الأحد. ديسمبر 22nd, 2024

تمثل الوضعية العسكرية في نهاية الحروب المآلات السياسية، فالأولى معيار تشكيل الأوراق التي توضع على الطاولة في آخر المطاف، وتحدد ظروف المسارات التي ستفرض. لطالما ركزت عقيدة “الجيش الإسرائيلي” على الحروب القصيرة وكانت الحروب طويلة الأمد محل خوف لدى حكومات الكيان.

مؤخرًا، برزت مطالب طرح إعادة النظر في مفهوم “الحروب القصيرة أثناء دراسة مفهوم الأمن القومي، حيث الهدف هو “تحقيق “النصر الواضح” وتشكيل البيئة الأمنية الإسرائيلية على مدى السنوات المقبلة. بالنسبة لرئيس الحكومة الإسرائيلية، نتنياهو، تلقى فكرة “إطالة أمد الحرب” مقبولية طالما تثبت حكمه، وباتت أشبه ما يكون بالأمر الواقع المفروض ميدانيًّا، خصوصًا مع سياسة رئيس الوزراء في “التعطيل الممنهج” لكل سيناريوهات الحلول في غزة، والقفز فوق محطات عدة في “الحل”، والذهاب نحو المزيد من التصعيد.

 وعلى الرغم من الدعوات الإسرائيلية والغربية المتزايدة بعد استشهاد زعيم حركة حماس، القائد يحيى السنوار في 17/10/2024،  تشكك الأصوات نفسها بامتثال نتنياهو لما هو فرصة للذهاب نحو اتفاق في غزة وإنجاح صفقة إطلاق الرهائن. الفرصة التي قد تضيع لصالح الاستمرار في الحرب، في وقت يرجّح المحللون الصهاينة أنفسهم أن النتائج العسكرية والسياسية لن تتغير بعد أشهر، مع فارق أنه لن يكون هناك أسرى. وفي لبنان، بدأ الحديث عن حرب طويلة ومستمرة ينتشر مع عدم قدرة الكيان على حسم الصراع، حتى أن البعض يرجّح أن تُدار هذه الحرب بشكل متقطع، وبشدة متفاوتة، طوال السنوات المقبلة، كما يرى عاموس هرئيل في صحيفة هآرتس.

 تطرح ورقة عقيدة مفهوم الأمن القومي في مراجعة “الحروب القصيرة” أن مهمة كل إنجاز إسرائيلي هو تمكين نظام الردع الاستراتيجي، وأن استراتيجية الحروب الإسرائيلية ضد المنظمات غير الحكومية، كحزب الله، تقوم على “تدمير المعدات العسكرية والبنية التحتية المبنية وقتل القادة والمقاتلين أو القبض عليهم وتحطيم “أسطورة البطولة” الخاصة بهم، وهو هدف وسياسة أكثر أهمية بكثير من احتلال الأراضي، بحيث أن الأخير الغرض منه هو تسهيل التدمير وليس كغاية في حد ذاته”.

ولا بد من الانتباه إلى أن نهج “الحرب الطويلة” وإطالة أمد القتال في المفهوم القومي الإسرائيلي يحذر من “الاستنزاف المتبادل”، ويحثّ على استغلال ميزة التفوق الجوي في “تدمير شامل لوسائل العدو وبنيته التحتية”، حتى على حساب “إحداث بعض الضرر في الخلف”.

 ولتحقيق هذه الغاية، لا بد من القيام “بمناورة ضخمة وقوية وسريعة، تؤدي إلى تدمير قوات العدو التي ستواجه جيش الدفاع الإسرائيلي في ساحة المعركة، وتسيطر على المنطقة التي تحددها أهداف العملية، ثم العمل على تدمير البنية التحتية للعدو وشعبه”.

 الحرب الطويلة تكرّس “حرب الاستنزاف” وتعززّها؛ ما يخشى معه كثر من المحللين العسكريين والسياسيين الإسرائيليين على مصير الكيان المؤقت. ينظر بعض هؤلاء إلى سياسة الحكومة في الحرب الطويلة كسبب في “تدمير الدولة” لأن الحكومة غير مستعدة للتوجه نحو اتفاق سياسي، بذريعة “تحقيق أهداف غير واقعية وغير قابلة للتحقيق”، بينما تعاني “الدولة” من مشكلات “إعادة الأسرى والنازحين من الشمال، والانهيار الاقتصادي، والانقسامات الاجتماعية بين القطاعات، وإعادة بناء جيش برّي هجومي قادر على الرد الفوري بعمل عسكري مناسب على أيّ انتهاك للاتفاق من الطرف الآخر (من دون الاحتواء، مثلما جرى في السابق)، وإصلاح التعليم وقضايا أُخرى مماثلة”.

وتتفاقم هذه التحدّيات وتزداد المخاوف وترتفع المخاطر من تداعيات الحرب الطويلة حال ازدياد تعقيد الوضع أضعافًا مضاعفة إذا فوت الكيان فرصة التوصل إلى اتفاق سياسي مع إيران وبقية دول المحور، واندفع باتجاه ضربة تخاطر باندلاع حرب مباشرة مع إيران كاستهداف المنشآت النووية مثلًا بما يتسبّب بتأخير إنتاج القنبلة.

 تقارب هذه الورقة خيار “الحرب الطويلة” في لبنان من منظور مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي، وتحديدًا شروط الحرب وأهميتها؛ موانع تحقّق الشروط؛ وطرق الكيان المحتملة في تجاوز العوائق.

شروط الحرب الطويلة

 تتطلّب الحرب الطويلة مجموعة من الشروط تلحظها حركة العدو الصهيوني في سياق الذهاب نحو “الحرب الطويلة” وتجاوز العقيدة الصهيونية السابقة في “الحروب القصيرة”. وهي 1) التقدّم الجغرافي؛ حماية الجبهة الداخلية؛ تخفيف الخسائر؛ 4) وتغيير الظرف السياسي في لبنان.

 بالعموم، يؤمن التقدم الجغرافي نقل المعركة إلى داخل أراضي العدو وحماية العمق الاستراتيجي الصغير داخل الكيان المؤقت، وحماية الجبهة هدف استراتيجي قومي في الحفاظ على القدرات الدفاعية وحماية الكيان والمستوطنين بما يوفر شرعية ودعم لاستمرارية الحرب؛ تخفيف الخسائر يقوّض تداعيات “الاستنزاف المتبادل” على الكيان ويصب في خدمة حماية الجبهة الداخلية أمنيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا، أما الشرط الرابع والأخير فهو المشروع السياسي المساوق للمشروع العسكري وأهدافه، فالحرب الطويلة سبيل القضاء على التهديد المحيط مرة وإلى الأبد، بحيث لا تتجدد التهديدات بعد فترة ويضطر معها الكيان إلى التعامل بعد سنوات إلى مواجهة مماثلة.

أهمية الشروط

حماية الجبهة الداخلية

 هذا الشرط يؤمن الشرعية الداخلية اللازمة لخوض الحروب، ويمنح قدرة أكبر على الصمود وتقويض نسب الهجرة. هذه الشرعية بمثابة قيود مفروضة على صناع القرار أثناء القتال، وحاجة ضرورية في الوقت نفسه عند تضرر الخلفية خلال الحرب. يركز الكيان على الجبهة الداخلية التي غدت أكثر أهمية من ساحة القتال ذاتها، ويعكس البعد الدفاعي المضاف إلى العقيدة الأمنية الإسرائيلية تركيز العقيدة الصهيونية على ضمان أمن الجبهة الداخلية.

التقدّم الجغرافي

 يؤمن التقدم الجغرافي نقل المعركة خارج حدود الأراضي المحتلة، وهي العقيدة الصهيونية منذ احتلال فلسطين، فالكيان صغير في المساحة مقارنة بالدول المجاورة، وأي تحرير للأراضي المحتلة من قبضة الكيان “يدخل معه [الكيان] بطريق شديد الانحدار”. وتحرير الأراضي على الحدود الشمالية يماثله في التداعيات تهجير المستوطنين من الحدود الشمالية.

 لذا، المطلوب هو تأمين حزام أمني (منطقة عازلة) داخل الحدود اللبنانية، بما ينقل الحرب بعيدًا عن المناطق التي تقترب حدودها من المركز الاستراتيجي للدولة. وهو “على بعد 25 كيلومترًا من الخط الاخضر و70 كيلومترًا من حدود البلاد، ويتقاسم العمل في هذا المركز كل من جيش الدفاع والنظام المدني”. وتعدّ حماية مركز الثقل الاستراتيجي حول تل أبيب “أمرًا حيويًّا وحاسمًا لاستمرار وجود الكيان وقدرته على العمل في الحرب”.

ويؤمن التقدم الحفاظ على مرونة نقل القوات العسكرية إلى الأمام وإلى الخلف كأمر ضروري في تمكين قدرات الكيان الدفاعية، ومنه تستمد الحاجة إلى ضمان حرية الحركة في وسط البلاد بجميع الأحوال.

تخفيف الخسائر

 الحرب الطويلة تعني خسائر مستمرة، لكن ما يريده العدو تخفيف الخسائر بما يخفف الضغط الداخلي عنه والضرر الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والأمني والعسكري. إطالة أمد الحرب ترفع التكاليف المرافقة للاستنزاف الجاري، لكن من المهم بالنسبة للعدو، أن يقوّض نتائج “الاستنزاف المتبادل” عن جانبه، ويرفع الكلفة على الطرف الآخر.

تغيير الظرف السياسي في لبنان

 يعتقد العدو أن التغيير مطلوب وممكن، وأن الضغط على المدنيين ضروري في خدمة مصالح دولة إسرائيل. العنصر المدني هو جزء لا يتجزأ من تصور “اليوم التالي” لدى حزب الله. (مقال “لقد أدركت “حماس” وحزب الله منذ زمن طويل طريقة هزيمة إسرائيل”).

 يريد الكيان المؤقت فرض تطبيق القرار 1559، عمليًا ونظريًا، والقرار الذي يدعو إلى نزع سلاح حزب الله مقابل إنهاء الحرب ووقف الغزو البري. وتذكر نائبة مستشار الأمن القومي الإسرائيلي سابقًا، أورنا مزراحي، لـ”واشنطن بوست”، أنه وبمجرد “تطهير جنوبي لبنان إلى حد كبير من مقاتلي حزب الله وأسلحته وأنفاقه، يمكن للجيش الإسرائيلي مراقبة منطقة الحدود والرد من الأراضي الإسرائيلية” على أي هجمات.

هذا هو المسعى الإسرائيلي وما يأمل الوصول إليه بعد الاغتيالات. وهذا ثمنه عمليات عسكرية صارمة تعطي فرصة لخطوات سياسية تصالحية، لكن إذا بقي حزب الله “قادرًا على ضرب إسرائيل، ولم يُجبر على التخلي عن سلاحه، يجد العدو نفسه مجبرًا على العمل ضده”، حتى اللحظة التي لا يتعرض فيها الكيان لأي تهديد من لبنان.

أسباب نجاح شروط الحرب الطويلة

يرتكز العدو في الاعتقاد بنجاح شروط الحرب على مجموعة من العوامل والأسباب التي يقرأ فيها مؤشرات إيجابية في حساباته.

التوافق السياسي:

 على دعم الحرب الطويلة بين الحكومة (نتنياهو والفريق اليميني المتطرف بقيادة بن غفير وسموتريتش) ووزير الحرب ورئيس الأركان، إضافة إلى منظمة عمال الصناعات الجوية وبعض القادة السابقين في الجيش والباحثين. (عامل مهم يقابله تيار آخر رافض لإطالة الحرب بزعامة مجموعة كبيرة من الخبراء والقادة الأمنيين والمعارضة والجيش والولايات المتحدة والغرب).

الجهوزية:

تغير المعادلة في لبنان في الأسبوعين الأخيرين والتصميم الإسرائيلي على الاستمرار، ستدفع الخصم في كلّ من هاتين الجبهتن إلى الموافقة، وحتى المطالبة بحل دبلوماسي ينهي القتال بالشروط التي تطالب بها إسرائيل، والتي تتلاءم مع أهداف الحرب، حسبما صاغها الكابينيت، أي اتفاق سلام مع لبنان بما في ذلك اضعاف حتى سحق لحزب الله وتحقيق أمن لسكان الشمال. (“الطريق طويلة نحو تحقيق أهداف الحرب – رون بن يشاي، يديعوت أحرونوت”) (اعتقاد واهم)

وجود تعاون وثيق بين مختلف أجهزة الدولة وعناصر مجتمع الأمن الوطني.

حتى يخدم مفهوم الأمن القومي -كما يفترض- عملية صنع القرار أثناء أي مفاوضات، هناك حاجة إلى أدوات متضافرة الجهود في تحقيق المفهوم: الجيش ومجمع الاستخبارات والوكالة الوطنية السيبرانية وهيئة الطاقة الذرية وغيرها. هذه العناصر ذات الصلة بمفهوم الأمن لا بد لوزارة الخارجية والوزارات الحكومية الأخرى من استيعابها والاستناد إليها في تحديد مسار تحركاتها مع ضرورة التوصل إلى التعاون الوثيق والمستمر بين العناصر كلها. هذا التعاون والتوافق ليس مطلقًا كما تظهر السرديات السياسية والأمنية والعسكرية. تاليًّا، من الممكن أن تترافق مع الحرب الطويلة ملامح نزاع داخلي، وهو ليس بالأمر الجديد، مع العلم أن بوادر الانقسام بين تيار مؤيد وآخر رافض للحرب الطويلة بدأت بالظهور، بل واتضحت أسباب وأهداف كل من التيارين. (عامل مبالغ به ومتغير وقابل للاختراق)

ميزة التكنولوجيا المتقدمة

واستخدامها في مختلف المجالات، والاعتماد على الأدمغة في صفوف القيادة خاصة. يعمل الكيان المؤقت باستمرار على بناء “الجودة” التقنية في التكنولوجيا والانترنت والطيارين وغيرها من الوظائف. في الحرب الطويلة كما في القصيرة، يستفاد من هذه الميزة “في الردع أو الدفاع أو للهجوم الناجح”. (عامل واقعي)

القدرات والإنجازات العسكرية:

الإنجازات الميدانية التي يحققها الجيش في غزة ولبنان، وأبرزها القضاء على “الأسلحة الدقيقة” التي تهدد الكيان بالاستفادة من الاستخبارات الدقيقة والتفوق الجوي؛ تفرض التسويات والصفقات لغير صالح المقاومة في الداخل. وهو ما عبر عنه غالانت “بالتفاوض تحت النار”. الإنجازات  (عامل مشروط بنتائج الميدان)

إقامة نظام أمني جديد:

تغيير الظرف السياسي في لبنان وقف نتائج ميدانية تتيح إقامة النظام الأمني الجديد في الجنوب مع وسائل لمنع التمركز العسكري لحزب الله من جديد، وضمانات تحفظ حرية عمل الجيش الإسرائيلي. (تصور حالم)

تعزيز القوات البرية:

امتلاك قوة برية كبيرة نسبيًّا تحتاج إلى أن تكون أكثر فتكًا وأقل عرضة للخطر، يُعتمد عليها بأسلوب هجومي موسع لتحقيق أهداف ساحة المعركة مع اعتماد “نظام أوامر مكانية وقوات ضاربة متنقلة”. تشير التجربة على الحدود مع لبنان خلال أقل من ثلاثة أسابيع تقريبًا حتى الآن إلى تعزيز الألوية الموجودة على الحدود، فتمّ استدعاء لواء احتياط آخر للمهام العملياتية. وعلى الرغم من الدعم، تتلقى الألوية الخاصة، كلواء غولاني ضربات باهظة الثمن. (عامل هو مورد حاجة ورهن الميدان)

تعزيز الحسم:

 امتلاك منظومة جوية قوية وحديثة تملك قدرة التحرك الحاسم، ونظام دفاع خلفي متعدد الطبقات (نشط وسلبي)، والقدرة على تحديد وتدمير القوات النارية قدر الإمكان قبل إطلاقها، وإنتاج الأهداف، من اجل تشغيل أسلحة دقيقة على نطاق واسع جدًّا. القوة النارية مهما اشتدت إلا أن الحرب البرية هي التي تحسم نتائج المعركة لأنها يفترض أن تثبّت الإنجازات، لذلك كانت الحاجة إلى العملية البرية مورد نقاش عميق وجدل إشكالي في المؤسسة العسكرية والسياسية. وتبقى النتائج رهن الميدان. (عامل واقعي لكن نسبي النتائج)

العمق اللوجستي والزخم:

 وفقًا للأمن القومي الإسرائيلي، “إسرائيل هي “الطرف الثقيل” في الصراع مع التنظيمات، وبما أنها تمتلك “عمقًا لوجستيًّا” وقدرة على الاستمرار بل وزيادة الزخم العسكري مع مرور الوقت، يمكن لإسرائيل الاستفادة من هاتين الميزتين بخلاف طبيعة التنظيمات المقابلة لها”. بيد أن الاستنزاف المادي في الموارد يزداد مع الوقت ويتطلب المزيد من الدعم والتمويل والصناعات الدفاعية، والاستنزاف الدفاعي يترافق مع استنزاف معنوي في ظل فشل معالجة التهديدات، ما سينعكس سلبيًّا على الجبهة الداخلية. (اعتقاد مبالغ به)

أدوات الداخل في لبنان:

عبّر زعماء الطائفة الشيعية وحزب الله، علنًا، عن استعدادهم للموافقة على وقف إطلاق النار في الجنوب اللبناني، من دون ربطه بوقف إطلاق النار في غزة. ويعتقدون في الجيش أن في الإمكان تعميق الإنجاز من أجل التوصل إلى تسوية (الطريق طويلة نحو تحقيق أهداف الحرب، رون بن يشاي، يديعوت أحرونوت). الحكومة غير فاعلة، لكن يمكن التفاوض معها والتوصل إلى اتفاقات. أيضًا تريد الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية والدول السّنية المعتدلة تسوية وإصلاحًا حكوميًا في لبنان، ومستعدة لتمويل إعادة الإعمار في هذا البلد.. في النهاية، حزب الله ضعيف والطائفة الشيعية التي أصبح مليون منها نازحين يريدون التسوية، مثل سائر سكان لبنان (الطريق طويلة نحو تحقيق أهداف الحرب، رون بن يشاي، يديعوت أحرونوت). وتشير الحركة الأميركية في لبنان منذ العام 2016 إلى المساعي الفتنوية التي حاولت واشنطن من خلالها اختراق البيئة المقاومة، والشيعية خصوصًا، وقد استخدم الأميركي لذلك العديد من الأدوات الداخلية، وكلها باءت جهودها بالفشل، وقد كشفت الوثائق لاحقًا أن ما تكبّده الأميركي بل والسعودي أيضًا من خسائر بملايين الدولارات لم تحقق أي نجاعة أو فعالية. (تصور حالم وأدواته مستنفدة)

مرونة المجتمع الإسرائيلي:

يجب أن يتحلى المجتمع الإسرائيلي بمزايا (الدعم، الشرعية، الصمود)، “وبالأخص القدرة على تحمل ضغوط وتحديات الأمن القومي خلال الحرب، ما يتطلب استعددًا كبيرًا للتضحية”. (تصور غير مؤكد استمراريته) الآن، المجتمع الإسرائيلي لديه الآن استعداد غير مسبوق في تاريخ للتضحية وتحمل الخسائر، لكن هذه القدرة ليست مطلقة، وهي محدودة.

العوائق المانعة للشروط

غياب استراتيجية سياسية أو أمنية واضحة:

يؤكد رئيس الحكومة الأسبق إيهود أولمرت أن الحكومة الحالية لا تمتلك استراتيجية واضحة للتعامل مع الوضع في لبنان، ويعبّر عن استيائه من ذلك. (ايهود اولمرت في مقابلة مع القناة 12). الحرب قد تستمر لشهور أو حتى سنوات، دون وضوح حول الأهداف المستقبلية وما سيحدث بعد الوصول إلى مناطق معينة مثل الليطاني. وعلى الرغم من نقص موارد “إسرائيل” البشرية والمادية وعُمقها الاستراتيجي، “لم تقم بتطوير عقيدة أمنية تتناسب مع حالة الحرب المستمرة، المتعددة الجبهات، والتي تحمل تداعيات ثقيلة على الجيش والمجتمع والاقتصاد”. (محظور الخوف من إيران، يوآف هيلر، معاريف)

سقوط الردع الاستراتيجي الإسرائيلي:

سقط الردع مع التحرك العسكري ضد الكيان والمساس بالأرض والسكان، بل وبروز تهديد الخطر الوجودي. عقيدة “بيغن” التي تعنى بتحقيق التفوق في القدرات الاستراتيجية سقطت، ولا يمكن أن يضمن الكيان عدم إلحاق الخسائر في البنى التحتية والعسكرية والمدنية لديه، خاصة مع “صعوبة حماية المركز الاستراتيجي وضعف إدارة أنظمة البنية التحتية مما يضاعف الثغرات الأمنية”.

تطور المخاطر والتعقيدات الجديدة:

النجاح في مواجهة حزب الله لا يضمن بعد استقرار الوضع الأمني بالشكل الذي يسمح بعودة المستوطنين على طول الحدود مع لبنان إلى منازلهم، في ظل المقاومة الشديدة على الحدود اللبنانية التي تتصدّى للتوغّلات، وتمنع تثبيت النقاط الإسرائيلية داخل الحدود، ودخول معادلات نوعية في القدرات الصاروخية لدى حزب الله، والبدء بمراحل تصعيدية. على الرغم من التقدير الإسرائيلي لوضع حزب الله بعد الهجوم التفجيري وسلسلة الاغتيالات التي طالت الكوادر القادة في الصف الأول والثاني، يفشل العدو الإسرائيلي بعد ما يقارب الشهر في الدخول إلى العمق بعيدًا عن الحدود، فضلًا عن أنه يضطر للانسحاب من النقاط التي قد يكون سبق وتوغّل باتجاهها. الغارات حتى لو أثرت على القدرات الصاروخية لحزب الله إلا أنها لم تقضِ عليها. يطلق حزب الله على الكيان يوميًا ما معدله 200 صاروخًا بعد أيام من اعتقاد إسرائيلي بأنه تم القضاء على مخزونات حزب الله في الجنوب.

عدم تماسك المجتمع بما يحمي الجبهة الداخلية:

ضعف الواقع الإسرائيلي يشير إلى “ارتباط عقيم بين صمود المجتمع وقدرة الدولة على التعامل مع التحديات. إن رفاهية الدولة وتقدمها بالنسبة للشعب اليهودي أساس متفق عليه، والحرب الطويلة تتعارض كليًّا مع هذا المسار”، خصوصًا في ظل الضرر الفعلي الذي ينجم عن الحرب الطويلة ويلحق بالكيان والمستوطنين والمصالح الإسرائيلية. أضف إلى ذك “وجود فجوة كمية في المجال الديموغرافي أثناء الطوارئ، والحاجة إلى مساعدة جيش أجنبي”. “المجتمع المدني الإسرائيلي ضعيف ولا يستطيع الصمود لفترات طويلة في أوقات الحرب، وخصوصًا مع حساسية المجتمع العالية تجاه حياة البشر (سواء أكانوا جنودًا أم مدنيين)”. “لقد أدت حرب الاستنزاف إلى خلق استقطاب فظيع في المجتمع الإسرائيلي، حيث تستعر الكراهية العمياء بين القطاعات المختلفة، وانعدام الثقة التام بينها، وهناك أحاديث عن تمرُّد مدني وخيانة للوطن، وتقسيم الشعب إلى “دولة إسرائيل” و”دولة يهودا”. كذلك يجري نشر آلية دعائية مليئة بمعلومات زائفة، أو مضللة، وبالتحريض ونشر أخبار كاذبة ضد الخصوم، وإطلاق تسميات قاسية من طرف تجاه طرف آخر، عبر ماكينة التشويه هذه التي يُطلق عليها، إسرائيليًا، اسم “ماكينة نفث السم”. وهذه الشروخ آخذة في الاتساع في صفوف المجتمع الإسرائيلي إلى حد خطِر لا عودة عنه؛ وهذه الحالة وحدها قد تؤدي إلى انهيار دولتنا” (إسحق بريك، الاتفاق السياسي قد يحقق لنا إنجازات أكثر من أيّ حرب مباشرة مع إيران(.

الوضع الاقتصادي:

 يواجه الكيان المؤقت اليوم خطر الانهيار الاقتصادي، فإذا ما استمرت هذه الحالة، فمن شأن الدولة أن تصل، خلال وقت قصير، إلى حالة الإفلاس وانعدام قدرتها على خوض الحرب. (الاتفاق السياسي قد يحقق لنا إنجازات أكثر من أيّ حرب مباشرة مع إيران، إسحق بريك). هناك حاجة إلى تعزيز ميزانية الدفاع بمبلغ عدة مليارات سنويًّا لتحسين بعض القدرات في مجالات الدفاع والهجوم نتيجة ارتفاع منسوب التهديد على الجبهة الداخلية والتغير الحاصل في طبيعة ومستوى المخاطر. وكذلك تتوزّع مراكز الثقل الاستراتيجي في الشمال وتحت مرمى نيران المقاومة بما يقوض معها قدرة العدو على تحفيف  الخسائر. واحتمال استمرار أزمة غزة شهورًا طويلة، إن لم يكن سنوات مع الافتقار إلى حل بعيد المدى للتعامل مع البنى المدنية يعني تحمّل الحكومة الإسرائيلية أغلبية العبء الاقتصادي، ونقل المسؤولية عن المساعدات الإنسانية إلى الجيش كما يريد سموتريتش وبن غفير، ما سيكلف الدولة المليارات.

مشكلة التجنيد الإجباري السريع واستنزاف الجيش:

هناك “مشكلة تجنيد جيش احتياطي مدرب مع ما يتطلبه من خدمة إلزامية طويلة وخدمة احتياطية مستمرة، بالتزامن مع الاستثمار في الحفاظ على القدرة القتالية لقوات الاحتياط”. كما استُنزف الجيش الإسرائيلي تمامًا الذي “يخوض جولاته الرابعة في الخدمة الاحتياطية منذ بداية الحرب. فقد كثيرون من هؤلاء مصادر رزقهم، وأحيانًا فقدوا عائلاتهم، وبذلوا أقصى حدود قدرتهم الجسدية والنفسية. بمرور الوقت، واستمرار حرب الاستنزاف، يزداد عدد أفراد الاحتياط الذين يرفضون الاستجابة لأوامر الاستدعاء العسكري. كما أن الجنود النظاميين مُنهكون أيضًا، ويفقدون المهارات المهنية بسبب توقف الدورات التدريبية، أو إلغائها بالكامل. يُستنزف الجنود في حرب لا نهاية لها. وإذا ما استمرت حرب الاستنزاف هذه، فإننا قد نخسر قواتنا البرية.

ضعف الدفاع الإسرائيلي:

ضعف الدفاع السلبي اللازم لحماية السكان والمنشآت من الأضرار الناجمة عن تأثير هذه الصواريخ، وضعف النظام الدفاعي الخلفي المتعدد الطبقات (النشط: اعتراض الصواريخ والقذائف، والسلبي: الحماية). والحرب الطويلة يحتمل أن تجعل الصناعات الدفاعية هدفًا وفي مرمى النيران، ما يؤثر على توفير العناصر اللازمة وأنظمة الأسلحة اللازمة للكيان لتغيير قواعد اللعبة.

الكيان صغير وضعيف مقابل إيران ومرهق بعد عام من الحرب:

الحرب الطويلة لا تؤمن حماية الجبهة الداخلية، مع الاحتمال المتزايد لتعطيل القدرة القتالية للجيش مع زيادة التهديدات من إيران وتعطيل استمرارية الجبهة الداخلية(هآرتس). “الخسائر في مجال التسليح والذخائر والبنى التحتية والاقتصاد على مستوى الفرد ومستوى الدولة”.

عدم وجود فهم صحيح لبيئة المقاومة الحاضنة:

ينسق الإسرائيلي مع الأميركي الحملات على وعي القاعدة الشعبية الحاضنة للمقاومة. يستهدف الإدراك ويستغل لحظات الخوف والرعب في محاولة زعزعة تماسك البيئة الحاضنة وإيمانها بالمقاومة. يتوهم العدو أن اغتيال القادة وارتكاب المجازر وملاحقة عناصر الحزب في كل لبنان وغيرها من الإجراءات الإجرامية بحق الشعب اللبناني عمومًا، والمقاوم خصوصًا يمكن أن يولّد حالة من الهلع تعمل على الانفصال عن مركز ثقل المقاومة، الثقل الشعبي الذي يمثل خط الدفاع الخلفي للمقاومة العسكرية. هذا الخلل في الفهم من شأنه أن يعيق مخطط تغيير الظرف السياسي في لبنان الذي يركز على استمالة الشعب وتحويل مساره بعيدًا عن المقاومة، في ما يشبه عملية عزل شعبي وسياسي، بالتوازي مع عمليات الإقصاء للقدرات العسكرية التي يظن العدو أنه يحقق أهدافه من خلالها.

آليات تجاوز العوائق

 يشير تقاطع الشروط مع العوائق إلى ضعف الحلول المحتملة، فضلًا عن نجاعتها، بل وتفيد ذهاب الكيان المؤقت أكثر فأكثر من الانحدار من خلال الغرق في مستنقع الحرب في لبنان. وفي ما يلي النقاط التي يكاد لا يملك غيرها من خيارات على هشاشتها:

1 العمل على تسجيل إنجازات عسكرية وجغرافية و”تدمير البنى التحتية لحزب الله والقاعدة الشعبية له”.

2 اعتماد استراتيجية “الإطباق” على عمليات تحويل الأموال ومختلف العمليات المالية.

3 اعتماد وسائل متعددة لمنع التمركز العسكري لحزب الله في المنطقة من جديد مع الحصول على ضمانات بذلك”.

4 محاولة ضرب شرعية استمرار عمل المقاومة في المجتمع المدني اللبناني والتأثير به، بالاستفادة من “الأزمة الاقتصادية والمدنية الأصعب في تاريخه، وبناء استراتيجيا جديدة ملخصها اختيار الكيان ملعب له في لبنان، يتجاوز الملعب الجنوبي، وقد يكون في المناطق اللبنانية الشمالية”.

5 تغدية الفتنة الداخلية “عبر التأثير في الطوائف القوية الأُخرى (المسيحيين، والدروز)، وإثارة اضطرابات داخلية كبيرة (وهي قائمة أساسًا)، ودفعها إلى الظهور على السطح. ومن المتوقع أن تؤدي هذه الاضطرابات في لبنان الحساس الوضع للغاية إلى كبح جماح حزب الله خلال فترة الانتظار، وتقليل العبء على سكان الشمال الإسرائيلي، وربما تقوية حالة الإرباك الاستراتيجي التي يواجهها التنظيم عندما يقوم باتخاذ قراراته بشأن حرب شاملة”.

6 خيار معاكس كليًّا للحرب الطويلة، والاضطرار لإنهاء الحرب وفق مجموعة من المعايير الميدانية والسياسية والعسكرية.

 إطالة أمد الحرب بالنسبة للكيان المؤقّت عقيدة جديدة فرضتها التحولات في المنطقة بارتفاع التهديدات على الكيان وتنامي قدرات محور المقاومة إلى درجة نقل المعركة لأول مرة في تاريخ الاحتلال إلى داخل الأراضي الفلسطينية. يعيش الكيان المؤقت ما يشابه التجربة الأميركية في الغرق في مستنقع “الحروب الأبدية”. تصور النزعة الاستكبارية الإجرامية الإسرائيلية إمكانية القيام بالحروب على دول المحور و”تغيير وجه الشرق الأوسط” وتحقيق الحلم الصهيوني بإقامة دولة الاحتلال من البحر إلى النهر، وتنحى الحكومة الإسرائيلية الحالية باتجاه دعم “الحرب الطويلة”، بيد أنّ المسار محفوف بالمخاطر، وكثر من المحللين العسكريين والسياسيين من يعتقد بأن السياسات الإسرائيلية هي التي تأخذ بدولة الاحتلال إلى الانهيار، خصوصًا مع الاصطدام بواقع مغاير على الجبهة اللبنانية من فحوى التقديرات الإسرائيلية. فالحرب الإسرائيلية على الحدود مع لبنان لن تكون أبدًا نزهة، والمستنقع البري سترتفع معه مؤشرات الهلاك.

 يؤدي ارتفاع وتيرة قصف الكيان المؤقت بالصواريخ والطائرات المسيّرة إلى زيادة الضغط على المدنيين: الوضع الذي بدأت تكتب عنه الصحافة العبرية بأنه “لم يعد محتملًا، وما يركز عليه حزب الله في الضغط (إليكم تلميحًا: التأثير في المجتمع المدني في إسرائيل)”. تشير الضربات إلى دقة استهداف البنية التحتية العسكرية، وإلحاق الضرر بمعنويات سكان الشمال، وصولًا إلى التأثير في صناع القرار، وإلحاق خسائر اقتصادية كبيرة بإسرائيل، وهي خسائر ستنمو مع الوقت إلى منع سكان الشمال من العودة وتزداد تداعياتها في وقت قد لا يستطيع الكيان إعادة المستوطنين إلى الشمال حتى بعد انتهاء الحرب.

 الحرب الجوية التي يقودها العدو مكلفة وهو يقوم بالمجازر واستهداف البنى التحتية المدنية لحزب الله في كل لبنان ظنًا منه بإمكانية تفكيك البيئة الحاضنة للمقاومة وإحداث شرخ وفقدان الثقة بالجهة التي أثبتت عبر عقود أربعة أنها الصد المنيع ضد الاحتلال الصهيوني والمطامع الإسرائيلية في لبنان. هذه التصورات الواهمة تنضم إلى لائحة طويلة من العوائق التي تقف في وجه الحرب الطويلة الإسرائيلية لأنها لن تجر على الكيان إلا الويلات، وستثبت أنه حتى اللحظة لم يقدر أن يفهم “عدوه” جيدًّا، بل وكما قال سماحة الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، “هو أوهن من بيت العنكبوت”.

———————-

المراجع

المقالات والدراسات

1.مفهوم الأمن القومي لدولة إسرائيل، الجنرال الاحتياط يعقوب عميدور، نشر أول مرة في تشرين الأول 2020.

2.غيورا آيلاند، في إسرائيل يفضلون الصراخ على الجميع وعدم فعل شيء، يديعوت أحرونوت

3-إسحق بريك، الاتفاق السياسي قد يحقق لنا إنجازات أكثر من أيّ حرب مباشرة مع إيران،

-يوآف هيلر، محظور الخوف من إيران، معاريف

5.رون بن يشاي، الطريق طويلة نحو تحقيق أهداف الحرب، يديعوت أحرونوت

  1. عيران أورتال، مقامرة الجيش الأإسرائيلي في الجنوب اللبناني، مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية
  2. إسحق بريك، الاتفاق السياسي قد يحقق لنا إنجازات أكثر من أي حرب مباشرة مع إيران، القناة N12
  3. عميت يغور، لقد أدركت حماس وحزب الله منذ زمن طريقة هزيمة إسرائيل، معاريف
  4. عاموس هرئيل، عام مرّ منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، والنهاية لا تلوح في الأفق، هآرتس
  5. تسفي برئيل، الازمة الغنسانية في غزة يمكن أن تنفجر في وجه إسرائيل، هآرتس
  6. يوسي فيرتر، بعد إدراكه ضمان استمرار حكمه، تغلب نتنياهو على خوفه من حروب طويلة الامد، هآرتس
  7. أورنا مرزاحي، نقطة تحول في حرب لبنان: إلى جانب استنفاد العمليات العسكرية، يجب الدفع قدما استراتيجيا للخروج من الحرب، معهد دراسات الأمن القومي

المصدر: موقع الخنادق

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *