إعداد الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتجية الأمنية والعسكرية
بعد عقدين من الزمن وبعد حصار كبير غربي على سوريا يرجع الأسد ليكون فاعلا ويتنقل بحرية بل وأصبح من ضمن الرؤساء المرحب بهم في دول عظمى تتحكم في مسار العالم مثل الصين.
ففي أول زيارة له إلى الصين، منذ سمة 2004، وفي تحدي جديدة من الأسد لإنهاء عُزلة دمشق الدولية، التي استمرت أكثر من عقد في ظل العقوبات الغربية الأمريكية الدائرة، وصل الرئيس السوري بشار الأسد إلى مدينة هانغتشو، في شرق الصين، يوم 21 سبتمبر، في زيارة تتضمن عدة دلالات حول هذه الخطوة، هذا فضلاً عن مؤشرات المنافع المتبادلة التي تحملها الزيارة بخصوص كل من سوريا والصين.
واتخذت زيارة الأسد إلى الصين العديد من الأبعاد وأهمها البعد السياسي الذي يعتبر مهم جدا للطرفين وخاصة وأن حفاوة الإستقبال أكدت على أهمية العلاقات والتقارب السياسي الكبير بين الدولتين كما تعتبر الزيارة جدّ مهمة بالنسبة الى سوريا خاصة وأنها تستهدف تثبيت شرعية الحكومة السورية على المستوى الدولي، وتأكيد التقارب السياسي والاقتصادي مع بكين، وطلب المساعدة في إعادة إعمار سوريا، وتفعيل الانضمام لمبادرة “الحزام والطريق”.
أما من الجانب الصيني فتعتبر الزيارة مهمة كذلك فهي تثبت أقدام الصين في أكبر دولة عربية شرق أوساطية، فهي زيارة تُعبر عن مؤشر جديد في التحول الحاصل في سياسات الصين الخاصة بالشرق الأوسط، وأبرزها الرهان على الأهمية الجيوسياسية والاقتصادية لسوريا، وتوسيع النفوذ الصيني في الداخل السوري، واستخدام سوريا كـ”ورقة ضغط” على الغرب، والاهتمام الصيني بتحركات متطرفي الإيغور المنتشرين في إدلب.
دوافع الأسد لزيارة الصين:
- إنهاء الحصار الدولي عن نظام الأسد:
ضمن برنامج الزيارة، يأتي حضور الرئيس السوري، ضمن أكثر من 12 من كبار الشخصيات الأجنبية، حفل افتتاح دورة الألعاب الآسيوية، ليدعم عودة سوريا إلى الساحة العالمية ويكون منطلقها الصين، وذلك بعد عودتها إلى الساحة العربية في شهر ماي الماضي. كما أن الصين لم تكن يوما ضد شرعية نظام الأسد وبالتالي من خلال هذه الزيارة فالصين “تؤكد وتثبت شرعية” الرئيس السوري على المستوى الدولي، وهذا ما يثبت كذلك إستمرار الصين لدعم سوريا سياسيا وفك التضييق عليها كما أنّ النهج الصيني دوليا هو دعم سوريا ومساندتها على المستوى الدولي، حيث استخدمت بكين حق “الفيتو”، في 10 مرات ضد قرارات من الأمم المتحدة، بخصوص إدانة النظام السوري.
- تأكيد التقارب السياسي والاقتصادي مع بكين:
كانت الصين تُعد من أبرز الدول التي حافظت على علاقتها مع الحكومة السورية، عبر دعمها على جميع المستويات خاصة سياسياً واقتصادياً، منذ انطلاق العدوان والهجمة الشرسة على الدولة السورية منذ 12 سنة.وبالتالي، تأتي زيارة الأسد إلى الصين كنوع من تأكيد هذا التقارب السياسي والاقتصادي، ونقله إلى الظهور والإعلان الرسمي على المستوى الدولي، إذ تُعد هذه الزيارة إلى الصين الأولى لرئيس سوري من 19 عاماً، كما تُعد الصين هي ثالث دولة غير عربية يزورها الأسد خلال 12 عاماً مضت.
- ملف إعادة إعمار سوريا
يسعى الرئيس السوري إلى طلب المساعدة في إعادة بناء البنية التحتية الإعمار، خاصة أن الصين كانت قد قدمت إنجازات ناجحة في مشاريع البنى التحتية في العديد من دول العالم، وتحديداً في أفريقيا، بما يؤهلها لكي يكون لها دور مميز في إعادة إعمار سوريا وخاصة في مجال البنية التحتية. وأن تنظمّ الصين الى القوتين الفاعلتين في الداخل السوري، أي روسيا وإيران والتي تنتمي الى نفس معسكرها وهذا ما سيشجعها كثيرا على الدخول مع الدول الصديقة للنظام السوري، لأنّها ستضمن الإستقرار والتعاون مع هذين القوتين روسيا وايران، فالثلاثي يربط بينهم مصالح كبرى ومن يربط بينهم أهمية سوريا وأستقرارها وبالتالي سيكون إعادة إعمار سوريا فرصة كبيرة للصين وللحلفاء والشركاء الأسد.
- تفعيل الانضمام لمبادرة “الحزام والطريق”:
وقعت الحكومة السورية، في شهر جانفي 2022، على اتفاقية الانضمام إلى مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، والتي تعمل بكين من خلالها على توسيع نفوذها، عبر مشروعات البنية التحتية في المناطق النامية. ومن ثم يأتي تفعيل هذه الاتفاقية، كأحد أهداف زيارة الرئيس السوري إلى الصين، من منظور الاستثمارات الصينية في مشروعات البنية التحتية الخاصة بالمشروع الصيني، والذي يمر جزء منه عبر الأراضي السورية.
دوافع بيكين لدعوة الأسد للصين
- الأهمية الجيوسياسية والاقتصادية لسوريا
تتمتع سوريا بأهمية استراتيجية وجيوسياسية بالنسبة إلى الصين، فهي تقع بين العراق، حيث يأتي حوالي 10 بالمائة من النفط الذي تستهلكه الصين، وبين تركيا التي تُمثل نهاية ممرات اقتصادية ممتدة عبر آسيا إلى أوروبا.وبالتالي، فالرهان على سوريا بالنسبة إلى الصين هو رهان جيوسياسي، لا يُمثل الاقتصاد والثروات إلا أحد أبعاده. فالإنتقال من التعاون الاقتصادي المحدود مع سوريا، إلى نوع من الشراكة، من خلال الربط الطُرقي والسككي، وربط خطوط الطاقة بين كل من الصين وإيران والعراق وسوريا، وهو المشروع الذي كان الرئيس السوري قد طرحه في عام 2002 كـ”استراتيجية” لتحويل سوريا إلى قاعدة لنقل الغاز، ومنطقة تجارة حرة تصل الشرق بالغرب، عبر ربط “البحار الخمسة”، وهو ما ترى فيه الصين مشروعاً يتوافق مع مبادرة “الحزام والطريق” وهذا ما جعل الغرب يصبحون أعداء الأسد وبعد 12 سنة يعود المشروع وسيحظى بالتفعيل. وبالتالي قد كسب النظام السوري التحدّي وكذلك الصين كشريك قد كسب الرهان.
- توسيع النفوذ الصيني في الداخل السوري
السياسة الصينية لم تنخرط مباشرة في المسألة السورية، إلا أنها ظلت على حال من التناغم مع الموقف الروسي الداعم للنظام السوري، خاصة في مجلس الأمن الدولي، انطلاقاً من اعتمادها على مبدأ سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. وكانت الزيارة تؤكد على الرغبة الصينية في توسيع دورها وحضورها في منطقة الشرق الأوسط، عبر أكثر من بوابة، من بينها البوابة السورية وخاصة تفعيل خطط مبادرة “الحزام والطريق” الذي سوف تعقد مؤتمراً حوله خلال شهر أكتوبر المُقبل، بمناسبة مرور 10 سنوات على إعلانه، لا سيما أن الأراضي السورية تشكل أحد الخطوط المحتملة لهذا المشروع.
- البوابة السورية للعب دور سياسي في الشرق الأوسط
الصين تحاول لعب دور سياسي أكبر في منطقة الشرق الأوسط، عبر البوابة السورية،كما أن الصين تستهدف أيضاً أن تكون البوابة السورية بمثابة ورقة ضغط في مواجهة الغرب الذي يستخدم تايوان كورقة ضغط على بكين والصين تعلم جيدا ما مدى أهمية الشرق الأوسط بالنسبة للغرب وبالنسبة للأمريكان ومن ورائهم إسرائيل، فمن الملاحظ أن بكين تحاول لعب دور أكبر في محاولات حلحلة الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، كنوع من إسقاط التعامل الأمريكي مع هذه الأزمات على أنها ليست قابلة للحل، ومن ثم تحاول بكين الضغط على الولايات المتحدة، وإن بشكل غير مباشر، من خلال محاولتها أن يكون لها دور فعلي أكبر بالمفاوضات المتعلقة بمواضيع ذات حساسية كبرى في المنطقة.
- الاهتمام الصيني بملف الإرهاب:
حيث من الواضح أن أنشطة الجماعات الإسلامية المتطرفة من الصينيين كان لها دور في تزايد الاهتمام الصيني بالملف السوري عموماً. واللافت أن التواصل الصيني مع الأسد، في هذا التوقيت، إنما يتعلق بالتعاون معه في منع المتطرفين من الإيغور، من الانتقال إلى أفغانستان ومنها إلى الصين، خاصة أن هؤلاء المتطرفين قد اكتسبوا تدريباً وخبرة قتالية في سوريا، حيث تتخوف الصين من تزايد تطرف الإيغور في إقليم شينجيانغ ذي الأغلبية المسلمة والنزعات الانفصالية في تركستان الشرقية. وهو التخوف الذي تزايد بعد أن قامت الولايات المتحدة بإزالة “الحزب الإسلامي التركستاني” من قائمة الإرهاب، في أواخر عام 2020، في خطوة اعتبرتها الصين رسالة للضغط عليها.
الخلاصة:
بهذه الزيارة الناجحة على جميع الأصعدة بالنسبة للطرفين فإن الصين تتجه إتجاها دبلوماسياً جديداً قائماً على الإصرار في مقاومة الإملاءات الأمريكية، خاصة في تطوير علاقاتها مع الدول التي تريد لها الولايات المتحدة أن تكون معزولة عن التفاعلات على الساحة الدولية وهنا تقتنص الصين الفرصة لتدعم الدول التي تريد التحرر من القوى الغربية خاصة الأمريكية.
إذ إن دخول الصين، في هذا التوقيت، على خط الأزمة السورية، يُشكل دعماً سياسياً قوياً لسوريا، في الوقت الذي يُعبر عن “تقاطع المصالح” بينهما من المنظور الجيوسياسي والاستراتيجي، سواء على المستوى السياسي، أو الاقتصادي، وخصوصاً الشق المتعلق بمبادرة الحزام والطريق الصينية.
بالإضافة الى التعاون والدعم الصيني لإعادة إعمار سوريا وخاصة في ملف البنى التحتية وبالتالي تضمن الصين حصتها في الشرق الأوسط بل في قلب الشرق الأوسط ومنها سستتغير الكثير من الموازين والحسابات.
هذا بالإضافة إلى أهمية سوريا في منع متطرفي الإيغور من الحزب التركستاني، من الانتقال إلى أفغانستان ومنها إلى الداخل الصيني، حيث تتزايد النزعات الانفصالية في إقليم شينجيانغ ذي الأغلبية المسلمة.