فاتن جباري قسم العلاقات الدولية والشؤون الإستراتيجية -01/10/2024
تقديم :
مؤخرًا أعلنت مصادر أميركية عدة أن الرئيس جون بايدن الذي يغادر البيت الأبيض بعد انسحابه من سباق الرئاسة يخطط لزيارة “أنغولا “في الأسابيع المقبلة تنفيذًا لوعوده السابقة بأن يكون أوّل رئيس أميركي يزور أفريقيا جنوب الصحراء منذ زيارة سلفه باراك أوباما لها.
ورجحت المصادر أن تكون الزيارة بعد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر، وقبيل انتخابات الرئاسة الأميركية في الخامس من نوفمبر المقبل.
وقد تزامنت هذه التصريحات مع تصريحات أخرى للسفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة التي قالت إن واشنطن تدعم إنشاء مقعدين دائمين في مجلس الأمن للدول الأفريقية، وهو نفس ما أكده بايدن في القمة الأميركية الأفريقية، حيث حرص خلالها على تأكيد اهتمامه بالقارة السمراء من خلال عدة أمور، منها ضرورة أن يكون لأفريقيا مقعد دائم في مجلس الأمن في إطار خطة إصلاح الأمم المتحدة.
لماذا يزور إفريقيا في هذا الوقت بالذات ؟
لقد أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية تتجرع واقعها الدولي الجديدة على مرار بعد سحب البساط الأفريقي ونفض غباره من التحكم الذي طال سنوات وسنوات .فمع تراجع النفوذ الأميركي في القارة لصالح النفوذ الروسي الصيني تحديدًا، لا سيما في منطقة الساحل، وخاصة في النيجر التي طالبت القوات الأميركية بالانسحاب منها، والتي أتمت انسحابها بالفعل قبل أيام، ثم تشاد التي طالبت بمراجعة الاتفاقات العسكرية مع واشنطن، فضلًا عن استمرار بحثها عن قواعد عسكرية بديلة “ساحل العاج”، وكذلك البحث عن مقر أفريقي للقيادة الأميركية العسكرية في أفريقيا “الأفريكوم” بدلًا من مقرها الحالي بمدينة شتوتغارت الألمانية، علاوة على الانتقادات الأفريقية للدعم الأميركي لإسرائيل في حربها ضد غزة.
أمريكا في أنظار العالم والقارات أصبحت رمزا لقوى الشر خصوصا حيال مايجري في الشرق الأوسط حاليا .ورغم إعلان القمة الأمريكية الأفريقية في عام 2022 الا أن الوضع تغير تماما بعد عامين فإفريقيا التي تشهد رفضًا أفريقيًا ملحوظًا لواشنطن باتت تنبذ كل ضيف غير مرغوب فيه وخصوصا أمريكا ؟
لقد أعلن جون بايدن خلال القمة الأميركية – الأفريقية الأخيرة التي عقدت في ديسمبر 2022 عن تخطيطه لزيارة القارة، دون الإعلان عن موعد أو وجهة محدّدة لرحلته.
آخر الأهداف من زيارة الرئيس الأمريكي مالذي يرجى منها ؟
يمكن القول بوجود أهداف عدة لزيارة بايدن لأفريقيا، يمكن إجمالها فيما يلي:
أولًا: تحسين الصورة الذهنية لواشنطن في القارة بعد اتهامها بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأفريقية تحت ذريعة الديمقراطية، عكس النهج الصيني والروسي.
وكان من نتيجة ذلك مطالبة قادة الانقلاب في النيجر بسحب القوات الأميركية، ومطالبة تشاد بمراجعة الاتفاق الأمني مع واشنطن، فضلًا عن اتهامها بالتعالي على الدول الأفريقية خلال حكم ترامب الذي لم يكتفِ بعدم زيارة أية دولة أفريقية، بل وصف هذه الدول “بالحثالة”، رافعًا شعار “أميركا أولًا”.
وبالتالي، أدار ظهره لدول القارة، تاركًا المجال لكل من روسيا والصين للتوغل فيها بصورة كبيرة، ولملء هذا الفراغ سواء عبر وسائل الدبلوماسية الناعمة “القروض أو المنح الصينية”، أو القوة الصلبة “التدخل الروسي “.
ثانيًا: محاولة الحصول على التأييد الأفريقي في المحافل الدولية، خاصة بعد حرب روسيا على أوكرانيا، والانقسام الأفريقي بشأن الموقف منها، بعدما تبين أن الولايات المتحدة لا تريد سوى مصالحها، في مقابل العرض الروسي بتصدير القمح مجانًا لأفريقيا، وهو ما انعكس على الموقف الأفريقي في الأمم المتحدة، حيث امتنعت قرابة نصف الدول الأفريقية عن التصويت، وكان من بينها تنزانيا التي زارتها نائبته كامالا هاريس في 2023
ثالثًا: محاولة الحصول على دعم الدول الأفريقية للحرب على غزة، بعد الرفض الأفريقي الكبير لها، بل ودعم معظم دول القارة للحقوق الفلسطينية المشروعة في إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967
رابعا السعي للحصول على مزيد من أصوات الناخبين الأميركيين من أصول أفريقية في الانتخابات الرئاسية الأميركية لصالح كامالا هاريس، لا سيما بعدما أظهرت استطلاعات الرأي قبل تنحي بايدن عن سباق الرئاسة تراجع تأييد هذه الفئة له
ثم وفقًا الاستطلاعات التي جرت في ماي ، حيث بلغت نسبة تأييد السود له 64% مقابل 92% في انتخابات 2020، لذا أعلن البيت الأبيض تخصيص 16 مليار دولار لحوالي 100 جامعة تاريخية للسود في البلاد.
إفريقيا ستكون الهدفا الأمريكي الجديد والقادم
يبدو ان عنوانا جديدا سيكتب بخصوص المواجهة الأميركية لكل من روسيا والصين وهي التي دفعت واشنطن قبل سنوات لإنشاء القيادة العسكرية الأميركية المعنية بالقارة الأفريقية “الأفريكوم”؛ لمواجهة التغلغل العسكري الروسي تحديدًا من خلال فاغنر، والفيلق الروسي الذي حل محلها أيضًا هذا من جهة ومن جهة اخرى مقاومة التمدد الاقتصادي الصيني العابر للقارات ورسم خيوط التجارة العالمية .
وهذا يقاس بخطورة كامنة قد تجر القارات في بوتقة واحدة مشابهة للحرب بين القوى العظمى .
وربما هذا ما دفعها للإعلان عن مبادرة الشراكة العالمية في مجال الاستثمار والبنية التحتية: “thePartnership for Global Infrastructure and Investment”، وأن تقوم منذ عام 2021 بإبرام أكثر من 800 صفقة تجارية واستثمارية مع 47 دولة أفريقية من إجمالي 54 دولة، بقيمة إجمالية تقدّر بأكثر من 18 مليار دولار.
كما قامت مؤخرًا بعقد شراكة لبناء توسعة في ميناء برايا عاصمة الرأس الأخضر “كاب فيردي” بمبلغ 150 مليون دولار. حيث أعلنت واشنطن عن 550 اتفاقية تجارية واستثمارية جديدة مع الدول الأفريقية، بزيادة قدرها 67% عن الأعوام الماضية .هذا وتواصل المرشحة الأمريكية ذات الملامح الإفريقية “كاملة هاريس ” في نفس مخطط واضعها جون بايدن حيث قامت النائبة بزيارة هامة لدول إفريقية عدة ظافرة بملفات ثقيلة خلال العام 2022 .