قسم الدراسات الاستراتيجية والدولية، 02/12/2024
فادي عيد، محلل سياسي متخصص في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
وافقت كل من إسرائيل وحزب الله على وقف إطلاق النار وكل منهما أعلن انتصاره أمام وافقت كل من إسرائيل وحزب الله على وقف إطلاق النار وكل منهما أعلن انتصاره أمام الشاشات، وكل منهما كان يحتاج لتلك الهدنة، حزب الله كان يحتاجها لإعادة تأهيله وذلك كان تقدير إيران نفسها، اما إسرائيل وافقت على الهدنة لتنفيذ خطة ستكون مفصلية في تلك الحرب، وهي فصل الساحات عن بعضها البعض بعد ان كانت وحدة تلك الساحات وجبهات المقاومة أسوأ ما يؤرقها.
وفور توقيع الهدنة تم تنفيذ مخطط كان معد له مسبقا، وتم إعادة عقارب الساعة السورية للعام المشؤوم2011 الذي مازالت المنطقة تعيش تداعياته حتى اليوم، وعادت جحافل تتار العصر والذين يحملون جنسيات وألسنة وأسلحة دول عدة للزحف على سوريا من جديد، وسط حالة إرتباك لدى صاحب القرار السوري الذي أصبح وحده لغزا في ذلك المشهد، ويكفي تضارب الأنباء من دمشق نفسها عن بشار الأسد، حتى شاهدنا كيف سقطت القرى والمحافظات والمدن السورية كي تتمكن التنظيمات الإرهابية خلال أيام قليلة جدا من السيطرة على مساحة تفوق مساحة ما سيطروا عليه في 2015 بعد سنوات من الحرب وقتها.
السؤال الأن ماذا يحدث ؟
ما يحدث هو توافق مصالح تركيا وإسرائيل والولايات المتحدة وربما روسيا أيضا فعلى حساب سوريا التي كان أخر أيام الهدوء بها في 2010 ولن تراه مجددا.
- مصلحة تركيا :
معاقبة بشار الذي رفض التطبيع مع أردوغان إلا بخروج أي عسكري تركي من سوريا.
فرض سيطرة تركيا على الشمال السوري (مهد مشروع الدولة الكردية أكبر خطر يهدد ارث جغرافيا العثمانيون) وهو المشروع الذي بث له قادة الموساد بعض الجلسات الكهربائية قريبا.
ولا مانع في المستقبل ان اختلفت الأمور بين بوتين وباقي الأطراف، بأن تقوم تركيا بنفسها بقصف هولاء الإرهابيين بجانب الأكراد المتواجدين هناك، حينها يكون أردوغان عاد ليصالح بوتين على طريقته كالعادة، وفي نفس الوقت يكون تخلص من أكراد سوريا، وحينها سيبقى الشمال السوري تحت جناح التركي عسكريا.
ولا يفوتنا ان تركيا بذلك عادت كلاعب فاعل في أزمات الإقليم المتأزم بورقة سوريا.
- مصلحة إسرائيل :
كما ذكرنا بفصل الساحات، فهي الأن تقطع الحبل السري القادم من الأم إيران نحو جنينها في الضاحية الجنوبية (حزب الله)، وحين ينتهي دور الجيش السوري (لا قدر الله) تماما كما هو معد له على غرار ما جرى للجيش العراقي في 2003، ستقوم المقاتلات الأمريكية والإسرائيلية بتصفية كل جيوب إيران في سوريا والعراق معا، وحينها سيكون مصير حزب الله النهاية المأساوية، وسيكون الأخطبوط الإيراني بلا اي أذرع، وهو الهدف المطلوب قبل توجيه القاضية لها، وهو التوقيت المناسب للادارة الأمريكية القادمة.
- مصلحة الولايات المتحدة :
طبعا هي من مصلحة كلب حراسة الامبريالية في المنطقة.
ثانيا أي إضعاف لإيران هو تقزيم لدور الصين الاقتصادي والسياسي وللدور الروسي عسكريا، وهو مكسب كبير جدا للولايات المتحدة، ان تعيد خريطة المنطقة لما قبل 2015.
- مصلحة روسيا :
لا توجد لها مصلحة إلا وان دخلت في صفقة مع الأمريكي تقضي بتسليم أوكرانيا له مقابل ترك سوريا، حتى وان كانت غاراتها على الإرهابيين تقول عكس ذلك، فليس من المعقول ان الروس لم يكن يعلموا حجم ما كان يتم حشده وتأهيله من إرهابيين خلال شهور طويلة لإطلاق تلك الحملة الضخمة، وهم متواجدين هناك بقوة وباقمارهم الصناعية قبل منظوماتهم الدفاعية الجوية التي لم تحمي سماء سوريا يوما من أي صاروخ إسرائيلي، وسواء كان تغافل الروس ام لا، للامانة أوكرانيا تشغل كل مساحة في عقل بوتين، وهذا طبيعي، ولا يفوتنا ان بوتين من البداية يتعامل مع بشار على أنه طفل عليه سمع الكلام فقط.
وهنا سؤال جديد يطرحه المشهد بعد قراءة ما سبق، وهو بعد ان اجتمع اعضاء غرفة الموك (غرفة ملتقى اجهزة الاستخبارات المعنية بالحرب السورية) من جديد في مكان أخر غير الأردن، فما مصير النشامي في ظل ما يحدث للمنطقة من تجريف ممنهج ؟
فكما ذكرنا من قبل طوفان الاقصى وردة فعل الحكام العرب الغبية المتبلدة تجاه إسرائيل ستعيد الإسلاميين من جديد للمشهد، وها قد عادوا، وجاءت البداية في سوريا كما كان الأمر في 2011، وعلى كل من لدغ من 2011 ان ينتبه ولا يكرر أخطاء أغبياء الماضي، أو يستبدل أخطاؤهم بأخطاء جديدة، فلا يلدغ المؤمن من نفس الجحر مرتين.
ماذا سيحدث غدا ؟
كل الأمور واردة وقابلة للتغيير 180 درجة، فلا شئ يحكم سوى المصالح، والمصالح متغيرة، لذلك سياسة كل دولة غير ثابتة، ولا نستبعد ان نرى من يهلل ويكبر اليوم يتم تصفيته على يد من موله وسلحه، وحينها لن يكون أحد في حيرة سوى الدول التي وجهت لسانها الاعلامي ضد الدولة السورية ولم تتعلم من إندفاعها في وصف ما جرى في 2011.