الثلاثاء. ديسمبر 24th, 2024

شهدت منطقة شمال أفريقيا في السنوات الأخيرة تطورات كبيرة في مجال مكافحة الإرهاب، ما أدى إلى تراجع ملحوظ في الأنشطة الإرهابية التي كانت تهدد الاستقرار والأمن في المنطقة. هذا التحسن في الأوضاع الأمنية يعكس جملة من العوامل المحلية والدولية التي تضافرت لتحقيق هذا الهدف.

من جهة، تمكنت الدول المعنية من تطوير سياساتها الداخلية في مكافحة الإرهاب وتعزيز التعاون الأمني بينها وبين شركائها الدوليين، ومن جهة أخرى، ساهمت التحولات العالمية مثل جائحة كورونا والحرب الروسية-الأوكرانية في تقليل تركيز العالم على التنظيمات الإرهابية التي كانت تنشط في هذه المنطقة.

الانخفاض الملحوظ في الأنشطة الإرهابية في شمال أفريقيا

في تحليل شامل لواقع الإرهاب في شمال أفريقيا، نجد أن دول المنطقة شهدت انخفاضًا ملحوظًا في العمليات الإرهابية خلال السنوات الخمس الماضية. هذا الانخفاض تمثل في تراجع النشاط الإرهابي بشكل عام، حيث لم تعد التنظيمات الإرهابية، مثل “القاعدة” و”داعش”، قادرة على الحفاظ على مستوى التهديدات السابق. بل إن بعض الدول، مثل الجزائر وليبيا، تمكنت من تحقيق نجاحات ملحوظة في هذا المجال لدرجة أن التهديدات الإرهابية تراجعت إلى الصفر تقريبًا في بعض الفترات.

  • تحول في تكتيكات التنظيمات الإرهابية

مع تراجع قدرة هذه التنظيمات على تنفيذ عمليات واسعة النطاق، لجأت إلى اعتماد تكتيكات أخرى، أبرزها الهجمات الفردية أو ما يعرف بـ “الذئاب المنفردة”. هذه الهجمات تعتمد على أفراد لا تربطهم بالضرورة علاقة تنظيمية مباشرة مع الجماعات الإرهابية الكبرى، ولكنهم يستلهمون أفكارهم من هذه التنظيمات.

وهذا التحول لم يكن كافيًا لاستعادة التنظيمات الإرهابية لقوتها السابقة، بل ظل التهديد محدودًا وموجهًا نحو أهداف معينة دون أن يشكل خطرًا حقيقيًا على استقرار الدول في المنطقة.

العوامل الدولية والمحلية التي ساعدت في مكافحة الإرهاب

من بين العوامل التي ساهمت في هذا الانخفاض، يأتي التعاون الدولي كواحد من أهم الأسباب التي أدت إلى تحسين الوضع الأمني في شمال أفريقيا. فبعد أحداث 11 سبتمبر 2001، كان التركيز الدولي منصبًا على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كقاعدة للإرهاب الدولي، لكن مع مرور الوقت وتغير الأولويات الجيوسياسية، أصبح من الواضح أن التركيز على هذه المنطقة قد تغير.

  • تأثير الجائحة والحرب الروسية-الأوكرانية

تعد جائحة كورونا أحد العوامل التي قللت من الأنشطة الإرهابية في شمال أفريقيا. إذ فرضت الجائحة قيودًا على التحركات الدولية وأضعفت الاقتصاديات المحلية، ما جعل من الصعب على التنظيمات الإرهابية استغلال الفراغات الأمنية كما كانت تفعل في السابق. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت الحرب الروسية-الأوكرانية في تغيير أولويات الدول الكبرى في مكافحة الإرهاب، حيث بات التركيز منصبًا على قضايا الأمن الأوروبي والصراعات القريبة من روسيا، ما أدى إلى تقليل الموارد التي كانت تُخصص لمكافحة الإرهاب في شمال أفريقيا، مما جعل التنظيمات الإرهابية أقل قدرة على الحصول على الدعم المالي واللوجستي.

تطورات السياسات الأمنية في دول شمال أفريقيا

تمكنت دول شمال أفريقيا من تطوير سياسات أمنية فعالة للتعامل مع التهديدات الإرهابية. على سبيل المثال، عملت الجزائر على تحديث استراتيجياتها الأمنية من خلال تحسين التعاون بين مختلف الأجهزة الأمنية، وتكثيف مراقبة الحدود لمنع تسلل العناصر الإرهابية.

كما عملت الحكومة الليبية على التعاون مع المجتمع الدولي لتفكيك الخلايا الإرهابية التي كانت تنشط في البلاد، ونجحت في استعادة السيطرة على العديد من المناطق التي كانت خارجة عن سيطرة الدولة.

  • التعاون الإقليمي في مكافحة الإرهاب

التعاون بين دول المنطقة كان أيضًا أحد العوامل المهمة في هذا السياق. فقد أدركت دول شمال أفريقيا أن التهديدات الإرهابية عابرة للحدود، وبالتالي، لا يمكن مواجهتها من خلال الجهود الفردية. ونتيجة لذلك، تم تعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي بين دول المنطقة، سواء على مستوى التعاون الثنائي أو من خلال المنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الأفريقي. كما شهد التعاون بين هذه الدول وشركائها الأوروبيين تحسنًا ملحوظًا، حيث تم تبادل المعلومات الاستخباراتية وتنفيذ عمليات مشتركة لمكافحة الإرهاب.

مؤشر الإرهاب العالمي وتحسن الأوضاع الأمنية

أظهر تقرير مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2024 تحسنًا ملحوظًا في الأوضاع الأمنية في دول شمال أفريقيا. إذ سجل التقرير انخفاضًا كبيرًا في عدد الهجمات الإرهابية وعدد الضحايا. في الجزائر، التي كانت تعتبر إحدى أكثر الدول تضررًا من الإرهاب في التسعينيات، سجلت البلاد صفر وفيات بسبب الإرهاب في عام 2023، وهو إنجاز لم يكن متوقعًا قبل سنوات قليلة. كذلك، في ليبيا، التي عانت من انهيار أمني كبير بعد سقوط نظام القذافي، تمكنت الحكومة من تحقيق تقدم ملموس في مواجهة الإرهاب، حيث انخفض عدد الهجمات الإرهابية بشكل كبير.

  • التراجع الكبير لأنشطة القاعدة وداعش

شهدت التنظيمات الإرهابية الكبرى مثل “القاعدة” و”داعش” تراجعًا كبيرًا في نشاطها في شمال أفريقيا. على الرغم من محاولات “القاعدة” المستمرة للاستفادة من الفوضى في بعض الدول مثل الجزائر، إلا أن التنظيم لم يعد يمتلك القدرة على تنفيذ هجمات كبيرة. في المقابل، شهد تنظيم “داعش” أيضًا تراجعًا كبيرًا، خاصة بعد هزائمه في سوريا والعراق.

تأثير الجوار على مكافحة الإرهاب في شمال إفريقيا

إلى جانب العوامل الداخلية والدولية، لعبت العوامل الجغرافية والسياسية دورًا مهمًا في مكافحة الإرهاب في شمال أفريقيا، حيث تقع المنطقة على مشارف الساحل الأفريقي، وهو إقليم يعاني من تهديدات أمنية كبيرة، مما دفع دول شمال أفريقيا إلى اتخاذ إجراءات إضافية لحماية حدودها ومنع تسلل العناصر الإرهابية.

  • التعاون مع دول الساحل الأفريقي

التعاون بين دول شمال أفريقيا ودول الساحل الأفريقي كان ضروريًا لمواجهة التهديدات الإرهابية المشتركة. فقد أدركت دول شمال أفريقيا أن الفوضى في دول الساحل يمكن أن تمتد إلى حدودها، لذا عملت على تعزيز التعاون الأمني مع هذه الدول، سواء من خلال بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة أو من خلال الاتفاقيات الثنائية التي تهدف إلى تبادل المعلومات وتنفيذ العمليات المشتركة لمكافحة الإرهاب.

محفزات قد تُعيد شبح الإرهاب إلى الواجهة

رغم التقدم الكبير الذي حققته دول شمال أفريقيا في مجال مكافحة الإرهاب، إلا أن التهديدات لم تختف تمامًا. ما زالت المنطقة تواجه تحديات مرتبطة بالاستقرار السياسي والأمني، خاصة في ظل استمرار الأزمات الاقتصادية والتوترات الاجتماعية التي قد توفر بيئة خصبة لعودة الإرهاب.

وبالتالي من أجل الحفاظ على هذا التقدم، تحتاج دول شمال أفريقيا إلى مواصلة تطوير سياساتها الأمنية وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي. فقد تتطور التهديدات الإرهابية بمرور الوقت، وبالتالي، فإن التعامل معها يتطلب مرونة واستجابة سريعة للتغيرات.

منطقة شمال أفريقيا قطعت شوطًا كبيرًا في مواجهة الإرهاب خلال السنوات الماضية. هذا النجاح لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة لجهود دولية ومحلية مكثفة. ورغم التحديات المتبقية، يمكن القول إن المنطقة على الطريق الصحيح لتحقيق استقرار دائم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *