إعداد صبرين العجرودي قسم البحوث والدراسات الإستراتجية والعلاقات الدولية 19-12-2024
“اتفاق السادة أعضاء مجلس النواب وأعضاء مجلس الدولة المجتمعين في ابوزنيقة المغربية. ” عبدالله بليحق المتحدث الرسمي
أعلنت ستيفاني خوري، القائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، عن إطلاق عملية سياسية جديدة تهدف إلى معالجة الأزمة الليبية المستمرة، والتي تتجسد في الانقسام الحاد بين حكومتين متنازعتين على السلطة. العملية التي ترعاها الأمم المتحدة، والتي تمثل خطوة مهمة نحو حل الأزمة السياسية الراهنة، تتمثل في تشكيل لجنة فنية من خبراء ليبيين مهمتها الأساسية تحديد أولويات تشكيل حكومة توافقية تلبي طموحات مختلف الأطراف السياسية في ليبيا.
خلال كلمتها المصورة، كشفت خوري عن تفاصيل الخطوات الأولى للعملية السياسية التي تهدف إلى توحيد مؤسسات الدولة الليبية وتحقيق الاستقرار من خلال إيجاد حل شامل للقضايا الخلافية العالقة. هذه القضايا تشمل بالدرجة الأولى القوانين الانتخابية التي تعتبر من أبرز نقاط النزاع بين الأطراف السياسية.
كما تسعى البعثة الأممية من خلال هذه العملية إلى ضمان إشراك واسع للمجتمع الليبي في تحديد مستقبله، بما في ذلك الأحزاب السياسية، النساء، الشباب والمكونات الثقافية المختلفة.
ويمثل إطلاق هذه العملية السياسية نقلة نوعية في التعامل مع الأزمة الليبية، ويأتي في وقت حساس للغاية حيث يعيش البلد حالة من الانقسام السياسي والعسكري عميقة الجذور.
وترتكز العملية السياسية بالأساس على مبدأ التوافق بين الأطراف المختلفة، وهو ما يعد تحديًا كبيرًا في ظل التوترات الراهنة. فالتنافس بين حكومتي بنغازي وطرابلس كان ولا يزال أحد أكبر العقبات أمام تحقيق الاستقرار في ليبيا. كما أن القوانين الانتخابية، التي تعد محل خلاف شديد بين الأطراف السياسية، تشكل عنصرًا معقدًا في تحديد ملامح المرحلة المقبلة. من هنا، يأتي دور اللجنة الفنية التي ستعمل على وضع خيارات عملية تفضي إلى توافق حول هذه القوانين وإطار الحوكمة الذي سيشرف على الانتخابات.
التوصل لاتفاق سياسي ليبي بين مجلسي النواب والدولة يمهد لتشكيل حكومة توافقية وتنظيم الانتخابات
يأتي الاتفاق يأتي ضمن إطار عملية سياسية تسعى إلى تجاوز الانقسامات بين حكومتي ليبيا المتنازعتين، حكومة عبد الحميد الدبيبة في طرابلس، وحكومة أسامة حماد في بنغازي. وتستهدف هذه العملية تنفيذ انتخابات نزيهة تضع حدًا للتوترات السياسية والصراعات المسلحة المستمرة منذ سنوات.
وتتضمن أبرز بنود الاتفاق:
- تشكيل حكومة وحدة وطنية: يتضمن الاتفاق تأسيس حكومة وحدة وطنية قادرة على إدارة البلاد بشكل مؤقت حتى تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية.
- إصلاحات قانونية وانتخابية: تشمل الخطوة الأولى من العملية تشكيل لجنة فنية من خبراء ليبيين مهمتها معالجة القضايا المتعلقة بالقوانين الانتخابية التي كانت محورًا رئيسيًا للخلافات السياسية في ليبيا.
- ترتيبات الحوكمة: يتضمن الاتفاق وضع إطار حوكمة يحدد المحطات الرئيسية لإنجاز العملية السياسية، مع التأكيد على ضرورة إشراك جميع الأطراف الليبية في العملية السياسية، بما في ذلك الأحزاب السياسية والمجتمع المدني.
- دعم الإصلاحات الاقتصادية والأمنية: يعمل الاتفاق على تعزيز جهود الإصلاح الاقتصادي ودعم توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية لضمان استقرار البلاد وتنظيم الانتخابات في بيئة آمنة.
- مشاركة المجتمع الليبي: أكدت الأمم المتحدة على ضرورة مشاركة شرائح واسعة من المجتمع الليبي، بما في ذلك النساء والشباب والمكونات الثقافية، في تحديد مستقبل البلاد من خلال هذه العملية السياسية.
في المجمل، تبقى آفاق النجاح لهذا الاتفاق معتمدة على التزام الأطراف الليبية بالعملية السياسية وتقديم تنازلات من أجل تحقيق توافق شامل. مع ذلك، لا يمكن تجاهل التحديات الكبرى، خاصة من حيث التعددية السياسية والعسكرية التي تميز ليبيا، بالإضافة إلى التدخلات الإقليمية والدولية التي قد تؤثر سلبًا على مسار العملية السياسية.
التدخلات الإقليمية والدولية: عامل مساعد أم معرقل للسلام في ليبيا؟
يمثل هذا الاتفاق خطوة هامة في مسار الحل السياسي للأزمة الليبية، ولكن تنفيذ بنوده يتطلب العديد من التحديات التي يمكن أن تؤثر على استدامته ونجاحه.
من أبرز هذه التحديات هو التوافق بين الأطراف المتنازعة، خصوصًا فيما يتعلق بمسألة توزيع المناصب السيادية وتنفيذ الإصلاحات القانونية التي طال انتظارها. التباين في المواقف بين حكومتي طرابلس وبنغازي يطرح سؤالًا جوهريًا حول مدى استعداد الأطراف للتنازل عن مصالحها الشخصية في سبيل المصلحة الوطنية.
من ناحية أخرى، يتضمن الاتفاق دورًا كبيرًا للمجتمع الدولي، خصوصًا الأمم المتحدة، في ضمان تنفيذ العملية السياسية ودعمها. رغم أن هذا الدعم يعد ضروريًا، إلا أن الاعتماد الكبير على تدخلات خارجية قد يعرقل تطور الحلول المحلية ويؤثر في استقلالية القرار السياسي في ليبيا.
وعلى الصعيد الأمني، يعتبر توحيد القوات العسكرية والأمنية أمر بالغ الصعوبة في ظل الانقسام العسكري الذي يميز ليبيا، مما يستدعي عملية إصلاح شاملة ومعقدة قد تواجه صعوبات كبيرة.
أما من ناحية تحقيق توافق شامل في المجتمع الليبي، فإن الاتفاق يشير إلى رغبة الأمم المتحدة في توسيع قاعدة المشاركة السياسية عبر إشراك جميع الفئات الاجتماعية. هذه الخطوة تعتبر أساسية لخلق بيئة من التفاهم والشراكة التي تضمن استقرار الحكومة الجديدة بعد تشكيلها، لكن ذلك قد يظل رهينة بعض الأطراف الفاعلة في المشهد الليبي التي ستتجه إمّا نحو تجاوز الانقسامات المدفوعة بالمصالح أو مزيد تعميقها.
في النهاية، رغم أن الاتفاق يشكل بداية لحل الأزمة، إلا أن الطريق إلى استقرار سياسي دائم في ليبيا لا يزال طويلًا. فنجاح الاتفاق يعتمد على قدرة الأطراف الليبية على تجاوز خلافاتها وتقديم تنازلات من أجل تحقيق التوافق. في الوقت نفسه، تبقى التدخلات الخارجية، سواء كانت إقليمية أو دولية، عاملًا مؤثرًا يمكن أن يساهم في دفع العملية السياسية إلى الأمام أو يعوق تقدمها في بعض الأحيان.
انتقادات سياسية وأمنية تهدد مسار التسوية السياسية
كان هناك بعض الانتقادات التي وجهت إلى نص الاتفاق بين مجلسي النواب والدولة في ليبيا. العديد من هذه الانتقادات كانت تتعلق ببعض النقاط التي اعتبرها منتقدون غير كافية لضمان استقرار طويل الأمد في البلاد، من أبرز هذه الانتقادات:
- الانتقادات من بعض الأطراف السياسية الليبية: اعتبر بعض السياسيين أن الاتفاق لا يضمن تمثيلًا عادلًا لجميع الأطراف في العملية السياسية. كما أن بعضهم يرى أن تشكيل حكومة توافقية قد يؤدي إلى استمرار الانقسام بين الأطراف المتنازعة ويؤجل الحلول الحقيقية للأزمة.
- الشروط الغامضة للقوانين الانتخابية: رغم أن الاتفاق يتضمن تشكيل لجنة فنية لمعالجة القوانين الانتخابية، إلا أن بعض الانتقادات دارت حول عدم تحديد آليات واضحة لإجراء الانتخابات. فقد اعتبر البعض أن استمرار النقاش حول هذه القوانين يمثل عقبة رئيسية قد تفتح المجال لصراعات جديدة بشأن التشريعات الانتخابية، مما يعقد الوصول إلى انتخابات نزيهة وشفافة.
- الشكوك في قدرة الأمم المتحدة على التنفيذ: رغم دعم الأمم المتحدة للعملية السياسية في ليبيا، إلا أن هناك من شكك في قدرة المنظمة الدولية على فرض تنفيذ الاتفاق بشكل فعال. فقد أشار بعض المحللين إلى أن الأمم المتحدة قد تواجه صعوبة في إقناع الأطراف الليبية بتنفيذ بنود الاتفاق، خاصة في ظل التنافس الإقليمي والدولي على النفوذ في ليبيا.
- التهديدات الأمنية: يرى بعض النقاد أن التركيز على توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية قد لا يكون كافيًا لضمان بيئة آمنة ومستقرة لإجراء الانتخابات. فوجود الميليشيات والجماعات المسلحة غير الرسمية ما زال يشكل تهديدًا للأمن في ليبيا، وتوحيد المؤسسات العسكرية يتطلب خطوات أعمق في معالجة هذه الفوضى.
وبالتالي، رغم أن الاتفاق يُعتبر خطوة نحو إيجاد حل للأزمة الليبية، إلا أن الانتقادات تشير إلى أنه لن يكون كافيًا بمفرده دون التزام جاد من جميع الأطراف لتنفيذ بنوده بصدق وشفافية.