الأربعاء. أكتوبر 30th, 2024

في كتابها “عام 1000م: بداية العولمة”، قالت فاليري هانسن مؤرخة جامعة ييل إن وصول الفايكنج إلى أمريكا الشمالية عام 1000 بعد الميلاد ينظر إليه على أنه بداية العولمة.

لماذا لا يمكن تعريف التوسع العالمي والهجرة المستمرة للأفارقة على أنها عولمة؟

 لماذا لا يمكن اعتبار التوسع العربي في غرب آسيا وشمال أفريقيا وجنوب أوروبا في القرنين السابع والثامن عولمة؟

فتتطلب “المركزية الأوروبية” من هذا النوع في الأبحاث التفكير والنقد. تحتل أفريقيا موقعا هاما في الشؤون الدولية، سواء من حيث عملية التنمية البشرية أو من حيث الحقائق الجغراسياسية.

ولطالما أولت الصين أهمية كبيرة لتطوير علاقاتها مع أفريقيا من المنظور الإستراتيجي، ويعكس طرح المبادئ المتمثلة في الشفافية والعملية والحميمية والصدق والفهم الصحيح للمسؤولية الأخلاقية والمصلحة وغيرها من المفاهيم الصنية جوهر العلاقات الصينية الأفريقية. وفي وقت يشهد تغيرا كبيرا في النظام العالمي، أصبحت سياسة الصين تجاه أفريقيا مرتبطة أكثر باستراتيجيتها العالمية.

مكانة أفريقيا وتأثيرها في العالم

من الناحية الجغرافية، تتمتع منطقة شمال أفريقيا ومنطقة الساحل والقرن الأفريقي وخليج غينيا وجنوب أفريقيا وغيرها من المناطق بأهمية جيوسياسية مهمة. كقناة تربط بين الشرق والغرب، تمتلك أفريقيا مضيق جبل طارق، ومضيق باب المندب، وقناة السويس، وكذلك قناة موزمبيق ورأس الرجاء الصالح ومدغشقر التي تربط المحيط الأطلسي والمحيط الهندي، وذلك يحدد تأثير أفريقيا الاستراتيجي على المحيطين والبحار الثلاثة (المحيط الأطلسي والمحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر وبحر العرب).

 إذا أخذنا منطقة الساحل كمثال، يبلغ طولها 3800 كيلومتر وتضم 10 دول بما في ذلك السنغال وموريتانيا ومالي. في عام 2014، أنشأت بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر مجموعة دول الساحل الخمس لتعزيز التنمية والتعاون الإقليميين. تعتبر المنطقة مركزا تجاريا هاما وقناة للهجرة العرقية وانتشار الأديان والتبادل الثقافي. وتقوم الولايات المتحدة وأوروبا إما بتدريب القوات في منطقة الساحل، أو بالتدخل فيها بقواعد عسكرية أو بمساعدات.

 يمثل كل من المسيحية والإسلام والديانات المحلية حوالي ثلث إجمالي سكان أفريقيا على التوالي، بالإضافة إلى الهندوسية والبوذية اللتين يؤمن بهما المهاجرون. هناك حوالي 667 مليون مسيحي في أفريقيا، وتتركز الدول الإسلامية في غرب وشمال أفريقيا.

هل العلاقة بين الأديان متناغمة أم عدائية؟

السنغال هي واحدة من الأمثلة النموذجية للوئام الديني، حيث يؤمن أكثر من 90% من السكان بالإسلام، وكان أول رئيس لها، ليوبولد سيدار سنغور، كاثوليكيا، وكانت البلاد تحت قيادته مستقرة سياسيا ومتطورة اقتصاديا.

ركاب داخل محطة إيدو للسكك الحديدية في العاصمة النيجيرية أبوجا في 18 سبتمبر 2023، وهي نقطة انطلاق الخط الحديدي الرابط بين أبوجا وكادونا، الذي يعد أول خط حديدي صيني قياسي في القارة الأفريقية تمتع أفريقيا بموارد معدنية غنية، وتحتل احتياطياتها من المعادن المختلفة المرتبة الأولى في العالم.

كما تملك احيتاطات وفيرة من النفط والغاز، حيث شكلت احتياطيات النفط لليبيا ونيجيريا والجزائر وجنوب السودان وأنغولا أكثر من 90% من احتياطيات النفط في القارة.

بينما تكون نسبة 91.5% من احتياطيات الغاز الطبيعي موجودة في الجزائر ومصر وليبيا ونيجيريا. وتمثل موارد الغابات 21% من المساحة الإجمالية للقارة، حيث يوجد أكثر من 40000 نوع من النباتات. وتمثل مساحة المروج 27% من المساحة الإجمالية للقارة، لتحتل المرتبة الأولى بين جميع القارات. وتتركز الموارد السمكية في عدد من البلدان الساحلية، من بينها المغرب الذي يحتل المرتبة الأولى في أفريقيا والمرتبة الـ13 في العالم من حيث إنتاج مصائد الأسماك.

وضعت الرأسمالية الأوروبية، ممثلة في المملكة المتحدة، أساسا للنظام الاستعماري في العصر الحديث، وعزز استغلال المستعمرات الأفريقية التوسع العالمي للرأسمالية. لا تزال هذه الدول الاستعمارية السابقة تحاول الحفاظ على نفوذهها حتى يومنا هذا.

ولدى فرنسا قواعد عسكرية في دول مثل تشاد وترسل قوات للتدخل في النزاعات الإقليمية “في حالات الطوارئ”. كانت جزيرة دييغو غارسيا في أرخبيل شاغوس مستعمرة للمملكة المتحدة تم تأجيرها للولايات المتحدة لاستخدامها كالقاعدة العسكرية في المحيط الهندي. وحظي طلب موريشيوس من المملكة المتحدة بإعادة أرخبيل شاغوس بتأييد دولي واسع النطاق، ولكن المملكة المتحدة رفضت القيام بذلك، على الرغم من أن الموعد المحدد النهائي قد حان.

وينعكس تأثير أفريقيا على السياسة الدولية في توزيع التكتلات، والموقف الدولي لمنظمة الوحدة الأفريقية/الاتحاد الأفريقي، ومكانتها الاستراتيجية واستقلالها المتزايد في الشؤون الدولية. وعندما استعادت الصين مقعدها الشرعي إلى الأمم المتحدة، صوتت أفريقيا بأكبر قدر من التأييد.

أنشأت الولايات المتحدة القيادة الأمريكية في أفريقيا في عام 2007، ومعظم الدول الأفريقية لديها تحفظات عليها. وعارض كل من مجلس رؤساء دول اتحاد المغرب العربي والجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي وأوغندا ونيجيريا وجنوب أفريقيا وليبيا إنشاء الولايات المتحدة قواعد عسكرية في أفريقيا. لم يكن أمام الولايات المتحدة خيار سوى إقامة قيادتها الأفريقية في ألمانيا.

كان الاتحاد الأفريقي متماسكا بشكل ملحوظ في استجابته للقضايا الداخلية الأفريقية والدولية. وكان ترسيم الحدود في البلدان الأفريقية إحدى تداعيات الحكم الاستعماري. منذ بداية الاستقلال، كان القادة السياسيون الأفارقة قلقين للغاية بشأن قضية الحدود، التي تعد “عاملا خطيرا ودائما للخلاف”.

وينص “ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية” بوضوح على ما يلي: “احترام سيادة الدول الأعضاء وسلامتها الإقليمية وحقها غير القابل للتصرف في العيش المستقل…… تتعهد الدول الأعضاء بتسوية جميع النزاعات بينها بالوسائل السلمية…… تعلن رسميا التزام جميع الدول الأعضاء باحترام الحدود التي كانت قائمة وقت استقلالها الوطني.”

ولأكثر من 60 عاما، تجنبت البلدان الصراعات الناجمة عن الحدود غير المعقولة قدر الإمكان. نظرا لعدد الدول الأفريقية الكبير وامتلاكها ثلاثة مقاعد غير دائمة في مجلس الأمن الدولي، فإن ثقلها في التصويت ودعوتها الجماعية الموحدة جعلت من أفريقيا قوة مهمة في الشؤون الدولية. على سبيل المثال، في الدورة الاستثنائية الطارئة العاشرة للجمعية العامة للأمم المتحدة في 27 أكتوبر 2023، ضغطت الدول الأفريقية من أجل اعتماد قرار بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بأغلبية ساحقة (120 صوتا مؤيدا و 14 صوتا معارضا وامتناع 45 عن التصويت) بغض النظر عن معارضة الولايات المتحدة. في 2 نوفمبر 2023، اعتمدت الدورة الـ 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة مشروع القرار المقدم من كوبا “ضرورة إنهاء الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي الذي تفرضه الولايات المتحدة على كوبا”.

سياسة الصين تجاه أفريقيا وتطبيقها

تضرب العلاقات الصينية الأفريقية بجذورها في أعماق التاريخ. منذ استقلال البلدان الأفريقية، كان التفاعل بين سياسة الصين تجاه أفريقيا واستراتيجيتها العالمية واضحا جدا. يعترف العلماء الأفارقة بأن التعاون بين الصين وأفريقيا جزء مهم من كفاح الصين ضد الإمبريالية والاستعمار والتمييز العنصري.

“أثبتت بعض الحقائق أن الصين تولي أهمية كبيرة لأفريقيا. ومن بين هذه الحقائق تعهد المؤتمر التجاري الدولي الذي عقد في بكين في منتصف خمسينات القرن الماضي  بمساعدة البلدان الأفريقية في كفاحها من أجل الاستقلال، ودعم الصين لانتفاضة ماوماو، التي اعتبرتها الصين قوة معارضة للإمبريالية، والتأكيد الشهير الذي أدلي به رئيس مجلس الدولة الصيني تشو إن لاي خلال زيارته لأفريقيا في أواخر عام 1963 وأوائل عام 1964 بأن: “الثورة في أفريقيا ناضجة”، وإدانة الصين لـ”إعلان الاستقلال من جانب واحد” من قبل الروديسيين البيض (11 نوفمبر 1965)، وامتداد دعم الصين للحركات القومية إلى المستعمرات البرتغالية وزيمبابوي وجنوب أفريقيا وغرب جنوب أفريقيا والإدانة الصينية الثابتة للأنظمة العنصرية ومساعدتها لمعارضي هذه الأنظمة، ولا سيما مؤتمر عموم أفريقيا.”

إن الصين وأفريقيا تتشاطران مصيرا مشتركا. في عام 1959، قال الرئيس ماو تسي تونغ عندما التقى بالأصدقاء الأفارقة: “أنتم بحاجة إلى الدعم، ونحن بحاجة أيضا إلى الدعم، وجميع الدول الاشتراكية بحاجة إلى الدعم. من سيدعمنا؟

إن حركات التحرر الوطني في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية هي القوى الرئيسية التي تدعمنا…… يمكنكم اعتبار الصين صديقا لكم. يمكننا احتواء الإمبريالية وتشتيت قواها، ومنعها من تركيز جهودها لضغط أفريقيا.” وفي عام 1961، عندما التقى الرئيس ماو بأصدقاء في أفريقيا، قال: “أفريقيا هي الخط الأمامي للنضال…… أنتم تدعمون نضالنا، ونحن ندعم نضالكم”.

ولم يدافع الرئيس ماو عن مفهوم المساواة في المعاملة بين الصين وأفريقيا فحسب، بل أعرب بوضوح أيضا عن رغبة الصين في الدعم والمساعدة المتبادلتين بين الصين وأفريقيا. خلال زيارته لمصر في ديسمبر 1963، طرح رئيس مجلس الدولة الصيني تشو إن لاي خمسة مبادئ لعلاقات الصين مع الدول الأفريقية والعربية، وأعلن ثمانية مبادئ للمساعدة الاقتصادية والتقنية الخارجية للصين خلال زيارته لغانا.

وقد حقق التعاون بين الصين وأفريقيا نتائج ملحوظة، ويعتبر خط السكك الحديدية بين تنزانيا وزامبيا خير دليل على ذلك. وأشار الباحثون الأفارقة إلى أن “أول مساهمة كبيرة للصين في إنهاء الاستعمار في أفريقيا كانت بناء خط السكك الحديدية المكلف بين تنزانيا وزامبيا”.

وبالمقارنة مع الصين، قامت الولايات المتحدة والغرب بالتدخل العسكري الصارخ في أفريقيا وفرضت استراتيجيات تناسب مصالحهما الخاصة، وبالإضافة إلى ذلك، استخدمت الولايات المتحدة والغرب أيضا المساعدات كذريعة لعرقلة التنمية الاقتصادية للبلدان الأفريقية، مثل تقييد تنميتها الصناعية، والتدخل المتعمد في سياساتها باسم ما يسمى بـ “التحول الديمقراطي”، وعرقلة تنميتها الطبيعية من خلال التلاعب بقضايا حقوق الإنسان والبيئة وغيرها، وتشويه علاقات أفريقيا مع بلدان الأسواق الناشئة الأخرى. ومن أجل الحصول على المساعدة، لا تستطيع بعض الدول الأفريقية سوى تنفيذ “إصلاحات” مختلفة لا تتوافق مع واقعها وفقا لإرادة الولايات المتحدة والغرب، وقليل منها ينجح.

وحاول بعض القادة الأفارقة ذوي التفكير المستقل التحرر من سيطرة الولايات المتحدة والغرب واستكشاف طريق التنمية المستقلة، لكنهم اغتيلوا وأطيح بهم وأجبروا على المنفى، مثل باتريس لومومبا في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وأميلكار كابرال من غينيا بيساو، وكوامي نكروما في غانا. يعتقد الباحث الغاني كويسي براه” أنه إذا كان للأفارقة أسوأ عدو خاص بهم، فهو النظام يروجه العالم الغربي والذي يعيق التقدم الاقتصادي والتنمية في أفريقيا من ناحية، ومن ناحية أخرى يوجد به الحديث المستمر عن تقديم ’المساعدات’ لأفريقيا الفقيرة، وتحركات معنية”.

منذ بداية الإصلاح والانفتاح في الصين، أكملت سياسة الصين تجاه أفريقيا تدريجيا تحولا ثلاثيا من التأكيد على الأيديولوجية إلى عدم رسم خطوط أيديولوجية، ومن مجال تبادل واحد إلى مجالات متعددة، ومن التأكيد على المساعدة الاقتصادية إلى التأكيد على المنفعة المتبادلة والتعاون المربح للجانبين. منذ ثمانينيات القرن الماضي شهد التعاون الاقتصادي بين الجانبين آفاقا أوسع.

ومنذ عام 1991، ظلت أفريقيا وجهة أول زيارة خارجية سنوية لوزراء الخارجية الصينيين. ومن أجل تعزيز التعاون بين الصين وأفريقيا في ظل الوضع الجديد، والاستجابة المشتركة لتحديات العولمة الاقتصادية، والسعي إلى تحقيق التنمية المشتركة، عقد المؤتمر الوزاري لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي في بكين في أكتوبر عام 2000 بمبادرة مشتركة من الصين وأفريقيا، حيث أنشئ المنتدى رسميا.

واعتمدت قمة بكين لعام 2018 لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي “إعلان بكين بشأن بناء مجتمع مصير مشترك صيني- أفريقي أوثق” و”خطة عمل بكين لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي (2019-2021)”. وفي المؤتمر الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني-الأفريقي في عام 2021، أكد الرئيس شي جين بينغ أنه من خلال الجهود المشتركة للصين وأفريقيا، ستعزز الصين وأفريقيا بناء مجتمع مصير مشترك رفيع المستوى بين الصين وأفريقيا.

إن علاقات التعاون بين الصين وأفريقيا مبنية على أساس المساواة والتنمية المشتركة. منذ أن طرح الرئيس شي جين بينغ مبادرة “الحزام والطريق” في عام 2013، التزمت الصين دائما بالمبادئ المتمثلة في الشفافية والعملية والحميمية والصدق ومبدأ التشاور والتشارك والتنافع. وفي الوقت نفسه، تتمتع أفريقيا بمزايا فريدة في البناء المشترك لـ”الحزام والطريق”.

إذ يتمتع الجانبان بتاريخ طويل من العلاقات والقيم الثقافية والتجارب التاريخية المتشابهة. لقد عزز قادة الجانبين بنشاط المساواة والمنفعة المتبادلة، وآلية التعاون بينهما ناضجة ومستقرة، ويمتلك أبناء الشعب الصيني موارد وفيرة، كما أن أساس الصداقة بين الشعبين عميق، والشعب الأفريقي يشيد بإنجازات الصين في بناء البنية التحتية في أفريقيا.

وفي قمة جوهانسبرج لمنتدى التعاون الصيني-الأفريقي لعام 2015، اتفق القادة الأفارقة على أن مبادرة “الحزام والطريق” مهمة جدا لأفريقيا، وترحب الدول الأفريقية بمشاركة الصين النشطة في بناء السكك الحديدية والطرق السريعة والموانئ وغيرها من البنية التحتية وترابطها في أفريقيا، فضلا عن نقل الطاقة الإنتاجية العالية الجودة إلى أفريقيا.

وتتمتع أفريقيا بإمكانات كبيرة في مجالات السكان، والأراضي الصالحة للزراعة، وتحويل الصناعة والبنية التحتية والارتقاء بها، وتحسين معيشة الشعب، وهو ما يناسب طلب الصين على نقل رأس المال والصناعة والتكنولوجيا إلى الخارج. وقال الرئيس الناميبي حاجي جينجوب إن الصين تعامل دائما الدول الأفريقية الصغيرة والمتوسطة على قدم المساواة، ودعمت قضية أفريقيا العادلة في الماضي، وتواصل مساعدة تنمية أفريقيا اليوم. ويعتقد الرئيس الرواندي بول كاغامي أن الصين تعامل دائما أفريقيا على قدم المساواة، وذلك “أثمن من المال”.

العلاقة بين التعاون الصيني الأفريقي واستراتيجية الصين العالمية

تاريخيا، يرتبط التعاون بين الصين وأفريقيا ارتباطا واضحا بالاستراتيجية العالمية للصين. وتعد أفريقيا شريكا تعاونيا استراتيجيا شاملا مهما للصين، وتعد سياسة الصين تجاه أفريقيا جزءا مهما من الاستراتيجية الدبلوماسية للصين.

 إن أفريقيا ليست فقط موردا مهما للمواد الاستراتيجية للصين، ولكنها أيضا وجهة رئيسية لاستثمارات الصين في الخارج وصادراتها من السلع. وباعتبارها شريكا مهما في الطاقة الإنتاجية، توفر أفريقيا طريقة جديدة للشركات الصينية للوصول إلى الأسواق العالمية. لقد أسفر التعاون بين أفريقيا والصين عن نتائج مثمرة، لم يقتصر فقط على تحسين البنية التحتية ومستويات معيشة الشعب، ولكنه أيضا حقق فوائد بشكل كبير في مجال تبادل الخبرات في إدارة شؤون الدولة، ورفع صوت الجانبين على الساحة الدولية، ليشعر الجانبين بالفعل بأهمية التعاون فيما بين بلدان الجنوب.

يشهد النظام الدولي فترة حرجة من التغييرات الكبيرة، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة والغرب لا تزالان تهيمنان على النظام الدولي، وخاصة من خلال استخدام الولايات المتحدة للعقوبات كأداة سياسية و”تسليحها”، إلا أن التأثير المضاد لذلك أصبح واضحا بشكل متزايد. قال مايك بيلينغتون من معهد شيلر: “لقد تغير المشهد العالمي بشكل جذري، حيث إن دول بريكس متحدة الآن ضد سياسات الحرب وسياسات العقوبات للمملكة المتحدة والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، وبشكل أساسي يسعى الجنوب العالمي بأكمله علنا للانضمام إلى بريكس أو المشاركة في تعاون”الحزام والطريق”، وكسر هيمنة الدولار في التجارة العالمية”.

وقال تشارلز فريمان، الخبير الأمريكي في شؤون الصين: “لقد انتهت خمسة قرون من الهيمنة الأوروبية الأطلسية، والولايات المتحدة هي خليفة الاستعمار الأوروبي. إن المؤسسات البديلة مثل مجموعة بريكس تظهر باستمرار. وبوسعنا أن نذكر أيضا منظمة شانغهاي للتعاون، وبنك التنمية الجديد في إطار مجموعة بريكس، وتوسع حرية تحرك البلدان المتوسطة الحجم مثل المملكة العربية السعودية، التي لديها الآن خيار عدم الالتزام بالولاء للولايات المتحدة. وأشار رحمن، وهو باحث بنغلاديشي، إلى أن العالم يمر بمنعطف حرج، حيث يظهر النظام الدولي الأحادي القطب تحت هيمنة الولايات المتحدة علامات على إفساح المجال لتطور التعددية المستمر.

وفي عملية التغيرات العميقة في النظام العالمي، يكتسي التعاون بين الصين وأفريقيا أهمية استراتيجية خاصة. تنعكس العلاقة بين العلاقات الصينية الأفريقية والاستراتيجية العالمية للصين بشكل أساسي في تنفيذ استراتيجية الصين العالمية من خلال سياسة الصين تجاه أفريقيا، وتعزيز الحوكمة العالمية من خلال التعاون الصيني الأفريقي، وتشكيل جبهة دولية موحدة مع “الجنوب العالمي” لتعزيز الديمقراطية في العلاقات الدولية. وتنعكس العلاقة بين الإثنين في ثلاثة جوانب هي التعاون في العمل، والإجماع في المفاهيم، والتغيير المؤسسي.

أولا التعاون في العمل:

تحتاج الصين إلى ترجمة مفاهيمها وخططها الاستراتيجية الرئيسية للعصر الجديد على أرض الواقع، والتي شملت مجتمع مصير مشترك للبشرية، ومبادرة “الحزام والطريق”، ومبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمي، ومبادرة الحضارة العالمية. تتمتع أفريقيا والصين بتعاون طويل الأمد وهما صديقان مخلصان وشريكان موثوق بهما. كما حظيت سياسات الصين وإجراءاتها التعاونية بشأن أفريقيا بتأييد أصحاب البصيرة. وقال الخبير الاقتصادي الأمريكي جيفري ساكس: “الأفارقة لديهم معدل ادخار منخفض للغاية ويحتاجون إلى تمويل دولي خارجي، مثل بنك التنمية الأفريقي أو مبادرة “الحزام والطريق”، لتمويل بناء البنية التحتية في أفريقيا”.

 لقد حقق التعاون بين الصين وأفريقيا نتائج متتالية، مثل سكة حديد مومباسا – نيروبي في كينيا، التوسعة الجديدة لمطار بولي الدولي في إثيوبيا، ومشاريع محطات الطاقة الكهروضوئية في الجزائر، والاتصالات الريفية والشبكة الرقمية في غانا، ومرافق الإضاءة العامة في مدينة لوكوسا في بنين، ومشروع محطة زونغيريو للطاقة الكهرومائية في نيجيريا، ومركز البيانات السحابية التابع لوزارة المالية في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وما إلى ذلك. و دخلت المنتجات الزراعية الأفريقية مثل الشاي الأسود في كينيا، وبذور السمسم في إثيوبيا، وإبرة الراعي في مدغشقر، ومسحوق فاكهة الباوباب في ناميبيا، دخلت السوق الصينية أيضا، وكلها نتائج تعاون متبادل المنفعة بين الصين وأفريقيا. تم تنفيذ مبادئ مبادرة التنمية العالمية بشكل ملموس في التعاون بين الصين وأفريقيا.

ثانيا الإجماع في المفاهيم:

 إن طرح وتنفيذ بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية هو نموذج للتوافق بين الصين وأفريقيا. في نوفمبر 2012، طرح المؤتمر الوطني الـ18 للحزب الشيوعي الصيني دعوة إلى “الوعي بمجتمع مصير مشترك للبشرية”. في عام 2013، طرح الرئيس شي جين بينغ لأول مرة في خطابه في دار السلام، بتنزانيا، أن الصين وأفريقيا كانتا ولا تزالان دائما مجتمعا ذا مصير مشترك. في عام 2015، في المناقشة العامة للدورة الـ70 للجمعية العامة للأمم المتحدة، أكد الرئيس شي جين بينغ على بناء نوع جديد من العلاقات الدولية التي تركز على التعاون المربح للجميع وبناء مجتمع مصير مشترك للبشرية. وفي عام 2018، عقدت قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني-الأفريقي بنجاح تحت شعار “التعاون المربح للجانبين، والعمل معا لبناء مجتمع مصير مشترك أوثق بين الصين وأفريقيا”، حيث قرر الجانبان بالإجماع بناء مجتمع مصير مشترك أوثق بين الصين وأفريقيا.

في عام 2023، صوتت لجنة نزع السلاح والأمن الدولي التابعة للدورة الـ 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة (اللجنة الأولى للجمعية العامة) واعتمدت قرارات مثل “مزيد من التدابير العملية لمنع سباق التسلح في الفضاء الخارجي” و”عدم البدء بوضع أسلحة في الفضاء الخارجي”، ومدرجة فيهما رؤية الصين لبناء مجتمع مصير مشترك للبشرية. وكانت هذه هي السنة السابعة على التوالي التي يدرج فيها مفهوم بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ثالثا التغيير المؤسسي:

باعتبارها قوة دافعة مهمة لإصلاح نظام الحوكمة العالمية، تدعو الدول الأفريقية عموما إلى إصلاح النظام الدولي الحالي وقواعده، لأن معظم المؤسسات الدولية والقواعد الأساسية ذات الصلة تم إنشاؤها أو صياغتها بعد الحرب العالمية الثانية، حيث كانت معظم الدول الأفريقية تحت الحكم الاستعماري، ولم يتم تجسيد وحماية مصالحها وهمومها ومطالبها الوطنية.

وتدعو الصين إلى التعددية الحقيقية وبناء المؤسسات للتعاون الدولي، وتشجع بنشاط على تعزيز صوت “الجنوب العالمي” وقوته في صنع القرار في الشؤون الدولية، ليلعب دورا مهما. وعلى أساس دعم النظام الدولي وفي القلب منه الأمم المتحدة، تدعم الصين بقوة البلدان الأفريقية في الإصلاح الابتكاري لإقامة علاقات دولية عادلة ومعقولة، وتشارك بنشاط في إنشاء آليات جديدة للتعاون فيما بين بلدان الجنوب وتشجع على إنشائها، وتوفر المزيد من فرص التنمية لـ”الجنوب العالمي”. وكنموذج للتضامن والتعاون بين بلدان “الجنوب العالمي”، ستلعب الصين وأفريقيا دورا هاما في إصلاح نظام الحوكمة العالمية.

وعلى خلفية التغيرات العميقة في النظام العالمي، ينبغي للصين أن تولي اهتماما للجوانب التالية عند التعامل مع أفريقيا والبلدان النامية الأخرى. الهدف المشترك للبلدان النامية هو التمسك بمبدأ التنمية والسعي إلى تحقيق السلام والاستقرار والتنمية. إن استعداد الصين لمساعدة هذه الدول على التطور معا هو اختلافها الأساسي عن القوى الغربية، وهذا يمثل جوهر تعزيز بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية.

ومن الضروري تسليط الضوء على النقاط الرئيسية، وتوسيع الأفكار، وتعزيز التبادلات والتعلم المتبادل بين الصين والقوى الإقليمية، والبلدان ذات التراكم التاريخي العميق، والبلدان ذات الهويات الاستراتيجية الغامضة نسبيا، من أجل تعزيز فعالية التعاون. ويتعين علينا اغتنام الفرص الكبرى التي أتاحها التآزر بين استراتيجيات التنمية الصينية-الأفريقية والبناء المشترك العالي الجودة لـ”الحزام والطريق”، ومواصلة تعزيز تنمية الشراكة التعاونية الاستراتيجية الشاملة بين الصين وأفريقيا إلى أعلى مستويات وفي أوسع مجالات.

 

 

 

By amine

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *