الأربعاء. ديسمبر 25th, 2024

الدكتورة بدرة قعلول : رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتجية الأمنية والعسكرية

ثلاثة سيناريوهات لعام 2025″ هذا التقرير هو نتاج سلسلة من اللقاءات التي عقدتها مجموعة “أراب فورسايت جروب” البحثية، (The Arab Foresight Group) عام 2014، ضمن مبادرة من معهد الإتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية (EU Institute for Security Studies) جمع بين خبراء من أوروبا والعالم العربي من أجل التوصل إلى سيناريوهات لمستقبل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
فما هو المعهد الأوروبي للدراسات الأمنية؟ هو وكالة تابعة للإتحاد الأوروبي تأسس بباريس سنة 2002 ويعمل تحت السياسة الخارجية والأمنية المشتركة في الإتحاد.
يقوم المعهد بأبحاث حول القضايا الأمنية ذات العلاقة بالإتحاد الأوروبي وينظم منتدى من أجل النقاش.
يتولى المعهد القيام بالأبحاث الأكاديمية والتحليلات السياسية وتنظيم المحاضرات والمؤتمرات لاستقاء المعلومات في ذاك المجال.
مواضيع البحث لها علاقة بالسياسة الخارجية والأمنية المشتركة، ولذلك يغطي المعهد علاقات الإتحاد الأوروبي بالمناطق التالية: إفريقيا وآسيا والبحر المتوسط والشرق الأوسط والخليج وروسيا والولايات المتحدة.
وإضافة إلى ذلك ، يتطرق المعهد إلى مواضيع أساسية مثل مكافحة الإرهاب ونزع الأسلحة وعدم انتشار الأسلحة ومنع الصراعات وإدارة الأزمات والحكم العالمي والربيع العربي. في العام 2011، اختير المعهد جراء دوره كوكالة أوروبية للبحوث الإستراتيجية من قبل اللجنة الأوروبية لإعداد تقارير نهائية عن الإستراتيجية الأوروبية ونظام التحليل السياسي.
لماذا اخترنا هذا التقرير؟ من ضمن اهتمامات استراتيجيا نيوز والمركز الدولي للدراسات الإستراتجية الأمنية والعسكرية متابعة إصدارات معهد الإتحاد الأوروبي وخاصة تلك المتعلقة بالعالم العربي. وفي هذا الصدد وقع اختيارنا على دراسة نعتبرها هامة جدا وعلمية وتعكس الواقع الذي يعيشه العالم العربي.
هذه الدراسة أمّنها عدد من الخبراء والباحثين وحررها كل من “فلورنس قوب” الذي يعتبر كبير المحللين في المعهد و”الكسندرا لبان” مساعد باحث في الجمعية البرلمانية للناتو في بروكسل.
وتكمن أهمية هذه الدراسة في كونها خلاصة عدة جلسات وعصف ذهني لمجموعة من الخبراء بهدف التنبؤ بمستقبل الدول العربية، اعتماداً على المعلومات المتاحة لديهم، للوصول إلى تلك السيناريوهات المحتملة لصُنَّاع القرار في إقليم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إزاء الأزمات التي تواجه المنطقة.،وهي كالتالي:
السيناريو الأول: الإضطراب العربي The Arab Simmer يشير هذا السيناريو إلى أن الدول العربية ستواجه في عام 2025 العديد من التحديات فيما يتعلق بالبطالة والمشاركة السياسية، فضلاً عن تمدد تهديد الإرهاب.
وبرغم محاولات احتواء هذا الخطر الأخير، فإن نطاقه سيجعل الإقليم عالقاً في صراع ممتد، بما يؤجل أي عمليات إصلاح داخلية من منطلق الأسباب الأمنية.
فالصراع والعنف الممتد في سوريا ولبنان وإسرائيل والعراق واليمن لن يمنع التكامل الإقليمي فقط، بل يعوق أيضاً التنمية الإقتصادية على نطاق واسع داخل المنطقة.
لذا، فإن البطالة التي تعاني منها غالبية الشباب، والتي كانت محركاً أساسياً للثورات في العالم العربي، سترتفع بشكل أكبر في عام 2025، إذ تقف نسبة البطالة في الوقت الحالي عند 30% نتيجة عدم قدرة أسواق العمل على استيعاب العمالة خصوصاً الحاصلين على مؤهلات عليا.
وبالرغم من بعض الإصلاحات التي قامت بها بعض دول الثورات العربية، إلا أن النتائج ليست مشجعة بشكل كبير.
و من ناحية أخرى، يؤكد الخبراء أن تنامي خطر الإرهاب أدى إلى انخفاض معدلات الإستثمار الأجنبي في العديد من البلدان، وهو ما ترتب عليه تقليل فرص العمل، فمصر على سبيل المثال خسرت العديد من مستثمريها بسبب الحرب التي تخوضها ضد الإرهاب في ضوء الهجمات التي تتعرض لها مقار الشركات الإستثمارية الكبرى، وهو ما يجعل تلك الأخيرة تنقل استثماراتها في مناطق أكثر أمناً واستقرارا.
كما تشير الدراسة إلى أن معظم الإستثمارات الخارجية في عام 2025 ستتجه إما إلى دول الخليج المستقرة بطبيعتها، أو إلى تونس، وهي الدولة الوحيدة من دول الثورات القادرة حتى الآن على جذب المستثمرين.
ويمكن الإشارة إلى أن خطر الإرهاب الذي يواجهه الإقليم قد ساهم في توحيد الدول العربية لمواجهته، فالتهديدات الإرهابية التي تواجهها دولة الإمارات في 2020 خلال انعقاد معرض “إكسبو” أو التهديدات في أثناء كأس العالم المقرر إقامته في قطر 2022، قد ساعدت في تكوين تحالف يعتمد على تبادل المعلومات الأمنية وتنسيق الجهود المشتركة بين الدول لمواجهة ودحر الخطر الإرهابي الممتد.
وتواجه الدول العربية كذلك تحديات أخرى تهدد استقرار الإقليم، لعل أبرزها التوترات الأمنية في سوريا وليبيا.
فالحرب الأهلية السورية ستستمر في التأثير سلباً على لبنان والعراق والأردن من الناحية الإقتصادية، في ظل فشل كل اتفاقيات السلام بين النظام والمعارضة، ويبدو أن الأزمة مرشحة للإستمرار في ضوء الإنقسام الداخلي الذي تعاني منه سوريا .
أما في ليبيا، فيتجه الوضع إلى التحسن البطيء فيما يتعلق بالعنف الممتد الذي برز بعد موت القذافي، لكن مازالت ليبيا تعاني من العديد من الأخطار مثل انتشار العنف في كل مكان وانخفاض إنتاج النفط، فبعد أن كانت ليبيا تنتج ما يقرب من 1.6 مليون برميل يومياً، أصبحت تنتج الآن ما يتراوح بين 500 – 800 ألف برميل يومياً، وهو ما يعد غير كافٍ لإعادة بناء بنية الدولة الأساسية.
وبالتالي فإن السيناريو الأول يفترض أن “الدول العربية ستسعى لعمل إصلاحات، إلا أنها لن تكون كافية لإحداث تغيير حقيقي في حياة المواطنين”.
ملاحظة : إلى حدود هذه السنة 2019 هذا السيناريو بعيد جدا على واقع الدول العربية.
السيناريو الثاني: الإنهيار العربي The Arab Implosion يفترض هذا السيناريو تراجع العالم العربي في العديد من الجبهات، وذلك بسبب ظهور تنظيم “داعش” في عام 2014، والذي أدخل الإقليم في اضطراب كبير جعل الدول العربية تُرسِّخ كل إمكانياتها لمحاربته، وتُهمل تحقيق الإصلاحات الإقتصادية التي من شأنها خلق فرص عمل جديدة وتحقيق التنمية، حيث سيؤدي إهمال أو بالأحرى تأجيل الإصلاح إلى تآكل نمو الإقتصاديات العربية وشل حركتها نتيجة لعدد من العوامل منها عدم الاستقرار، وعدم استدامة الدعم، وارتفاع أسعار الغذاء وغيرها.
ومع استمرار هذا الوضع، سترتفع البطالة في الدول العربية بشكل كارثي، طبقاً لهذا السيناريو، وبالتالي لن يكون أمام هذا الشباب العاطل إلا أن ينضم إلى التنظيمات الإرهابية الإقليمية أو يشارك في المظاهرات العنيفة الرافضة للحكومات وسياساتها.
ويفترض هذا السيناريو أن تونس ستتحول إلى دولة سلطوية من جديد بعد أن كانت على طريق الديمقراطية، وذلك نتيجة عدم الإستقرار الداخلي وتنامي الخطر الإرهابي، بما سيدفع المؤسسات الأمنية الداخلية والخارجية إلى تأجيل عمليات الإصلاح في الوقت الحالي نتيجة لهذا الخطر، وفي نفس الوقت ستبدأ اتهامات التعذيب من جانب رجال الشرطة للمواطنين في الظهور للأفق.
على الجانب الآخر، ستتحول ليبيا مع استمرار الصراعات داخلها إلى منطقة كبيرة غير محكومة، حيث ستعمل فيها الشبكات الإجرامية والتنظيمات الإرهابية بحرية تامة، مما سيؤثر سلباً على جيرانها.
كما ستبدأ تلك الجماعات والتنظيمات الإرهابية في إنشاء هياكل للبنية التحتية الخاصة بها، فيما ستركز جماعات أخرى على عمليات الخطف ومبيعات الأسلحة.
أما بالنسبة للجزائر، فإن اقتصادها يعتمد بشكل رئيسي على قطاع المحروقات، وفي ضوء استمرار التذبذب في أسعار النفط العالمية ومع تزايد معدلات إنفاقها الاجتماعي وتوسع ميزانية دفاعها، فإن اقتصادها لن يصبح قادراً على مواجهة التحديات المتزايدة، فضلاً عن عدم توفير الإحتياجات الأساسية للمواطنين.
وعلى الصعيد السوري، فإن الصراع سيكون قد انتهى بعد 15 سنة، إلا أنه لا ينتهي على أساس من الإتفاق المشترك، بل على افتراض استسلام الجيش السوري الحر.
كما يمكن القول إن النظام السوري الجديد لن يكون قادراً على السيطرة على البلاد بالكامل في ظل استمرار تعاون بعض الجماعات داخل سوريا مع تنظيم “داعش”.
ملاحظة: هذا السيناريو الى حدود هذه السنة 2019 قريب جدا من الواقع العربي.
السيناريو الثالث: الطفرة العربية The Arab Leap يفترض هذا السيناريو أن الطفرة العربية سوف تبدأ بعد 5 سنوات من الثورات، إذ سيبدأ الإقتصاد العالمي، وبالتحديد منطقة اليورو، يتعافى، وسوف تتمكن الإقتصاديات العربية من أن تكون نقطة تحول رئيسي في هذا الأمر، حيث إن تطبيق اتفاقية التجارة العربية الحرة مقروناً بتخفيض 5% في وسائل المواصلات، إلى جانب إحلال 20% من العمالة العربية في دول الخليج بدلاً من العمالة الأجنبية، سوف يساهم في إحداث تحول هام في الإقتصادات العربية.
وطبقاً لهذا السيناريو، سوف تنخفض البطالة في مصر بين العمالة الماهرة بنسبة 8%، وفي المغرب بنسبة 7.2%، وفي تونس بنسبة 6.9%، كما سترتفع معدلات الناتج المحلي الإجمالي في جميع الدول العربية، وبالتحديد في مصر إلى 6.2%، وتونس بنسبة 4.2%. وبالإضافة إلى هذا التكامل والنمو الإقتصادي في جميع الدول، فإن قيام الدول العربية – وبالتحديد مصر – بعمل إصلاحات هامة في مجال التعليم سوف يؤدي إلى انخفاض مستدام في معدلات البطالة.
وبحلول عام 2026 سيصل الإقليم إلى طفرة غير مسبوقة، سواء من حيث مواجهة البطالة أو مكافحة الإرهاب، وهي القضايا التي تتعلق تقريباً بكل دولة عربية، وذلك انطلاقاً من إدراك الدول العربية في النهاية أن المشكلتين الأساسيتين لن يتم حلهما إلا بالتعاون المشترك.
كما ستقدم بعض الدول عدداً من المبادرات لحل الأزمات الإقتصادية التي تعاني منها المنطقة، وهنا تتوقع الدراسة تقديم خطة اقتصادية موسعة على غرار خطة “مارشال” بعد الحرب العالمية الثانية، والتي من شأنها أن تقدم تمويل قيمته 100 مليار دولار لإنعاش الإقتصاديات العربية المريضة، وتقديم الدعم الحيوي لها للقيام بالإصلاحات الضرورية بطريقة مستدامة اجتماعياً بهدف تحقيق النمو الإقتصادي وخلق فرص العمل.
وستساهم تلك التنمية الإقتصادية في تقليل أعداد المنتمين إلى التنظيمات الإرهابية، ومحاصرة الإرهاب بشكل يحول المشكلة من تهديد استراتيجي لأمن الدول إلى مجرد مشكلة “مزعجة”، وذلك بالتزامن مع السياسات العربية المشتركة في مكافحة الإرهاب، والتي ستثبت فعاليتها في تقويض هذا الخطر، بل وستزيد من ثقة العرب في بعضهم البعض.
وفي عام 2025 من المتوقع أن تؤسس الدول العربية قوات حفظ سلام خاصة بها تكون تابعة لجامعة الدول العربية، وتكون أول مهمة لها في سوريا، والتي سيمهد اتفاق السلام فيها إلى إعادة بناء الدولة على أسس جديدة.
وبشكل عام، سيظل الإضطراب السياسي داخل الإقليم حاضراً، لكن لن يكون له نفس الآثار التخريبية، كما أن المظاهرات في بعض الدول مثل مصر والجزائر لن تؤدي إلى استقطاب في المشهد السيا كما ستنخرط بعض تيارات الإسلام السياسي في العملية السياسية حتى لو تحت مسميات جديدة، لكن بأفكار أكثر انفتاحاً فيما يتعلق بحقوق الإنسان والمساواة وغيرها.
وعلى صعيد متصل، وفي عام 2025 ستكون إيران قد أنهت برنامجها النووي،وبمرور الوقت وبوساطة الأمم المتحدة ستؤدي إجراءات بناء الثقة إلى تحسين الأوضاع وتوفيقها بين إيران ودول الخليج. ملاحظة: هذا السيناريو وإلى حدود هذه السنة 2019 فيه بعض مظاهر الصحة و فيه الكثير من البعد عن الواقع.
خلاصة الدراسة تؤكد الدراسة على أن الدول العربية تواجه تحديات كبيرة جدا، بما يجعل التعددية والتعاون المشترك هما المفتاح لكل تلك المشكلات، بل إنهما أصبحا ضرورة أكثر منها اختيارا، وأن الحل دوماً سيكون إقليمياً، وليس محلياً أو دولياً بعد ذلك، نظراً لطبيعة التهديدات التي تواجهها هذه الدول.
وإذا أخذت الدول العربية الطريق الخطأ في مواجهة التهديدات والتحديات، فإن ذلك لن يؤدي فقط إلى عدم الإستقرار الممتد، بل أيضاً إلى خسارة العديد من المكاسب التي كان يمكن تحقيقها في العقود الأخيرة.

By Zouhour Mechergui

Journaliste