إعداد الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتجية الأمنية والعسكرية 23-12-2024
التنظيم الأخطر على الإسلام وعلى التاريخ الإسلامي والعربي تنظيم الإخوان المسلمين فشتان بين تاريخهم الواقعي والوقائع التاريخية الصحيحة وتاريخهم الذي يكتبونه بمغالطات كبيرة وبخيال شاسع حتى أن الواقع المعاش لا يمكن أن يتقبله.
ما هي حقيقة كتيبة النساء لحسن البنا:
بينما كان يدعو له حسن البنا المؤسس الأول والعقل المدبر، وبين ما كان يحدث على أرض الواقع سنوات ضوئية من الأكاذيب وخاصة التزوير الممنهج للتاريخ وها نحن نعيش اليوم نتائج الكذب وتزييف التاريخ لأخطر مجموعة على الفكر الإسلامي والبشري…
كان البنا يكتب دوماً للنساء وعن النساء، مطالباً إياهن بالمكوث في بيوتهن، محدداً مهاماً بعينها يدّعي أن على المرأة أن تفعلها، ناهياً إياها عن أدوار وحقوق أخرى، متمسحاً في هذا بالدين وبالمكرمة وطبعا البنة كان يتفنن في الفتاوي والإستشهاد بالبخاري وأحاديث ضعيفة وغير مؤكدة من السنة لتوظيفها في تحريك الدمى التي كانت تؤمن بما يسمى فكره الإصلاحي خاصة للمرأة التي كانت تعتبر نفسها ضحية الأعراف والتقاليد وضحية المجتمع الذكوري الذي لا يحترم مكانتها.
كان البنا يتفنن في إرتداء زي التدين والفقه والفتاوى ورجال الدين، بينما في الواقع هو يؤسس لتنظيمه السياسي بعباءة الدين ويستعمل كل الآليات والإستغلال للأوضاع الإجتماعية في تلك الفترة واليوم الذين أخذوا عنه المشعل لا يقلون عنه خداعا وكذبا فبإسم الدين يروجون لتنظيمهم السياسي.
لقد كان البنّة يدعو النساء علناً للمكوث في بيوتهن وألا يختلطن بالرجال “الحرام شرعا” وألا تسافر إحداهن ولو مسافة قصيرة إلا بمحرم، بينما يطلق نساء التنظيم، اللواتي جعل منهن “كتيبة نسائية” متقدمة في المجتمع، في رحلات تجنيدية إستقطابية وخاصة لجمع المال، لكل بقاع مصر ومن بعدها تطورت الكتيبة الأولى لتصبح كتائب منتشرة في كل العالم، وحتى وصلت من الدعوى الإجتماعية “الإصلاحية” الى الدعوى السياسية الى طور الجهاد والكتائب النسائية المسلّحة مع تنظيم “داعش” واستخدامها في كل ما هو لوجستي في تنظيم القاعدة…
مع العلم إمرأة الإخوان هي حجر الأساس لتنظيم القاعدة وداعش، فأغلب نساء التنظيمات الإرهابية أساسها الايديولوجي إخواني فبعد أن تتشبع بالإيديولوجيا الإخوانية تنطلق بخيالها لتصل للتطرف والإنخراط في التنظيمات المتطرّفة وأعلبهن يستفقن على الحقيقة بعد فوات الأوان.
في التاريخ “الجماعة” التي تتفنن في الفتاوي حول المرأة والخطابات والشعارات، أن المرأة يجب المحافظة عليها والإسلام هو الدين الوحيد الذي كرّم المرأة ولا يجب أن تظهر وغيرها من الشعارات التي تستعملها السياسة الإخوانية، كانت ولا تزال النساء هي الأداة المهمة في التنظيم فإستخدامها في المهمات الصعبة والرصد والإستقطاب واللوجستيك هي حقيقة ومخالفة للشعارات والخطابات التي يرفعونها فلقد كانت نساء الجماعة هنّ القاطرة التي سارت بها أشواطاً طويلة في الحشد والدعم المادي والقبول الاجتماعي.
أكثر من 94 عاماً منذ أسس البنا تنظيمه السياسي/ العسكري المتطرف عام 1928 وحتى وفاته من عام 1949، ثلاث نساء في تاريخ الجماعة هن من أنقذن التنظيم وشاركن في صنعه بوعي أو من دون وعي. وبينما أجلس البنا زوجته في بيتها ولم يجعلها تنخرط في أي من أنشطة الجماعة، استخدم نساء أخريات كأفضل ما تحدده قواعد البرغماتية السياسية.
تاريخ نشأة “فرقة الأخوات المسلمات”
في في سنة 1933 وضع البنا أول لائحة لما أسماه “فرقة الأخوات المسلمات” بعد خمس سنوات من تأسيس جماعته في مدينة الإسماعيلية عام 1928، ومن إنشاء أول مدرسة لتعليم الفتيات “مدرسة أمهات المؤمنين “. كانت لائحة البنا للنساء تعبيراً حقيقياً وكاشفاً إلى حد كبير عن موقف الجماعة التنظيمي من النساء، وإدراكه لأهمية انخراط النساء في أفكار وتنظيمات الجماعة حتى لو تناقض هذا مع أفكاره الفقهية المعلنة في أدبيات الجماعة، والتي ترفض إعطاء النساء أبسط حقوقهن وهو حق التعليم أو حتى حق الخروج من البيوت أو المشاركة السياسية أو التعيين في الوظائف الحكومية.
لائحة الأخوات كانت هي التي تنظّم عمل قسم الأخوات، وتحدّد كيفية إدماج النساء في التنظيم وواجبات المنتميات له وأدوارهن في خدمة الجماعة.
ورغم أن القسم هو قسم نسائي إلا أن رئاسته وحسب اللائحة التي وضعها حسن البنا يتولاها رجل وهو شخصياً، بينما كان سكرتير عام القسم رجل آخر وهو “محمود الجوهري” أحد المقربين له، ثم تتولى إدارة القسم داخلياً سيدة.
وبقراءة لمهام الفرقة يتضح أن دورها الأساسي هو جذب النساء للانتماء للتنظيم والذي حددته اللائحة عن طريق الدروس والمحاضرات في المجتمعات الخاصة بالنساء، والنصح الشخصي والكتابة والنشر. ولم تغفل اللائحة بند تمويل الأنشطة والجماعة فقد جاء فيها “وتقدر اشتراكات مالية على العضوات كل حسب المقدرة وتحفظ في عهدة إحدى الأخوات للإنفاق منها على مشاريع الفرقة”.
في بداية الأربعينيات وبينما كانت قيادات قسم الأخوات وفتيات الإخوان ينطلقن في رحلات التجنيد تلك، كان البنا مستمراً في رسائله ومقالاته عن النسائيات، كما كان يسميها، وهي كالمعتاد تنادي بعكس ما تفعله نساء الإخوان، فقد كان معارضاً تماماً لأي تنظيمات أو مؤتمرات تدعو لانخراط المرأة في السياسة أو حتى مجرد الحديث عن حقوق مدنية لها، وعندما عُقد المؤتمر النسائي الدولي في إسطنبول نهاية الثلاثينات لمناقشة ملف حقوق النساء كتب البنا موجها حديثه للحضور قائلا: “حذار ثم حذار، فإن الموقف دقيق والمرأة التي تصلح الأمة بصلاحها هي المرأة التي تجلب على الأمة الفناء والاضمحلال بفسادها”.
وشرح في رسالته فكرته عبر مقارنة بين المرأة المسلمة الصالحة كما يراها هو وبين المرأة الغربية التي “تغشى الأسواق والمجاميع متبرجة تغالي في زينتها مدللة بما وصلت إليه من علم ومعرفة”!
وخاطب البنا النساء الحاضرات مطالباً إياهن: “سيداتي آنساتي، أتقدم بين أيديكن باقتراح إن كنتن تردن السلام بإخلاص.. عدن إلى بلادكن وقَرْنَ في بيوتكن وربين على حب السلام أبناءكن، واغرسن في نفوسهم الرحمة والرأفة والإنصاف والشفقة”…
بينما هاجم عام 1947 حركة المطالبة التي كانت تطالب بها التيارات المدنية بإعطاء النساء حق التصويت، والتي دعت عضو مجلس النواب لتبنيها فكتب البنا مهاجما زهير صبري “عضو مجلس النواب المصري في الأربعينيات” قائلا: “هي ليست قضية سياسية، هي قضية أخلاق وقضية الأسرة وقضية الأمة، فما نظن أن شيئاً جنى على الناس قديماً وسيجني عليها حديثا إلا سوء فهمهم للأوضاع وتحكم الهوى ومخالفة التكوين الطبيعي الذي سنه الله”.
ويضيف البنا متهماً هؤلاء المطالبين بحق المرأة في الانتخاب بأنهم: “دجالون ومخادعون ويلعبون بالألفاظ، ويعبثون بزخرف القول” وأنهم: “يروجون لحق المرأة في الانتخاب، بينما كثير من الرجال ممن منحوا هذا الحق لا يحسنون استخدامه، فالأجدر بنا أن نهتم أولاً بتربية هؤلاء الرجال… وأريد أن أسأل المطالبين للمرأة بالعمل في المكتب والانتخاب ألا يرون أن المكان الأول للمرأة هو البيت، وأن أسمى مهامها تكوين الأسرة وتربية النشء”.
إزدواجية الخطاب للبنا في مواقفه من المرأة “رسائل النسويات”:
بينما كانت جماعة الإخوان وعلى رأسهم المنظر مزدوج الخطاب “حسن البنا” وعلى مدى عشر سنوات تجني ثمار انضمام إحدى أهم ناشطات الحركة النسوية لها “لبيبة أحمد”، كان “البنا” يكتب رسائله للنساء فيما عرف “برسائل النسويات”، محدداً موقف الجماعة من المرأة وحقوقها بما يخالف تماماً اختياراته للقيادات النسوية للجماعة واستخدامه لهن.
فقد كتب معبراً عن أفكاره في إحدى رسائله في منتصف الثلاثينات، والتي حملت عنوان “وظائف المرأة في الحياة” بدأ البنا رسالته ساخراً من امرأتين، هما نعيمة الأيوبي وفاطمة فهمي، الأولى من كلية الحقوق، وتقدمت لنقابة المحامين للحصول على تصريح يسمح لها بالاشتغال بالمحاماة، وهو ما رفضته النقابة. وأثنى البنا على موقف النقابة، بينما هاجم من اعترضوا على هذا الرفض بحجة المساواة، معتبراً تلك الأمور “مزاعم مفسدة”. وبنفس المنطق شكر مدرسة الهندسة الملكية التي رفضت قبول الآنسة فاطمة فهمي للدراسة بها.
فلقد بدأ البنا رسالته الحقيقية معلنا رفضه التام لما يطلقون عليه حقوق النساء قائلا: “وظيفة المرأة في الحياة ليست مشاركة الرجال فيما يقومون به من الأعمال، فالحياة ليست نوعاً واحداً من الأعمال ولكنها أقسام تندرج تحت قسمين رئيسيين، أولهما كسب العيش ووسائله من إدارة المصانع والمتاجر والمزارع… ومنها إدارة المنزل وتهيئة لوازم الأسرة والحمل والوضع والرضاع وتربية الأولاد”.
ويضيف موجها كلامه للنساء: “لا تخرجوا عن سنن الكون ونظمه وقَرْنَ في بيوتكن آمنات هانئات سعيدات قائمات بالوظيفة التي أدت لكن ولا تنزعجوا بالأماني والأحلام والظنون والأوهام” وفي نفس الوقت يستعمل نساءا لنشر فكره الإخواني المتطرف وهذه هي حقيقة الإخوان يطلقون خطابات للعموم ويخاطبون المشاعر الذكورية حول النساء وفي نفس الوقت يستخدمون النساء كآليات لنشر فكرهم الظلامي.
وينهي البنا رسالته قائلا: “نؤيد نقابة المحامين ونؤيد مدرسة الهندسة في وجوب رفض طلبي الآنستين، ونشكر وزارة المعارف لمواقفها المشرفة في المحافظة على المصلحة العامة”.
من هنّ نساء البنّة “كتيبة الأخوات”؟
لبيبة أحمد الشخصية الأولى لكتابة البنا النسائية
كانت لبيبة أحمد هي أهم من شارك في صنع “كتيبة الأخوات”، فقد كانت زوجة عثمان مرتضى باشا أحد القضاة المشهورين، وسليلة عائلة كريمة وفرت لها تعليماً متميزاً، وعرفت لبيبة بموهبتها الصحفية وميلها للتديّن. كما كان لديها جمعيتها الخاصة وهي “نهضة السيدات المصريات” التي أسستها عام 1921، والتي كان من أهدافها تحسين المستوى الخلقي والديني المستمَد من الشريعة الإسلامية، وزيادة فرص التعليم أمام الفتيات، ومحاولة جعله إجباريًّا في المراحل الأولى وكانت لها مجلة تَنطُق باسمها وهي مجلة “النهضة النسائية” والتي ظلت تصدر لمدة عشرين عاماً، وكانت لبيبة هي رئيسة تحريرها تكتب افتتاحياتها التي غالباً ما تدور حول إصلاح المرأة وترقيتها وتعليمها ومناهج التربية في مدارس الفتيات.
وبخبث كبير سعى البنا الى ضمّ هذا الإسم الكبير “لبيبة أحمد” الى كتيبته النسائية ضمن مشروعه الإخواني السياسي ليستغلها بعد ذلك أبشع إستغلال. وقبلت وقتها لبيبة المسؤولية، وعبّرت عن هذا القبول في مقال لها نشر بمجلتها التي تحولت للسان حال “جماعة الإخوان” ومعبّر حقيقي عن أفكار التنظيم تجاه النساء.
كما إن موهبة لبيبة في الكتابة وما تلقته من تعليم شرعي وعلوم اجتماعية رفيعة المستوى في عائلتها جعل البنا يدفع بها لتكون أول كاتبة امرأة في “مجلة الإخوان المسلمين”، بخلاف ما وفره وجودها كإحدى سيدات المجتمع الراقي من عامل جذب حقيقي للجماعة، وما قدمته من دعم للمشاريع والخدمات الاجتماعية التي كانت أحد أهم وسائل الجماعة لجذب الأعضاء، عبر عدد من المشاريع الخدمية مثل المستوصفات ودور الطفولة ورعاية الأيتام ومساعدة الأسر الفقيرة وكل الأدوار التي قامت بها لبيبة أحمد هي بالأساس ينخرط ضمن المشاريع الإجتماعية للتنظيم.
وهذا الأمر ساعد تماماً في نمو أنشطة “فرقة الأخوات المسلمات”، وهيأها بعد ذلك لتكون نواة حقيقية لقسم الأخوات في الجماعة، والذي تم إنشاؤه فيما بعد وتحديداً عام 1944 عندما قررت لبيبة أحمد اعتزال العمل بعد أن تقدمت في العمر وفضلت الابتعاد عن الأنشطة الاجتماعية حيث كانت قد قاربت السبعين عاماً وهناك من يقول أن لبيبة أحمد في آخر عمرها إكتشفت حقيقة الإخوان الإجرامية وأنها كانت أداة استغلها البنا والتنظيم فلقد كانت بدايات لبيبة أحمد في مقاومة الإستعمار البريطاني وإذ بها تجد نفسها تروج لتنظيم سياسي لا علاقة له بالنضال ضد الإستعمار ولا علاقة له بالإصلاح الإجتماعي.
المرأة الثانية في تنظيم كتيبة نساء الإخوان: فاطمة عبد الهادي
أقوال البنا الواضحة تلك تجاه تعليم المرأة وعملها، لم تكن هي ما يحكم عمل قسم الأخوات الذي كان قد تأسس وقتها معلناً بشكل تنظيمي لا لبس فيه عن أهمية دور النساء في جماعة الإخوان المسلمين، بعد أن اكتسبت الجماعة مصداقيتها ووجودها المجتمعي المطلوب، وأدت لبيبة أحمد دورها، ليأتي دور امرأة أخرى اتسمت بذكائها الشديد وقدراتها التنظيمية المدهشة.. جاءت فاطمة عبد الهادي إحدى أهم وجوه النساء وأكثرهن فاعلية في الجماعة. باتت تحتاج لانتشار جماهيري وحشد نسائي يحتاجه البنا في رحلة صعوده التنظيمي والسعي لتحقيق طموحاته السياسية.
ولدت فاطمة عبد الهادي عام 1917 ودرست بمدرسة المعلمين وتخرّجت منها عام 1937، وعملت مدرّسة بمدرسة ابتدائية في حي الزيتون. تحكي في مذكراتها كيف انضمت للإخوان قائلة “أثناء جلوسي في الترام التقيت بالأخت فاطمة البدري، وكانت تبدو عليها سمات الأخلاق والتديّن، وتقرّبت مني وحدثتني عن التدين والدعوة إلى الله والأخذ بيد الناس إلى طريق الحق، ثم أعطتني ورقة كان بها دعوة لحضور درس ديني، وكان بها عنوان مقر الأخوات المسلمات بحي الناصرية”.
وكان هذا بداية انضمامها للإخوان وهي في الخامسة والعشرين من عمرها وتحديداً عام 1942. وخلال وقت قصير، ونتيجة لذكائها ونشاطها، أصبحت من النساء الست اللاتي يعتبرن على رأس قسم الأخوات.
وفي كتاب مذكرانها تناولت فاطمة عبد الهادي موضوع الإستقطاب والتجنيد في القسم لجذب الفتيات والنساء، حيث كانت تطلب من الأخوات أن تأخذ كل واحدة منهن إذا ركبت المواصلات العامة دبوساً في يدها، فإذا رأت فتاة أو سيّدة متكشفة تقوم بوخزها في جسدها، ثم تعتذر لها وتتخذ من الواقعة بداية لفتح حديث، توصل لها من خلاله رسالة عن الاحتشام وارتداء اللباس الشرعي. وكثيراً ما كان هذا أول الطريق لجذبهن إلى دعوة الأخوات.
بطلة التجنيد بالدبوس، والتي اعتمد البنا عليها في جذب النساء وابتكار وسائل هذا الجذب، تحكي أيضاً عن حكايات السفر لكل المحافظات من أجل ما تسميه الدعوة للجماعة وتقول: “كان من نشاطنا الأساسي نشر الدعوة بين النساء في كل مصر، وتأسيس فرع للأخوات في أي مكان يمكن أن نصل إليه، فسافرنا إلى كل المحافظات وأسسنا فروعاً بها للأخوات المسلمات، فكان الإخوان يرتبون لنا برنامج الزيارة في كل مدينة نسافر لها، ويختارون منزلا بعينه تجتمع النساء فيه، ونعطيهن دروساً دينية، ونعرّفهن بالجماعة وأهدافها ونوجههن إلى قراءة كتب بعينها”.
تلك الرحلات التي تحدثت عنها “فاطمة عبد الهادي” أشار إليها محمود الجوهري أحد قيادات الإخوان، والذي كان مسؤولا عن قسم الأخوات لأكثر من ثلاثين عاماً، مشيراً إلى أنه وقبل اغتيال حسن البنا عام 1949، كان عدد شعب الأخوات المسلمات قد وصل إلى 150 شعبة موزعة على محافظات مصر كافة وهذا راجع بالأساس الى “فاطمة عبد الهادي” ونشاطها الكبير وقدرتها على التجنيد والإستقطاب.
ومن الوقائع المهمة التي تتذكرها “فاطمة عبد الهادي”، أنها كانت تذهب بناء على طلب من البنا نفسه إلى محاضرات زينب الغزالي، والتي كان قد رفضت لسنوات طويلة الانضمام للإخوان هيكلياً وظلت هكذا حتى عام 1948.
وكانت “زينب الغزالي” لديها جمعيتها الخاصة “جمعية السيدات المسلمات”، حيث كان الهدف هنا يرمي لما هو أبعد من حدود مصر. وكما تقول: “كنت أذهب والأخت أمينة الجوهري لمحاضرات زينب الغزالي في مقر جمعيتها، ولكننا لا ندخل المكان بل نقف بالخارج، إلى أن تنتهي زينب الغزالي من محاضرتها وتخرج الأخوات اللاتي كثيراً ما كنّ يأتين من بلاد عربية، ونتحدث معهن لإرسال رسائل دعوية لبلادهن بعد إقناعهن بفكر الجماعة”.
ومما تذكره “فاطمة عبد الهادي” وتفتخر به، أنها كانت السبب في انتماء ثاني مرشد للجماعة وهو حسن الهضيبي، بعد أن نجحت في استقطاب ابنتيه سعاد وخالدة الهضيبي، عبر قسم الأخوات التي كانت مسؤولة عنه وتحكي:
“لما أنشأنا دار التربية الإسلامية للفتيات بالمنيرة، كانت الأخت سعاد الهضيبي قد عيّنت طبيبة في مستشفى أبو الريش للأطفال القريبة من الدار، وذات مرّة كانت تمر في طريقها فقرأت إعلاناً يقول دار التربية الإسلامية للفتاة، فجاءت وقابلتني وقالت إن أختها خالدة لديها اهتمام بموضوع التربية الإسلامية وأنها سترسلها لزيارتي، ثم جاءت خالدة الهضيبي وانتمت الفتاتان لنا، وأخبرتنا خالدة أن أباها يحب هذا التوجه في تربية الفتيات، ولم يكن الأستاذ حسن الهضيبي قد دخل الإخوان… وكان أن دعتني أمها للغداء وجلس الأستاذ الهضيبي يتحدث إلينا ثم توالى دخول باقي أفراد العائلة بعد ذلك”.
أما الملف الآخر الأكثر أهمية الذي كانت تتولاه فاطمة وفريق الأخوات في القسم، فكان هو ملف التزويج كما تسميه، فتذكر أنه كان من أهم الأنشطة في ذلك الوقت هو تزويج الإخوان من الأخوات أو ممن يعتبرهن مناسبات وقريبات للفكر إذا لم تتوافر الأخت المناسبة.
وكما تقول “فاطمة عبد الهادي” في كتابها: “كان الإخوان يأتي الواحد منهم للأستاذ محمود الجوهري يطلب أن نجد له في قسم الأخوات من تناسبه، وكنت أطلب منه معلومات عن الأخ وأقوم أنا بترشيح الأخت المناسبة”. التزويج تحديداً كان وسيلة مهمة لتجنيد الفتيات بل وعائلات بأكملها.
وتذكر “فاطمة عبد الهادي” أنها زوّجت إحدى الفتيات، والتي لم يكن عمرها يزيد على 17 عاماً وقتها، وتوسمت فيها الذكاء والولاء للتنظيم من ابن أحد السفراء العرب المهمين جداً وهي محاسن حمودة، بعد أن توسمت فيها قدرتها التنظيمية التي بالفعل مكنتها بعد زواجها من الشاب الذي أصبح بعد سنوات قليلة سفيراً لبلاده وقامت زوجته تلك بتأسيس أول شعبة للأخوات في آسيا وتحديداً في باكستان، كما أنشأت المنتدى الإسلامي بالولايات المتحدة أحد أهم منصات الإخوان بها.
الوجه الثالث لكتيبة البنا النسائية: ابنة الوزير والأرسطقراطية آمال محمد العشماوي
وبينما كان البنا يهاجم نساء الطبقة العليا ممن شاركن في مؤتمر إسطنبول المؤتمر النسائي الدولي في إسطنبول نهاية الثلاثينات لمناقشة ملف حقوق النساء، كان يسعى لهن عبر تجنيد واحدة من أبناء أغنى الوزراء وأكثرهن أرستقراطية كانت، وهي آمال محمد العشماوي، ابنة العشماوي باشا وزير المعارف العمومية في وزارة إسماعيل صدقي الثالثة عام 1946، والذي عرف بميله للتديّن وثرائه الكبير.
أمال هي الوجه النسائي الثالث من نساء البنا اللاتي اعتمد عليهن واعتُبرن من أعمدة التنظيم النسائي، يمكن القول إنها كانت المنقذ والممول الحقيقي للتنظيم في سنوات الأزمات السياسية الطاحنة. أخوها حسن العشماوي كان قد سبقها للتنظيم ولحقت به هي وزوجها منير الدلّة القيادي الإخواني المعروف فيما بعد، وعضو مكتب الإرشاد وأحد أبناء الطبقة الثرية.
و عندما انضمت آمال العشماوي للجماعة واحتفى بها البنا شخصيا احتفاءً خاصاً لانه أدرك ان أمال عشماوي الارسطقراطية هي صيد ثمين وستمكّنه من نساء الطبقة الأولى بمصر، حيث عقد اجتماعاً للمجموعة التي كانت تدير قسم الأخوات وقتها، وأخبرهن بأن عضوة جديدة ستنضم إليهن، وهي أمال العشماوي ابنة العشماوي باشا وزير المعارف وأوصاهن بها خيراً، فهو يعتبر نفسه قد نجح بشكل كبير وأنها ستفتح له أبوابا كثيرة وكبيرة وخاصة ستجلب له التمويل وقد حصل فعلا ذلك.
وكان لأمال دور كبير في ضخ الأموال للجماعة، خاصة في فترات الأزمات، فيحكي محمود الجوهري في كتابه “الأخوات المسلمات” كيف كان بيت أمال العشماوي هو بيت الجماعة كلها.
وكما يقول: “شهد بيت أمال العشماوي أخطر اجتماع في تاريخ الجماعة، وهو الذي تم فيه اختيار المرشد الثاني للجماعة، عقب اغتيال المؤسس حسن البنا، وذلك بحضور قيادات الإخوان وزوجها منير الدلّة أحد قيادات الجماعة. وتم في هذا الاجتماع اختيار حسن الهضيبي ليخلف البنا”.
وكانت أمال هي أول من جعل وزارة المعارف تعترف بمدارس الإخوان وتعطيها الصيغة القانونية، بل وتمتعها بدعم مالي مباشر من الوزارة، ما شجع مئات الأسر على إلحاق أبنائهن وبناتهن بتلك المدارس. وكما يقول ريتشارد ميتشل، فقد كان تولي محمد حسن العشماوي المعروف بتبنيه منذ وقت فكرة إقرار التعليم الديني وبحكم انتماء ابنته وزوجها وابنه حسن العشماوي للجماعة، مساعداً في إقرار تقديم الإعانة الخيرية التي كانت تقدمها الوزارة للجمعيات الأهلية، وتقديم دعم مالي مباشر للطلبة الذين يلتحقون بمدارس الجماعة، بخلاف التسهيلات الأخرى من تقديم أراض بأسعار مخفضة وزي مخفض للطلبة وغيرها.
ومما أشار إليه ريتشارد أن دخول أمال العشماوي للجماعة كان بمثابة مرحلة فارقة في اختراق الجماعة وأفكارها للطبقة العليا الأرستقراطية من المجتمع المصري، وكانت أمال محمد العشماوي صاحبة الفضل الأول في هذا الاختراق، وهي النموذج الناجح له كما يقول “ريتشارد ميتشل” في كتابه “عن الإخوان المسلمين”، فعن طريقها تم اجتذاب “دولت هانم” زوجة وزير الداخلية إبراهيم باشا عبد الهادي التي كانت تدعم الجماعة بإرسال المواد التموينية ليتم توزيعها على فقراء القرى والأحياء الذين يتم استقطابهم للجماعة.
وعن طريقها أيضاً تمّت أكبر عمليات لدعم الجماعة مالياً عبر التبرعات الضخمة التي قدمتها أو تولت جمعها لدعم الجماعة في أزمتيها الأولى والثانية عامي 1948 وعام 1965.
وعندما تعرضت الجماعة لأزمتها الأولى عام 1948 وصدور قرار الحل الأول لها، أرادت الحكومة ضم الدار إلى الشؤون الاجتماعية تدخلت أمال العشماوي ونجحت في الإفلات من قرار المصادرة، هذا بعد أن طلبت من والدها، وكان وقتها يرأس “رابطة الإصلاح الاجتماعي” ضمها للرابطة لكي تفلت الدار وما يتبعها من أنشطة إخوانية من قبضة المراقبة والتبعية الحكومية.
ومما تذكره “فاطمة عبد الهادي” عن أمال محمد العشماوي، أنها كانت وراء عدد من المشاريع التي دعمت الجماعة اجتماعياً ومالياً مستفيدة من نفوذ والدها، فمثلا إقامة أول مشغل لفتيات الجماعة كانت هي من أسسه وطلبت وقتها من والدها انتداب مدرسات للحياكة من وزارة المعارف، وبالفعل أرسل لهن ثلاث مدرسات، كما قدمت “بدروم” فيلتها ليكون مصنعاً لإعداد المربات والعطور وغيرها وفتح لهن نادي أبواب المعلمين ليكون معرضاً لمنتجات الجماعة.
المراجع:
1 ـ كتاب ريتشارد ميتشل “الإخوان المسلمون”
3 ـ مذكرات فاطمة عبد الهادي في كتابها “رحلتي مع الأخوات المسلمات”
3 ـ كتاب محمود الجوهري “الأخوات المسلمات وبناء الأسرة القرآنية”