الجمعة. ديسمبر 27th, 2024

لطالما تخللت الحرب على سوريا منذ سنة 2011، صراعات تنافسية إلغائية بين الجماعات المسلحة – الحكام الجُدد -، بسبب تكون هذه الجماعات من خليط تحالفات معقدة وتنافسات ونفوذ دول خارجية مختلفة المشاريع والمصالح، ولكن تحت سقف مصالح الإدارات الأمريكية المتعاقبة، بحيث كان المشترك الوحيد فيما بينهم هو إسقاط حكم الرئيس بشار الأسد.

لذلك فإنه من المحتوم، بأن نقطة التجمع المؤقتة هذه ما بعد رحيل الرئيس الأسد، ستتلاشى سريعاً، جراء الانتماءات الدولية المتنوعة والاختلافات الإيديولوجية والسياسية والاستراتيجية الكبيرة، ليحلّ مكانها، سيناريو شبيه جداً بما حصل في ليبيا جراء سقوط حكم معمر القذافي.

ومن بين هذه الجماعات، تبرز هيئة تحرير الشام – وهي فرع سابق لتنظيم القاعدة تحت اسم جبهة النصرة – كقوة قوية ومستقطبة، هي بنفسها تعرضت للكثير من الصراعات الداخلية، وخاضت الكثير من الصراعات مع غيرها من الجماعات في منطقتي إدلب وحلب. وعلى الرغم من أن الهيئة تحاول أن تنأى بنفسها عن ماضيها في تنظيمي القاعدة وداعش الوهابي الإرهابي، إلا أنها تظل مجموعة ذات اختلافات أيديولوجية عميقة مع العديد من الجماعات المسلحة الأخرى. فما يُعرف بـ”المعارضة السورية” هو خليط مجزأ بشكل كبير، بحيث يضم جماعات علمانية وسلفية وقبلية وكردية، وغالبًا ما تعمل هذه الجماعات تحت دعم دولي متنافس بأجندات متباينة.

فعلى سبيل المثال، تتأثر الجماعات المدعومة من تركيا، مثل “الجيش الوطني السوري”، بشكل كبير بالأولويات الجيوسياسية لأنقرة. أما الجماعات ذات الطابع الإسلامي وبقايا الجيش السوري الحر فتسعى لتحقيق التوازن بين الحكم والعقائد الدينية. فيما تطمح الفصائل المتطرفة (وإن أظهرت بعض اللين مؤقتاً بهدف نيل اعتراف دولي)، الى نموذج حكم أكثر تزمتا ولو بعد حين. وفي هذا الشأن، قد تسعى هيئة تحرير الشام – التي ترتبط أيضاً بشكل وثيق بالنظام التركي- نظرًا لتفوقها العسكري والتنظيمي، إلى فرض حكمها على الفصائل الأخرى، مما يمهد الطريق لمواجهات عنيفة.

وهنا لا بد استعراض بعض الحوادث التاريخية التي تزيد من احتمالية حصول ذلك:

  • الصراع بين “الجيش السوري الحر” وجبهة النصرة (الاسم السابق لهيئة تحرير الشام):

في 26 يوليو 2012، اشتبك مقاتلو الجيش السوري الحر مع جبهة النصرة في موقع بالقرب من معبر حدودي مع تركيا في شمالي سوريا. ثم تكررت الاشتباكات ما بين الطرفين في مرات مختلفة من سنة 2013.

  • الصراع بين جبهة النصرة وجبهة ثوار سوريا وحركة حزم في منطقتي إدلب وحلب خلال سنوات 2014 و2015.
  • الصراع ما بين الجبهة الجنوبية للجيش السوري الحر وجبهة النصرة في درعا خلال سنتي 2014 و2015.
  • اندلعت اشتباكات بين جبهة النصرة وفيلق الرحمن في بلدة زملكا بريف دمشق المركزي في أواخر تموز / يوليو 2016 بسبب خلاف حول من يقيم صلاة الجمعة في أحد مساجد بلدة زملكا.
  • في 20 يناير 2017، اندلعت اشتباكات كبرى بين جيش المجاهدين وجبهة النصرة في الأتارب. كما هاجمت جبهة النصرة، إلى جانب حركة نور الدين الزنكي، الجبهة الشامية في حريتان. وفي الوقت نفسه، اشتبك جيش إدلب الحر مع جبهة النصرة في إدلب.
  • المعارك التي خاضتها هيئة تحرير الشام ضد جماعة أحرار الشام سنة 2017.
  • اندلعت اشتباكات بين هيئة تحرير الشام وجبهة تحرير سوريا خلال شهر شباط / فبراير 2018، بدعم من كتائب صقور الشام. واستطاعت جبهة تحرير سوريا وحلفاؤها في ذلك الوقت السيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي في محافظتي إدلب وحلب.
  • في يناير 2019، اندلع القتال مرة أخرى ما بين هيئة تحرير الشام وحركة نور الدين الزنكي، بهدف السيطرة على مدينة دارة عزة الشمالية لتطويق معقل حركة نور الدين الزنكي (التي كانت جزء من جبهة تحرير سوريا) شرقي مدينة حلب.

عوامل رئيسية للاقتتال الداخلي

هناك عدة عوامل قد تدفع إلى الاقتتال الداخلي بين الجماعات المسلحة في سوريا:

  • عدم التوافق الإيديولوجي:

إن الاختلافات الإيديولوجية الكبيرة بين هيئة تحرير الشام والمجموعات الأخرى شمالي وجنوبي سوريا، ستجعل تقاسم السلطة صعباً جداً. كما قد يدفع حب السلطة والتفرد لدى قيادات هذه الجماعات الى الاختلاف بالآراء والانقسام، وسينعكس الى مشاكل ميدانية سرعان ما ستتوسع الى حرب الغائية.

  • المنافسة على الموارد:

ستواجه سوريا في الوقت الحالي نقصًا كبيرًا في الموارد، بما في ذلك الغذاء والمياه والبنية الأساسية. كما من المرجح نشوب تنافس حاد وصراع على المعابر والموارد الطبيعية (نفط وغاز). وستصبح السيطرة على هذه الموارد نقطة خلاف حرجة، مما يؤدي إلى اشتباكات محلية. 

  • التدخل الخارجي:

قد يؤدي التنافس بين الداعمين الدوليين لجماعات المعارضة – مثل تركيا وقطر والسعودية والإمارات – إلى تفاقم الانقسامات. ومن المرجح أن تدعم كل دولة الفصائل المفضلة لديها في محاولة منها لتشكيل مستقبل سوريا (وهذا ما حصل شبيه مثله في سوريا سابقاً واليمن والسودان وليبيا).

  • الانتقام:

لقد تركت سنوات من الاقتتال الداخلي خلال الحرب، ندوباً عميقة لدى كل الجماعات جراء قتالها فيما بينها. لذا قد تحصل عمليات قتل انتقامية وتصفية الحسابات القديمة، ستغذي من الصراعات العنيفة فيما بينهم مرةً أخرى.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *