السبت. نوفمبر 16th, 2024

شهد العالم مؤخرًا نقاشًا متزايدًا بشأن نية روسيا تعديل عقيدتها النووية، وهو نقاش يعكس الضغوط والتحديات التي تواجهها موسكو في ظل بيئة دولية معقدة ومتغيرة.

 لطالما كانت العقيدة النووية لروسيا عنصرًا حاسمًا في قدرتها على الردع والدفاع عن مصالحها الحيوية، غير أن الحديث عن التعديلات المحتملة يشير إلى تغير نوعي في الرؤية الروسية لكيفية استخدام قوتها النووية.

 هذه النقاشات لم تأتِ من فراغ، بل جاءت نتيجة مباشرة لعدة عوامل؛ منها تصاعد التوترات مع الغرب، واستمرار النزاع في أوكرانيا، وزيادة الضغوط الاقتصادية والسياسية على موسكو.

تأتي هذه النقاشات في سياق تاريخي وسياسي معقد، حيث تتسم العلاقات الدولية اليوم بالتوتر وعدم الاستقرار، خاصة بين روسيا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي “الناتو”، فمنذ نهاية الحرب الباردة، شهدنا تراجعًا في مستوى التعاون بين القوى الكبرى بسبب التغيرات التي تحدث في العالم، ليحل محله سباق تسلح جديد وتجدد للمنافسة الإستراتيجية.

تزامن هذا مع تطورات داخلية في روسيا، حيث يسعى الرئيس فلاديمير بوتين إلى تعزيز نفوذ بلاده عالميًّا، وضمان عدم تعرضها لأي تهديدات يمكن أن تؤثر في أمنها القومي، أو تحد من قدرتها على المناورة الإستراتيجية. وفي هذا السياق، تأتي النقاشات بشأن تعديل العقيدة النووية لتعزز قدرة روسيا على الردع، ولتكون أداة قوية في مواجهة التحديات التي تعترض طريقها.

خلال اجتماع اللجنة الدائمة للردع النووي التابعة لمجلس الأمن الروسي في 25 سبتمبر الماضي، أعلن الرئيس فلاديمير بوتين إدخال تعديلات على شروط استخدام السلاح النووي. تهدف هذه التعديلات إلى توسيع قائمة الدول والأحلاف العسكرية التي يمكن ردعها نوويًّا، بالإضافة إلى إكمال قائمة التهديدات العسكرية الجارية التي تُحيَّد ضمن “فعاليات الردع النووي”.

في النسخة الحالية للعقيدة النووية الروسية، هناك أربعة شروط لاستخدام السلاح النووي:

  • الشرط الأول هو ورود معلومات موثوقة بشأن إطلاق صواريخ باليستية لمهاجمة روسيا أو حلفائها.
  • الشرط الثاني يتعلق باستخدام العدو سلاحًا نوويًّا أو أيًّا من أسلحة الدمار الشامل ضد روسيا أو حلفائها.
  • أما الشرط الثالث فيشير إلى هجوم يستهدف منشآت حكومية أو عسكرية حيوية بهدف تعطيل ردة فعل القوات النووية الروسية.
  • والشرط الرابع والأخير يتضمن تعرض روسيا لهجوم بأسلحة تقليدية يهدد وجود الدولة.

وتتضمن أبرز بنود العقيدة النووية المعدلة رفع “الحصانة” عن القوى غير النووية إذا اعتدت على روسيا بدعم من قوة نووية، أو بمشاركتها. هذا الأمر ينطبق نظريًّا على الهجوم الأوكراني الذي تشنه كييف منذ أغسطس الماضي على مقاطعة كورسك الحدودية، أو أي هجمات أوكرانية أخرى على منشآت حيوية روسية باستخدام أسلحة غربية.

كما تشمل التعديلات توسيع نطاق المظلة النووية الروسية لتشمل دولة الاتحاد مع بيلاروس، حيث يُرجح أن موسكو نشرت أسلحة نووية تكتيكية على أراضي بيلاروس العام الماضي. تجدر الإشارة إلى أن مينسك شاركت في تدريبات مشتركة مع موسكو في الصيف الماضي للاستعداد لاستخدام السلاح النووي غير الإستراتيجي.

إن الحديث عن خفض عتبة استخدام السلاح النووي يعكس تغييرًا في التفكير الإستراتيجي الروسي، حيث تحمل هذه التعديلات المحتملة رسالة واضحة إلى الغرب، مفادها أن موسكو مستعدة لاستخدام كل الوسائل المتاحة لحماية أمنها القومي ومصالحها الحيوية، بما في ذلك اللجوء إلى القوة النووية في حال تعرضها لتهديدات جدية. يُعد هذا التوجه بمنزلة تحذير قوي للدول الغربية، وخاصة تلك التي تقدم الدعم العسكري لأوكرانيا، بأن حدود روسيا ليست مفتوحة للاعتداءات دون عواقب.

إن هذا التغيير لا يتعلق فقط بالسياسة الخارجية، أو العلاقة مع الغرب؛ بل يمتد ليشمل السياسة الداخلية كذلك، فالتعديلات المحتملة تهدف أيضًا إلى تعزيز الوحدة الوطنية، وإثارة الشعور بالوطنية بين المواطنين الروس، من خلال خلق تصور بأن البلاد تواجه تهديدًا خارجيًّا كبيرًا يتطلب وحدة الصف، وتقديم التضحيات. يظهر هذا بوضوح في الخطاب السياسي والإعلامي الروسي، حيث يُصوَّر الغرب على أنه مصدر رئيس للتهديدات، وتُقدَّم النقاشات بشأن العقيدة النووية كضمانة للأمن الوطني.

في هذا السياق، يكتسب النزاع في أوكرانيا أهمية خاصة، فمنذ عام 2014، أصبحت أوكرانيا ساحة للصراع بين روسيا والغرب، مع تصاعد مستمر في مستوى العنف والتدخلات الخارجية.

ومع تزايد الدعم العسكري واللوجستي الغربي لأوكرانيا، باتت موسكو ترى في ذلك تهديدًا وجوديًّا يستدعي رد فعل قويًّا. النقاشات بشأن تعديل العقيدة النووية، إذن، تأتي جزءًا من إستراتيجية الردع الشاملة لروسيا، وهي إستراتيجية تسعى إلى ردع الغرب عن تقديم مزيد من الدعم لأوكرانيا، أو محاولة عزل روسيا سياسيًّا واقتصاديًّا.

من الواضح أن هذه النقاشات تحمل كثيرًا من التساؤلات عن المستقبل:

 فهل يمكن أن تؤدي هذه العقيدة المعدلة إلى زيادة احتمالات نشوب صراع نووي؟

 وما التداعيات المحتملة لهذا التوجه على الأمن الإقليمي والدولي؟

في ظل هذه البيئة المتوترة، يصبح من الضروري فهم الدوافع الكامنة وراء هذه النقاشات، وكذلك تقييم تأثيرها في السياسات الروسية الداخلية والخارجية، وفي الحرب في أوكرانيا على نحو خاص.

يهدف هذا المقال إلى تقديم تحليل معمق وشامل لهذه النقاشات بشأن التحولات المحتملة في العقيدة النووية الروسية، من خلال استعراض السياقات التاريخية والسياسية التي أدت إلى هذه النقاشات، ومناقشة الدوافع الكامنة وراءها، بالإضافة إلى تحليل تأثيرها في السياسة الروسية، والحرب في أوكرانيا.

سوف نحاول في هذا السياق فهم التحديات التي تواجهها روسيا، وكيف تؤثر هذه التعديلات المحتملة في علاقتها بالغرب، وفي استقرار النظام الدولي ككل. كما سنناقش أيضًا تداعيات هذا التوجه على الحرب في أوكرانيا، وكيف يمكن أن يؤثر في مسار الصراع المستمر هناك.

السياق التاريخي لتطور العقيدة النووية الروسية

لطالما كانت العقيدة النووية الروسية من أهم ركائز السياسة الدفاعية لروسيا منذ العهد السوفيتي. خلال فترة الحرب الباردة، كانت الإستراتيجية النووية تعتمد -على نحو رئيس- على مبدأ التدمير المتبادل المؤكد (MAD)، حيث كان الهدف من الأسلحة النووية هو ردع أي هجوم نووي من خلال ضمان أن أي اعتداء سيؤدي إلى دمار شامل للطرف المعتدي.

ومع انتهاء الحرب الباردة، دخلت روسيا في فترة من التغييرات الجذرية، حيث حاولت التكيف مع النظام العالمي الجديد، وتبنت في ذلك الوقت سياسة نووية أكثر تحفظًا.

لكن مع بداية الألفية الجديدة، وتحديدًا بعد صعود فلاديمير بوتين إلى سدة الحكم، بدأت روسيا بإعادة تقييم موقفها النووي. جاء ذلك على خلفية توسع حلف الناتو باتجاه الشرق، واندلاع حروب في مناطق تعدها روسيا ضمن نطاق نفوذها الإستراتيجي، مثل يوغوسلافيا السابقة، وجورجيا.

كل هذه التطورات دفعت روسيا إلى تعزيز قوتها العسكرية التقليدية والنووية على حد سواء، وإدخال تعديلات على عقيدتها النووية بهدف الحفاظ على توازن القوى، وضمان قدرتها على الردع.

في عام 2020، عُدِّلت العقيدة النووية الروسية لتشمل أربعة شروط لاستخدام السلاح النووي، وهي: ورود معلومات موثقة عن انطلاق صواريخ باليستية ضد روسيا أو حلفائها، واستخدام العدو أسلحة الدمار الشامل، وهجوم يهدد بقاء الدولة، وأخيرًا الهجمات على منشآت حيوية قد تؤثر في قدرة روسيا في الرد. هذه الشروط تشير إلى أن روسيا تعدّ استخدام السلاح النووي خيارًا أخيرًا، ولكنه وارد في حال تهديد أمنها.

الدوافع وراء النقاش بشأن تعديل العقيدة النووية

تتعدد الدوافع وراء النقاش بشأن تعديل العقيدة النووية الروسية، ويمكن تصنيفها ضمن ثلاثة أبعاد رئيسة:

 أولًا: التوترات مع الغرب:

على الصعيد الأول، يبدو أن تصاعد التوترات بين روسيا والدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة وحلف الناتو، قد أدّى دورًا حاسمًا في هذا النقاش، فالسياسات الغربية، ومنها العقوبات الاقتصادية وتوسيع الحلف الأطلسي، تراها روسيا تهديدًا لأمنها القومي. ويُعد النقاش بشأن تعديل العقيدة النووية وسيلة لإيصال رسالة واضحة إلى الغرب بأن روسيا لن تتوانى عن الدفاع عن مصالحها باستخدام جميع الوسائل المتاحة.

ثانيًا: التحديات الأمنية على الحدود الروسية:

 ثانيًا: تأتي التحديات الأمنية المتزايدة على الحدود الروسية عاملًا آخر مهمًّا؛ فالوجود العسكري لحلف الناتو في دول البلطيق وبولندا، بالإضافة إلى الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا، كلها تمثل تهديدات مباشرة لروسيا، دفعتها إلى تطوير إستراتيجياتها الدفاعية، وتعزيز قواتها المسلحة، ومنها السلاح النووي.

وثالثًا: الحاجة إلى الحفاظ على الردع الإستراتيجي:

فهو الحاجة إلى الحفاظ على الردع الإستراتيجي؛ إذ تسعى روسيا من خلال النقاش بشأن تعديل العقيدة النووية إلى ضمان استمرار فاعلية قوة الردع النووي، ليس فقط ضد الدول التي تمتلك أسلحة نووية، بل أيضًا ضد أي تهديدات تقليدية يمكن أن تمس أمنها القومي، وهذا يعني أن استخدام السلاح النووي قد لا يقتصر على الرد على هجوم نووي فقط؛ بل قد يمتد ليشمل الرد على تهديدات تقليدية تراها روسيا خطيرة بما يكفي.

تأثير النقاشات في السياسة الداخلية والخارجية

إن تأثير النقاشات بشأن تعديل العقيدة النووية الروسية يمتد إلى جوانب متعددة من السياسة الداخلية والخارجية؛ فعلى المستوى الداخلي، يعزز هذا النقاش قبضة القيادة الروسية على الحكم، من خلال تعزيز الشعور الوطني بالخطر الخارجي، وضرورة الوحدة الوطنية لمواجهة هذا التهدي، وهذا الأمر يساعد على تقوية الدعم الشعبي للسياسات الحكومية، وتعزيز شرعية النظام السياسي في مواجهة الضغوط الاقتصادية، والعقوبات الغربية.

وعلى المستوى الخارجي، تهدف هذه النقاشات إلى تعزيز الموقف التفاوضي لروسيا في علاقاتها مع الغرب؛ فالأخطار المرتبطة باستخدام السلاح النووي تجعل من الصعب على الدول الغربية اتخاذ خطوات تصعيدية دون حساب العواقب، وهذا الأمر يظهر بوضوح في مواقف الدول الغربية من الحرب في أوكرانيا، حيث تتجنب معظم الدول تقديم أسلحة بعيدة المدى لأوكرانيا قد تُستخدم لضرب أهداف داخل روسيا؛ تجنبًا لأي تصعيد قد يقود إلى مواجهة نووية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه النقاشات تسهم في تعزيز تحالفات روسيا مع دول مثل الصين، وبيلاروس، فالتعاون العسكري بين روسيا وهذه الدول يكتسب بعدًا جديدًا في ضوء النقاشات بشأن العقيدة النووية، حيث يسعى الجميع إلى تحقيق توازن إستراتيجي مع الغرب، وضمان عدم التفوق العسكري الأمريكي.

تأثير النقاشات في الحرب بأوكرانيا

منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، أصبحت تلك البلاد ساحة للصراع بين روسيا والقوى الغربية. التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا قوبل برد فعل غربي حاد، حيث فرضت الدول الغربية عقوبات اقتصادية على موسكو، وقدمت دعمًا عسكريًّا كبيرًا لأوكرانيا. ومع ذلك، فإن هذا الدعم كان محدودًا من حيث النوعية، حيث تتجنب الدول الغربية تزويد أوكرانيا بأسلحة قد تؤدي إلى تصعيد الصراع على نحو خطير.

النقاشات بشأن تعديل العقيدة النووية الروسية تأتي في هذا السياق كأداة ردع تهدف إلى منع الغرب من زيادة دعمه العسكري لأوكرانيا. من خلال توسيع نطاق الشروط التي يمكن بموجبها استخدام السلاح النووي، تسعى روسيا إلى وضع خطوط حمراء جديدة، محذرة الغرب من أن أي تجاوز لهذه الخطوط قد يقود إلى تصعيد نووي. هذه الإستراتيجية قد تكون فعالة على المدى القصير في منع أي تدخل غربي أكبر، لكنها تحمل خطرًا كبيرًا على الاستقرار الإقليمي.

التداعيات المستقبلية والتحديات المحتملة

إن النقاش بشأن تعديل العقيدة النووية الروسية يطرح كثيرًا من التساؤلات عن مستقبل الأمن الدولي؛ ففي ظل زيادة التوترات بين روسيا والغرب، يمكن أن يؤدي هذا التوجه إلى زيادة خطر نشوب صراع نووي، خاصة إذا ما فسر الطرف الآخر الخطوط الحمراء الروسية  تفسيرًا خطأ. كذلك، فإن غياب الشفافية، والغموض المتعمد في الشروط التي قد تستخدم فيها روسيا السلاح النووي، يزيدان احتمال حدوث تصعيد غير مقصود.

بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا التوجه قد يؤدي إلى سباق تسلح جديد، حيث ستسعى الدول الغربية إلى تعزيز قدراتها العسكرية لمواجهة التهديدات الروسية المتزايدة، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة الإنفاق العسكري على حساب البرامج الاجتماعية والاقتصادية، مما يزيد التوترات الداخلية في كثير من الدول.

أما فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، فإن النقاشات بشأن تعديل العقيدة النووية قد تجعل من الصعب التوصل إلى تسوية سلمية؛ فبوجود تهديد باستخدام السلاح النووي، يصبح من الصعب على الأطراف المعنية تقديم تنازلات، مما قد يؤدي إلى إطالة أمد الصراع، وزيادة معاناة المدنيين.

غموص متعمد

بالتزامن مع إعلان تعديل العقيدة النووية الروسية، اختار كبار المسؤولين الروس الحفاظ على مستوى من الغموض بشأن الظروف التي يمكن فيها استخدام السلاح النووي. وأوضح الناطق الرسمي باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، في مقابلة مع الإعلامي بافيل زاروبين، نهاية الشهر الماضي، أن التعديلات على العقيدة النووية الروسية أصبحت ضرورية بسبب تغير الوضع الدولي، وتصاعد التوتر على الحدود الروسية. وأشار بيسكوف إلى مشاركة قوى نووية في النزاع دعمًا لأوكرانيا، وأكد أن الاقتراب المتزايد للبنية التحتية العسكرية لحلف الناتو من الحدود الروسية، وتطورات الوضع الأمني، يستدعيان تعديل السياسات الحالية. كما أشار إلى أن “الرؤوس العاقلة” في الغرب قد استوعبت هذه الرسالة، في حين أن “الرؤوس الساخنة” ما زالت تمارس سياسات قد تكون لها تداعيات خطيرة. وفيما يتعلق باللحظة التي قد يُستخدم فيها السلاح النووي، أحال بيسكوف هذا السؤال إلى العسكريين، مشيرًا إلى أن هؤلاء يراقبون بعناية استخدام الأسلحة، ونوعية الضلوع الغربي في النزاع في أوكرانيا.

من ناحية أخرى، لم يستبعد رئيس لجنة الدفاع بمجلس الدوما الروسي، أندريه كارتابولوف، أن يؤدي السماح لأوكرانيا بشن ضربات على الأراضي الروسية باستخدام أسلحة بعيدة المدى إلى إمكانية اللجوء إلى السلاح النووي بموجب العقيدة النووية الروسية المعدلة. وأكد كارتابولوف، في تصريح لوكالة نوفوستي الروسية، أن هذا الهجوم قد يشكل ذريعة للقائد العام لاتخاذ القرار، مشيرًا إلى أن هناك عدة عوامل تتطلب التقييم قبل اتخاذ هذا القرار، وهو ما أثار توترًا بين الشركاء الغربيين السابقين بسبب جدية هذا الاحتمال.

كما أكد نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، المسؤول عن العلاقات مع الولايات المتحدة ومنع الانتشار والرقابة على الأسلحة، أن روسيا تستعد لمواجهة طويلة الأجل مع الغرب. وفي تصريحاته عقب اجتماع كتلة حزب “روسيا الموحدة” الحاكم، مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، أشار ريابكوف إلى أن موسكو لا تتوقع تغييرًا إيجابيًّا في العلاقات مع الولايات المتحدة في ضوء الانتخابات الرئاسية المقبلة في نوفمبر (تشرين الثاني)؛ بسبب التوافق بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري على السياسات المعادية لروسيا. وأوضح أن روسيا تصدر جميع الرسائل التحذيرية لخصمها لضمان عدم التقليل من جدية موقفها، وأكد أن خطط الولايات المتحدة لإلحاق هزيمة إستراتيجية بروسيا لن يُكتب لها النجاح، دون الإفصاح بوضوح عما إذا كانت هذه التحذيرات تتعلق بتعديل العقيدة النووية الروسية.

الخاتمة

يمثل النقاش بشأن تعديل العقيدة النووية الروسية تحولًا كبيرًا في السياسة الدفاعية لموسكو، ويعكس تغييرات جوهرية في البيئة الأمنية الدولية. هذا التوجه، بما يحمله من غموض وإشارات متعددة، يهدف إلى تعزيز قدرة روسيا على الردع، وضمان حماية مصالحها القومية في ظل التحديات المتزايدة من الغرب. ومع ذلك، فإن هذا النهج يحمل أخطارًا كبيرة، سواء على الاستقرار الدولي، أو على مسار الحرب في أوكرانيا.

إن الفهم العميق لهذه النقاشات يتطلب تحليلًا مستفيضًا للسياقات التاريخية والسياسية، وتقييمًا للتداعيات المحتملة على النظام الدولي. من المؤكد أن العالم يقف اليوم على مفترق طرق؛ حيث يمكن لهذا التوجه أن يؤدي إلى تعزيز الردع والاستقرار، أو إلى زيادة خطر التصعيد والمواجهة. يبقى السؤال مفتوحًا عمّا إذا كانت هذه التعديلات المحتملة ستحقق أهدافها في تعزيز أمن روسيا، أم أنها ستؤدي إلى نتائج عكسية تزيد عزلتها وتعرضها لمزيد من الضغوط الدولية.

الغرب يحاول تغيير السياسة الدولية والعالم مقبل على تغييرات واسعة تشمل حروبًا جديدة، وتغيرًا شاملًا في مفهوم العلاقات الدولية. في السنوات الأخيرة، ظهرت محاولات متزايدة من جانب الدول الغربية لتغيير النظام الدولي بما يتماشى مع مصالحها الخاصة؛ من خلال تعزيز نفوذها في مناطق مختلفة، وتحدي القوى الصاعدة، مثل روسيا والصين. هذه المحاولات تشمل استخدام القوة الناعمة، وكذلك التدخلات العسكرية والاقتصادية. إن هذا التحول ليس مجرد إعادة توزيع للنفوذ العالمي؛ بل هو تغيير جذري في طبيعة العلاقات الدولية التي كانت تتسم -إلى حد ما- بالاستقرار بعد الحرب الباردة. يشهد العالم اليوم إعادة تشكيل للتحالفات، وتصاعدًا في التوترات، وزيادة في احتمالية نشوب صراعات جديدة في مناطق مثل أوروبا الشرقية، والشرق الأوسط، وآسيا. هذه التطورات تشير إلى أننا مقبلون على فترة ملأى بالتحديات، حيث يمكن أن تتحول النزاعات المحلية إلى حروب واسعة النطاق قد تؤثر في النظام الدولي بأسره؛ مما يتطلب مراجعة مستمرة للسياسات الدفاعية والأمنية للدول الكبرى.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *