اعداد قسم البحوث والدراسات الإستراتجية الأمنية والعسكرية 04-11-2024
أحمد عبد الرحمن كاتب في الشأن السياسي والعسكري.
باتت معظم الوحدات العسكرية الإسرائيلية معلومة ومعروفة، وبات بالإمكان تشخيص رؤسائها بالاسم والصورة، كما هي الحال مع رؤساء أجهزة “الموساد” و”الشاباك” و”آمان” وغيرها من الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية.
منذ إنشاء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين التاريخية قبل أكثر من سبعة عقود، تمت الإشارة إلى “الجيش” الإسرائيلي إلى أنه واحد من أكفأ الجيوش على مستوى العالم، وأنه متفوّق على جميع أعدائه بمراحل عديدة من الصعب تعويضها أو حتى الاقتراب منها، سواء على صعيد الإمكانيات العسكرية والتسليحية، أو في ما يتعلّق بالقدرات القتالية لجنود ذلك “الجيش”، الذي تغنّى الساسة الإسرائيليون طوال سنوات بقدراته الخارقة، وإمكانياته الهائلة، وأطلقوا عليه من خلال أجهزة إعلامهم لقب “الجيش الذي لا يُقهر”، وهو الأمر الذي ترسّخ في أذهان الكثيرين، وتحوّل إلى قناعة غير قابلة للنفي أو التشكيك.
خلال تلك السنوات الطوال، امتازت المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية على وجه الخصوص بكثير من السرية والكتمان، وعملت الكثير من وحداتها، لا سيّما النوعية منها، بعيداً من وسائل الإعلام، ولم يكن يُعلن عن أسمائها أو أسماء قادتها، وهذا ما ساعدها في رسم صورة هوليودية لمعظم عملياتها، خصوصاً تلك التي كانت تجري خلف الحدود، وفي دول كثيرة في المنطقة والعالم، إلا أن تغييراً قد حدث خلال السنوات الأخيرة، إذ باتت معظم الوحدات العسكرية معلومة ومعروفة، وبات بالإمكان تشخيص رؤسائها بالاسم والصورة، كما هي الحال مع رؤساء أجهزة “الموساد” و”الشاباك” و”آمان” وغيرها من الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية. هذه الحال انسحبت أيضاً على العديد من الوحدات القتالية الخاصة، والتي بدورها أصبحت مكشوفة للعلن، سواء على صعيد تفاصيل عملها، أو نوعية المقاتلين المنضوين تحت إطارها، إلى جانب قادتها ومسؤوليها.
وبغض النظر عن الأسباب التي دفعت الكيان الصهيوني إلى نزع ستار السرية عن وحداته المختلفة مثل “سييرت متكال، وماجلّان، وإيجوز، ودوفدوفان، ويهلوم”، فإنه بات من المعلوم، خصوصاً بعد الحرب على غزة ولبنان، أن كثيراً مما كان يُقال عن قدراتها الخارقة، وعملياتها الأسطورية كان عبارة عن بروباغندا ليس أكثر، وأنه وعلى الرغم من النجاح الذي حققته في بعض العمليات، فإنها لم تصل إلى الشكل الذي تم تصويرها عليه، ولولا كثير من الخيانات، والفساد، وقلة الإمكانيات لدى خصومها لما وصلت إلى الكثير من أهدافها، ولما حقّقت العديد من النجاحات التي سيتكشّف مستقبلاً أنها لم تكن نتيجة تفوّق تلك الوحدات فقط، بل لوجود عوامل مساعدة كثيرة يمكن أن نشير إليها لاحقاً.
قبل عدة أيام، أعلن “جيش” الاحتلال عن وحدة جديدة تعمل في قطاع غزة، وهي تحمل اسم “الوحدة متعددة الأبعاد 888″، ويُطلق عليها لقب “وحدة الأشباح”، وقد جاء هذا الإعلان بعد مقتل أربعة من ضباط هذه الوحدة وجنودها في مخيم جباليا، شمال قطاع غزة، بالإضافة إلى إصابة ضابط آخر بجراح خطيرة، وهذه هي المرة الأولى التي يتم تسليط الضوء على هذه الوحدة، أو الإعلان عن مشاركتها في العمليات العسكرية داخل أراضي القطاع.
في ما يلي سنتعرف إلى هذه الوحدة، ومتى تم إنشاؤها، ومن هم قادتها السابقون والحاليون، ولماذا سُمّيت بهذا الاسم، وما هو نطاق عملها، والإمكانيات التي تستخدمها في تنفيذ عملياتها.
تعريف الوحدة “متعددة الأبعاد -888-” أو”وحدة الأشباح”
تُعدّ الوحدة “متعددة الأبعاد -888-“، والمعروفة أيضاً باسم “وحدة الأشباح” وحدة قتالية خاصة في “الجيش” الإسرائيلي، وهي وحدة “مجوقلة” تعمل ضمن صفوف القوات البرية، إلا أنها تتبع إدارياً لقيادة فرقة المظلات رقم”98″ ، وقد تم إنشاؤها في العام2019 بمبادرة من رئيس هيئة الأركان حينذاك “أفيف كوخافي”، كجزء من الخطة متعدّدة السنوات المسمّاة “تنوفا”، بهدف الاستعداد للقتال في ميدان المعركة المستقبلية، إذ تم الأخذ بعين الاعتبار أن تشكّل وحدة نموذجية تتلاءم مع المتغيرات التي تطرأ على وحدات القتال التابعة لـ”جيش” الاحتلال الذي يواجه تحدّيات كثيرة في أكثر من ساحة.
وقد تم تصميم هذه الوحدة للقتال في جميع ساحات المعارك، وفي جميع أشكال التضاريس وفقاً لخصائصها وتحدياتها المتغيرة، إلى جانب عملها كقوة قتالية متعددة الأسلحة، مع قدرة قتالية عالية، على كشف “العدو” وتدميره، إذ يتم تدريب الوحدة للعمل كقوات كوماندوز، على الرغم من أنها ليست جزءاً من لواء الكوماندوز رقم “089” والذي يُطلق عليه لواء “عوز”.
التسمية والتكوين
تُعدّ الوحدة “888”نسخة مصغّرة من “الجيش” الإسرائيلي، وهي تعادل قوات التدخل السريع التي تمتلكها جيوش بعض الدول، بحيث تتكوّن من وحدات نخبوية من سلاحي المشاة والمظليين، إضافة إلى وجود أفراد من قوات “المستعربين” المناطة بهم مهمات مكافحة “الإرهاب”، كما تحتوي على مهندسين عسكريين قتاليين، وهي تصنّف وحدة استطلاع ومكافحة النشاطات “الإرهابية”، وساحة عملها الرئيسية مدن الضفة الغربية المحتلة.
تتكوّن “وحدة الأشباح “من مقاتلين من “المشاة الراجلة”، و”المشاة المجنزرة”، إلى جانب مقاتلين من “المشاة المنقول”، و”القوات الخاصة”، و”القوات الجوية”، بالإضافة إلى مقاتلين من “فيلق المدفعية”، ومن “فيلق الدروع”، وقد تم دمج خمسة من أبعاد الحرب السبعة المعمول بها في معظم جيوش العالم داخل إطار عمل هذه الوحدة، ولذلك سمّيت بالوحدة “متعدّدة الأبعاد”، إذ تم دمج كلٍّ من البعد البرّي، والإلكتروني، والسيبراني، والجوي، بالإضافة إلى البعد المتعلّق بالعمل تحت الأرض.
فلسفة الوحدة
تقوم فلسفة وحدة “888 ” بشكل خاص على تسريع ما يُسمّى بحلقة الكشف والقتل، وتشير مبادئ هذه الوحدة إلى أن عملية الكشف عن موقع “العدو” وقتله يجب أن تكون سريعة لأنها تحدث ضمن وحدة صغيرة، تستطيع أن تتعامل بسرعة كبيرة، وبالتالي لا تمنح الطرف الآخر فرصة للهروب أو الاختفاء والاحتماء.
ومن أجل تحقيق ذلك، تستخدم الوحدة مروحة واسعة من الإمكانيات والقدرات العسكرية، إذ تتوفر لها إمكانية استخدام الدبابات وناقلات الجند المصفحة، بالإضافة إلى المدافع، والقذائف المضادة للدروع، إلى جانب طائرات F-16، والطائرات المروحية، والمسيّرات ثابتة الجناح مثل “سكاي لارك “، والمسيّرات العمودية مثل “كواد كابتر” و”ماعوز “، والمسيّرات الصغيرة للغاية التي تستطيع أن تدخل إلى الأنفاق، بالإضافة إلى البنادق الآلية وبنادق القنص، غير أنه حتى الآن لم يتم اتخاذ قرار بدعم الوحدة بقوات بحرية.
قادة الوحدة
تناوب على قيادة وحدة “الأشباح” العديد من القادة خلال السنوات الماضية، إذ كان “عامي بيطون” أول قائد لها، حيث شغل هذا المنصب ما بين الأعوام 2019-2021، ثم خلفه” إيتمار بن حاييم” من العام2021 حتى منتصف العام 2023، جاء بعده “روعي ليفي”، الذي تولى قيادة الوحدة لأقل من ثلاثة أشهر، من الثلاثين من يوليو عام 2023 حتى السابع من أكتوبر من العام نفسه، وهو تاريخ انطلاق معركة “طوفان الأقصى “، حيث حل مكانه”دابير حيفر” الذي تولى المهمة منذ السابع من أكتوبر 2023 وصولاً إلى العشرين من إبريل من هذا العام.
بعد ذلك، تولى قائد وحدة “دوفدوفان” اللفتنانت كولونيل “ع ” قيادة الوحدة بشكل مؤقت حتى الثاني والعشرين من أكتوبر الماضي ،حيث استلم قيادتها الكولونيل “طال أشور”.
الخاتمة
بالرجوع إلى بعض التجارب العملية في مناطق مختلفة من العالم في ما يخص تسريع حلقة الكشف والقتل في صفوف الأعداء، تشير بعض الدراسات إلى ما حدث في الحرب الروسية- الأوكرانية، إذ بلغت المدة الفاصلة بين تحديد مناطق وجود العدو وكشفها وبين قتله باستخدام وسائل متعددة نحو خمس دقائق، وقد عُدّ هذا الأمر تطوراً كبيراً ولافتاً، إذ إن هذا التوقيت كان قد وصل أبّان الاحتلال الأميركي للعراق إلى نحو عشرين دقيقة.
في ما يخص “وحدة الأشباح”، كان العدو يرغب في تسريع هذا الوقت ليصبح أقل من دقيقة، إلا أن المقاومة الفلسطينية في مخيم جباليا قد تمكّنت من كسر هذا الرقم، إذ قضت على مجموعة كاملة من هذه الوحدة خلال ثوان معدودة، إذ لم تتمكّن من المكوث في المنزل سوى للحظات، حتى تم كشفها وقتلها على الفور، مع أن المقاومة لا تملك من الإمكانيات العسكرية إلا القليل.