السبت. أبريل 20th, 2024

اعداد : الدكتورة بدرة قعلول: رئيسة المركز الدولي للدراسات الامنية والعسكرية بتونس

نتناول في هذا المقال التحليلي دراسة صادرة عن منظمة “راند” الأمريكية لمجموعة من الباحثين كريستوفر س. تشيفيس وأندرو رادين ودارا ماسيكوت وكلينت ريتش، حول الإستقرار الإستراتيجي العالمي الذي يعتبر بيد القوتين العظميين:الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، والذي ازدادت خطورته ضمن العودة من بعيد للروس وصراع الأقطاب العالمية للهيمنة وقيادة العالم.لكن ما يطرح على طاولة اللاعبين الرئيسيين في العالم هو بالأساس الإستقرار الإستراتيجي الذي بدأ يتآكل بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.
فالبيئة الأمنية الدولية تشمل دولاً متعددة مسلّحة نووياً، وبالرغم من ذلك، تبقى العلاقة النووية الإستراتجية بين الولايات المتحدة وروسيا الأكثر أهمية، لأنهما تملكان القوتين الخارقتين النوويتين، كما لهما القدرة على شن ضربات نووية واسعة النطاق ومنسقة قد تدمر قارات بأكملها.

وحسب الدراسة،هناك تخوف كبير من تصاعد مخاطــر الصــراع بيــن الولايــات المتحدة وروسيا، والسبب الرئيسي لذلك هو استعداد روسيا لاستخدام الأسلحة النووية ضدّ أي هجومٍ تقليدي.
ويرى الباحثون أن الحافز لاستخدام الأسلحة النووية من الجانبين هو بحسب القادة الروس، بالتطوير الأمريكي للقدرات التقليدية المتقدّمة، وبالأخص الدفاعات الصاروخية والمركبات الإنزالقية بسرعة فوق الصوتية. وفي نفس الوقت يشكك الباحثون من تهويل الجانب الروسي ويقولون إنه”من الصعب معرفة ما إذا كانت المخاوف الروسية بالعمق الذي يزعمون أو ما إذا كانت مجرد تفاوض موضعي.” ولهذا يعتبرون “بقدر ما تكون هذه المخاوف حقيقية، فهي قد تتسبب بضغطٍ تصعيديٍّ كثيفٍ في حالة أزمةٍ مستقبلية، وقد تتكثّف الضغوط التصعيدية في حال توصل قادة الكرملين إلى الإعتقاد بأن الولايات المتحدة نوت الإطاحة بالنظام.”
لهذا يعتبر الباحثون الظرف العالمي الراهن دقيقا جدا وأنه يجب العمل على تعزيز الإستقرار الإستراتيجي مع روسيا مما يتطلّب تضحية من الجانبين وذلك عبر :

  • التوصل إلى معاهدة جديدة لتحقيق تخفيضات إضافية في الأسلحة الهجومية الإستراتيجية.
  • يجب أن تصحح روسيا انتهاكها لمعاهدة القوات النووية المتوسطة المدى.
    كما طرح الباحثين مفهوم استراتجية ضبط النفس السياسي من جانب الولايات المتحدة ومنظّمة حلف شمال الأطلسي للحد من مخاوف روسيا الكامن بشأن توجه السياسات الأمريكية ،وفي نفس الوقت لا تستطيع الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي التخلّي عن التقاليد القائمة منذ وقتٍ طويلٍ من حيث دعم العهود العلنية، والقانون الدولي، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، كما لا توجد ضمانات بأن القيام بذلك قد يجعل روسيا تشعر بأنها أكثر أمناً وبالتالي تتصرف بشكلٍ قابلٍ للتنبؤ به أكثر.
    كذلك مفهوم عملية ضبط النفس العسكري، على غرار الحدّ من عمليات نشر الدفاع الصاروخي الخاص بمنظمة حلف شمال الأطلسي في أوروبا التي تتمتّع بقدرةٍ محدودةٍ ضدّ القوات الهجومية الإستراتيجية الروسية التي تستهدف الولايات المتحدة،وبهذا تكون اتفاقيات السيطرة على الأسلحة التقليدية التي تركّز على نقاطٍ ساخنة، خيارًا في حال زادت من الشفافية وقلّصت من احتمالات هجوٍم مفاجئٍ ساحق.
    كما أشارت الدراسة إلى إمكانية إنجاز بعض التحسينات على مستوى الإستقرار الإستراتيجي من خلال تعزيز إدارة الأزمات وآليات التخفيف، مثل آليات الخطوط الساخنة بين الولايات المتحدة وروسيا، كذلك آلية مجلس حلف شمال الأطلسي وروسيا من خلال التركيز على وضع إجراءات للحدّ من مخاطر الحوادث العســكرية عندما تنشــط القوات الروســية وقوات حلف شمال الأطلسي على مقربةٍ الواحدة من الأخرى.

وقد وضعت هذه الدراسة محددات وخطوطا حمراء “يجب أن تسعى الولايات المتحدة إلى وضع خطوط حمراء أكثر وضوحاً لدعم الرادع الإلكتروني الحاسم، مع تعزيز واقع أن أي استخدام للأسلحة النووية في صراعٍ قد يبدّل طبيعة هذا الصراع بشكلٍ جوهري، مؤديا إلى ظهور مشاكل جديدة لها تداعيات غير قابلة للتنبؤ بها و كارثية بشكلٍ محتمل.”
لهذا فإن الرهانات عالية جداً، ويجب أن يبقى الإستقرار الإستراتيجي نقطةً محوريةً في المحادثات الثنائية الأطراف المستقبلية.
يبدأ هذا التقرير بتعريفٍ الإستقرار الإستراتيجي، وهو مصطلح تم اســتخدامه بطرقٍ مختلفة. يقدّم التقرير بعد ذلك تحاليل لحالة الإســتقرار الإستراتيجي اليوم والعوامل التي تميل إلى إضعافه،في حين يقدّم القسم التالي ملخصاً للرؤى الروسية حول الموضوع، لافتاً الإنتباه إلى التحدّيات التي نتجت عن التعريفات الأمريكية والروسية المتباينة.وينظر القسم الأخير قبل الخاتمة في مجموعة من الإستراتيجيات المحتملة لتعزيز الإستقرار الإاستراتيجي ويحدّ د الفرص والتحدّيات التي تنطوي عليها كل واحدة من هذه الإستراتيجيات.
و فيما يلي مقتطفات من الدراسة :
المقدّمة
منذ نهاية الحرب الباردة، كان الإستقرار الإستراتيجي على أجندة الدفاع والأمن للعلاقات الأمريكية-الروسية الثنائية. تم توجيه الإهتمام بشكلٍ كبيرٍ إلى التخفيضات على مستوى عدد الأسلحة النووية المنشورة عند كل جانب، وبالشكل الأبرز، في معاهدة تخفيض الأسلحة الهجومية الإستراتيجية والحد منها، وبالرغم من ذلك، وبالإجمال، تراجع دور الأسلحة النووية في العلاقة الإستراتيجية فيما يتعلق بقضايا سياسية واقتصادية وعسكرية أخرى، والسبب في ذلك إلى حدٍّ كبيرٍ هو أنه، وعلى مدى أغلبية العقدين الأولين بعد سقوط جدار برلين، كانت القدرات العسكرية الروسية تتراجع، وبدا أن العلاقة السياسية الإجمالية بين روسيا ومنظمة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة تتحسن،بيد أنه في السنوات القليلة الأخيرة، تعززت القدرات العسكرية الروسية إلى حدٍّ كبير، وأصبحت سياسات روسيا الخارجية أكثر عداءً وأخذت العلاقة السياسية والدبلوماسية الإجمالية منعطفاً خطيراً نحو الأسوأ.
وبالرغم من أن في العالم ثماني قوى نووية معترف بها إلى جانب بعض القوى النووية الطامحة أو غير المعترف بها، تحتفظ العلاقة الإستراتيجية الأمريكية-الروسية بأهمية خاصة لأن الولايات المتحدة وروسيا هما نظيران متى تعلّق الأمر بقوتيهما النوويتين الإستراتيجيتين، والإثنتان تتساويان تقريباً من حيث أعداد أنظمة الإيصال والرؤوس الحربية ضمن الحدود التي تنصّ عليها معاهدة تخفيض الأسلحة الهجومية الإستراتيجية والحد منها الجديدة .
الولايات المتحدة وروسيا هما القوتان الوحيدتان، أو الثنائي في النظام الدولي، اللتان تملكان القدرة المؤكّدة على القضاء على جزءٍ كبيرٍ من سكّان العالم، كما أن للجانبين مصلحة شاملة مشتركة وحيوية في ضمان الحدّ من خطر الحرب الحرارية النووية العالمية.
يجب بالتالي زيادة الإنتباه الموجه إلى الإســتقرار الإســتراتيجي الذي يتم تعريفه في هذا السياق على أنه الحدّ من خطر التبادل النووي الإستراتيجي. من المستهان القول إن الحرب الحرارية النووية هي حدثٌ ذو احتمالٍ منخفض وتأثيرٍ عالٍ، وبالتالي، حتى إن بقيت المخاطر منخفضة، فإن إلقاء نظرة من كثبٍ على كيفية تغير الإستقرار الإستراتيجي أمر مبرر.
وتماشياً مع معظم ما كُتِب حول هذا الموضوع وحالة تطوير المجال، يعدّ هذا المنظور التحليلي بحثاً فكرياً تم تطويره كجزءٍ من مشروعٍ انطوى على بحثٍ ثانويٍّ موسع في مصادر روسية وإنجليزية، وسلسلة من مناقشات رسمية وغير رسمية، برعاية وزارة الدفاع الأمريكية والتي جرت بين العامين 2014 و2016 وشملت مسؤولين أمريكيين أولين، ومناقشات إضافية مع خبراء أمريكيين وأجانب خارجيين.
تعريف الإستقرار الإستراتيجي
تختلف تعريفات الإستقرار الإستراتيجي في المناقشة الأكاديمية ومناقشة السياسات، بالرغم من أنه تم استخدام المصطلح في النصف الثاني من الحرب الباردة اكتسب شعبيةً إلى حدٍّ كبيرٍ بعد ذلك عندما بدا التدمير المتبادل المضمون أشبه بمفارقة تاريخية. ومع نهاية الحرب الباردة، سعى صانعو السياسات والمحلّلون وراء مصطلح جديد قد يقدّم إطار عمل أكثر إيجابيةً لتعريف العلاقة النووية الإستراتيجية بين الولايات المتحدة و روسيا.
من هنا أتى الإستقرار المتبادل المضمون ومن ثمَّ الإستقرار الإستراتيجي ويركز التعريف على استقرار الأزمة أو حوافز الإستخدام للأسلحة النووية ويركز تعريف آخر على استقرار سباق التسلح أو الحوافز لبناء أسلحة نووية جديدة .
تقتصر بعض تعريفات الإستقرار الإستراتيجي حصرا على الإستقرار ولكن هذا التعرف ضيق جدا ليشمل التغيرات اللازمة ولهذا فالمهمة على قدم وساق في البيئة الأمنية اليوم.

الإحتمال المتزايد لحدوث حرب تنطوي على وكلاء أمريكيين وروس

ينمو احتمال حصول صراعٍ بين الولايات المتحدة وروسيا إلى حدٍّ كبيرٍ بسبب الإنتشار المتزايد لحربٍ محدودةٍ تنطوي على وكلاء للقوى الخارقة النووية.
خاطرت روسيا بشن حربٍ محدودةٍ ضدّ جورجيا وأوكرانيا، وهما بلدان متراصفان بدرجاتٍ متفاوتةٍ مع الولايات المتحدة ومنظمة حلف شمال الأطلسي. انخرطت الولايات المتحدة وروسيا أيضاً في حربٍ محدودةٍ وإنما دموية بشكلٍ متزايدٍ في سوريا التي تحتفظ روسيا على أرضها بقاعدة عســكرية.و بالنظر إلى احتمال وقوع الحوادث والخطإ في التقدير وغياب منتدى وظيفي للنقاش وتسوية النزاعات، ثمة مخاطر حقيقية، وإن كانت محدودة، بأن صراعاً بين وكلاء أو حلفاء الولايات المتحدة وروسيا قد يتصاعد إلى صراعات إقليمية أو عامة بين الولايات المتحدة وروسيا، والتي قد تتصاعد في نهاية المطاف إلى حربٍ نووية.

تدعو الحاجة بالطبع إلى عدم تصعيد الصراعات المحلية إلى حربٍ عامةٍ أو نووية. ووفقاً لمفارقة الإستقرار- انعدام الإستقرار، يمكن تيسير حربٍ محدودةٍ تنطوي على حلفاء أو وكلاء القوى الخارقة النووية على جانبين متعارضين بفعل مستوى مرتفع نسبياً من الثقة بعدم تصعيد مثل هذه الحروب إلى حروب نووية، وبالتالي، يمكن النظر إلى حصول حروب محلية، من دون تصعيدٍ إلى مواجهةٍ مباشرةٍ بين القوى الخارقة، بشكلٍ خاطئٍ
مخاطر التصعيد المتزايدة
حتى مع الإقرار بالإنتشــار المتزايد للصراع، يمكن الجدل بأن الإســتقرار الإستراتيجي لا يتغير لأن معظم نقاط التوتّر الحالية بين الولايات المتحدة وروسيا تقع في المجالات غير التقليدية والتقليدية،وبالرغم من ذلك، قد يشكّل هذا خطأً لأن الإحتمال التصعيدي لصراعٍ معاصرٍ قد ازداد بسبب التطورات على مستوى العقيدة والتكنولوجيا منذ التسعينات.
نتج عن الغموض المتزايد في العقيدة النووية الروسية ضغوط تصعيدية على الولايات المتحدة على عكس النية المعلنة لهذه العقيدة. بالإضافة إلى ذلك، ينتج عن الأهمية المتنامية للفضاء، وبالأخص، للحرب الإلكترونية ضغوط تصعيدية إضافية لأسباب متعددة. وأخيراً، قد يزيد تآكل المعرفة حول الأسلحة النووية الإستراتيجية من الإحتمال التصعيدي أيضاً.
الغموض في العقيدة النووية الروسية
أوضح القادة الروس أنهم ينظرون إلى ترسانتهم النووية على أّنها ضمانة لأمنهم وهم لا يزالون ينظرون إليها على أنها ما يعادل ويعوض عن التفوق التقليدي الأمريكي. وتحتفظ روسيا بحق استخدام الأسلحة النووية رداً على هجمات نووية ضدها أو “عندما يكون وجود الدولة بحد ذاتها معرضاً للتهديد”، بغض النظر عن ما إذا كان هذا التهديد نووياً.
يحتفظ الإتحاد الروسي لنفسه بحق استخدام الأسلحة النووية رداً على أي استخدام ضدّه أو ضدّ أي من حلفائه أو الأنواع أخرى من أسلحة الدمار الشامل، كما في حال حصول عدوان ضدّ الإتحاد الروسي باستخدام الأسلحة التقليدية عندما يكون وجود الدولة بحد ذاتها معرضاً للتهديد.
وبشــكلٍ أكثر تحديداً، تناقش العقيدة الروســية إمكانية اســتخدام نووي أول رداً على هجوم تقليدي شامل على روسيا.
من الواضح بالتالي، وفقاً لعقيدة روسيا المعلنة، أن روسيا مستعدّة للبدء باستخدام الأسلحة النووية في حال كانت مصالحها الحيوية معرضة للتهديد. فعلى سبيل المثال، قد يبدأ الإستخدام النووي مع تفجير نبضٍ كهرومغناطيسيٍّ على ارتفاعٍ عالٍ أو استخدامٍ نووي تكتيكي محدود ضدّ هدفٍ عسكريٍّ في ظلّ ظروفٍ يتم اعتبار أن القوات التقليدية الروسية مرهقة وأن الدولة الروسية تواجه بالتالي تهديداً.
الأمر الأقلّ وضوحاً هو المسائل الأخرى التي قد تعتبرها روسيا تشكّل مصلحة حيوية مهمة بما يكفي لتبرير استخدام أول نووي ، خارج عن نطاق الظروف الواضحة من عقيدتها المعلنة.
اختارت روسيا ترك بعض الغموض فيما يتعلّق بحجم التهديد الذي قد تعتبره مصلحةً حيويةً تستدعي استخدام الأسلحة النووية ومداه وموقعه الجغرافي.
وأثــار هــذا الغمــوض مخــاوف أمريكيــة وأوروبيــة بـأن المحظــور النــووي قــد يضعف في التفكير الإستراتيجي الروسي. إن احتمال أن تقوم روسيا بتفجير سلاحٍ نوويٍّ للتأكيد على التزامها ومصلحتها خلال هجومٍ تقليديٍّ على منظمة حلف شمال الأطلسي بعيد جداً، ولكن لا يمكن لهذه الأسباب استبعاده. ينطوي السيناريو الذي تتم مناقشته على النطاق الأوسع على تفجير نووي روسي غير قاتل في حال بداية هجومٍ روسيٍّ تقليديٍّ على دول البلقان ،في هذه الحالة، قد يهدف التفجير النووي إلى تقسيم منظمة حلف شمال الأطلسي، وبالتالي تقويض الإرادة الأمريكية على شن ردّ عسكري.
مخاطر التصعيد في المجال الإلكتروني
أضافت الأهمية المتنامية للأصول الموجودة في الفضاء وإدخال الأسلحة الإلكترونية أيضاً عدم اليقين إلى الصراع المعاصر.
تطرح الأسلحة الإلكترونية أنواعاً متعددة من الخطر التصعيدي..أولاً، التأثيــرات غيــر المعروفــة.. قــد يكــون مــن الصعــب التنبــؤ بتوقيــت الهجمــات الإلكترونية وتأثيراتها. مع أي ضربة عسكرية، يكون الضرر الجانبي ممكناً دائماً، وبالرغم من ذلك، يتم مع أغلبية الهجمات التقليدية تطوير أساليب لتقييم وتجنب الضرر الجانبي.
تؤدي الأسلحة النووية أيضاً إلى تأثيرات من حيث خطر الإسناد. فعلى عكس الهجمات التقليدية، قد يكون من الصعب إسناد الهجمات الإلكترونية بدقّة إلى جهات فاعلة محددة، وفي حال حصول هجوٍم إلكترونيٍّ كبير، سيكون الضغط للردّ إما مع قوة إلكترونية أو قوة أخرى مساويتين فورياً.
بحسب الظروف، قد يتم اتّخاذ القرار بالإنتقام من دون معرفةٍ ممتازةٍ حول أصل الهجوم. في حال اتّضح أن الأدلّة الجنائية التي اعتمد عليها الإسناد خاطئة، سيكون الإنتقام قد شكّل تصعيداً مهماً في الصراع.
ثمة أيضاً قضية موكّل-وكيل، تنشأ من حيث طريقة تطوير بعض الأسلحة الإلكترونية. ويضيف استخدام بدائل للعمليات الإلكترونية درجة من عدم قابلية التنبؤ إلى صراع في المجال الإلكتروني. وتشتهر القدرات الإلكترونية الروسية، على وجه الخصوص، بكونها مرتبطة بمجموعة فضفاضة من المرتزقة الإلكترونيين و“الناشطين المخربين ” الوطنيين. قد يتّضح أن قدرة روسيا على السيطرة على أعمال هؤلاء الناشطين في حالة صراع، محدودة. و إذا كانت هذه هي الحال، قد يشن المرتزقة والناشطون هجمات بمبادرة خاصة منهم وربما لأسبابهم الخاصة،من شأنه أن تصعد الصراع.
و بما أن القدرة على شن هجمات إلكترونية تعتمد على المحافظة على سرية نقاط الضعف الإلكترونية، قد يخشى الجانبان أن يمتلك خصومهما قدرات إلكترونية تقترن بقدرة تخريبية بعيدة المدى. وقد تزيد هذه الخشية، بدورها، من الحوافز للتصعيد، بالإضافة إلى الأسباب لسوء فهم بعض النشاطات في المجال الإلكتروني على أنها مقدّمات لمزيدٍ من الهجمات البعيدة المدى التي ليست في الواقع قيد التحضير. في ظلّ ظروفٍ مماثلة، قد يحدث الإنتقام من جديد للأسباب الخاطئة، مصعداً صراعاً بشكلٍ غير ضروري.
خبرة نووية متدهورة وتحديات نووية جديدة
تُترجم المواجهة السياسية المتزايدة وخطر نشوء صراعٍ تقليدي ودون تقليدي، والمرتبطة بالمؤشرات المتزايدة على عتبة روسيا الأدنى لاستخدام النووي، إلى خطرٍ متزايدٍ لتبادلٍ نوويٍّ متصاعدٍ. في هذه الأثناء، تدهورت الخبرة في الديناميكيات النووية الاستراتيجية من الجانبين.
في الولايات المتحدة، تراجع الدور الإجمالي للأسلحة النووية في سياسات الدفاع الأمريكية، وتحول التركيز ضمن مجتمع الخبراء النوويين من ديناميكيات الصراع مع الخصوم إلى صراعٍ مع دولٍ مارقةٍ على غرار إيران وكوريا الشمالية. بالإجمال، تضاءلت المستويات العامة للقلق من حرب نووية، وتراجع الإنتباه لإمكانية في النقاش العام.
استقرار الأزمة
يعتمد استقرار الأزمة على مرونة القيادة والسيطرة وأنظمة الإيصال. يتمثّــل التحــدي الأول فــي هــذا المجــال في تطويــر القــدرات التقليديــة الأمريكيــة المتقدّمة، التي ادّعت روســيا أنها تقوض رادعها وهي بالتالي مزعزعة للإستقرار بطبيعتها.
دفعــت التغييــرات فــي البيئــة الأمنيــة الدوليــة بالولايــات المتحــدة إلــى تطويــر أسلحة تقليدية قد تعتقد روسيا أنها تقوض قدرتها على ضربةٍ ثانية. في حقبة ما بعد الحرب الباردة ، أتاح تقدّم التكنولوجيا وعدم كمال النظام الدولي لمكافحة الإنتشار النووي لإيران وكوريا الشمالية وباكستان والهند الإستحواذ، أو في حالة إيران، الإقتراب من الاستحواذ على أسلحة نووية. في التسعينات، مع تلاشي التهديد السوفييتي واعتبار التهديد من روسيا عند حدّه الأدنى لأسباب سياسية وأيضاً عسكرية، برزت الحاجة إلى ردع الولايات المتحدة وحلفائها.
وبالرغم من ذلك، تساءل البعض عمّا إذا كان الردع النووي التقليدي فعالاً متى تعلّق الأمر بالتعامل مع دولةٍ فقيرةٍ واستبداديةٍ على غرار كوريا الشمالية على وجه الخصوص.. لتجنب مثل هذه المشاكل والحدّ بشكلٍ أوسع من الحاجة إلى الأسلحة النووية، طورت الولايات المتحدة قدرات دفاع صاروخي وضربات تقليدية، بالأخص القذائف الإنسيابية الإنزالقية بسرعةٍ فوق الصوتية التي تُطلق عليها في بعض الأحيان تسمية الضربة العالمية الفورية التي قد تتيح لها الدفاع عن نفسها مع نزع سلاح قوة نووية ناشئة تتمتّع بقوات تقليدية.
تصر روسيا على أن هذه القدرات تهدد قواتها النووية وقد اعترضت بشدّةٍ على ما تعتبر أنه نشوء “ثالثي” أمريكي جديد. في التفكير الروسي، هذا الثالثي الجديد بما فيه الدفاع الصاروخي، والإنزالق التقليدي بسرعةٍ فوق صوتية، والقدرات بتمكينٍ من الفضاء، يُكمل الثالثي النووي الأمريكي القائم. وتشعر روسيا بالقلق من أن التقدّمات الأمريكية في الدفاع الصاروخي قد تتيح للولايات المتحدة البقاء.
كما قد تتيح المركبات الإنزالقية بسرعةٍ فوق الصوتية للولايات المتحدة شن ضربة “مباغتة” لنزع السلاح ضدّ القوات النووية الروسية من دون استخدام أسلحةٍ نووية. من الواضح أن هذه المخاوف مبالغ فيها وقد أشار المسؤولون الأمريكيون مرارا إلى ذلك بناء على أسس تكنولوجية ورقمية، حتّى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أقر علناً في العام 2015 بأن الدفاع الصاروخي الباليستي والضربة العالمية الفورية الأمريكيين لا يستطيعان حالياً تقويض الأسلحة النووية الإستراتيجية الروسية. ولا يزال هو وقادة روس آخرون يعبرون عن مخاوف بشأن المسار المستقبلي لمثل هذه الأنظمة.
وتطور روسيا بالتالي مجموعة من الأسلحة للتخفيف من تلك القدرات التقليدية الأمريكية التي تعتقد أنها تهدد رادعها النووي أو تتسبب في تدهورها. فعلى سبيل المثال، تدّعي روسيا أنها تطور غواصات هجومية وغواصات صواريخ بالســتية هادئة جداً، وطوربيد نووي هجومي بري عبر المحيط من طراز “ســتاتوس ”6، ومركبات إنزالقية بســرعةٍ فوق صوتية ومساعدات اختراق الصواريخ أو صواريخ تمويهية.
من الواضح أن المخاوف الروسية بشأن القدرات التقليدية الأمريكية المتقدّمة لا تقتصر على التأثير الذي تملكه هذه الأنظمة على القوات النووية الإستراتيجية الروسية،إذ تشعر روسيا بالقلق أيضاً من أن الدفاع الصاروخي قد يحول بشكلٍ أوسع التوازن العسكري لصالح منظمة حلف شمال الأطلسي في أوروبا، في حال تم تعديل أنظمة اعتراض الصواريخ الدفاعية لتعمل بمثابة قذائف انسيابية تقليدية، أو من خلال الحدّ من فعالية الصواريخ الباليستية التكتيكية الروسية، وحرمان روسيا من خيارات الإرغام التي قد تأمل في الحصول عليها من برنامج التحديث الحالي الخاص بها.
وتوجد أدلّة كافية لاستنتاج أن روسيا قلقة حقاً من التأثيرات التراكمية للدفاع الصاروخي، والضربة العالمية الفورية والقدرات التقليدية الأمريكية الأخرى على رادعها النووي حتّى ولو كان ذلك أقلّ مما تقوله. قد يعتقد المخططون الروس أيضاً أن الأنظمة الأمريكية أكثر قدرة مما هي عليه بالفعل. باختصار، في حال اعتقدت روسيا أن الولايات المتحدة تملك القدرة، من خلال أساليب تقليدية، على تدمير ما يكفي من قدرة الضربة الثانية الخاصة بها، يضعف الإستقرار الإستراتيجي الإجمالي.

إن القلق بشأن التوازن العسكري-السياسي هو السبب الذي من أجله يعتبر القادة الروس أيضاً أن أمن المعلومات هو بنفس هذه الأهمية بالنسبة للإستقرار الإستراتيجي.
إن رغبة الكرملين بتضمين مجال المعلومات كعامل رئيسي في الإستقرار الإستراتيجي وسع إلى حدّ كبير نطاق القضية إلى ما هو أبعد من الحدود النووية، مع وضع التفكير الرسمي الروسي بشأن الإستقرار الإستراتيجي في موقع متناقضٍ مع الدعم الأمريكي القائم منذ وقتٍ طويلٍ للحركات الديمقراطية وحرية المعلومات. إن هذا يعقّد بشكلٍ خطيرٍ المناقشات حول الإستقرار الإستراتيجي.
إمكانيات تعزيز الإستقرار الاستراتيجي
في وجه هذه التحديات للإستقرار الإستراتيجي وبالرغم من واقع أن التعريفات الروسية والأمريكية لهذا الإستقرار تختلف، ستتقاسم الولايات المتحدة وروسيا مصلحةً كبيرة في تجنب حربٍ نووية. يجب أن يشكّل ذلك قاعدة لجهود مستمرة تهدف إلى تعزيز الإستقرار الإستراتيجي على المديين القريب والمتوسط، وهو ما سيتطلّب شجاعةً وتضحياتٍ من الجانبين كليهما.
تخفيضات رقمية إضافية في القوات النووية
قد يتم بوضوح تعزيز الإستقرار الإستراتيجي في حال تحقيق أغراض حركة نزع الأسلحة النووية “عالم بلا أسلحة نووية” ، وقد يخفّض نزع الأسلحة أيضاً خطر الإستخدام النووي ويحسن الإستقرار الإستراتيجي.
وســيكون نزع الأســلحة النووية الإضافي وبالأخص تحقيق “عالمٍ بلا أسلحة نووية” تحدّ ياً ضخماً، ويجب أن تكون المفاوضات متعدّدة الأطراف. بخلاف ذلك، قد تكتسب الصين ميزة على الولايات المتحدة وروسيا. وستكون احتمالات مثل هذه المفاوضات متعددة الأطراف أكثر تعقيداً بالنظر إلى المطالبات الأمريكية والروسية المرجحة بترسانات نووية متفوقة مستمرة والتحدّي الناتج عن ذلك لتدوين عدم المساواة في اتفاقية متعددة الأطراف للسيطرة على الأسلحة.
يتمثّل التحدٍّ الإضافيّ في أن الإســتقرار الإســتراتيجي قد يتراجع بالفعل بشـكلٍ مؤقتٍ مع تخفيض عدد الأسلحة النووية مع أنه قد يزيد من الإستقرار أيضاً في حال صياغة الإتفاقية بشكلٍ صحيح.
وبالتالي، بالرغم من أن تخفيضاً نووياً عالمياً هو هدفٌ معلن للسياسات الروسية، طالما أن روسيا تبقى قلقة من أن القدرات التقليدية الأمريكية المتنامية تهدّد قواتها النووية الاستراتيجية، من غير المرجح أن توافق على فرض أي حدٍّ إضافي على تلك القوات النووية.
التقدّم باتجاه نزع الأســلحة أو تخفيضات في الأســلحة النووية التكتيكية، سيقترن أيضاً بالتحديات بالنسبة لروسيا. سعت الولايات المتحدة إلى تحقيق تخفيضات على مستوى ترسانة الأسلحة النووية التكتيكية الكبيرة التابعة لروسيا، والتي تشمل مجموعة واسعة من الأسلحة التي يمكن نشرها على الأنظمة القصيرة والمتوسطة المدى،إلا أن روسيا رفضت مثل هذه المطالبات، وذلك جزئياً، لأن الأسلحة النووية التكتيكية تشكل جزءً رئيسياً من إستراتيجيتها لمعالجة دونيتها التقليدية بالمقارنة مع الولايات المتحدة، ومنظمة حلف شمال الأطلسي.
إن التخفيضات الرقمية، الأحادية والثنائية والمتعددة الأطراف إلى ما هو أدنى بكثير من المستويات المنصوص عليها في معاهدة تخفيض الأسلحة الهجومية الإستراتيجية والحد منها ، بما في ذلك إلى مستوى بلا أسلحة نووية، غير مرجح على المديين القريب والمتوسط.
هذا لا يستبعد جعل مثل هذه التخفيضات غرضاً طويل الأمد للسياسات الأمريكية، ولكن نزع السلاح سيكون مسارًا صعباً باتجاه تعزيز التدهور الأخير في الإستقرار الإستراتيجي.
ضبط النفس السياسي
من الناحية النظرية، يمكن التخفيف من الصراعات السياسية التي تقوض الإستقرار الإستراتيجي في حال تنازل الولايات المتحدة لصالح روسيا عن “دائرة النفوذ” التي يطالب بها بوتين، وذلك على سبيل المثال من خلال الحدّ من نشاطات الترويج للديمقراطية في الفضاء ما بعد الإتحاد السوفييتي خارج منظمة حلف شمال الأطلسي وإغلاق الباب في وجه توسيع إضافي لمنظمة حلف شمال الأطلسي والإتحاد الأوروبي في المنطقة..
يجب أن تأخذ الإستراتيجية الأمريكية أيضاً بعين الإعتبار إمكانية أن الطموحات الروسية لن تقتصر على تلك البلدان التي يتم الإدعاء بأنها جزء من دائرة نفوذها وأن روسيا قد تتشجع بفعل الترتيب الأمريكي لإجراء مطالبات إضافية ومتابعة سياسات خارجية أكثر عدائية. بالإضافة إلى ذلك، قد يتم تحدّي الولايات المتحدة من أجل تقديم التزامٍ موثوقٍ بمثل هذه السياسات، وقد يخشى القادة الروس من عكس المسار في تاريخٍ لاحق.
ضبط النفس العسكري
إن الولايات المتحدة قادرة على الحدّ ذاتياً من تطوير ونشر تلك الأنظمة التي ترى روسيا أنها تضر بقدرتها النووية الإنتقامية، وبالتالي تعزيز الإستقرار الإستراتيجي بشكلٍ محتمل. قد توقف الولايات المتحدة من الناحية النظرية تطوير ضربةٍ عالميةٍ فوريةٍ تقليدية، أو تعلن بشكلٍ أحاديٍّ عن نية للحدّ بطريقةٍ ما من النظام الذي تنشره. مما يحســن بالتالي الإستقرار الإستراتيجي.
وبالنظر إلى القلق المتنامي بشأن حدوث صراعٍ تقليديٍّ مع روسيا في أوروبا، قد تدعو الحاجة إلى أن يعالج بعض الدفاعات الصاروخية الباليستية في أوروبا تهديد هجوم صاروخي باليستي تقليدي روسي، وقد تكون عمليات النشر هذه مجديةً من دون تهديد الأنظمة الإستراتيجية الروسية. بالفعل، يبدو في بعض الأوقات أن موسكو لا تدرك أن “عدوانها” في أوكرانيا وأماكن أخرى يميل فحسب إلى تعزيز الحالة لنشر الأنظمة التقليدية التي تعارضها إلى أقصى حدود. قد يعارض الحلفاء الأمريكيون، على غرار رومانيا وبولندا، حيث يجري نشر الدفاعات الصاروخية الباليستية، أي تسوية للدفاع الصاروخي الأمريكي، وقد يسعون بالفعل وراء قدرات أكبر في المنطقة.
قد تكون منافع ضبط النفس في هذا المجال محدودة في حال كانت روسيا غير قادرة على التحقّق بما يرضيها من أن الولايات المتحدة كانت تتقيد بالفعل بحدودها المفروضة ذاتياً، ولكن قد تتوفّر طرق لتجاوز هذه المشكلة.
المنصات الجوية والبرية والبحرية قد تهدد القوات النووية الإستراتيجية الروسية أو القيادة والسيطرة الروسية بالطريقة نفسها كضربةٍ عالميةٍ فورية، بالرغم من أنه من الناحية العملية، قد يكون من الصعب بالنسبة للقذائف الإنسيابية التقليدية اختراق أهداف محصنة ..وحتى وإن كانت الولايات المتحدة ستحدّ من الإستحواذ على الضربة العالمية الفورية، قد لا تزال روسيا ترى تهديداً لقواتها الإستراتيجية من أنظمة تقليدية أخرى في المستقبل أو تستفيد من الإدعاءات بأنها ترى مثل هذا التهديد لاكتساب ميزةٍ في المفاوضات.
من غير المرجح إلى حدٍّ كبيرٍ أن تعمد الولايات المتحدة إلى الحدّ الذاتي من دون تقديم مطالبات متبادلة أو موازية من روسيا.
السيطرة على الأسلحة التقليدية و إجراءات بناء الثقة
إذا كان انتشار الحروب المحلية واحتمال تصعيدها يؤديان إلى تدهور الإستقرار الإستراتيجي اليوم، من الواضح أن الإجراءات الآيلة إلى الحدّ من الحروب المحلية أو تجنبها تعززه. يمكن تحقيق مثل هذه الإجراءات من خلال إجراءات بناء الثقة التقليدية أو اتفاقيات السيطرة على الأسلحة. يمكن أن تحدّ إجراءات بناء الثقة ، على غرار الرصد المشترك للتمارين، من التصعيد غير المؤكّد وغير المقصود من تمارين واسعة النطاق وعمليات نشر عسكري أخرى.
سيكون التحدّي في هذا المجال أن للولايات المتحدة وروسيا أهدافاً مختلفةً لإمكانية السيطرة على الأسلحة التقليدية وإجراءات بناء الثقة، ومناظير مختلفة حولها. لا تشارك روسيا أيضاً حالياً في معاهدة القوات المسلّحة التقليدية في أوروبا وقد انتهكت معاهدة القوات النووية المتوسطة المدى من خلال اختبار صاروخ إنسيابي مطلق من الأرض إلى مدى متوسط.
من جانبهم، جادل الروس أن منظمة حلف شمال الأطلسي قوضت معاهدة القوات المسلّحة التقليدية في أوروبا من خلال التخلّف عن إجراء ترتيبٍ بشأن مصالحها في جورجيا وأوكرانيا ودول أخرى على طول حدودها وأن تعزيز منظمة حلف شمال الأطلسي لوضعية قوتها في منطقة البلطيق يطرح التهديدات. علاوة على ذلك، جادلت روسيا أن الولايات المتحدة الأمريكية انتهكت معاهدة القوات النووية المتوسطة المدى في اختبارات دفاعها الصاروخي ومن خلال نشر طائرات من دون طيار مسلحة متوسطة المدى من خلال بناء أنظمة إطلاق صواريخ بالستية اعتراضية دفاعية في رومانيا وبولندا.
في الآونة الأخيرة، طرح بعض المراقبين فكرة قيام مجلس منظمة حلف شمال الأطلسي- روسيا بتطوير وظائف جديدة لإدارة الأزمات، وذلك على سبيل المثال من خلال فتح خط تواصل جديد بين المنظمة وروسيا. قد يمكّن ذلك الأعضاء الفرديين في حلف شمال الأطلسي من الحصول على منصة للتواصل مع روسيا في حال حصول أزمة خارج القنوات الثنائية الأطراف. وبشكلٍ بديل، قد يتولّى المجلس قضية كيفية إمكانية وضع منظمة حلف شمال الأطلسي وروسيا لإجراءات من أجل الحدّ من احتمالات وقوع حادث عندما تنشط طائرات منظمة حلف شمال الأطلسي والطائرات الروسية على مقربةٍ الواحدة من الأخرى بالرغم من أنه من غير المؤكد ما سيكون عليه الموقف الروسي تجاه جهدٍ مماثل.
قد يكون بالتالي تأمين قنوات تواصل ثنائية الأطراف قوية هو خيار إدارة الأزمات الأفضل المتوفر.
الخاتمة
ثمة أمام الولايات المتحدة وروسيا تحديات خطيرة متى تعلّق الأمر بتعزيز الإستقرار الإستراتيجي.
إن المعنى السلبي الإجمالي للعلاقات الأمريكية-الروسية بما في ذلك تحدي إبرام اتفاقية بشأن سوريا، ومعاهدة القوات النووية المتوسطة المدى والإختلاف بشأن أوكرانيا سيصعب إيجاد سبيلٍ للمضي قُدماً. سيبقى الردع النووي بالتالي جزءً أساسياً من السياسات الأمنية الأمريكية متى تعلّق الأمر بروسيا. يتطلّب ذلك استثمارً مستمراً في التحديث النووي ورسائل فعالة في الولايات المتحدة ومن حول العالم على حدٍّ سواء مفادها أن الأسلحة النووية تبقى جزءً حيوياً من الترسانة العسكرية الأمريكية، وأن الولايات المتحدة تبقى مستعدّة عسكرياً وسياسياً ونفسياً لإستخدام الأسلحة النووية دفاعاً عن المصالح الحيوية الأمريكية.
يتوجب على واشنطن أيضاً أن تطور وتصيغ سياسات واضحة بشأن الرادع الإلكتروني. يجب أن توضح هذه السياسات أنواع الهجمات الإلكترونية ضد الولايات المتحدة، أو حلفائها. قد تساعد مثل هذه الخطوط الحمراء في تعزيز الإستقرار الإستراتيجي.
لن يكون تحقيق توازنٍ مستقرٍّ فعّال أمراً سهلا. إنه لمن المفارقة أن يكون بعض خطر حرب نووية ضرورياً للمحافظة على القوة الأمريكية ودور الولايات المتحدة في ضمان قابلية التنبؤ في بيئة الأمن الدولي اليوم. والرغم من ذلك، يعتبر التيقّظ المستمر بشأن الإتجاهات في الإستقرار الإستراتيجي أساسياً،إذ تتقاسم الولايات المتحدة وروسيا مصلحةً في تعزيز الإستقرار الإستراتيجي ويتوجب عليهما الإستمرار في السعي وراء طرقٍ للمشاركة بشكلٍ بناء في هذه القضية.

By admin