الأحد. ديسمبر 22nd, 2024

رغم معاهدة السلام التي أبرمها الأردن وإسرائيل عام 1994، إلا أن العلاقات الثنائية ما زالت تتسم بتباينات جوهرية تعكس اختلافات استراتيجية بين الدولتين. تتباين مواقف الأردن وإسرائيل في عدة قضايا رئيسية تشمل الملف الفلسطيني، الأمن الإقليمي، وتقاسم الموارد المائية، وتحديدًا مياه نهر الأردن. إضافة إلى ذلك، يؤثر التوازن الديمغرافي والسياسي في استراتيجيات كلا الطرفين، إذ يسعى الأردن لتعزيز استقراره الداخلي والوفاء بالتزاماته تجاه القضية الفلسطينية، بينما تركّز إسرائيل على مصالحها الأمنية ومشاريعها الاستيطانية. هذه التباينات تلقي بظلالها على الأوضاع الإقليمية، لتزيد من تعقيد مسار السلام والاستقرار في المنطقة.

تباينات استراتيجية في المواقف بين الأردن وإسرائيل

تختلف مصالح الأردن وإسرائيل في عدة مجالات حساسة، على الرغم من العلاقة الثنائية التي تربطهما، خصوصًا بعد توقيع معاهدة السلام في 1994. تلك العلاقة تشهد تعقيدات تفرض تباينًا في أولويات الدولتين، ما يعكس اختلافات استراتيجية وجغرافية تتراوح بين القضايا الأمنية والسياسية، وصولًا إلى القضايا الاقتصادية.

  1. القضية الفلسطينية: لا يزال التباين في معالجة القضية الفلسطينية أحد أبرز مصادر الخلاف بين الأردن وإسرائيل. فبينما تسعى إسرائيل إلى تعزيز سيطرتها على الأراضي الفلسطينية، ترى الأردن أن الحل العادل للقضية يجب أن يكون على أساس حل الدولتين، وأنه لا يمكن أن يُنظر إلى القدس باعتبارها عاصمة إسرائيل. علاوة على ذلك، يولي الأردن أهمية كبرى في مسألة الحماية للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، ويعارض محاولات إسرائيل لتوسيع المستوطنات أو تغيير الوضع القائم في المدينة.
  2. الملف الأمني: من الناحية الأمنية، يشترك الأردن مع إسرائيل في العديد من القضايا المتعلقة بمكافحة الإرهاب، وتحديات الأمن على الحدود، خصوصًا في مواجهة تنظيمات مثل “داعش” أو “القاعدة”. ومع ذلك، يختلف الأردن عن إسرائيل في أسلوب التعامل مع هذه التهديدات، حيث يسعى الأردن إلى تفعيل دور دولي أوسع في مواجهة الإرهاب، ويشدد على أهمية حل الأزمات الإقليمية بشكل دبلوماسي، في حين أن إسرائيل تتبنى سياسات أمنية أكثر تشددًا في التعامل مع هذه التهديدات.
  3. الموارد المائية: يعتبر ملف المياه أحد المجالات التي تثير الخلاف بين البلدين. على الرغم من أن اتفاقية وادي عربة قد نصت على تعاون في هذا المجال، إلا أن الأردن يعاني من نقص حاد في الموارد المائية، بينما تسيطر إسرائيل على جزء كبير من المياه في المنطقة.

ويعبر الأردن بشكل مستمر عن قلقه من تداعيات نقص المياه ويطالب بحصة أكبر من مصادر المياه المشتركة، خاصة مياه نهر الأردن.

  1. التوازن في العلاقات الإقليمية: على الرغم من المعاهدة الموقعة بين البلدين، يُعتبر الأردن من الدول العربية التي تحافظ على علاقات دبلوماسية متوازنة في المنطقة، ما يجعله يواجه ضغوطًا من بعض الأطراف العربية لانتقاد السياسات الإسرائيلية في القضايا المتعلقة بالفلسطينيين. بينما تسعى إسرائيل لتعزيز نفوذها في المنطقة العربية، فإن الأردن يواجه معضلة في الحفاظ على علاقات مستقرة مع إسرائيل في وقت يشعر فيه بالضغط لتحسين العلاقات مع الجيران العرب والحفاظ على دعمهم.

باختصار، بينما تتشارك الأردن وإسرائيل في بعض الأهداف الأمنية والاقتصادية، فإن الاختلافات تظل بارزة في القضايا السياسية المتعلقة بفلسطين والقدس، إضافة إلى التحديات الاقتصادية والأمنية التي قد تخلق نقاط توتر بينهما.

نزاع جغرافي وديمغرافي معقد يمنع تطور العلاقات الأردنية الإسرائيلية

يتجسد النزاع بين إسرائيل والأردن في شقين رئيسيين: النزاع الجغرافي والديمغرافي. هذه الاختلافات ترتبط بشكل وثيق بالقضايا الإقليمية المتشابكة التي تؤثر في الاستقرار السياسي والاجتماعي في المنطقة.

إذ يتجلى النزاع الجغرافي بشكل رئيسي في قضية الحدود والمقدرات الطبيعية. على الرغم من توقيع معاهدة وادي عربة في 1994، التي أنهت حالة الحرب بين البلدين، إلا أن هناك قضايا لم تحل بشكل كامل، مثل توزيع المياه والموارد الطبيعية. وتسيطر إسرائيل على جزء كبير من مصادر المياه في المنطقة، خاصة مياه نهر الأردن، ما يؤدي إلى تصاعد التوترات بين البلدين حول حقوق المياه المشتركة، إذ يسعى الأردن للحصول على حصته العادلة من هذه الموارد الحيوية في ظل محدودية مصادره الطبيعية.

أمّا في هذا السياق، يُعتبر الوضع الفلسطيني جزءًا من هذا التوتر، حيث يواجه الأردن تحديات ديموغرافية تتعلق باللاجئين الفلسطينيين الموجودين على أراضيه والذين يشكلون جزءًا كبيرًا من سكانه. في المقابل، ترفض إسرائيل عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى الأراضي التي تعتبرها ضمن حدودها في الوقت الذي تسعى فيه الأردن لدعم حقوق الفلسطينيين في العودة. كما أن مسألة القدس، باعتبارها مدينة ذات أهمية دينية وجغرافية للعديد من الأطراف، تشكل نقطة خلاف ديمغرافية، حيث يرى الأردن ضرورة الحفاظ على الوضع التاريخي والديني للمدينة.

وعلى الرغم من التعاون الأمني والتبادل التجاري بين البلدين، إلا أن هذه القضايا الجغرافية والديمغرافية تظل عائقًا كبيرًا في بناء علاقة استراتيجية بعيدة المدى، حيث تبقى تلك الخلافات في جوهرها تهديدًا دائمًا للاستقرار الإقليمي.

التوترات الإقليمية وتوسيع دائرة الحرب: مواقف الأردن بين إسرائيل وإيران

في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة الإسرائيلية التي تقودها أحزاب يمينية إلى توسيع دائرة الحرب في المنطقة، تهدف هذه الخطوة إلى فرض واقع جديد يعيد تشكيل الخرائط الجغرافية في الضفة الغربية وغزة وجنوب لبنان. كما تسعى إسرائيل إلى معالجة ما تعتبره تهديدًا متزايدًا من قبل المشروع النووي الإيراني، مستفيدةً من الدعم الغربي اللامحدود بعد الهجوم الذي وقع في السابع من أكتوبر.

وتحاول إسرائيل، من خلال هذه الحرب، تعزيز مكانتها كقوة عظمى في المنطقة، باستخدام النفوذ الغربي لممارسة مزيد من الضغوط على الأطراف المعنية لتحقيق أهدافها الاستراتيجية.

من جانب آخر، تفضل إيران أن يكون توسع الحرب محدودًا ومن خلال وكلائها في المنطقة بعيدًا عن الأراضي الإيرانية نفسها.

هدف إيران الرئيس هو تعزيز أوراقها التفاوضية في مواجهة الغرب، وخصوصًا في إطار التفاوض على الملف النووي، فيما تحاول توسيع نفوذها الإقليمي على حساب الاستقرار الأمني والسياسي للدول العربية. هذه السياسات الإيرانية تؤثر بشكل مباشر على أمن المنطقة، وتعرقل مساعي الحلول السلمية.

وفي هذا السياق، يرى الأردن أن الفائدة الوحيدة التي ستجنيها الدول العربية من توسيع الحرب ستكون تدميرًا للفرص السياسية التي أتيحت للقضية الفلسطينية.

كما يرى أن التوسع في نطاق الحرب سيؤدي إلى مزيد من التدمير للفلسطينيين، وستتراجع المكاسب السياسية التي تم اكتسابها بعد الإبادة الجماعية في غزة، والتي أثارت تعاطفًا دوليًا يمكن ترجمته إلى خطوات عملية لصالح القضية الفلسطينية. هذه الحرب، حسب رؤية الأردن، ستؤدي إلى القضاء على كل المكاسب التي تحققت خلال العقود الماضية.

بالنسبة للأردن، هناك أيضًا قناعة بأن الولايات المتحدة لا ترغب في الحفاظ على محدودية الحرب، بل إنها تفضل توسيعها بشكل تدريجي ومحسوب بما يسمح للكيان الإسرائيلي بتعزيز نفوذه في المنطقة من دون أن يفتح جبهات واسعة تؤثر على مصالحها في مكان آخر، مثل الصراع في أوكرانيا مع روسيا أو المنافسة الاقتصادية مع الصين.

أبعاد السياسة الأردنية في مواجهة التحديات الإقليمية

بالنظر إلى التحديات الجيوسياسية الراهنة في المنطقة، وتحديدًا في العلاقة بين الأردن وإسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى، يظهر أن الأردن في موقع حرج. تتعدد الضغوط على المملكة من جميع الأطراف، وهو ما يعكس تفكيرًا استراتيجيًا عميقًا في كيفية تصرفه إزاء الأزمة الحالية من خلال:

1 – الحفاظ على الاستقرار الداخلي:

يعتبر الحفاظ على الاستقرار الداخلي في الأردن أولوية قصوى. على الرغم من أن الأردن يتمتع بعلاقات دبلوماسية جيدة مع العديد من الأطراف الإقليمية والدولية، إلا أن المملكة لا تزال تواجه تحديات اقتصادية وأمنية كبيرة نتيجة للأزمة السورية وأزمة اللاجئين التي تأثرت بها. إضافة إلى ذلك، يحرص الأردن على تجنب أن يكون طرفًا في صراع إقليمي واسع قد يعصف بالأمن الداخلي. من هنا، من المتوقع أن يواصل الأردن اتخاذ مواقف معتدلة، يسعى خلالها إلى احتواء المواقف المتشددة من الأطراف الأخرى، وفي الوقت نفسه، يعزز من موقفه كداعم للسلام في المنطقة.

2- العلاقة مع الولايات المتحدة وأوروبا:

في ظل توتر العلاقات الأمريكية مع بعض حلفائها الإقليميين، قد يواجه الأردن تحديًا في كيفية الحفاظ على توازنه. من ناحية، يسعى الأردن للحفاظ على علاقاته مع الولايات المتحدة وأوروبا، لكن من ناحية أخرى، فإن الملك عبد الله الثاني يعي تمامًا أن سياسة واشنطن تجاه المنطقة قد تكون غير متوافقة تمامًا مع مصالح الأردن. فعلى الرغم من الدعم الأمريكي لإسرائيل، إلا أن الأردن سيواصل التأكيد على ضرورة الضغط على إسرائيل لوقف توسعها الاستيطاني، ويعزز من موقفه في محافل الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية.

3- الدور الإيراني في المنطقة:

إيران تمثل عنصرًا آخر من عناصر الضغط على الأردن، حيث تتقاطع مصالح المملكة مع تلك التي تسعى لها طهران في المنطقة. ويتجه الأردن نحو موازنة علاقاته مع إيران بشكل حذر، خاصة فيما يتعلق بدعم الأخيرة للميليشيات في العراق وسوريا. في الوقت ذاته، يتبع الأردن سياسة احتواء تجاه النفوذ الإيراني، ويعارض محاولات إيران لتوسيع نفوذها في المناطق المجاورة. يعي الأردن جيدًا أن أي تصعيد عسكري من قبل إيران، سواء بشكل مباشر أو عبر وكلائها، قد يعيد إشعال الصراعات في المنطقة ويشكل تهديدًا لأمنه الوطني.

 بناءً على المعطيات الحالية، يتوقع أن يتابع الأردن سياسة الحذر في التعامل مع تطورات الوضع في غزة والضفة الغربية، مع السعي للضغط على المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته.

كما سيعمل على تعزيز علاقاته مع القوى الدولية الكبرى، مثل الولايات المتحدة، بينما يواصل الدعوة إلى حلول سلمية تضمن الحقوق الفلسطينية وتجنب التوسع في النزاع. وسيكون موقفه محورًا أساسيًا في إجهاض أي محاولات لتحويل المنطقة إلى ساحة حرب مفتوحة.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *