السبت. نوفمبر 23rd, 2024

إعداد صبرين عجرودي قسم البحوث والدراسات والعلاقات الدولية

مراجعة الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتجية الأمنية والعسكرية

يمر العالم حاليا بأزمة اقتصادية ضخمة، حيث شهدت الأسعار ارتفاعا كبير وغير مسبوق، خاصة منها الاساسية كالأغذية والطاقة، وقد اشار الكثير من المحللين الاقتصاديين الى أن الخلل في سلاسل التوريد والامداد وارتفاع تكاليف الشحن هما العاملان المسببان للازمة العالمية، إذ ارتفع مؤشر التضخم في الولايات المتحدة الامريكية بشكل كبير بوتيرة هي الاولى من نوعها منذ فترة طويلة، وتترقّب الاقتصادات الكبرى عن كثب أهم التطورات الاقتصادية لما يمكن أن يشهده العالم من أزمات في العام المقبل.

الازمة الاقتصادية الامريكية، كيف تتجلى ؟

تتجلى الازمة الاقتصادية الامريكية في ارتفاع نسبة التضخم، بحيث شهدت أسعار الطاقة والمواد الغذائية الاساسية منها وغير الاساسية وأسعار المواد الاخرى الغير ضرورية ارتفاعا مهولا هو الاكثر على الاطلاق منذ عام 1991 أي ما يناهز ثلاثين عاما وذلك بناءً على ما اشارت إليه وزارة التجارة الامريكية.

وأدى ذلك الى ارتفاع أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي والتي تتضمن كافة المواد سواء طاقة أو غذاء بنسبة 4.4% وكذلك هو الاكثر منذ عام 1991 .

وقد جاءت هذه الارقام باستثناء الطاقة والغذاء تماشيا مع توقعات المؤشر الصناعي لـ “داو جونز” (Le Dow Jones IndustrialAverage) التي أقرت بارتفاع نسبة التضخم ب 3.6% خلال هذا العام.

ومن المفارقات الاقتصادية التي تحيل على عمق الازمة الاقتصادية في الولايات المتحدة الامريكية، أنه على الرغم من ارتفاع قيمة الاسعار بصفة كبيرة انخفض الدخل الشخصي ب 1% ويأتي ذلك مخالفا لتوقعات داو جونز التي كانت ترجّح  انخفاضه ل 0.6% ، بينما ارتفع الانفاق الاستهلاكي بـ 0.6%.

وتشير هذه الاحصائيات الى مدى عمق الازمة الاقتصادية الامريكية في كل من شهري اكتوبر وسبتمبر الفارط:

الشهر المؤشر الاقتصاديأكتوبر (2021)سبتمبر (2021)
نسبة التضخم (%)6.25.4
مؤشر ارتفاع أسعار المستهلك (نقطة)276.72274.14
معدّل التضخم المالي الاساسي (%)4.64.00
أسعار المستهلكين الاساسية (نقطة)281.70280.02
التضخم الغذائي (%)5.34.6
مؤشر أسعار الاستهلاك الشخصي (نقطة)117.42116.68
توقعات التضخم (%)5.705.30

Source : Trading Economics

كيف بدأت هذه الازمة ؟

انطلقت في البداية بعد تبيّن الخلل في عمليات التوريد جرّاء انتشار فيروس كورونا، بحيث لم تتمكن مختلف المراكز الصناعية الكبرى والكثير من الدول الاستمرار بنفس النسق الانتاجي أي انخفضت إنتاجيتها بشكل ملحوظ، ويأتي ذلك نتيجة انخفاض الطلب على السلع (أغذية، طاقة …) في ظلّ الانغلاق الكبير على جميع المستويات الذي شمل كافة أنحاء العالم من الجائحة، وقد انخفض الطلب على النفط الى غاية شهر ماي من عام 2020 الى الحد الادنى على الاطلاق.

ومع انتشار التلقيح في العديد من الدول والعودة الى فتح سلاسل التوريد والامداد، عاد الطلب على السلع والطاقة بنسق كبير، كان مراقبي الاوضاع الاقتصادية في البلدان المتضررة بشدة من الانغلاق الكبير والتي تعاني من انخفاض نسبة الانتاج والطلب في انتظار مرحلة تجاوز الجائجة للعود الى النسق القديم للنشاط الاقتصادي، ومع مع اكتشاف التلاقيح وانتشارها بصفة كبيرة ظهرت مشكلة اختناق سلاسل التوريد جرّاء الطلب المتزايد.

قال المحلل الاقتصادي “تيم وي” (Team WE)في هذا السياق “مع اكتساب الانتعاش الاقتصادي العالمي المزيد من الزخم، فإن ما يتضح بشكل متزايد هو أنه سيتم إعاقته بسبب اضطرابات سلسلة التوريد التي تظهر الآن في كل زاوية”.

وأضاف “ضوابط الحدود والقيود على التنقل، وعدم توافر تصريح عالمي للقاح، والطلب المكبوت الناتج عن البقاء في المنزل، كلها تضافرت لتشكل عاصفة كاملة ستعطل الإنتاج العالمي لأن عمليات التسليم لا تتم في الوقت المناسب، وسترتفع التكاليف والأسعار، ونمو الناتج المحلي الإجمالي في جميع أنحاء العالم لن يكون قويا نتيجة لذلك“.

وأشار في النهاية أنّ عرض السلع له دور كبير في تعميق الازمة الاقتصادية في ظلّ العجز الموجود في سلاسل التوريد كالعمالة والحاويات والشحن والموانئ والشاحنات والسكك الحديدية…

و مع تزايد الطلب على السلع التي تواجه مشاكل انتاجية مع الخلل الواضع في سلاسل التوريد والامداد، ارتفعت أسعار الشحن، خاصة للبضائع القادمة من الصين في اتجاه الولايات المتحدة الامريكية واوروبا، كما يشهد قطاع سائقي الشاحنات في البلدين نقصا فادحا، أدّى ذلك الى مشاكل اخرى في وصول البضائع .

فجرّاء الجائحة العالمية تبيّن أن هناك الكثير من النقائص في شبكات التوريد، فبمجرّد بروز خلل في سلسلة توريد واحدة تتاثر البقية بشكل كبير، ويبرز ذلك الارتباط الكبير بين سلاسل التوريد، وبذلك تاثر النمو الاقتصادي وارتفع مؤشر التضخم.

ولا تقتصر هذه الازمة الاقتصادية على الولايات المتحدة الامريكية، فقد سجلت اوروبا في اكتوبر 2021 أعلى نسبة تضخم منذ 13 عاما أي منذ 2008 تمثّلت في 4.1% بناءً على ما ذكره مكتب الاحصاء الاوروبي في حين توقع المحللون الاقتصاديون 3.7%، وتعود هذه النسبة المرتفعة للتضخم في اوروبا نتيجة أزمة الطاقة، بحيث ارتفعت أسعار الطاقة على النحو الذي جعلها تمثل 23% من التضخم، فقد ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي بنسبة 500% أي تضاعفت اسعارها 5 مرات، وسجلّت السلع الغير أساسية ( أي التي تشهد قيمتها ثباتا على المدى البعيد) ارتفاعا بين 15 و 30%.

ويشير مراقبون، الى أن تواصل هذه الازمة في التضخم الكبير في الاسعار قد يضرب العالم بالركود التضخمي (stagflation).

تداعيات الازمة الاقتصادية

تثير سياسية البنك الاحتياطي الفيديرالي العديد من التحذيرات والتوقعات بأنّه لم يتم تدارك الاوضاع والمواصلة في الخطة التي ينتهجها بخصوص الاسعار فإن نسبة التضخم الكبيرة ستؤثر على كامل أنحاء العالم، بحيث ستشمل الضوائق المالية العديد من البلدان والكثير من الاسواق الصناعية الضخمة.

 أما فيما يتعلق بالأسواق الناشئة والحديثة فإنها لن تتمكن من المواصلة بتاتا أمام هذه الموجة الكبرى التي يقبل عليها العالم، ويُتوقّع أن العالم سيدخل في هذه الازمة فعليا مع بداية عام 2023.

في حين أنّ بنك الاحتياطي الفيديرالي يرى بأن أزمة ارتفاع الاسعار مؤقته وليست دائمة، وأن نسب الارتفاع ستعود للتضاؤل تدريجيا، كما يرى أنّ الجائحة العالمية فرضت هذا الارتفاع وهو ضرورة قصوى للسيطرة على الامور في الوضع الراهن مشددا على أنه لن يستمر، وتترقب البنوك المركزية مختلف التغيرات الطارئة على سعر الفائدة الذي ستدفعه للتخفيض من نسبة التضخم من خلال التقليص من السيولة.

أما البنوك المركزية في الدول النامية فهي تحاول جاهدة ضمان التوازن الاقتصاد المهتز الى حد الان بالجائحة و بين التضخم في الاسعار .

أمّا بخصوص تداعيات سياسات بعض الاسواق على معاملاتها مع المستثمرين في المستقبل، فإن الاسواق الناشئة قد تلقى حظا وفيرا مع المستثمرين لأن سياستها النقدية اعتمدت على الحد من التضخم، وذلك قد يجذب المستثمرين الاجانب الذين يراقبون الوضع والمخاطر المستقبلية التي يمكن ان تطرأ على مشاريعهم في ظل الازمة الاقتصادية الكبيرة.

وأشارت وكالة “برومبيرج في تقرير لها الى ان”المستثمرين سيفضلون تلك الدول التي تستبق فيها البنوك المركزية التضخم” ، كما أوضح ضرورة مبادرة البنوك المركزية للحد من التضخم حتى لا يُعاد السيناريو الاقتصادي لعام 2020 الذي ساهم في تراجع الناتج المحلي الاجمالي .

 يبدو أن البنوك المركزية تواجه ارتباكا كبيرافيما يتعلّقبارتفاع قيمة أسعار الفائدة التي سيدفعها للخروج من الازمة الاقتصادية، لذلك فهي تترقب الوضع وتحاول الخروج من هذه الضائقة التي تهدد اقتصاد العالم بأنجع الطرق.

ولازالت بعض الاسواق تواجه مشاكل في عمليات الانتاج مما سيؤدي الى مزيد ارتفاع الاسعار العالمية وبالتالي ارتفاع اكثر في مؤشر التضخم.

انتهاء الازمة الاقتصادية

ترى وكالة بلومبرج (Bloomberg) بأنه لا يوجد مؤشرات تضمن القول بأن هذه الازمة الاقتصادية لن تستمر أو أنها ستختفي سواء على المدى القريب أو البعيد خاصة وانّ المشاكل في سلاسل التوريد والامداد لازالت مستمرة، وتواصل ارتفاع اسعار المواد الاولية، ناهيك عن تزايد الطلب الكبير بعد موجة الاغلاق جرّاء جائحة كورونا، ومواصلة الفيديرالي سياسته النقدية (الترفيع في الاسعار)…

كل هذه العوامل ستجعل الاستثمارات شحيحة في ظل انعدام الضمانات في عدم الخسارة أو تحقيق الربح، ويتوقّع الاخصائيون الاقتصاديون أن الازمة الاقتصادية الحالية في طريقها الى خلق بما يسمى الركود التضخمي، وفي هذه الحالة يكون النمو الاقتصادي ضعيفا ونسبة البطالة عالية مقابل استمرار النمو في اسعار مختلف المواد، سواءَ منها الاساسية أو غير الاساسية.

وتواجه البنوك المركزية حالة كبيرة من العجز، إذ أنّ الحد من نسبة التضخم سيجني ضغوطا اخرى على الاقتصاد، لذلك هناك سعي الى إدراج سياسات تخفّض من هذا المؤشر الخطير بأقل التكاليف وذلك يعدُّ في غاية الصعوبة خاصة وانّ مؤشر تزايد الطلب لا يمكن السيطرة عليه بتلك السهولة وله تأثير كبير في ارتفاع الاسعار وبالتالي نمو التضخم، فقد كان الاحتياطي الفيديرالي في البداية قد استهدف نسبة تضخم تُقدّرٌ ب 2%، إلا أنّ  الوضع حاليا قد خرج عن السيطرة ليناهز المؤشر 5%، ويتوقع مراقبون تزايد المؤشر في العام المقبل.

By Zouhour Mechergui

Journaliste