الأحد. ديسمبر 22nd, 2024

تدور دوائر السياسة الدولية حول التوازنات والتحالفات الاستراتيجية، حيث تلعب انتخابات الدول الكبرى دورًا حاسمًا في توجيه السياسات الإقليمية. ينظر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى فوز الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة كفرصة لتعزيز العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

ويفضل نتنياهو هذا الفوز لأسباب متعددة تشمل الدعم القوي الذي قدمه ترامب لإسرائيل خلال فترة رئاسته، بما في ذلك اعترافه بالقدس عاصمة للدولة العبرية وتقديمه خطة السلام التي تتماشى مع المصالح الإسرائيلية. علاوة على ذلك، يسعى نتنياهو إلى الاستفادة من نهج ترامب المتشدد تجاه إيران، الذي يعكس القلق الإسرائيلي من التهديدات النووية والإقليمية. تسلط هذه المقالة الضوء على دوافع نتنياهو وراء تفضيل فوز ترامب وأثر ذلك على السياسة الإسرائيلية والعلاقات الأمريكية-الإسرائيلية.

استراتيجية نتنياهو بين الابتزاز الدبلوماسي وتعزيز النفوذ الداخلي في مواجهة إدارة بايدن

تشهد علاقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تعقيدًا يمتد إلى أبعاد أعمق من مجرد الخلافات الظاهرة في السياسات. يتبنى نتنياهو، الذي يعتمد بشكل كبير على الدعم الأمريكي لإسرائيل، أحيانًا أسلوبًا يعتبر استخفافًا وابتزازًا تجاه الإدارة الأمريكية الحالية، في محاولة لتحقيق أهداف سياسية داخلية وخارجية دون المساس بتحالفاته مع الولايات المتحدة. يظهر هذا السلوك عبر تجاهل نتنياهو لعدد من المطالب الأمريكية، ومواصلة سياسات مثل توسيع الاستيطان في الضفة الغربية، والتي تشكل نقطة خلافية بين إسرائيل والولايات المتحدة، خاصة في ظل سعي بايدن للحفاظ على حل الدولتين كإطار محتمل للسلام.

كما ينظر نتنياهو، الذي استفاد من الدعم غير المسبوق من الرئيس السابق دونالد ترامب، إلى إدارة بايدن بعين من التشكك، إذ يرى أنها أقل انسجامًا مع سياساته الأمنية والإقليمية، وخاصة فيما يتعلق بالملف الإيراني.

ويتهم نتنياهو إدارة بايدن بالتهاون في الملف النووي الإيراني، ويعتبر أن سياسة بايدن الرامية للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران تمثل تهديدًا مباشرًا لإسرائيل. لذلك، يستغل نتنياهو هذه النقطة بشكل متكرر، محاولًا تعزيز مخاوف واشنطن بشأن التهديدات الإقليمية والتأكيد على ضرورة اتباع سياسة حازمة تجاه طهران، ممّا يدفع هذا الأمر الإدارة الأمريكية إلى الموازنة بين ضغوطها لإرضاء حلفائها الأوروبيين، الذين يدعمون العودة إلى الاتفاق النووي، وبين التزاماتها تجاه أمن إسرائيل، ويضعها ذلك في وضع معقد ويعطي نتنياهو فرصة لممارسة المزيد من الضغط.

إضافةً إلى الملف الإيراني، يبدو أن نتنياهو يسعى إلى استغلال الخلافات الداخلية في الولايات المتحدة، مستفيدًا من الانقسام الحزبي المتزايد حول دعم إسرائيل، حيث يشهد الحزب الديمقراطي أصواتًا متزايدة تنتقد سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين وتطالب باتباع نهج أكثر توازنًا في دعمها.

 ومن هنا، يراهن نتنياهو على هذا الانقسام بتشجيع مزيد من التأييد من الحزب الجمهوري، ويعزز هذا التوجه بعلاقته القوية مع ترامب ومعسكره، مما يتيح له الضغط على إدارة بايدن للحصول على تنازلات أو على الأقل التخفيف من انتقاداتها لسياساته.

ولا يتوقف نتنياهو عند هذا الحد؛ إذ يدرك أن أي توتر في العلاقة مع الولايات المتحدة يمكن أن يدفع الإدارة الأمريكية لتقديم مزيد من الدعم العسكري أو الاقتصادي لإسرائيل، كنوع من الضمان لاستمرار التعاون الأمني وتجنب الخلافات العلنية. ويعتمد نتنياهو على هذه الاستراتيجية لتحقيق توازن بين إبقاء الدعم الأمريكي وضمان مساحة كافية لاتخاذ قرارات مستقلة تعزز مصالحه السياسية الداخلية، خاصة مع تصاعد الضغوط السياسية داخل إسرائيل بسبب تراجع شعبيته ومنافسات داخلية قوية.

بالإضافة إلى ذلك، يتبنى نتنياهو سياسة إعلامية تستهدف الرأي العام الإسرائيلي بشكل مباشر، مستغلاً هذا التوتر مع إدارة بايدن لتعزيز صورته كزعيم قوي يقف في وجه الضغوط الخارجية، ما يحقق له نقاطًا سياسية لدى الناخبين الإسرائيليين الذين يعتبرون الحفاظ على استقلالية القرار الإسرائيلي مسألة مبدئية.

 ويسعى نتنياهو من خلال هذا الخطاب إلى تصوير نفسه كمدافع عن المصالح الإسرائيلية العليا، رافضًا التنازل لأي طرف خارجي، حتى لو كان ذلك الحليف الأمريكي، في مسعى لتعزيز شعبيته وتجنب الانتقادات الداخلية.

بالتالي، يمكن القول إن استراتيجية نتنياهو تجاه إدارة بايدن لا تقتصر فقط على الابتزاز والإصرار على بعض الملفات الحساسة، بل تشمل أيضًا توظيف الخلافات كوسيلة لتعزيز نفوذه الداخلي والحصول على تنازلات أمريكية.

استراتيجية ترامب في تقويض المؤسسية الأمريكية وتحدي الأعراف السياسية لتحقيق مكاسب شخصية

تبنى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب خلال فترة رئاسته وما بعدها موقفًا متشددًا تجاه المؤسسية الأمريكية وتقاليدها السياسية العريقة، حيث سعى بشكل متكرر إلى تحدي هذه البنية التي تعتبر أساس استقرار النظام الديمقراطي في الولايات المتحدة.

كما اعتبر ترامب المؤسسية عائقًا أمام تحقيق أهدافه، متجاهلاً الأعراف والتقاليد التي حددت نمط العلاقة بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، والتي تحافظ عادةً على توازن القوى وتحد من تجاوزات السلطة. استند ترامب في تحديه للمؤسسات إلى قاعدة جماهيرية واسعة، حيث استخدم شعبيته ونفوذه السياسي لممارسة الضغوط على الكونغرس والمحاكم، حتى أنه أقدم في عدة مناسبات على تعيين قضاة وموظفين كبار بناءً على ولائهم الشخصي، مما أثار المخاوف حول قدرة المؤسسات على البقاء مستقلة وعازلة عن النفوذ السياسي.

وقد تمثلت إحدى أبرز ممارسات ترامب في استخدامه صلاحياته الرئاسية بشكل غير تقليدي، حيث تدخل بشكل مباشر في قرارات تنفيذية وقضائية كانت تُعتبر سابقًا محايدة أو متروكة للتشاور المؤسسي. هذا التوجه لم يكن مجرد حادث عابر، بل كان جزءًا من استراتيجية واضحة تهدف إلى إعادة تشكيل المؤسسات الأمريكية وإخضاعها لرؤيته الخاصة، بما في ذلك التعامل مع القوانين الدستورية بأسلوب مرن، ما أضفى جوًا من عدم اليقين وأضعف مصداقية المؤسسات الحكومية لدى الرأي العام الأمريكي.

إضافةً إلى ذلك، لم يتوانَ ترامب عن تجاهل القيم السياسية الراسخة التي تدعو إلى قبول نتائج الانتخابات واحترام التداول السلمي للسلطة، حيث شكك مرارًا في نزاهة الانتخابات الرئاسية لعام 2020، وادعى وجود عمليات تزوير واسعة النطاق دون تقديم أدلة موثوقة.

وقد أدى هذا النهج إلى زعزعة ثقة قطاع واسع من الأمريكيين في العملية الانتخابية وأدى إلى انقسامات عميقة، تبلورت بشكل صارخ في أحداث اقتحام مبنى الكابيتول في يناير 2021، حين احتشد مؤيدوه لمنع إقرار نتائج الانتخابات. هذه الأحداث كشفت مدى تأثير خطاب ترامب على أنصاره، وأبرزت كيف يمكن لتحدي المؤسسية أن يتحول إلى تهديد حقيقي للأمن والاستقرار الداخلي.

على الصعيد الداخلي، لم يقتصر احتقار ترامب للمؤسسية على مؤسسات الدولة، بل امتد ليشمل وسائل الإعلام، التي يُنظر إليها عادةً كركيزة أساسية للديمقراطية الأمريكية. قام ترامب بانتقاد وسائل الإعلام واتهامها بالتزييف والتحيز، متهمًا الصحفيين والمؤسسات الإعلامية بنشر الأكاذيب والتآمر ضده. أثارت هذه الهجمات مخاوف بشأن تآكل حرية الصحافة، وأدت إلى خلق حالة من الشك في المؤسسات الإعلامية، ما زاد من الانقسام المجتمعي ودفع كثيرين إلى البحث عن مصادر بديلة وموجهة، مما ساهم في انتشار المعلومات المضللة وتراجع الثقة في الأخبار التقليدية.

يتضح من هذا السياق أن استراتيجية ترامب لم تكن مجرد سياسة عابرة أو سلوك فردي، بل كانت محاولة لإعادة صياغة نمط الحكم في الولايات المتحدة بما يتناسب مع رؤيته الخاصة. عزز هذا النهج الشعور بالتوتر والانقسام بين مختلف شرائح المجتمع، وأدى إلى خلق بيئة سياسية غير مسبوقة، حيث بات الالتزام بالمؤسسية والتقاليد الديمقراطية موضع تساؤل لدى كثيرين، وأصبح المجتمع الأمريكي أكثر استقطابًا من أي وقت مضى.

فوز ترامب المحتمل: تعميق الأزمات وزيادة التحديات أمام الفلسطينيين

يُتوقع أن يحمل فوز الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في الانتخابات المقبلة تأثيرات مباشرة وعميقة على القضية الفلسطينية، حيث اعتمد ترامب خلال ولايته السابقة سياسات داعمة لإسرائيل بشكل غير مسبوق، ما أثار مخاوف الفلسطينيين من احتمالات تجاهل حقوقهم بشكل أكبر إذا عاد للبيت الأبيض.

 وجاء دعم ترامب لإسرائيل في إطار خطوات غير تقليدية، شملت الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها، بالإضافة إلى طرحه “صفقة القرن” التي ركزت على تعزيز السيطرة الإسرائيلية وتضييق آفاق الدولة الفلسطينية المستقلة.

في حال فوز ترامب، قد تواجه القضية الفلسطينية مزيدًا من الضغوط؛ إذ قد يعود ترامب لدعم السياسات التوسعية الإسرائيلية، خاصة في الضفة الغربية، مع احتمالات تأييد خطوات ضم جديدة لمناطق تعتبر حيوية ضمن المشروع الاستيطاني. هذا السيناريو سيضع السلطة الفلسطينية أمام تحديات صعبة، خصوصًا في ظل التهديدات بقطع المساعدات المالية عن أي كيانات تعارض رؤيته للسلام. ويتوقع محللون أن تسعى إدارة ترامب المحتملة إلى تسهيل اتفاقيات تطبيع إضافية بين إسرائيل ودول عربية، مما يضعف الموقف الفلسطيني عبر عزلهم دبلوماسيًا ويزيد من تفكك الإجماع العربي حول حل القضية الفلسطينية.

كما أن عودة ترامب قد تؤدي إلى إضعاف دور المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة في القضية الفلسطينية، حيث قد تعود إدارته إلى نهج يرفض القرارات الأممية التي تدين التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، في خطوة تزيد من تقويض دور المجتمع الدولي. من جهة أخرى، قد تتفاقم الأوضاع في الداخل الفلسطيني، حيث يرى كثير من الفلسطينيين أن ضغوط إدارة ترامب تزيد من خيبة الأمل، وتدفع باتجاه المزيد من الاحتقان الشعبي في الأراضي المحتلة، خاصة مع تراجع أفق السلام.

يتضح إذن أن فوز ترامب قد يفتح الباب أمام تصاعد السياسات التي تقلص فرص حل الدولتين وتدفع إلى فرض واقع جديد يصعب على الفلسطينيين مقاومته في ظل تراجع الدعم الدولي والإقليمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *