الدكتور جمال واكيم: قسم البحوث والدراسات الإستراتجية الأمنية والعسكرية 30-10-2024
تتصاعد التوقّعات بأن توجّه إسرائيل إلى إيران ضربة قوية لا تقتصر على المواقع العسكرية والنووية فحسب، بل تشمل أيضًا قطاعاتها الاقتصادية والنفطية على نحو يؤدّي إلى شلل كبير في البلاد، يدفع إلى تأليب الشعب الإيراني على نظام الجمهورية الإسلامية لإسقاطه، وهو ما عبّر عنه، صراحةً، الصحافي الأميركي-الإسرائيلي المعروف توماس فريدمان المقرّب من دوائر القرار في مقالته الأخيرة.
في موازاة ذلك، نشرت وكالة “سبوتنيك” تقارير نقلًا عن دوائر أميركية تداولها الإعلام الغربي، عن تسريب وثائق أميركية أظهرت أنّ إسرائيل أجرت تدريبات جويّة مرّتين استعدادًا لتوجيه ضربة إلى إيران.
وتحقّق السلطات الأمنية في الولايات المتحدة في تسريب معلومات استخباراتية أميركية سرّية يومي 15 و16 من الشهر الجاري، بشأن خطط إسرائيل لضرب إيران. وتوضح هذه الوثائق التي كان من المفترض تداولها بين دول مجموعة العيون الخمس ليس غير، أي الولايات المتحدة وكندا وأوستراليا ونيوزيلندا وبريطانيا العظمى، تدريبات القوات الجوية الإسرائيلية التي تنطوي على استخدام صواريخ جو – أرض، استعدادًا لضربة على إيران. يضاف إلى ذلك أنّ الوثائق تظهر أنّ طائرات التزود بالوقود ترافقها طائرات حربية تجوب أجواء القدس، وهو ما يعتبر خطوة غير اعتيادية. وتبيّن أنّ هذه الطلعات الجوية هي تدريب لسلاح الجو الإسرائيلي من أجل قصف أهداف في إيران بحسب الوثائق المسرّبة التي عُرضت ظهر أمس.
يعتبر هذا التطور خطيرًا جدًّا، لأنّ توجيه ضربة قاصمة إلى إيران سيشكّل ضربة إستراتيجية إلى روسيا والصين، خصوصًا أنّه سيكشف خاصرتهما الرخوة في منطقة آسيا الوسطى، وهذا ما يجعل من غير المحتمل أن تحيّد روسيا والصين نفسيهما عمّا سيجري في الشرق الأوسط، وهذا ما يؤذن بتحويل الصراع في المنطقة إلى حرب عالمية.
والجدير ذكره أنّ المفكر الروسي ألكسندر دوغين يعتبر أنّ العالم هو في حالة حرب عالمية بين القوى الأطلسية بقيادة الناتو من جهة، والقوى الأوراسية بقيادة روسيا والصين وإيران من جهة أخرى.
وهو كان قد عدّ، صراحةً، أنّ الجبهة الأولى في هذه الحرب قد فتحها الغرب في أوكرانيا على روسيا، وأنّ الجبهة الثانية في الشرق الأوسط قد فتحها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمصلحة الغرب ضد القوى الأوراسية، معتبرًا أنّ الجبهة الثالثة ستكون ضد الصين عبر تايوان في شرق آسيا.
ويقول دوغين إنّ حربًا حقيقية تدور في الشرق الأوسط، خصوصًا بعد توسعة نتنياهو حربه على لبنان “وهذا قد يؤدي إلى احتمال تورّط دول ومجموعات شيعية أخرى في الصراع، بما فيها سوريا والعراق وجماعة الزيدية في اليمن، وأهم من ذلك، إيران.
وفي مرحلة مقبلة، قد تنخرط دول سنية أيضًا في هذا الصراع، من الواضح أنّ إسرائيل تسعى إلى الحرب، حرب كبيرة وحشية وملحمية. ومثل هذا الصراع لن يبقى محليًا. التصعيد يلوح في الأفق، واحتمال استخدام الأسلحة النووية غير مستبعد، نتيجة امتلاك إسرائيل لها واحتمال أن تحصل إيران عليها. ورغم أنّ مثل هذا الاستخدام سيقتصر على الأرجح على أسلحة نووية تكتيكية أو قنابل “قذرة”، لا تؤدّي إلى دمار عالمي، فإنّ تداعياتها على المنطقة ستكون كارثية”.
ويضيف دوغين أنّ “الشرق الأوسط مسرح آخر للحرب نفسها: الأحادية القطبية مقابل التعددية القطبية،” وأنّه “بالنسبة إلى العولميين الغربيين، فإنّ إسرائيل مجرد أداة في الصراع للحفاظ على هيمنتهم العالمية”، معتبرًا “أنّ انصار العولمة الغربية ينظرون إلى العالم الإسلامي، الذي يرفض القيم الليبرالية، حضارة معادية، ويتم جر الغرب تدريجيًا إلى حرب معها”.
وما يشي بأنّ الصراع سيكون طويلًا، وأنّه لن يتوقّف إذا وصل دونالد ترامب إلى الحكم في الولايات المتحدة، هو أنّ فريق الحرب الأميركي بدأ يتغلغل في صفوف فريق ترامب أملًا بالسيطرة على مراكز القرار في إدارته.
ويرى الصحافي الأميركي تايلر دوردن الذي يعمل لمصلحة صحيفة “زيرو هيدج” المعارضة للمحافظين الجدد، أنّه على الرّغم من فقدان هذا الفريق نفوذه داخل الحزب الجمهوري نتيجة صعود زعامة دونالد ترامب للحزب، فإنّ هذا لا يعني أنّ عهد ترامب سيشهد نهاية للحروب التي أطلقها جو بايدن في أوكرانيا وفي الشرق الأوسط.
ويعطي دوردن مثالًا عن أحد دعاة الحرب الموالين للمحافظين الجدد الذين تسللوا إلى فريق ترامب، وهو مستشار الأمن القومي السابق روبرت أوبراين. والجدير ذكره أنّ أوبراين كان ممثلًا للولايات المتحدة في الأمم المتحدة خلال رئاسة جورج دبليو بوش، وعمل في وزارة الخارجية في عهدي الأخير وباراك أوباما قبل أن يعمل مستشارًا في حملة ميت رومني لعام 2012. ورغم أنّه من المحافظين الجدد المعادين لترامب، عُيّن مستشارًا للأمن القومي لترامب في عام 2019، ويُنظر إليه الآن على أنّه مرشح لمنصب وزاري إذا فاز ترامب مرة أخرى.
وفي مقال نشره أوبراين في مجلة “فورين افيرز” ورد أن إيران والصين وروسيا هي العدوّات الثلاث الكبرى للولايات المتحدة، والتي لا يمكن التعامل معها إلّا بسياسات عدائية حازمة من قِبل واشنطن. وهو يطالب بتعزيز تسليح الولايات المتحدة للضغط على إيران والصين. وفي ما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، يعتبر أنّها حدثت لأنّ الولايات المتحدة لم تتدخل بشكل كافٍ في أوروبا الشرقية في السنوات الأخيرة. ويؤيد أوبراين إرسال السلاح لنظام الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلنسكي لدعمه في الحرب على روسيا ويدعو إلى إرسال وحدات عسكرية أميركية للمرابطة في شرق أوروبا ضد روسيا.
ولكن أوبراين ليس الوحيد في هذا، فقد حاول العديد من المعلّقين والمؤثرين اليمينيين الاستفادة من كلّ الطاقة الشعبوية التي تحرك حركة ترامب لتعزيز حياتهم المهنية مع التسلّل إلى سياسة خارجية تقليدية. وقد تجلّى ذلك في ما يسمى بمؤتمر المحافظين الوطنيين في تموز، إذ اجتمع عدد من هذه الشخصيات وعدّوا إيران والصين تهديدين رئيسين يواجهان الجمهور الأميركي. هذا كله يشي بأنّ ساحات الصراع في أوكرانيا والشرق الأوسط، وقريبًا في شرق آسيا، ستكون طويلة، وقد لا تشهد نهاية في حال انتخاب ترامب، عكس ما ينادي به مراقبون كثر.