السبت. نوفمبر 16th, 2024

يحتل الجيش اللبناني، المركز 118 بين 145 جيشاً في تصنيف الجيوش الأقوى في العالم، وفق أرقام موقع “غلوبال فاير باور” الأميركي للعام 2024، بميزانية إنفاق عسكري تُقدر بنحو مليار دولار سنوياً.
ويُقدر عدد عناصر الجيش اللبناني بـ125 ألف جندي، بينهم 60 ألف جندي نظامي، وتقوم القوات المسلحة بوظائف متعددة، تتنوع بين المهام الدفاعية والأمنية والإنمائية، فهي تدافع عن حدود البلد ضدّ أي اعتداء خارجي وتحافظ على سيادته، وتعمل في الوقت نفسه على حفظ الأمن والاستقرار الداخلي، كما تساهم في تعزيز التنمية والاستقرار الاجتماعي، وتشارك في إنشاء البنية التحتية للبلاد، وتقدم المساعدة خلال الأزمات والكوارث.
يعتمد الجيش اللبناني بشكل كبير على المساعدات الخارجية في التسليح والتدريب، ومنذ عام 2006، وفي أعقاب الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، سعت الولايات المتحدة الأميركية وحكومات حليفة أجنبية وعربية إلى دعم قدرات الجيش اللبناني، لإعادة نشر قواته في الجنوب، تطبيقا لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، المتعلقة بلبنان، وهي: القرار 1559، والقرار 1680، والقرار 1701.
في هذا السياق، نشر معهد responsible statecraft الأميركي مقالاً، تتحدث فيه الكاتبة عن موضوع الدعم الأميركي للجيش اللبناني، باعتباره فرصة نتيجة “المكاسب التكتيكية الإسرائيلية”. وتشير الكاتبة إلى فشل استراتيجية الولايات المتحدة في تنفيذ مشاريع مكلفة لبناء جيوش أجنبية كما في العراق وأفغانستان، فضلاً أن هذا المشروع “لن يخدم المصالح الاستراتيجية الأميركية، وقد يلحق ضرراً أكبر من نفعه باستقرار لبنان في الأمد البعيد”. ويختم المقال بالقول “إن ما يبدو وكأنه فرصة في لبنان هو في الحقيقة فخ. ويتعين على واشنطن أن تقاوم إغراء الوقوع فيه”.

النص المترجم للمقال: فرصة تدريب وتجهيز الجيش اللبناني من قبل الولايات المتحدة هو فخ


على الرغم من معارضة واشنطن في وقت ما للغزو الإسرائيلي للبنان، فقد ظهرت تقارير تفيد بأن البعض داخل إدارة الرئيس جو بايدن يرون الآن فرصة مع تحقيق قوات الدفاع الإسرائيلية مكاسب تكتيكية ضد حزب الله.
إنهم حريصون على الاستفادة من انتكاسات حزب الله، ويأملون في استخدام المساعدات الأمنية والتدريبية الأميركية لتطوير القوات المسلحة اللبنانية الضعيفة والتي تعاني من نقص التمويل حتى تتمكن من انتزاع السيطرة على مستقبل الأمن في البلاد من وكيل إيران وتولي مسؤولية استقرار الحدود الجنوبية للبنان مع إسرائيل.
إن كانت هذه الخطة تبدو مألوفة، فلابد وأن تكون كذلك. فقد شرعت الولايات المتحدة في تنفيذ مشاريع مكلفة لبناء الجيوش الأجنبية لعقود من الزمان، دون نجاح يُذكَر. والانهيار المذهل لقوات الدفاع والأمن الوطنية الأفغانية بعد عشرين عاماً وتسعين مليار دولار من الاستثمار الأميركي هو أحد أكثر حالات فشل المساعدات الأمنية شهرة، ولكن من المؤكد أنه ليس الوحيد.
لقد خيبت القوات التي دربتها الولايات المتحدة الآمال في فيتنام في سبعينيات القرن العشرين وفي العراق في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وفي منطقة الساحل، قاد شركاء الولايات المتحدة، المسلحون بالأسلحة الأمريكية والخبرة العسكرية، انقلابات عسكرية ناجحة. وحتى في أوكرانيا، التي كانت تُرى ذات يوم كقصة نجاح في مجال المساعدات الأمنية، ظهرت تساؤلات حول أهمية ومساهمات التدريب الذي تقدمه الولايات المتحدة.
ولكن الولايات المتحدة، التي لم تخجل من إخفاقاتها السابقة، مستعدة الآن لمحاولة أخرى، وهذه المرة في لبنان. ولكن الوقت لا يزال متاحاً للتخلي عن هذا الاقتراح، وينبغي لواشنطن أن تفعل ذلك. ذلك أن الجيش الأميركي ليس فقط غير فعّال على نحو ثابت في تدريب قوات الأمن الشريكة، بل إن الاضطلاع بمثل هذا المشروع المكلف والمستهلك للوقت في لبنان لن يخدم المصالح الاستراتيجية الأميركية، وقد يلحق ضرراً أكبر من نفعه باستقرار لبنان في الأمد البعيد.

ولكي تتجنب واشنطن وبيروت هذه التكاليف والمخاطر المرتفعة، يتعين على الولايات المتحدة أن تبقى بعيدة عن مستقبل الأمن في لبنان.
إن الجيش الأميركي يتمتع بالعديد من نقاط القوة، ولكن بناء الجيوش الأجنبية ليس واحداً منها. إن تجربة الولايات المتحدة في أفغانستان هي واحدة من أكثر حالات الفشل الأمني التي تمت دراستها في التاريخ الحديث، ولكن أخطاءها بعيدة كل البعد عن كونها جديدة. ومن بين العديد من التقييمات الاسترجاعية، ينتقد تقرير المفتش العام الخاص لإعادة إعمار أفغانستان (SIGAR) لعام 2023 القوات الأميركية في أفغانستان بسبب مجموعة من الأخطاء، بما في ذلك “التصوير المرآوي” الذي فرض هيكلاً وتكتيكات عسكرية على الطراز الأميركي في مكان لا يناسب أي منهما؛ والاعتماد على التكنولوجيا العسكرية الأميركية المتقدمة التي لا يستطيع الأفغان العمل بها بدون دعم الولايات المتحدة؛ والمستشارين الأميركيين المدربين بشكل سيئ والذين تم تناوبهم قبل اكتساب الخبرة اللازمة لإحراز التقدم؛ والجداول الزمنية المدفوعة سياسياً والتي أدت إلى أهداف غير واقعية منفصلة عن الوضع على الأرض.
وقد أثّرت هذه الإخفاقات على العديد من الجهود الأميركية الرامية إلى “بناء قدرات الشركاء”. على سبيل المثال، أدى نفس النهج الذي اتبعته الولايات المتحدة في أفغانستان، والذي يقوم على إعطاء الأولوية للأسلحة والتدريب في وقت لاحق، إلى إيقاع الولايات المتحدة في مشاكل في مختلف أنحاء الشرق الأوسط ــ في العراق، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة ــ وفي بلدان غرب أفريقيا مثل النيجر.
وعلى نحو مماثل، طوال عامي 2022 و2023، وحتى مع بقاء دروس أفغانستان حاضرة في أذهانهم، دفع المدربون الأميركيون الجنود الأوكرانيين غير المستعدين إلى تبني تكتيكات غربية لا تتوافق مع حقائق ساحة المعركة، فقط لكي يتخلى المتدربون عما تعلموه باعتباره غير مناسب أو معقد للغاية بعد الوصول إلى خطوط المواجهة.
ولكن حتى لا يتصور أحد أن لبنان سوف يكون مختلفاً، فهناك بالفعل إشارات تحذيرية تشير إلى عكس ذلك. ذلك أن القوات المسلحة اللبنانية تفتقر إلى الموارد، والمعدات الحديثة، والقوى العاملة الماهرة، والزعامة، والمؤسسات اللازمة لإدارة أمن البلاد في أي وقت في المستقبل المنظور، وخاصة أثناء أو بعد الغزو الإسرائيلي المدمر.
ولكن هذا لم يمنع الولايات المتحدة من أن تكون سخية في تقديم المساعدات العسكرية. فمنذ عام 2006، قدمت الولايات المتحدة نحو 3 مليارات دولار من المساعدات الأمنية للبنان، وكان معظم هذا التمويل العسكري الأجنبي مخصصاً لشراء معدات عسكرية أميركية متقدمة: صواريخ ومدفعية وطائرات ومركبات. ولم يذهب سوى جزء صغير من هذا المبلغ إلى تدريب أفراد عسكريين أو إصلاحات مؤسسات دفاعية مطلوبة لضمان الشفافية والمساءلة أو الامتثال للقانون الدولي.
إن التحديات الأخرى، مثل السياسة الطائفية في البلاد والتاريخ المعقد للولايات المتحدة في لبنان، من شأنها أن تخلق عقبات إضافية أمام نجاح أي مهمة تدريبية. واعترف مبعوث بايدن آموس هوكشتاين، الذي أدار المفاوضات بين إسرائيل وحزب الله، بأن تأهيل الجيش اللبناني سيكون جهدًا طويل الأمد ومكلفاً. وقال في يونيو 2024: “تحتاج إلى التجنيد والتدريب والتجهيز، وهذا يستغرق وقتًا”. هذا هو بالضبط نوع الموقف الذي كانت فيه المساعدات الأمنية الأمريكية أقل فعالية في الماضي.
ولكن حتى لو كانت فرص النجاح عالية، فإن المشاركة في تدريب وتجهيز القوات المسلحة اللبنانية لا تفيد المصالح الاستراتيجية الأميركية، بل من شأنها أن تزيد من تورط الولايات المتحدة في منطقة كان ينبغي لها أن تغادرها.
إن الولايات المتحدة لا تراهن على شيء يذكر في الشرق الأوسط. ورغم أن الشرق الأوسط يبدو وكأنه يعيش في حالة من الاضطراب الدائم، فإن عدم الاستقرار في المنطقة لا ينعكس على واشنطن بشكل كبير. ذلك أن الجماعات المتطرفة المتبقية في المنطقة لا تشكل تهديداً مباشراً للولايات المتحدة أو للمصالح الأميركية في الخارج، كما أصبحت الولايات المتحدة تتحمل قدراً أقل من المسؤوليات الاقتصادية في الشرق الأوسط الآن بعد أن أصبحت أكثر قدرة على الصمود في مواجهة صدمات أسعار النفط مقارنة بالماضي.
إن المصالح الاستراتيجية الأميركية في الصراع الحالي بين إسرائيل وحزب الله محدودة إلى حد أكبر. ومن المؤكد أن الولايات المتحدة تود أن ترى حزب الله، أكبر وكيل لخصمها الإيراني، وقد حلت محله قوة أمنية صديقة، ولكن لا حزب الله ولا إيران يملكان القدرة على مهاجمة الأراضي الأميركية، ولا يمكن معالجة تهديداتهما الضيقة للمصالح الأميركية في الخارج بإرسال المزيد من العسكريين الأميركيين إلى المنطقة.
وعلاوة على ذلك، فإن نشر القوات الأميركية داخل لبنان لأغراض التدريب لن يجعل الولايات المتحدة أكثر أمناً، بل من شأنه أن يعرّض أفراد الخدمة للخطر بشكل مباشر.
وعلاوة على ذلك، ينبغي أن يكون الوجود الأميركي المستمر في العراق وسوريا بمثابة تذكير بالمشقة التي غالباً ما تتحول إليها مهام التدريب والمساعدة. وينبغي لواشنطن أن تسعى إلى تجنب الالتزامات الجديدة وتقليص الالتزامات القديمة ــ وليس العكس ــ وخاصة في ضوء الأولويات الاستراتيجية الأعلى في أماكن أخرى، على سبيل المثال في آسيا.
وعلى نفس القدر من الأهمية، فإن تورط واشنطن قد يؤدي إلى تفاقم الوضع الهش بالفعل في لبنان. على سبيل المثال، قد يؤدي زيادة مسؤوليات القوات المسلحة اللبنانية غير المستعدة في وقت مبكر إلى إخفاقات أمنية تترك المجال لجماعات غير حكومية جديدة أو عصابات إجرامية لترسيخ جذورها وافتراس المدنيين الأبرياء. وقد يؤدي الدعم والمساعدة الأميركية إلى تقويض شرعية القوات المسلحة اللبنانية كطرف محايد أو جعل أفرادها هدفاً لهجمات من جانب ما تبقى من حزب الله أو المتعاطفين معه.
وأخيرا، في بلد له تاريخ من الصراع الطائفي، فإن التدخل الأميركي قد يعطل أي توازن دقيق قائم، مما يؤدي إلى انتشار الصراعات الداخلية، والاضطرابات السياسية، ونقاط ضعف جديدة أمام المؤثرين الخارجيين. وكما هو الحال في أي مكان آخر، فإن تكاليف فشل المساعدات الأمنية الأميركية في لبنان سوف تقع في المقام الأول على عاتق السكان المحليين – وليس النخبة التي أعطت الضوء الأخضر للمشروع في المقام الأول.
إن عقوداً من الخبرة ينبغي أن تحذّر البنتاجون من مغبة الانجرار وراء إغراءات مهمة المساعدة الأمنية القصيرة الأجل والمنخفضة التكاليف والمرتفعة العائد، وخاصة في الشرق الأوسط. إن إهدار الموارد الشحيحة على ما من المرجح أن يتحول إلى فشل مكلف، حيث لا تملك الولايات المتحدة سوى القليل من المصالح، وحيث تكون مخاطر العواقب السلبية عالية، يشكل خطأً فادحاً.

إن ما يبدو وكأنه فرصة في لبنان هو في الحقيقة فخ. ويتعين على واشنطن أن تقاوم إغراء الوقوع فيه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *