة كانت اليمن تعايش حالة من التعايش السلمي والوئام الفكري والحضاري، وحتى عاش بين أحضانهم طائفة من اليهود لعدة قرون دون أن يتعرضوا لأي أذى أو أقصى، والشواهد التاريخية تدعم ذلك وأكثر فكان الوطن يجمع الجميع والكل يستطيع ممارسة طقوسه الدينية بحرية كاملة ولم يُعرف أي اضطهاد ضد أي جماعة دينية أو فكرية.

وبدأت ملامح الفتنة الطائفية تلوح بالأفق عندما بدأ يدب سريان أفكار الفكر الدخيل على الشعب اليمني، المعروفبالمذهب الانثى عشري الشيعي الإيراني عبر جماعة الحوثي التي عُرفت منذ القدم بانتمائها المذهب الزيدية المعتدل([1]).

وفي سياق متصللتسارع الأحداث التي أخذت منحى خطير في النزاع المسلح العسكري عندما استولت جماعة الحوثي على مخازن السلاح مستغلين ذلك ضعف كيان الحكومة بعد احداث ثورة الربيع العربي، فبدأوا بالزحف العسكري على المحافظات الشمالية بحجة محاربة الإرهاب ونشر المذهب الشيعي الاثنى عشري، واستطاعوا اقتحام العاصمة صنعاء دون مقاومة تذكر وكان هناك تواطؤ للأسف الشديد من  بعض قيادات الجيش التابع للنظام السابق، وأيضاً بضوء أخضر من الدول الكبرى، التي أصبح همها الأكبر القضاء على الكيان السني في منطقة الشرق الأوسط، لأنه بنظرها منبع التطرف والإرهاب الفكري.

إذن تتجلى الأسباب الخفية لهذه الأزمة التي استصعب حل أمرها، لأن دافعها عقائدي، ومعروف أن الحروب الدينية تكون طويلة الأمد، ولا يرضى أي طرف بتقديم أبسط التنازلات بحجة أن هذه مبادئ وقيم دينية يجب أن يُقاتل ويستشهد من أجلها، ولهذا نرى جماعة الحوثين يرفضون أي تسوية سياسية لأجل الخروج بحل آمان لليمن، بل ويمارسون أبشع الجرائم الإنسانية من تقتيل وتهجير وتدمير لدور العبادة التي تخالف عقيدتهم المتعصبة، بل ويمارسون فرض طقوسهم الدينية على جميع شرائح المجتمعية التي لها انتماءات مذهبية متعددة.

وهنا قضية في غاية الخطورة بمكان ألا وهي التوجه الدولي وغير المعلن للقضاء على أهل السنة والجماعة وضربهم بالشيعة الاتنى عشرية وبدأت ملامح هذا المشروع الصهيوأمريكي بسقوط العراق 2003، وكلنا نعلم أن نظام صدام خاض حربا مع إيران دامت ثمانية أعوام.

وفي ذات السياق بارك الخامئني عند سقوط العاصمة اليمنية صنعاء متفاخراً أنها رابع عاصمة تدخل تحت نفوذهم الشيعي، ومن هنا يجب الاستشعار بالخطر العام والوقوف بحزم تجاه المشاريع التدميرية التي تسعى لخراب كيان الأمة الإسلامية التي عٌرفت على ممر العصور في التعايش السلمي وكفالة حماية حرية المعتقد للذميين الذين يعيشون في كنف الدولة الإسلامية.

المطلب الثاني

 اليمن بين كماشتي تيار حوثي شيعي المتطرف في شماله وتيار سلفي متشدد في الجنوب

برزتفيالساحةالمحليةوالدوليةعديدمنالجماعاتالمتطرفةمنمختلفالتوجهاتالفكريةوالعقائدية،ويتفقالكثيرونأنالتطرفلادينَلهولاطائفة،ولكنعلىالرغممنذلكيجريالتركيزعادةًسواءفيوسائلالإعلامأوالملتقياتالعلميةوالبحثيةعلىجماعاتبعينها،خصوصًاتلكالتيتنتسبإلىالسنة،كمثالعلىجماعاتالتطرفوالغلو. فيالمقابل،يتمإغفالالجماعاتالمتطرفة «الشيعية»والتيأخذدورُهايتصاعدمنذالغزوالأمريكيللعراق،ومِنثَمّسيطرةهذهالجماعاتعلىمقاليدالأمورهناك. ووصلهذاالدورذروتهبماشهدَتْهبلدانأخرىكسورياواليمنفيالسنواتالقليلةالماضيةفيأعقابثوراتالربيعالعربي([2]).

 وبعدما تمت السيطرة الحوثية على معظم المناطق الشمالية، وسيطرت المقاومة الجنوبية المنتمين أكثرهم للتيار السلفي المتشدد، حينها وقعت اليمن بين كماشتين يمارس في حقهم جميع أنواع الاضطهاد والتعصب الديني، ولكي يتم توضيح الأمر أكثر نسلط الضوء على ممارسة كل طرف الضغوط الدينية على المناطق الواقعة تحت سيطرتهم:

  1. مظاهرالعنفلدىجماعةالحوثي:

فيحروبجماعةالحوثي،سواءضدالجيشاليمنيأثناءالجولاتالست 2004-2009مأوفيالمراحلاللاحقةأثناءتوسُّعهافيالمحافظاتالأخرى،مارستجماعةالحوثيالعديدمنأعمالالعنفضدخصومهاكالقتلوالتعذيبوالتهجيروتفجيرالبيوتوالمساجدوتلغيمالجثثواستخدامالمدنيينكدروعبشرية،وقدبلغبهمالأمرحدالتباهيبقتلهملعددٍيصلإلى 60 ألفجنديٍّخلالجولاتالحروبالست،وتكررتهذهالممارساتفيمواجهاتالجماعةضدخصومهاحتىأصبحتكالسيناريوالثابتحيثماحلّتأووصلتميليشياتها([3]).

وتتراوحالانتهاكاتوالتجاوزاتالمتطرفةللحوثيينابتداءًمنالانقلابعلىالدولةوالإجهازعلىالعمليةالسياسيةفيالبلد،وماتبِعَذلكمنقمعكلالأصواتالمناوئةوالمنابرالإعلاميةالمختلفةمعها،وصولًاإلىالقتلوالتصفياتوالاعتقالاتوتفجيرالبيوتومصادرةالممتلكات. وتنشرالجمعياتوالمنظماتالحقوقية،المهتمةبتوثيقجرائمهذهالجماعة،أرقامًاصادمةًلحالاتالخطفوالقتلوالتهجيرالجماعيواستهدافالمدنيينوزرعالألغام. فعلىسبيلالمثال،سجّلالتحالفاليمنيلرصدانتهاكاتحقوقالإنسان (رصد) أنالمليشياالحوثيةالانقلابيةاختطفتوأخفتقسريًّا 18606 من الأشخاصفيمختلفمحافظاتالجمهورية،خلالالفترةالممتدة منسبتمبر 2014 وحتىيوليو 2017م([4]).

وفيبيانهالذيأصدربمناسبةاليومالعالميلحقوقالإنسانبتاريخ 10 ديسمبر 2017م،عدَّد (رصد) الممارساتالتيتتخذهاجماعةالحوثي:« … منانتهاكاتمتزايدةوقمعٍمُمَنهجٍترتكبهمليشياالحوثيالطائفيةشملكافةالحقوق،حيثيعانيالمدنيونالأبرياءمنالقتلالمتعمدخارجنطاقالقانون،والإخفاءالقسري،والاحتجازالتعسفي،والتهجير،وقمعالاحتجاجاتالسلمية،والتعذيب،وتقييدحريةالتنقل،والحرمانمنالحقوقالاقتصاديةوالاجتماعيةوالمدنيةوالسياسية،أهمهاالحقفيالتعليموالصحةوالعمل،والحقفيالمشاركةالسياسية». أمامنظمةسامللحقوقوالحرياتفيتقريرهاالمعنونبـ (القتلالمتوحش) عنعام 2016م،فقدوثقتأنواعًامتعددةمنانتهاكاتجماعةالحوثييشمل: الإعداماتالميدانية (فرديةوجماعية)،الموتتحتالتعذيب،الدروعالبشرية. تقولالمنظمةفيتقريرها([5]):

«تعددتأشكالووسائلالتعذيبالمستخدمةضدالضحايا،والتيرصدتهاالمنظمةبينالضربالمبرحوالمنعمنالطعامواستخدامالكلابالبوليسيةوالتعذيببالصدماتالكهربائية،شملتهذهالانتهاكاتالعديدمنالناشطينالسياسيينوالاجتماعيينوالمهنيينمنصحفيينوأطباءوأكاديميين»([6]).

2- مظاهر العنف والإرهاب في جنوب اليمن:

ونوردهناأبرزالعملياتالإرهابيةالتيوقعتفيعدنبعدانتقالهاديإليها،وتبناهاتنظيمالقاعدةلاحقا:

  1. 6 اكتوبر 2015م: هجومانتحارييستهدفمقرالحكومة.
  2. 2.    6ديسمبر 2015م:  مقتلمحافظعدناللواءجعفرمحمدسعد.
  3. 3.    4مارس 2016م: مجزرةمروعةفيدارللمسنين.
  4. 4.    23مايو 2016: تفجيرانانتحاريانفيمحيطمعسكربدريؤديانإلىسقوطعشراتالقتلىوالجرحى.
  5. 5.    29 أغسطس 2016م: تفجيرانتحارييستهدفمجندينجدد.
  6. 6.    10ديسمبر 2016م: عشراتالقتلىوالجرحىبانفجاراستهدفجنودابمعسكرالصولبان.
  7. 7.    18 ديسمبر 2016م: مقتلوإصابةالعشراتبتفجيرانتحارياستهدفجنوداقربمعسكرالصولبان([7]).

وتمثلهذهأبرزالحوادثالإرهابيةالتيشهدتهامدينةعدن،خلافالعشراتالحوادثمنالتفجيراتوالاغتيالاتالتيباتتمظهرامنمظاهرالفوضىالأمنيةالتيتعيشهاالمدينةمنذتحريرهامنالمتمردين الحوثيينمنتصفالعام 2015م،وانتقالالرئيسهاديوالحكومةاليمنيةللعملمنها.

فمن خلال هذا العرض الموجز على بعض مظاهر العنف تبين فعلاً أن اليمنبينكماشتيتيارحوثيشيعيالمتطرففيشمالهوتيارسلفيمتشددفيالجنوب، حيث يسعى أطراف النزاع إلى تضيق الخناق على حرية المعتقد الدينية والفكرية وكذا الثقافية، بل ووصل الأمر إلى متابعة مواقع التواصل الاجتماعي وملاحقة واعتقال أي يشخص يحاول أن يعبر عن رأيه أو يطرح رؤية مخالفة لعقيدتهم.

وفي ذات السياق نتسأل هل القوة العسكرية استطاعت خرق النسيج المجتمعي وتغيير معالم الطقوس والمعتقدات والعادات الدينية لدى اليمنيين؟ وما كان نتاج الهيمنة الفكرية المتطرفة على اليمن وانعكاساتها الإقليمية والدولية عليه؟

من خلال قراءة الواقع ومراقبة سلوكيات شرائح المجتمع اليمني نرى أن ما يٌؤمن به راسخا رسوخ الجبال ومتشبث بعاداته وطقوسه الدينية التي توارثها عن الآباء، فالهيمنة مهما طالت لابد لها وأن تنهي ويبقى الحق.

المبحث الثاني

البعد الإقليمي والدولي في الأزمة اليمنية وكيفية الحد من التطرف الديني

إن للازمة اليمنية تجليات وآفاق اقليمية وكذا دولية، فما حقيقة الحرب الدائرة في اليمن إلا حرب بالوكالة لأطراف خفية تسعى في دعم أتباعهم المحليين بشتى أنواع الأسلحة والذخائر.

وفي هذا السياق نسلط الضوء في توضيح مسار تأثير البعد الإقليمي والأسباب الكامنة في تسعير أمد الصراع السني الشيعي في اليمن، وأيضاً معرفة تأثير النفوذ  والمصالح الدولية التي أعاقت مجلس الأمن في تنفيذ قراراته الملزمة تجاه الأزمة اليمينة.

وفي آخر المطاف نحاول تقديم رؤيا استشرافية تسعى للقضاء على مظاهر العنف والإرهاب الديني والفكري، من أجل عدم تكرار سيناريو اليمن ولا يمارس أي تهجير أو اضطهاد طائفي  على دولة أو شعب أخر.

المطلب الأول

تجليات الحرب اليمنية على الأمن الاقليمي والدولي

وهذه إشكالية يجب توضيحها بشكل جلي, أن ما يحدث في الوقت الراهن في اليمن لا ينحصر على الصراع الداخلي والظاهر بصورة علنية ومباشرة, بل لهذا الصراع بُعد إقليمي ودولي, وعند التعمق في مسببات الصراع نجد أن حقيقة النزاع في اليمن ما هو إلا مسرحاً للصراع الخارجي بين الدول المتعارضة مصالحها الدولية, فالكل على دراية في الخلاف القائم بين دول مجلس التعاون الخليجي ودولة إيران([8]), وأن الحوثيين ما هم الا حركة انبثقت من الفكر الشيعي الاثني عشرية التابع لدولة إيران الفارسية.

 وليس ثمة دليل على أن عملية الأرض المحروقة في الساحة اليمنية ما هي إلا صراع بالوكالة بين المملكة العربية السعودية ذات المذهب السنّي وبين إيران ذات المذهب الشيعي([9]), لذا لما سيطرت جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء, قام المتحدث الرسمي لدولة إيران يبارك بتبعية رابع عاصمة عربية تابعة لهم, في حينها أدركت السعودية ودول الخليجي خطورة الموقف, فسعت في دعم السلطة الشرعية في البلاد ساعية من وراء ذلك الحفاظ على أمنها القومي وتأمين حدودها, وخصوصاً لما قامت مليشيات الحوتيين بعمل مناورة عسكرية بالقرب من حدود السعودية, وفي الفترة الراهنة تعمل الجماعة الحوثية متفانية للسيطرة على المناطق الحدودية للسعودية, ولهذا اضطرت المملكة العربية السعودية وحلفاؤها خوض حرباً مباشرة خوفاً من التمدد الشيعي الفارسي في شبة الجزيرة العربية, والقضاء على حركة التمرد الحوثي وتمكين الحكومة الشرعية الموافقة تماماً لفكرها ومذهبها للجزيرة العربية , وهي تسعى الى ضم اليمن الى مجلس التعاون الخليجي لاحتوائه وحتى يكون في مأمن من النفوذ الايراني.

كما يتجلى الصراع في اليمن ليؤخذ بُعد دولي آخر قائم بين الدول الكبرى صاحبة العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي, بسبب عدم توافق مصالحها الدولية على القضية اليمنية فلكل له مصالحه الحيوية الخاصة في المنطقة العربية, واليمن لما يحتل من موقع استراتيجي مهماً وتحكمه  في باب المندب, وبسبب تعارض تلك المصالح الدولية بينهم لم يتوصلوا إلى مسوغة اتفاق دولي يدعم قرارات مجلس الأمن الصادرة تحت البند السابع والتي أصبحت هزلية ولا تحترم بسبب عدم جدية تلك الدول المتصارعة على مصالحها النفوذية في اليمن.

 فروسيا على سبيل المثال هي التي تقف حجرة متعثرة لحل القضية اليمنية, فهي الدولة الوحيدة المعترضة دائما على القرارات التي تدين الحوثيين في تدميرهم لليمن, قاصدة من وراء ذلك استعادة مكانتها في الساحة الدولية على حساب القضايا العربية الساخنة, , كما أن روسيا هي الحليف الأول لإيران والداعمة لمشاريعها التوسعية في منطقة الشرق الأوسط.

لذا فاليمن أصبحت مسرحاً لصراع القوى الإقليمية والدولية, وكلاً يحاول فرض قوته وإرادته على حساب مصالح الشعب اليمني, لهذا ظلت الحرب مستمرة ولم تنتهِ بعد, ومجلس الأمن أصبح  كاللعبة دمى تعبث به أصابع القوى المتحكمة في القضايا الدولية لهذا ظل عاجزاً على حل القضية اليمنية سواء بالطرق السلمية أو بالحسم العسكري الذي تقوده دول التحالف العربي وبدعم من قرارات صارمة من مجلس الأمن في التدخل العسكري المباشر في اليمن.

المطلب الثاني

وضع رؤيا استشرافية لمحاربة الإرهاب وارساء دعائم التعايش

       كل الجهود التي بُذلت في مكافحة التطرف والإرهاب، لازالت يشوبها القصور والنقص في القضاء عليه واقتلاعه من جذوره، حيث كل يومٍ تزداد قوة التنظيمات الإرهابية على الأرض وتتسع سيطرتهم على مدن جديدة ودول الشام خير دليل على ذلك.

       وعلى هذا السياق نتقدم في طرح الرؤى التقاربية التي تسعى إلى تكثيف الجهود لخلق تعاون دولي وإقليمي لمحاربة التطرف والإرهاب ومعالجة الأسباب الكامنة وراءه، وتتجلى الرؤيا العلاجية على مستويات تصاعدية ومتعددة وهي كالآتي:

  1.  التعاون الأممي والعالمي

    تم استطراد فيما سبق، حجم الجهود الدولية التي بُذلت من قبل الأمم المتحدة ومجلس أمنها، من إبرام لاتفاقيات وإصداره لقرارات وانتهاك لسيادات بعض الدول، لكنها لم تجدي نفعاً، بل استطاعت التنظيمات الإرهابية في التوسع وبسط سيطرتها لمدن عدة، لذا يتم طرح مقترحات استشرافية لتدعيم أواصر التعاون الأممي والعربي بالتخصيص:-

  •  يجب وضع تعريف جامع مانع للإرهاب، حيث أن الأمم المتحدة لم تتوصل إلى تعريف ماهيته، بسبب اختلاف المصالح الدولية، والتفسيرات والتأويلات الخاصة بذلك، خصوصاً من جانب القوى المتنفذة في العلاقات الدولية.
  •  ايقاف جميع التدخلات السافرة على سيادة الدول، والضربات الجوية بحجة محاربة الإرهاب، وذلك بعدم إعطاء الشرعية الدولية واستصدار قرارات من مجلس الأمن تعطيهم الحق القانوني للضربات العسكرية الجوية على الدول العربية المزعم فيها خلايا وتنظيمات ارهابية، حيث أتثبت التجارب السابقة بفشل جميع أشكال التدخل العسكري، بل وتزايد وتوالد التنظيمات الإرهابية.
  • –   إيجاد منظومة آليات دولية تكون أكثر فاعلية وشمولية لتطبيق الاتفاقيات والقرارات الدولية التي تحارب مظاهر التطرف والإرهاب العنيف، وتندرج هذه الأطر بالطرق السليمة لأن العنف لا يولد إلا عنف أكبر وأشد.
  • –   تشكيل لجان تقصي الحقائق لمعرفة مصادر الدعم والتمويلات العسكرية والمالية للتنظيمات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة وداعش.
  • –   على المستوى الإقليمي

نخص بالذكر هنا منظماتنا العربية والإسلامية، ذلك لكثرة انتشار ظاهرتي التطرف والإرهاب وغياب الأمن الروحي والتعايش السلمي مع الآخر، واستكمالاً للجهود السابقة نضع جملة من الاقتراحات التي تعمق التعاون بين دول منطقة الإقليم لاقتلاع جذور كل مظاهر التطرف والإرهاب وهي كالاتي:

  •  تشكيل لجان دائمة تابعة ( لجامعة الدول العربية) نموذجاً، فتوكل إليها مهمة مكافحة التطرف والإرهاب، وإعادة الأمن الروحي في ربوع المنطقة، وتتم محاربته بالطرق السلمية.
  • –   التصدي بحزم تجاه أي تدخلات عسكرية داخل المنطقة الإقليمية، من قبل الدول الكبرى، وإن استدعى الأمر لاستخدام القوة العسكرية، فيكون بالتنسيق الكامل مع تلك اللجان المتخصصة لمكافحة الإرهاب.
  • –   يجب تفعيل دور المؤسسات الدينية العالمية ( الأزهر الشريف، جامع الزيتونة، جامعة القرويين) المتصفة بالقدم بمنهجية الوسطية والاعتدال، ودعمها بشتى الطرق لنشر أفكار التسامح والتعايش السلمي، واستتباب الأمن الروحي في عالمنا الإسلامي كما كان سابقاً.

-على المستوى الوطني

  • احتوى الشباب واستغلال طاقتهم الفكرية والجسدية، وتثقفيهم ثقافة الوسطية والاعتدال والتعايش السلمي مع الآخر، واتاحة الفرص لهم لتنمية قدراتهم ومواهبهم، بدلاً من استقطابهم من قبل الجماعات الإرهابية، وسبب انجرار الشباب للإرهاب هو انسداد جميع أبواب المجتمع والعيش الكريم في وجوههم.
  •  الوقوف بحزم ضد التيارات الدينية التي تميل للتشدد ومراقبة الشباب الذين ينتمون إليهم، وفرض السيطرة عليها قبل تحولها إلى جماعة مسلحة تتبنى عمليات انتحارية وتفجيرية.
  • –   نشر ثقافة الوسطية والاعتدال في جميع المناهج التربوية، وفرض السيطرة على المؤسسات الدينية والمراكز الفكرية، وتقييم مستوى التزامها بالمعيار وعدم انحرافها لأفكار التطرف والغلو الديني.
  • –   انشاء مراكز وطنية لمكافحة الإرهاب والتطرف، واعطاءه صلاحيات من قبل الدولة لمحاربة الأسباب المؤدية للسلوك الإرهابي.
  • –   عدم التساهل في اعطاء تراخيص لبناء المساجد أو إنشاء الجمعيات والمراكز، حتى يتم التأكد الكامل من سلامة فكرة وأيدولوجياتهم وجهات تمويلهم.

الخاتمة:

من خلال ما تم مناقشته حول أثر البُعد الديني فينشوبالحربالأهليةاليمنيةومدىانتشارالتطرفوالإرهابفيها، نستطيع أن نخرج بجملة من الاستنتاجات والتوصيات التي يجب أخذ عين الاعتبار بها وهي:

  • إن الطائفية الدينية والايدلوجية الفكرية هي الدافع الخفي للحرب اليمنية الأخيرة، وأنها حرب بالوكالة بامتياز، وتم استخدام اليمن كسياسة الأرض المحروقة لتصفية حسابات خارجية.
  • يجب التصدي بحزم تجاه المشاريع الرامية للقضاء على كيان أهل السنة والجماعة التي تتم محاربته باسم التطرف والإرهاب.
  • الوقوف بقوة ضد المد الشيعي المدعوم من الدول الكبرى ومحاربة توسع رقعته بمنطقة الشرق الأوسط، وهنا تكمن أهمية الاصطفاف الفعال والحيوي سواء في جامعة الدول العربية أو منظمة التعاون الإسلامي.
  • مناشدة مجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية للتدخل الفوري لإيقاف اضطهاد الجماعات المسلحة سواء في اليمن أو مكان آخر ومنعممارسات العنف والاضطهاد الديني وحماية حرية المعتقد.
  • يجب وقف عبث الأمم المتحدة، ومطالبتهم بتحديد مفهوم وتعريف واضح للإرهاب حتى لا يُلق التُهم جزافاً وظلماً بالإرهاب على بعض دولنا العربية كما هو حادث الأن ويتم من خلالها التدخل القسري على سيادتها بالحجة الواهية وهي محاربة التطرف الإرهاب وهم يسعون لتحقيق مأربهم ومصالحهم الدولية.

[1]– أحمد محمد الدغشي، الحوثيون ومستقبلهم العسكري والسياسي والتربوي، الدوحة: منتدى العلاقات العربية والدولية، 2013م، ص 29.

[2] – عادل الأحمدي، الزهر والحجر: التمرد الشيعي في اليمن وموقع الأقليات الشيعية في السيناريو الجديد، صنعاء: مركز نشوان الحميري للدراسات والنشر، 2007، ص 130

[3] – عارف العمري، «حرب صعدة من أول شرارة حتى آخر قذيفة». موقع الحوار المتمدن:

http://www.m.ahewar.org/s.asp?aid=189680&r=

[4] – موقع تقرير التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان (رصد) على الإنترنت:

www.ycmhrv.org/News/Read/QWsMoiQ

[5] – مركز أبعاد للدراسات والبحوث، «مسارات الحركة الحوثية.. بذور الفناء»، 4 فبراير 2018م.

www.abaadstudies.org/news-59773.htm

[6] – أحمد محمد الدغشي، الحوثيون ومستقبلهم العسكري والسياسي والتربوي، الدوحة: منتدى العلاقات العربية والدولية، 2013م، ص 29.

[7] – عامر الدميني ، الإرهاب في اليمن بين المصالح والدوافع والحضور الدولي (دراسة خاصة)، الثلاثاء, 07 فبراير, 2017 -https://almawqeapost.net/reports

[8]-إشكاليةالتحولاتالسياسيةفياليمن؛الفرصوالتحديات1990-2012م, محمدكنوشالشرعة, مجلةالمنار, المجلد16, العدد( 4)2013م.

[9]– كريستوفربوتشيك, اليمن على شفا الهاوية-الحربفيصعدة :منتمرّدٍمحلّي إلىتحدٍّوطني,سلسلة أوراق كارنيغي, العدد 110 ابريل 2010م. ص17.

By Zouhour Mechergui

Journaliste