إعداد صبرين العجرودي قسم البحوث والدراسات الإستراتجية والعلاقات الدولية
مراجعة الدكتورة بدرة قعلول
تونس 18-12-2023
مكّنت الحرب على قطاع غزة منذ السابع من شهر اكتوبر من تعرية عديد الحقائق والتأكيد على عديد المواقف تجاه الكيان الصهيوني في علاقة باحتلال قطاع غزة التي لم تكن معلنة بشكل مباشر قبل بداية العدوان الاسرائيلي على فلسطين، وكانت على رأسها موقف دول الخليج، وبالتحديد الإمارات التي لم تكتفي بالاصطفاف الى جانب اسرائيل، بل وأعلنت مباشرة إدانتها للمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال متبنيه بذلك وجهة نظر الغرب المتكئة على الغطاء الوهمي وهو غطاء الإرهاب الذي فضح تماما وحتى الدول التي “صنعته” لم تعد تعتمد عليه.
ويتبيّن ذلك بوضوح حينما قال رئيس لجنة الدفاع والخارجية في المجلس الوطني الاتحادي بدولة الامارات الدكتور علي راشد النعيم “إسرائيل موجودة لتبقى، وجذور اليهود والمسيحيين، ليست في نيويورك أو باريس، بل هنا في منطقتنا… إنهم جزء من تاريخنا، ويجب أن يكونوا جزءا من مستقبلنا”..
كما أشار الى أنّ الحرب بين إسرائيل وحركة حماس لن تؤثر على علاقة البلدين خاصّة فيما يتعلّق باتفاقيات “ابراهام” التي تنم عن صلابة التعاون الاقتصادي والعسكري للبلدين.
كما عبّر عن إدانته للأصوات المنادية بإلغاء اتفاقيات “ابراهام” مشيرا الى انّه لا يمكن التلاعب بمستقبل المنطقة وبأمنها واستقرارها خصوصا “أنّ هناك أعداء، لما نقوم به. فهذه المنظمات الإرهابية، لا تحترم حياة الإنسان. ولا تدعهم يحققون هدفهم”. مشيرا الى “الهجوم الارهابي” على حد تعبيره الذي ارتكبته حماس ضدّ المحتل الاسرائيلي في السابع من اكتوبر.
وعبّر “راشد النعيمي” أنّ الشعب الفلسطيني الذي يقتل الأن على أيادي المحتل يختلف عن حماس المقاومة للاحتلال الصهيوني في رؤية غير منطقية بتاتا في الوقت الذي يستشهد فيه آلاف الفلسطينيين، مشيرا إلى إدانته للمظاهرات الغاضبة بشأن الأزمة الإنسانية في قطاع غزة في كل من باريس ولندن.
ولا يخفي ذلك في طياته سوى مصالح استراتيجية ضخمة مع إسرائيل ليست بجديدة ولكنّها تاريخية برعاية أمريكية تمنع تعكير صفو العلاقات سواء كان ذلك متعلّقا بالعدوان على قطاع غزة أو غيره.
فما هو مفهوم الشرق الأوسط الجديد؟
وما هي ملامحه؟
وما هي الأوجه الأخرى للتعاون العربي الإسرائيلي؟
تغيير ملامح الشرق الأوسط
خلال قمة ديبلوماسية تحدّث المستشار الرئاسي للإمارات “أنور قرقاش” عن ضرورة التعاون مع اسرائيل من أجل تشكيل شرق أوسط جديد خاصّة وأنّ التعاون مع فلسطين لن يكون مجديا من أجل هذه الصفقة مثلما هو الحال خلال تسعة سنوات مضت على حد تعبيره قائلا أنّ “الخطط الرامية إلى تشكيل شرق أوسط جديد ومزدهر، لن تظل متعثرة بسبب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي لا نهاية له على ما يبدو”.
وقد أخذ ذلك مناحي أكثر جدية منذ التوقيع على اتفاقيات التطبيع مع اسرائيل في عام 2020 تليها المغرب التي وقعت بدورها على اتفاقية التطبيع مع اسرائيل، دون أدنى اعتبار للبلد المحتل.
ومن أكثر الأشياء التي قام بتثمينها الإمارات هي فائدة اتفاقيات ابراهيم الراعية للتطبيع، حيث أشار قرقاش الى أنّ ثمار التطبيع مع المحتل الصهيوني سوف يراها الجميع في نهاية المطاف.
ما هو مشروع الشرق الأوسط الجديد؟
يشير مفهوم الشرق الاوسط الجديد الى تلك المخططات الإسرائيلية المحكمة التي تسعى الى تحديد الشرق أوسط بملامح جديدة متوافقة مع أيديولوجيتها وأهدافها وكافّة مصالحها على المدى البعيد، حيث تبنتها الولايات المتحدة الأمريكية ورعتها الاتفاقيات المتعاقبة بين العرب والإسرائيليين تحت غطاء “اتفاقيات السلام”.
تهدف هذه الاتفاقيات الى:
“فرض هوية جديدة على أبناء الأمة العربية تتلاشى فيها أو تضيع المرجعية العربية لصالح وعاء فضفاض تمت تسميته بـ “الشرق الأوسط الكبير” واحيانا بـ”الشرق الأوسط الجديد”.
وخلال عديد الاتفاقيات التي تمّ إمضائها في نهاية التسعينات كان مفهوم “الشرق الجديد” حاضرا في جميعها على غرار اتفاقية “كامب ديفيد” بين اسرائيل ومضر في عام 1979.
واتفاقية اوسلو عام 1993 الموقعة بين حكومة ياسر عرفات الفلسطينية واسرائيل من أجل سلطة حكم ذاتي فلسطيني انتقالي.
واتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل في عام 1994.
والحال أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تبّنت بشكل كامل هذه الرؤيا ضمن مخططاتها لتصر على تشكيل خريطة جديدة للشرق الأوسط تتماشى مع مصالحها والمصالح الاسرائيلية كبديل للخريطة القديمة التي شكّلتها فرنسا وبريطانيا في بداية العشرينات.
وتتبيّن مختلف المحاولات الرامية لتحقيق هذا المشروع من خلال الضغط على ايران طيلة السنوات السابقة من خلال العقوبات والاتفاق النووي، خلق الفوضى والانقسام المذهبي والطائفي في عديد الدول على غرار سوريا التي تمّ فدرلتها تحت مسمى إنهاء الحرب الأهلية، محاولة غلق القضية الفلسطينية تحت الغطاء الذي أشار إليه ترامب المتمثّل في “رؤية السلام” الذي دعّمته اتفاقيات التطبيع التي قامت بها كل من الامارات والبحرين.
أمّا على المستوى التاريخي وبإعتبار أنّ هذه الركيزة المتمثلة في التسوية السلمية هي اتجاه تاريخي تعود جذوره لأواخر الستينات من القرن المنصرم فلقد ساهمت عوامل تاريخية في مزيد تجذّره: وأهم عامل كان خلال نهاية الحرب الباردة وانتهاء القطبية الثنائية، ممّا جعل النظام الاقليمي العربي يفقد قدرته على المناورة بين القطبين، والحال أنّ النّظام وقتها كان في حالة انهيار بعد اشتعال حرب الخليج الثانية.
وعلى إثر هذه العوامل تمكّنت الولايات المتحدة الأمريكية من البروز كقوّة عالمية أوحادية، يصعب مواجهتها، لها كل الآليات التي تمكّنها من السيطرة وكسب النفوذ وتحقيق المصالح والعمل خاصّة على تدعيم إسرائيل مستغلة بذلك حالة الفراغ الاستراتيجي في المنطقة.
بالتالي فإن الشرق الأوسط الجديد يقوم على إقصاء القوة العربية في المنطقة بكل ما تحمل معالمها من ايديولوجيات وقوميات وأنظمة جغرافية وثقافية وسياسية وحضارية لصالح التكتلات والتجمعات الاقتصادية التي تكون فيها اسرائيل القوة الشرعية المهيمنة في المنطقة بقيادة أمريكية صهيونية.
وقد أشار الباحث “محمد الكيحل” رئيس مركز إشعاع للدراسات الجيوسياسية والاستراتيجية الى أنّ نظام الشرق الأوسط الجديد يقوم على أربعة عناصر رئيسية وهي:
– التقنية الاسرائيلية
– الموارد الطاقية الخليجية
– التوجه المصري لإسرائيلي
– جانب مشروع المياه التركية تبناه رئيس تركيا السابق في عام 1993 والذي يتمثّل في بيع ونقل مياه تركية لإسرائيل تلبية لاحتياجاتها، وفي الحقيقة فإنه يحمل في طياته عدّة أهداف صهيونية تخدم مصالحها السياسية والجغرافية.
وهو ما كان قد أشار اليه الرئيس الاسرائيلي السابق “شمعون بيريس” في كتابه “الشرق الأوسط الجديد” الذي زعم فيه رؤية اقتصاد السلام كبديل للحروب القائمة في المنطقة، بحيث تربط الدول العربية والمحتل الصهيوني علاقات اقتصادية في سعي لشرعنة الوجود الاسرائيلي.
ليس ذلك فقط بل بروزه كلاعب رئيسي في المنطقة وفي العالم من خلال التطبيع وتجاوز أي شكل من أشكال القطيعة معه، حيث كتب “أولا وقبل كل شيء هندسة معمارية ضخمة، هندسة تاريخية لبناء شرق أوسط جديد متحرر من صراعات الماضي ومستعد لأخذ مكانه في العصر الجديد، العصر الذي لا يطيق المتخلفين ولا يغفل الجهلة”.
إدراج إسرائيل ضمن مختلف الأنسقة الاقتصادية العربية المتعلقة سواء بالمياه، النفط السياحة، الثقافة..
أوجه التعاون الامني والعسكري بين العرب وإسرائيل
– التعاون العسكري بين الإمارات واسرائيل
لم تقتصر العلاقات الاستراتيجية بين الإمارات وإسرائيل على اتفاقيات “ابراهام” للتطبيع، بل تعمّقت لتشمل التعاون الأمني والعسكري، حيث تمّ الاتفاق على تصميم آليات حربية جديدة على غرار السفن القادرة على تنفيذ هجمات مضادة للغواصات، تشير البحوث الى أنّ “هذه الصناعة تمهد لحلف استراتيجي جديد في الشرق الأوسط”.
تعتبر هذه الاتفاقية الأولى من نوعها بين اسرائيل وبلد عربي، حيث تمّ التعاون بين الصناعات الدفاعية الإمارتية “إيدج” وشركة الصناعات الجوزية الإسرائيلية “آي إيه آي” في دبي.
ليتم الكشف فيما بعد عن أول سفينة عسكرية دون قبطان مزودة بأجهزة استشعار وأنظمة تصوير متطورة لها قدرات عالية على المراقبة والاستطلاع ورصد الألغام لتأمين السواحل وفقا لما أشارت إليه مصادر إسرائيلية.
ولا تقتصر أهدافها على ذلك، حيث تحدّث “اورين جوتر” المستشار التشغيلي للرئيس التنفيذي لشركة صناعات الاسرائيلية للشؤون البحرية انّ الهدف منها أيضا هو مواجهة التهديدات الخارجية لذلك سيتم نشرها خارج المنطقة.
ويُذكر أنّ العلاقات العسكرية بين دولة الإمارات وإسرائيل تعزّزت منذ توقيع اتفاقية التطبيع في عام 2020.
– التعاون العسكري بين المغرب واسرائيل
لم يقف استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل في العاشر من ديسمبر 2020 عند ذلك الحد، بل صارا البلدين نحو تعميق علاقاتهما أكثر بتكثيف التعاون العسكري فيما بينهما بوتيرة متسارعة.
بناء على ذلك، قامت الرباط في 12 من سبتمبر 2022 بتدشين مرحلة جديدة من التعاون العسكري مع إسرائيل، حيث قام المفتش العام للقوات المسلحة المغربية “بلخير الفاروق” بزيارة هي الاولى من نوعها الى “تل أبيب” للمشاركة في مؤتمر دولي حول الابتكار في المجال العسكري، ليتمّ في اليوم الثاني استقباله ضمن مراسم رسمية برئاسة قائد الجيش الإسرائيلي.
وخلال الأعوام الفارطة تكرّرت الزيارات المتبادلة بين البلدين كان الهدف منها إقامة مشاريع مختلفة في المجال الأمني والعسكري من خلال الإمضاء على عدد من مذكرات التفاهم على غرار مذكرة رائد التي وقعها البلدين نهاية نوفمبر 2021.
أشارت مصادر إسرائيلية فيما بعد إلى صفقة الأسلحة حيث تمّ بيع أسلحة إسرائيلية الى المغرب بتقنيات متطورة.
لم يكن التعاون العسكري بين المغرب وإسرائيل محدودا حيث تعدّدت الاتفاقيات والزيارات الساعية غلى مزيد تطوير هذا القطاع.
في بداية عام 2023 قاما المغرب واسرائيل بتوسيع التعاون العسكري بين البلدين الى الاستعلام والدفاع الجوي والحرب الالكترونية، ذلك إلى جانب التعاون في مجال الصناعة الدفاعية ونقل التكنولوجيا.
ويُذكر أنّ أول اتفاق أمني قامت به المغرب في شهر نوفمبر من سنة 2021 أدّى الى قطيعة ديبلوماسية بينها وبين الجزائر.
مشروع الشرق الأوسط الجديد بعد السابع من أكتوبر
لم يكن هجوم حماس متوقعا في ظلّ تكالب بعض الدول العربية على التطبيع مع إسرائيل وتعزيز العلاقات معها، ومن المتوقع في ظلّ خسارة الاحتلال الصهيوني حربه على حماس أن يتم عرقلة نسق بناء مشروع الشرق الأوسط الجديد، لكن من الصعب إلغائه أو تجاوزه باعتباره مشروع استراتيجي وتاريخي متماسك لا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أو الكيان الصهيوني أو “العملاء العرب” التنازل عنه بأي شكل من الأشكال خاصّة لما ورائه من مصالح مشتركة مبنية تاريخيا أو المنطقة.
كما يجدر الذكر أن الأهداف الواضحة للمقاومة الفلسطينية في الوقت الحالي هو وقف الهجمات وتأمين إطلاق سراح الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية.
أما إذا تمّ اعتبار أنّ هذه الأهداف استراتيجية وليست تكتيكية، فذلك يعني أن الوضع يتجاوز القضية الفلسطينية.
حيث تتعطّل عمليات التطبيع في الشرق الأوسط، ممّا يؤدي الى عرقلة التطبيع الإسرائيلي السعودي، على الرغم من مساعي الولايات المتحدة الأمريكية لدعم هذا التقارب بكل الطرق بالترهيب والترغيب للجانب السعودي.
كما يمكن أن تتأثر جهود التطبيع بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب سلبا حسب ما أشارت إليه العديد من المصادر، ويمكن ايضا أن تزيد التحديات في ما يتعلّق بالتطبيع بين تركيا وإسرائيل.
الخلاصة:
ويمكن الاستخلاص في الأخير أنّ الأحداث الحالية من المرجّع أنّ تعطل مشروع الشرق الأوسط الجديد والوضع سيتغير بكل السبل فاللاعب الروسي واللاعب الصيني والإيراني لم يدخل بعد في اللعبة المباشرة… كذلك لا ننسى الحقائق الميدانية والعسكرية التي غيرت موازين اللعبة والمنطقة وقد أشار الى ذلك ليبرمان حين قال ان الشرق الأوسط كان مطبعا لأنه كان يرى في إسرائيل القوة التي تقهر فكان مطبعا خوفا لا حبا واليوم وبإنهيار “هذا الجيش الأكذوبة” فالشرق الأوسط سيشهد تغيرات جذرية وكل المشاريع قد بدأت تسقط وخاصة ورقة التوت التي سقطت على الحكام المطبعين وعلى الاطماع الأمريكية….”