الجمعة. نوفمبر 22nd, 2024

يُعتبر معبر رأس جدير ممراً استراتيجياً يربط بين ليبيا وتونس، وله أهمية كبيرة على الصعيدين السياسي والاقتصادي. فمن منظور اقتصادي، يعد المعبر نقطة محورية لتبادل السلع والبضائع والموارد، مما يساهم في تنشيط التجارة والتنمية الاقتصادية في كلا البلدين.  خاصة في الجنوب التونسي، حيث يعتبر المعبر مصدراً رئيسياً للنمو الاقتصادي، يساهم في تحسين الظروف المعيشية  والتنمية المحلية.من الناحية السياسية، يعزز معبر رأس جدير التعاون المشترك بين تونس وليبيا ويدعم الجهود المبذولة للحفاظ على الاستقرار الإقليمي ومكافحة الأنشطة غير المشروعة مثل التهريب وتجارة بالبشر.

ومع ذلك، شهد معبر رأس جدير  منذ 2011  العديد من عمليات الإغلاق من كلا الجانبين لأسباب مختلفة. ولا تؤثر عمليات الإغلاق هذه سلباً على العلاقات بين تونس وليبيا فحسب، بل تهدد أيضاً الاستقرار الإقليمي. بالإضافة إلى ذلك، فإن تعطل المعبر يعرقل جهود التعاون الأمني والدبلوماسي بين البلدين، مما يضيف تحديات كبيرة إلى المنطقة ويزيد من تعقيد الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في كلا البلدين.

تأثير الصراع الداخلي الليبي على معبر رأس جدير: التحولات والتوترات

بعد انهيار نظام القذافي، شهدت ليبيا تحولات كبيرة جراء الصراع الداخلي. وقد أدى هذه النزاعات إلى ظهور العديد من الفصائل والميليشيات المتنافسة للسيطرة على مناطق استراتيجية، بما في ذلك معبر رأس جدير،  وقد أسفرت هذه الاشتباكات عن إغلاق المعبر وإعادة فتحه، مما أثر بصورة سلبية على العلاقات بين تونس وليبيا. يشير مختصون في الشأن الليبي ، “إن السيطرة على هذا المعبر لها تأثير كبير على الديناميات الإقليمية، مما يزيد من تعقيد الصراع الداخلي في ليبي.”

في جانب الليبي  تمحور الصراع رئيسي بين الأمازيغ من مدينة زوارة وقوات حكومة الوحدة الوطنية التي تتخذ من طرابلس مقراً لها.كان الأمازيغ في زوارة وهي مدينة أمازيغية كبيرة تبعد حوالي 60 كيلومتراً عن الحدود، تأثير كبير على إدارة المعبر منذ عام 2011. وعلى الرغم من أن الأمازيغ تمكنوا من السيطرة على رأس جدير إلى حد ما، إلا أن ترتيبات و اتفاقيات غير رسمية  التي نشأت بينهم وبين جماعات من البلدان المجاورة، أثارت ضغوطات وتوترات لحكومة طرابلس.

في ديسمبر 2023، تم تعيين مسؤولين جدد في مركز رأس جدير الحدودي، والذي جاء في وقت حساس حيث بدأت الميليشيات الموالية لحكومة الوحدة الوطنية في الانتشار في المنطقة. وأدت هذه التحركات إلى اشتباكات عنيفة في 19 مارس 2024، حيث هاجمت مجموعات مسلحة من زوارة ميليشيات حكومة الوحدة الوطنية وطردتهم من المعبر.مما تسبب في إغلاق المعبر كليا من الطرف الليبي لأسباب امنية .

في 12 جوان 2024، أعلن وزير الداخلية التونسي ووزير الداخلية الليبي عن إعادة فتح معبر رأس جدير الحدودي بين البلدين بشكل جزئي اعتبارًا من ذلك التاريخ. وتم التوقيع على اتفاق أمني بشأن إعادة فتح المعبر بشكل تدريجي بعد أن كان مغلقاً بشكل كامل منذ مارس  بقرار ليبي وأوضح النوري أن إعادة فتح المعبر سيدعم علاقات التعاون الجيدة بين البلدين. وشدد الطرابلسي على أن هذه الخطوة تأتي في إطار المصلحة المشتركة وأنه سيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان عدم تضرر أي طرف. ووفقًا للبيان المشترك، فقد تم الاتفاق على إعادة فتح المعبر بشكل كامل في 20 جوان بعد أكثر من ثلاثة أشهر من الإغلاق الكامل. وخلال المرحلة الأولى، سيُسمح للمسافرين بالعبور في كلا الاتجاهين بين البلدين، على أن يتم استئناف النشاط التجاري في مرحلة لاحقة.

رأس جدير: معبر استراتيجي للأمن والاقتصاد التونسي:

في مارس 2016، شهدت مدينة بن قردان، الواقعة بالقرب من الحدود الليبية، هجومًا إرهابيًا كبيرًا دبره تنظيم داعش، مما شكل تصعيدًا كبيرًا للعنف في المنطقة. وشمل الهجوم هجمات منسقة على منشآت عسكرية وشرطية، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 45 شخصًا، من بينهم مقاتلين وأفراد أمن ومدنيين. واستخدم المهاجمون أسلحة ثقيلة، بما في ذلك قذائف صاروخية، واستهدفوا السيطرة على البلدة التي تعتبر ذات أهمية استراتيجية كبوابة إلى ليبيا.

وأُغلق معبر رأس الجدير الحدودي مع ليبيا وكذلك الطريق الرئيسي الذي يربط بين قردان ببلاد تونس عبر بلدة جرجيس على بعد 45 ميلاً (70 كم) شمالاً . كان المشهد  أمني في بن قردان فوضوي وخطير للغاية يهدد الأمن الوطني التونسي .

يمثل معبر رأس جدير مصدر رزق رئيسي لآلاف العائلات في جنوب تونس، حيث يعتمدون عليه لتجارة البنزين، السلع الإلكترونية، والمواد الغذائية المستوردة بشكل غير قانوني. قرار إغلاق المعبر ينذر بتأثير مباشر وفوري على حياة المواطنين في المناطق الحدودية خاصة بن قردان و جنوب تونس بشكل عام. يحذّر المحللون من أن التجارة، سواء الرسمية أو غير الشرعية، هي العمود الفقري للاقتصاد المحلي في تلك المنطقة، حيث تُعد مصدر دخل أساسي لآلاف الأسر التي تتعايش من تجارة متنوعة من السلع.

وأشار رئيس المرصد التونسي للحقوق والحريات، مصطفى عبد الكبير، في تصريح“أن آثار غلق المعبر وخيمة على الاقتصاد الوطني، خاصة وأنه يوفر 90 مليون دينار يوميا في شكل جباية رسوم دخول، إضافة إلى حجم المبادلات التجارية التي تصل إلى 4000 مليون دينار. تأكيدا على أن أن حجم المبادلات التجارية عبر معبر رأس جدير لا يستطيع أي محور صناعي أو مشروع استثماري آخر أن يعوضها.

التحديات الأمنية والسياسية للهجرة عبر الصحراء وتأثيرها على معبر رأس جدير:

 وجه تحقيق استقصائي أجرته منظمة “Migration Info” اتهامات خطيرة ضد السلطات التونسية فيما يتعلق بمعاملتها للمهاجرين.وفقاً للتحقيق، فإن القوات التونسية متهمة بترحيل المهاجرين قسراً إلى ليبيا، حيث يتم نقلهم بعد ذلك إلى مراكز احتجاز معروفة بظروفها المزرية. وتشير التقارير إلى أن هذه المراكز تعاني من الاكتظاظ الشديد، وانعدام المرافق الصحية وعدم توفر الضروريات الأساسية. وفقًا للسلطات الليبية، لقي ما لا يقل عن 27 شخصًا من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى حتفهم في بعد طردهم من تونس نحو الحدود الليبية، حيث تُركوا في الصحراء تحت حرارة شديدة.

ترفض الحكومة التونسية بشدة هذه الاتهامات، وتؤكد التزام تونس بالمعايير الدولية وأنها لا ترحل إلا من لا يستوفي شروط الدخول القانوني. وقد رفض الرئيس “قيس سعيد” بشدة هذه الادعاءات ووصفها بالكاذبة، واتهم المنتقدين بنشر معلومات خاطئة للنيل من سمعة تونس الدولية. وأصر على أن تونس غير متورطة في أي ممارسات تعرض المهاجرين في الصحراء للخطر.

وعلاوة على ذلك، يؤكد المسؤولون التونسيون أن مسؤوليتهم تمتد إلى حدودهم فقط. ويزعمون أنه بمجرد أن يتم طرد الأفراد بشكل قانوني، فإن أي مشاكل أخرى خارجة عن سيطرتهم، وينأون بأنفسهم فعلياً عن الظروف التي يواجهها المهاجرون في ليبيا.

وضع المهاجرين في تونس وليبيا معقد وصعب. ويتعرض العديد من المهاجرين لمخاطر كبيرة، بما في ذلك العنف والاستغلال والظروف المعيشية السيئة. وتسلط البيانات الصادرة عن منظمات مثل  Migration Info  الضوء على المخاوف المستمرة بشأن حقوق الإنسان ومعاملة المهاجرين في المنطقة.

تمثل قضية الهجرة من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تحدياً معقداً قد يؤثر بعمق على ديناميكيات الحدود بين تونس وليبيا، لا سيما عند معبر باب جدير. ويمثل هذا التقاطع نقطة محورية حيث يمكن أن تؤدي زيادة تدفقات المهاجرين إلى وتعطيل جهود إدارة الحدود وزيادة المخاوف الأمنية 

إن التعامل مع الهجرة في معبر باب جدير لا يختبر التعاون المشترك بين الجانبين فحسب، بل يؤثر أيضاً على العلاقات الدبلوماسية، حيث أن الاختلافات في التعامل السياسي والأمني قد يؤدي إلى توترات. يجب تحديد استراتيجيات فعالة ، تعزيز الجهود التعاونية بين طرفين للحفاظ على الاستقرار الإقليمي والالتزام بالمعايير الدولية .

المسعى الدبلوماسي

على الرغم من الأهمية الاقتصادية والأمنية القصوى لمعبر رأس جدير بالنسبة لتونس، إلا أن الدبلوماسية التونسية تبدو على مسافة نوعا ما من المشهد الجاري على حدودها مع ليبيا، خاصة في ظل تصاعد النزاعات المسلحة التي قد تتطور إلى صراع عسكري شامل. وقد أدى إغلاق المعبر من الطرف الليبي لمدة ثلاثة أشهر إلى شلل كبير في النشاط الاقتصادي، خاصة في المناطق الجنوبية من البلاد، مما يسلط الضوء على غياب الدبلوماسية الاقتصادية الفعالة لتجنب مثل هذا الإغلاق الطويل.

يتعين على تونس اعتماد استراتيجية شاملة لمراقبة الوضع الاقتصادي والأمني في معبر رأس جدير وبقية المعابر الحدودية الأخرى ، بالإضافة إلى إجراء دراسات معمقة حول الوضع السياسي في ليبيا، نظراً لتأثيره المباشر على تونس والمنطقة ككل. كما ينبغي أن تتبنى مقاربة دبلوماسية واقتصادية متكاملة تهدف إلى التعامل بفعالية مع التحديات على حدودها مع ليبيا لضمان الاستقرار لكلا الطرفين.

ويتطلب مثل هذا التوجّه تكثيف الجهود الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية للتفاوض والتعاون مع الجانب الليبي، وتعزيز التواصل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لدعم الاستقرار في الإقليم. كما يجب تطوير بنية تحتية داعمة وتحسين السياسات التجارية للحد من تأثير أي إغلاق مستقبلي على الاقتصاد الوطني.

يُعد معبر رأس جدير اليوم موقعاً حساساً للغاية بسبب الخلافات المستمرة حول التحكم على المعبر الحدودي. وتسعى السلطات التونسية إلى تحقيق الاستقرار على الحدود وتسهيل حركة البضائع والأشخاص. من ناحية أخرى، تزداد قضايا الهجرة تعقيداً على الجانب التونسي، مع الضغط على البنية التحتية والخدمات العامة لإيواء المهاجرين ومعالجة قضاياهم القانونية ولتفادي أي إغلاق مفاجئ للمعبر، يتعين على السلطات التونسية والليبية التنسيق واتخاذ خطوات استباقية وتعزيز التعاون الدبلوماسي لضمان أمن الحدود وانتظام التجارة والسفر عبر المعبر.

By amine

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *