الأثنين. ديسمبر 23rd, 2024

الدكتورة بدرة قعلول : المركز الدولي للدراسات الإستراتجية الأمنية و العسكرية

يشكل الإرهاب ظاهرة عابرة للأوطان والحدود، ولا تشكل هوية سياسية أو دينية أو فكرية، وإنما تهدف الجماعات الإرهابية إلى تدمير الدولة الوطنية في بعدها الأمني الشامل، بتخريب المجال الحيوي للاقتصاد، ومحاولات تفكيك البنية الاجتماعية والوحدة الوطنية، واغتيال الرموز الوطنية، و هذا ما نشاهده منذ بداية ظهور هذا الكيان في بلدان “الخريف العربي” و خاصة بسوريا و العراق و اليمن و ليبيا.
و في المخطط الكبير لتحطيم هذه البلدان الغنية بالثروات الطبيعية يتكاثر الإرهاب و الإرهابيين فتشكل داخلهم ثكنات و معسكرات كبرى للإرهابيين و الميلشيات المسلحة و العصابات الإجرامية التي اتضح بالكاشف بأنها قد ولدت من رحم التنظيم العالمي للإخوان المسلمين فكل إرهابي كانت بدايته مع الإخوان و استقطابهم جاء من الإخوان ثم تحولت وجهتهم إلى الجناح العسكري المتطرف الذي يقتل الناس تحت لواء الدين و “الله اكبر”

إن ما تشهده ليبيا من دمار و خراب و حرب أهلية هو سببه الأول منذ 2011 دخول الإخوان و انقضاضهم على الدولة الليبية و تدميرهم لمفاصل الدولة و إسقاط الدولة لان هؤلاء لا يعيشون إلا في الخراب و على الخراب.
فليبيا أصبحت تعاني من تكاثر الإرهابيين و اتصالهم المباشر مع أصحاب القرار في حكومة الوفاق لهذا أصبح الجيش العربي الليبي مطالب بالدخول لطرابلس و المدن الليبية لتحريرها من براثن الإرهاب و المليشيات المسلحة و من حكومة متواطئة مع الإرهاب فهي أصبحت تنعت بحكومة العصابات.
و مع التدخل العسكري و بعد التحرير يجب أن يتبنى الليبيون مقاربة شاملة وهذا يستدعيهم لإيجاد حلول للتكيف مع هذه الظاهرة وفق مقاربة أمنية شاملة.
المقاربة الامنية الشاملة

  • تشمل المقاربة الأمنية الشاملة لمحاربة الإرهاب مجموعة من الآليات المتكاثفة، سياسية، اجتماعية، تنموية، فكرية ودينية وأمنية بحيث تركز على آليات:
    1- الآلية السياسية: على دعم الديمقراطية التوافقية في إطار التداول السلمي على السلطة وترسيخ الديمقراطية بإدارة المنافسة السياسية بالطرق السلمية عن طريق الانتخابات الدورية وتوسيع المشاركة السياسية و خاصة إدراج طاقات شبابية سياسية تحمل فكر متجدد.
    2- الآلية الاجتماعية والتنموية: بإيجاد حلول للقضايا الاجتماعية التي تهدف إلى إدماج الشباب في الحياة الاجتماعية، بمحاربة البطالة، وتكافؤ الفرص في المهن، وتحسين الظروف الاجتماعية للمناطق الجغرافية الهشة و عودة الحياة للشعب الليبي ضمن منظومة استقرار اجتماعي.

3- الآلية الفكرية والدينية: تجفيف المنابع الفكرية والدينية للإرهاب من خلال محاربة المواقع الإلكترونية المحرضة على العنف والتطرف، و عزل المجتمع عن الفتاوي المحرضة للفتن والعنف من خلال دور المؤسسات الدينية المستنيرة للقضاء على تجار استباحة مقاصد الشريعة ( الدم- العرض- الدين).
ويمكن توظيف الآليات الفكرية من خلال تجارب المراجعات لبعض رموز التطرف الديني بمحاربة المغالطات الفكرية والدينية التي توظفها الجماعات الإرهابية لتعبئة الشباب ضد أوطانهم ومجتمعاتهم.

4- الآلية الأمنية، بتعزيز التنسيق الأمني بين دول شمال إفريقيا من خلال تبادل المعلومات والبيانات الخاصة بالكيانات والأفراد المصنفة ضمن الجماعات الإرهابية، ودفع التعاون بين المراكز الفكرية ومعاهد الدراسات الاستراتيجية والأمنية المستقلة، التي تقدم الخيارات والبدائل لكيفية محاربة الإرهاب بإشراك النخب الفكرية والجامعية وتحسيس المجتمع المدني عبر تكثيف المواقع الإلكترونية التي تهتم بمكافحة الإرهاب عبر الإنتاج الفكري ( تقارير دورية، مجلات متخصصة، ندوات علمية، أوراق استراتيجية…).

5- آليات استباقية للتكيف مع تصاعد موجات العنف المتطرف العابر للحدود، فكما شكلت ظاهرة عودة الأفغان العرب إلى أوطانهم بعد تفكيك الاتحاد السوفياتي تهديدا للأمن الوطني، فإن عودة الإرهابيين وبالأخص في شمال إفريقيا، من سوريا والعراق، يشكل تهديدا أكثر خطورة على الأمن الوطني والإقليمي، من خلال إعادة الانتشار واحتمال تزايد مخاطرها في ليبيا في حالة تأخر الحلول السياسية وإيجاد توافق سياسي داخلي، مما يتطلب معالجة الظاهرة في شموليتها بإعطاء دينامكية لبناء السلام في ليبيا وتطويق المنظومة القانونية والأمنية تجاه العائدين من ساحات القتال في سوريا والعراق وليبيا.

6- آلية معرفة العدو : الإستراتيجية الناجعة لمحاربة الإرهاب تقتضي معرفة هذا العدو في كل أبعاده ومكوناته، بتفكيك بنيته التنظيمية، وتحليل إيديولوجياته التعبوية، وتجفيف منابع تمويله، وهذا يكون بتفعيل دور مراكز التفكير Think Tanks التي تشكل أهم محور داعم لصانع القرار في تقديم الخيارات والبدائل الممكنة والمحتملة والمرغوب فيها، للقضاء على الإرهاب والتطرف، وفي الوقت ذاته إشراك النخب والمجتمع المدني في مكافحة الإرهاب عبر كل الوسائل وخاصة الفكرية والإعلامية.

By Zouhour Mechergui

Journaliste