إعداد يو جيانغ باحث ونائب رئيس المعهد الصيني للدراسات الدولية 20-09-2024
في عالم اليوم، تتسارع التغيرات التي لم يشهدها العالم منذ قرن، ودخل الهيكل العالمي في فترة من التطور والتحول والتكيف الكبير، مع تزايد عوامل عدم الاستقرار وعدم اليقين، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن الاتجاه التاريخي للسلام والتنمية والتعاون والفوز المشترك لا يمكن إيقافه. وتحدد إرادة الشعوب والاتجاه العام مصير البشرية الذي سيكون مشرقا في نهاية المطاف.
وأشار مؤتمر العمل المركزي للشؤون الخارجية نهاية ديسمبر 2023 إلى أن العالم دخل فترة جديدة من الاضطرابات والتحولات، ومع ذلك فلن يتغير الاتجاه العام للتنمية البشرية والتقدم، ولن يتغير المنطق العام لتاريخ العالم المتمثل في التقدم وسط التقلبات والمنعطفات، ولن يتغير الاتجاه العام للمجتمع الدولي بشأن وجود مصير مشترك.
وتعد الرؤية الصحيحة لوضع التنمية في أفريقيا عنصرا رئيسيا في فهم وإدراك الوضع الدولي بشكل شامل، كما أنها شرط أساسي لمواصلة تعميق العلاقات بين الصين وأفريقيا.
أفريقيا تصبح قطبا هاما ذا نفوذ عالمي
أكد الأمين العام شي جين بينغ في مؤتمر العمل المركزي للشؤون الخارجية الذي عقد في يونيو 2018 أن الرؤية الصحيحة للتاريخ تعني أننا لا يجب أن ننظر فقط إلى الوضع الدولي الحالي، ولكن أيضا استخدام التلسكوب التاريخي لمراجعة الماضي وتلخيص قوانين التاريخ، والتطلع إلى المستقبل، وفهم الاتجاه العام للتاريخ. وتاريخيا، لم يكتف مؤتمر باندونغ في عام 1955 بالدفاع عن “روح باندونغ” لمناهضة الإمبريالية والاستعمار والسعي من أجل الاستقلال الوطني والحماية المشتركة للسلام العالمي، بل عزز أيضا تطوير حركات الاستقلال الوطني الأفريقي. وبعد أكثر من 60 عاما من الاستكشاف الشاق، تبشر مشاريع التكامل والتحديث في أفريقيا بمستقبل مشرق.
وعلى مدى السنوات الستين الماضية، تخلصت أفريقيا ككل تدريجيا من إرث الاستعمار، وحققت تحولا سريعا إلى الأمام في اقتصادها ومجتمعها الداخليين، وأرست الأساس للتنمية المستقلة. وعلى مدى السنوات الستين الماضية، حسنت البلدان الأفريقية قدراتها في مجال الحكم بشكل مطرد، وعززت بشكل كبير استقلالها السياسي، وأيقظت وعيها بحماية الحقوق. وعلى مدى السنوات الستين الماضية، بذلت أفريقيا قصارى جهدها للتخلص من أغلال الاستعمار الثقافي، ورُسخ ووُطد وعي الدول القومية تدريجيا.
ولأكثر من 60 عاما، وتحت قيادة “حركة الوحدة الأفريقية” (Pan-Africanism)، سارت الدول الأفريقية إلى الأمام على طول المسار التحديثي للاستقلال والاعتماد على الذات والتعاون المشترك وتعزيز التكامل، مما أظهر القوة الأفريقية في النضال من أجل حماية التعددية والدفاع عن المصالح المشتركة للدول النامية. وقد أحرزت “أجندة الاتحاد الأفريقي 2063” تقدما مطردا، ونفذت منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية رسميا، وتعزز التعاون المتبادل بين المنظمات دون الإقليمية بشكل مستمر.
ولا تواجه أفريقيا العديد من الصعوبات والتحديات فحسب، بل تتمتع أيضا بجانب إيجابي في التنمية والتنشيط والوحدة والاعتماد على الذات. ومن الناحية الواقعية، أظهرت معضلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الحالية في أفريقيا اتجاهاً جيداً نحو الارتداد والتعافي.
وبحسب “تقرير آفاق الاقتصاد العالمي” الصادر عن صندوق النقد الدولي في أكتوبر 2023، من المتوقع أن يرتفع معدل النمو الاقتصادي في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى إلى 4% في عام 2024. وفيما يتعلق بالتوازن المالي والدين العام، فإن لدى أفريقيا أيضاً توقعات قوية ببلوغ أدنى مستوياتها وبدء ارتفاعها.
ووفقا لبيانات صندوق النقد الدولي، شكل العجز المالي في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى 4.2% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023، وهو تحسن كبير من 6.5% في عام 2020، ومن المتوقع أن ينخفض إلى 3.7% في عام 2024. ويمكن للمزيد من التحليل كشف أنه في عام 2023، كانت نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي في الاقتصادات الأفريقية المتوسطة الدخل أعلى من نظيرتها في الاقتصادات المنخفضة الدخل، ويوضح ذلك تماما أن البلدان ذات الديون المرتفعة لديها قدرة معينة على التطور بالاستدانة.
ومن حيث جذب الاستثمار الدولي، جذبت أفريقيا 45 مليار دولار أمريكي من الاستثمار الأجنبي المباشر في عام 2022. وارتفع عدد المشاريع الخضراء الجديدة بنسبة 39% إلى 766 مشروعا.
ومن بين أكبر 15 مشروعا أخضر استثماريا في العالم، هناك ستة منها في أفريقيا، وتبلغ قيمة كل منها أكثر من 10 مليارات دولار أمريكي. وعلى الرغم من مواجهة عوامل عدم اليقين المختلفة، فلا يزال الاقتصاد الأفريقي يظهر مرونة نادرة في سياق الانتعاش البطيء للاقتصاد العالمي.
وأشارت “وثيقة سياسة الصين بشأن أفريقيا” الصادرة عام 2015، إلى أن أفريقيا أصبحت إحدى القارات التي تتمتع بأسرع نمو اقتصادي وأكبر إمكانات تنموية في العالم، وهي قطب مهم على الساحة السياسية العالمية، وقطب جديد للنمو الاقتصادي العالمي، وقطب متنوع للحضارة الإنسانية. وقد أصبحت أفريقيا قوة رئيسية في تعزيز التغييرات في المنظومة الدولية والنظام الدولي.
وفي يونيو 2023، التقى وفد مكون من قادة وممثلين رفيعي المستوى من سبع دول أفريقية مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على التوالي، وطرحوا 10 اقتراحات للحل السلمي للصراع.
وبذلت الدول الأفريقية جهودا لتعزيز وقف إطلاق النار وقد لقيت هذه الجهود استحسانا من جميع الأطراف. وهذه المرة، تجاوزت البلدان الأفريقية الولايات المتحدة والغرب للتوسط بشكل مستقل في الأزمة الأوكرانية، مما أظهر الدور الذي تضطلع به أفريقيا باعتبارها قوة دولية مهمة ومواصلة تعزيز تنمية عالم متعدد الأقطاب.
وفي أغسطس 2023، استضافت جنوب أفريقيا قمة البريكس الرفيعة المستوى، مما عزز التوسع التاريخي لآلية تعاون البريكس، وأصبحت دول أفريقية مثل مصر وإثيوبيا أعضاء جددا في البريكس. وفي الأول من يناير 2024، توسعت البريكس رسميًا لتشمل 10 دول أعضاء، بما يتوافق مع الاتجاه التاريخي للتعددية القطبية العالمية ويظهر بشكل كامل الآفاق المشرقة لتعاون البريكس. وفي الوقت الحاضر، هناك 3 دول أفريقية من أصل الدول الـ10 الأعضاء بالبريكس، وقد تكثف اللون الأفريقي في آلية البريكس بشكل أكثر. ويفتح هذا التوسع حقبة جديدة أمام “الجنوب العالمي” ليتحد ويعزز نفسه.
وفي سبتمبر 2023، أصبح الاتحاد الأفريقي عضوا رسميا في مجموعة العشرين. وقالت المتحدثة باسم الاتحاد الأفريقي إيبا كالوندو إن انضمام الاتحاد إلى عضوية مجموعة العشرين يعد حدثا ذا أهمية تاريخية مهمة، فهو لا يمثل اعتراف المجتمع الدولي بأفريقيا فحسب، بل يعكس أيضا تنوع وشمول نظام الحوكمة العالمي.
وفي نوفمبر 2023، اتفق ممثلو الاتحاد الأفريقي والجماعة الكاريبية في قمة عقدت في غانا على إنشاء صندوق تعويضات عالمي لتشجيع الدول الأوروبية على الاعتذار رسميا وتعويض الأفارقة المستعبدين أثناء تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي. وتُظهر “حركة المطالبات” أن الدول الأفريقية تتحد للتحدث علنًا بشكل جماعي والنضال من أجل المزيد من الحقوق والمصالح لأنفسهم.
تنمية العلاقات الصينية الأفريقية في العصر الجديد تواصل تحقيق نتائج مهمة
في عام 2013، قام الأمين العام شي جين بينغ بأول جولة رسمية له في أفريقيا وطرح المبادئ تجاه افريقيا المتمثلة في الشفافية والعملية والحميمية والصدق والفهم الصحيح للمسؤولية الأخلاقية والمصلحة، والتي أوضحت الاتجاه الصحيح والقواعد الأساسية للتعاون مع أفريقيا في العصر الجديد. وعلى مدى السنوات العشر الماضية، واسترشادا بهذه المبادئ، حقق التعاون الصيني الأفريقي نتائج مثمرة وضرب مثالا ساطعا لبناء نوع جديد من العلاقات الدولية.
أولا، مواصلة تعزيز الثقة السياسية المتبادلة:
تعد الدرجة العالية من الثقة السياسية المتبادلة سمة هامة وميزة فريدة للعلاقات الصينية الأفريقية. وتشكلت الوحدة والصداقة بين الصين وأفريقيا في النضال المشترك من أجل التحرير الوطني، وتسامت في رحلة التنمية والتنشيط المشتركين.
وأنشأت قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي عام 2006 شراكة استراتيجية جديدة بين الصين وأفريقيا. وأقامت قمة جوهانسبرج لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي عام 2015 شراكة تعاونية استراتيجية شاملة بين الصين وأفريقيا. وقررت قمة بكين 2018 لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي بناء مجتمع صيني أفريقي أوثق ذي مصير مشترك. وطرح المؤتمر الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي في عام 2021 روح التعاون الودي بين الصين وأفريقيا المتمثلة في “الإخلاص والصداقة والمعاملة المتساوية، والمنفعة المتبادلة والتنمية المشتركة، ودعم العدالة والدفاع عنها، والتكيف مع الوضع الحالي، والانفتاح والشمول”.
وعلى المستوى الوطني، أعلنت الصين في أكتوبر 2023، عن إقامة شراكة استراتيجية في جميع الأحوال مع إثيوبيا، ففتحت فصلا جديدا في العلاقات بين البلدين وبين الصين وأفريقيا. وصادف عام 2023 الذكرى السنوية الـ25 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وجنوب أفريقيا.
وعلى مدى السنوات الـ25 الماضية، حققت العلاقات بين الصين وجنوب أفريقيا قفزة في التطوير من الشراكة والشراكة الاستراتيجية إلى الشراكة الاستراتيجية الشاملة، ودخلت مرحلة جديدة من البناء المشترك لمجتمع الصين وجنوب أفريقيا رفيع المستوى ذي المصير المشترك.
ثانيا، تحسين نوعية التعاون العملي:
يشكل عمق واتساع التعاون العملي أساسا هاما لاختبار العلاقات الثنائية. ويتسم التعاون العملي بين الصين وأفريقيا بحجم كبير ونمو سريع. وفي عام 2022، وصل حجم التجارة بين الصين وأفريقيا إلى 282 مليار دولار أمريكي، وهو رقم قياسي. وفي الفترة من يناير إلى يونيو 2023، بلغ حجم التجارة بين الصين وأفريقيا 140.9 مليار دولار أمريكي، بزيادة سنوية قدرها 3.1%.
وظلت الصين أكبر شريك تجاري لأفريقيا لمدة 15 عاما على التوالي. وفي الفترة من يناير إلى يونيو 2023، بلغ الاستثمار المباشر للصين في جميع القطاعات الأفريقية 1.82 مليار دولار أمريكي، بزيادة سنوية قدرها 4.4%. وفي عام 2022، تجاوزت قيمة عقود المقاولات الهندسية الموقعة حديثًا من قبل الصين في أفريقيا 73.2 مليار دولار أمريكي، وبلغت قيمة العقود المنفذة 37.84 مليار دولار أمريكي.
وفي الفترة من يناير إلى يونيو 2023، بلغت قيمة عقود المقاولات الهندسية الموقعة حديثًا من قبل الصين في إفريقيا 28.4 مليار دولار أمريكي، بزيادة سنوية قدرها 7.64%.
وفي السنوات الأخيرة، تطور الاقتصاد الرقمي العالمي بسرعة، مما أتاح الفرص لأفريقيا لتحقيق قفزات تنموية. مع الأخذ في الاعتبار العدد الكبير من الشباب في أفريقيا والإمكانات الكبيرة للتنمية الاقتصادية الرقمية، صاغت ونفذت الصين وأفريقيا بشكل مشترك “خطة شراكة الابتكار الرقمي بين الصين وأفريقيا” بغية بذل جهود في البنية التحتية الرقمية والاقتصاد الرقمي والتعليم الرقمي وغيرها من المجالات لمساعدة أفريقيا على التمتع بالمكاسب الرقمية. وبالإضافة إلى ذلك، تطور التعاون العملي بين الصين وأفريقيا على نحو استراتيجي عميق. وصاغت الصين وأفريقيا بشكل مشترك “رؤية 2035 للتعاون الصيني الأفريقي”، والتي تتوافق تماما مع أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030، و”أجندة 2063” للاتحاد الأفريقي واستراتيجيات التنمية للدول الأفريقية، وحددت الاتجاه وأهداف التعاون على المدى المتوسط والطويل.
ثالثا، ثبات وقوة الدعم المتبادل:
تدعم الصين بقوة أفريقيا في تحسين تمثيلها في المؤسسات الدولية. وتنص “وثيقة سياسة الصين بشأن أفريقيا” على أن الصين تدعم الإصلاح الشامل للأمم المتحدة وتدعو إلى إعطاء الأولوية لزيادة تمثيل وصوت البلدان الأفريقية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والمؤسسات الأخرى لحل المظالم التاريخية التي عانت منها أفريقيا.
وأعرب الأمين العام شي جين بينغ في مؤتمر حوار قادة الصين وأفريقيا لعام 2023 عن دعمه للترتيبات الخاصة لإعطاء الأولوية لحل مطالب أفريقيا بشأن إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ودعا المؤسسات المالية المتعددة الأطراف إلى زيادة صوت البلدان الأفريقية.
وتدعو “وثيقة سياسة الصين بشأن أفريقيا” مجموعة العشرين إلى تعزيز الحوار مع أفريقيا ودعم مشاركة أفريقيا في شؤون مجموعة العشرين. وبحلول عام 2023، وبدعم قوي من الصين، انضم الاتحاد الأفريقي بنجاح إلى مجموعة العشرين. وظل الدعم بين الصين وأفريقيا متبادلا في المحافل الدولية.
وعلى وجه الخصوص قبل أكثر من 50 عاما، أصدرت الدورة السادسة والعشرون للجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة القرار رقم 2758، الذي أعاد إلى جمهورية الصين الشعبية مقعدها الشرعي في الأمم المتحدة. وكانت11 دولة من أصل 23 دولة قدمت الاقتراح من أفريقيا، و26 من أصل 76 صوتًا مؤيدًا من أفريقيا.
وفي السنوات الأخيرة، هاجمت الولايات المتحدة والدول الغربية الصين بشكل متكرر وشوهت سمعتها بشأن القضايا المتعلقة بتايوان وهونغ كونغ وشينجيانغ وشيتسانغ وجائحة كوفيد-19.
ودعم عدد كبير من البلدان الأفريقية، إلى جانب معظم البلدان في جميع أنحاء العالم، بقوة الموقف الشرعي للصين في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، واللجنة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة وغيرها من المناسبات، وأحبطت مؤامرة الولايات المتحدة والغرب، وحافظت بشكل فعال على الإنصاف والعدالة الدولية. وبالإضافة إلى ذلك، عملت الصين أيضا مع أفريقيا لحماية نظام تجاري متعدد الأطراف غير تمييزي ومنفتح وشامل وشفاف، وشاركت في الترويج للمؤتمر الوزاري الثاني عشر لمنظمة التجارة العالمية الذي حقق نتائج فاقت التوقعات.
الصين وأفريقيا تتمتعان بآفاق واسعة لبناء مجتمع رفيع المستوى ذي مصير مشترك
أشار مؤتمر العمل المركزي للشؤون الخارجية الذي عقد في نهاية عام 2023 إلى أنه استجابة لسلسلة من القضايا والتحديات الرئيسية التي تواجه العالم اليوم، فإن الصين تدعو إلى تعددية أقطاب عالمية متساوية ومنظمة وعولمة اقتصادية مفيدة وشاملة للجميع.
ويتحلى هذان “الاقتراحان الرئيسيان” بأهمية عملية وتوجيهات استراتيجية قوية، وسيوفران ظروفا أكثر ملاءمة للصين وأفريقيا لبناء مجتمع رفيع المستوى ذي مصير مشترك بشكل مشترك. ويتماشى الوقوف عند نقطة بداية تاريخية جديدة، وبناء مجتمع ذي مصير مشترك رفيع المستوى مع التوقعات المشتركة للشعبين الصيني والأفريقي، ويتوافق مع الاتجاه التاريخي للمصير المشترك للبشرية جمعاء.
أولا، إن المبادئ تجاه افريقيا المتمثلة في الشفافية والعملية والحميمية والصدق والفهم الصحيح للمسؤولية الأخلاقية والمصلحة. توفر إرشادا أيديولوجيا قويا لبناء مجتمع صيني أفريقي رفيع المستوى ذي مصير مشترك. وظلت الصين تتمسك دائما بهذه المبادئ، وعملت مع الأصدقاء الأفارقة لاستخلاص القوة من روح التعاون الودي بين الصين وأفريقيا، والمضي قدما بثبات على طريق الوحدة والتعاون، والدخول في مرحلة جديدة من البناء المشترك لمجتمع صيني أفريقي رفيع المستوى ذي مصير مشترك. وبالنظر إلى المستقبل، فإن المبادئ تجاه افريقيا المتمثلة في الشفافية والعملية والحميمية والصدق، سوف تستمر في إظهار طبيعته المتقدمة وحيويته.
ويعتبر تعدد الأقطاب الاتجاه الأساسي لعالم اليوم. وتعارض الصين الهيمنة وسياسات القوة، واحتكار الشئون الدولية من قِبَل قِلة من البلدان، والسرد التقليدي الذي يساوي التعددية القطبية مع قِلة من القوى الغربية. وتدعو الصين إلى أن العالم المتعدد الأقطاب لابد أن يكون متساويا، وتصر على ضرورة أن تكون كافة البلدان، كبيرها وصغيرها، متساوية، وأن كل دولة أو مجموعة من الدول، وخاصة الدول الأفريقية، يجب أن يكون لها مكانها الخاص في نظام الحوكمة العالمية. وسوف يتقدم التعاون الصيني الأفريقي دائما على الطريق مسترشدا بروح التعاون الودي بين الصين وأفريقيا، وسيبنى أساس التعاون العملي بين الجانبين بشكل أكثر صلابة.
ثانيا، باعتبارها أكبر دولة نامية في العالم، فإن الصين وأفريقيا شريكتان في التحديث. ومنذ أن اشتركت الصين وأفريقيا في بناء “الحزام والطريق”، حققتا نتائج مثمرة في العديد من المجالات مثل التحديثين الصناعي والزراعي. وفي الوقت الحالي، تسير الصين نحو هدفها المئوي الثاني وتعزز بشكل شامل عملية النهضة العظيمة للأمة الصينية من خلال التحديث الصيني النمط. وتتجه أفريقيا نحو الرؤية المبينة في “أجندة 2063″، والتي تتمثل في تسريع التكامل الاقتصادي وبناء التحديث.
ولدى الصين وأفريقيا مسارات مختلفة لتحقيق التحديث، لكن أهدافهما ومهامهما متشابهة، وتتقارب مفاهيمهما للتحديث تدريجيا. ويعتمد التحديث الصيني النمط على البر الرئيسي الصيني ومع ذلك فإنه يشمل كل شيء، وقد استهل مسارا جديدا للتحديث يختلف عن الدول الغربية. وكان نجاح التحديث الصيني النمط سبباً في دفع العديد من البلدان الأفريقية إلى البدء في “النظر شرقاً” وتعزيز التبادلات والتعلم.
إن الصين مناصرة وناشطة في دعم التنمية والتنشيط في أفريقيا. وفي الحوار بين قادة الصين وأفريقيا في أغسطس 2023، أطلقت الصين “مبادرة دعم التصنيع الأفريقي” وتعهدت بحشد حماسة موارد وشركات التعاون الصينية في أفريقيا لدعم هذه القارة في تطوير قطاعها الصناعي وتحقيق التصنيع والتنويع الاقتصادي.
والتزمت الصين بتنفيذ “خطة الصين لمساعدة أفريقيا في التحديث الزراعي” لمساعدة أفريقيا على توسيع زراعة المحاصيل الغذائية، وتشجيع الشركات الصينية على زيادة الاستثمار الزراعي في أفريقيا، وتعزيز التعاون في العلوم والتكنولوجيا الزراعية مثل قطاع إكثار البذور، ومساعدة الزراعة الأفريقية على التحول والارتقاء.
وأعلنت الصين عن تنفيذ “خطة التعاون الصيني الأفريقي في تدريب المواهب”، والتي تخطط لتدريب 500 من مديري المدارس المهنية والمعلمين الرئيسيين في أفريقيا كل عام، وتنمية 10 آلاف موهبة مركبة بـ”اللغة الصينية + المهارات المهنية”.
ثالثا، هناك مصالح استراتيجية مشتركة واسعة النطاق وعميقة بين الصين وأفريقيا. وتعد الصين أكبر دولة نامية وقوة كبيرة، فضلا عن كونها أكبر اقتصاد بين دول “الجنوب العالمي”.
وقد وقفت الصين دائما جنبا إلى جنب مع غالبية الدول النامية وتدعم بقوة زيادة تمثيل الدول النامية وصوتها في نظام الحوكمة العالمية. وتشكل أفريقيا عنصرا أساسيا في “الجنوب العالمي”، فهي تعاني من أبرز المظالم في النظام الدولي القائم، ولديها الرغبة الأكثر إلحاحا في بناء نظام دولي عادل ومعقول. وأصبحت الصين وأفريقيا شريكين طبيعيين في العمل المشترك على تعزيز إقامة نظام دولي عادل ومعقول.
ويعتبر تكاتف الجهود لتعزيز نظام دولي أكثر عدلا ومعقولة مطلبا حتميا للصين وأفريقيا لبناء مجتمع رفيع المستوى ذي مصير مشترك. ويعني الحفاظ بقوة على السلام والاستقرار العالميين في الوقت الحاضر حماية المصالح الأساسية لجميع الدول، وخاصة الدول النامية. وتبذل أفريقيا جهودا متواصلة لتحقيق هدف “إسكات الأسلحة”. وتمارس الصين مع أفريقيا مفهوما أمنيا مشتركا وشاملا وتعاونيا ومستداما، وتدعو إلى تجاوز الخلافات من خلال الحوار وحل النزاعات من خلال التعاون، وتعزز التسوية السياسية للقضايا الساخنة الدولية والإقليمية، وتحافظ بشكل مشترك على بيئة عالمية سلمية وآمنة.
وتدعو الصين إلى أن تكون العولمة الاقتصادية مفيدة وشاملة للجميع. وتؤيد الصين المصالح المشروعة والشواغل المعقولة للدول الأفريقية، وتهتم بحل المشاكل الهيكلية التي تعوق التنمية السليمة للاقتصاد العالمي، وخاصة الاقتصاد الأفريقي.
وباعتبارها دولة ذات سوق ناشئة، تعرضت التنمية في الصين لقمع واحتواء بشكل متكرر من قبل الدول المهيمنة. ومن المصلحة المشتركة للصين وأفريقيا بناء اقتصاد عالمي أكثر انفتاحا وشمولا وتعزيز العولمة الاقتصادية في اتجاه شامل ومفيد للجميع.
وتعتقد كل من الصين وأفريقيا أن العولمة الاقتصادية يتعين أن تكون مفيدة للجميع، مما يعني وجوب امتثالها للتطلعات المشتركة لجميع دول العالم، وخاصة البلدان النامية، ومعالجتها لاختلال التوازن في التنمية بين البلدان وداخلها الناجم عن التخصيص العالمي للموارد حتى تكون التنمية كافية ومتوازنة، وتعزيزها تشكيل العولمة التي تساعد على تسريع التنمية في البلدان في جميع أنحاء العالم، وخاصة البلدان النامية.
ويرى كل من الصين وأفريقيا وجوب أن تكون العولمة الاقتصادية شاملة، وهو ما يعني دعم البلدان لإيجاد مسارات التنمية التي تناسب ظروفها الوطنية بينما تعمل معا لتعزيز التنمية المشتركة للبشرية جمعاء. ومن أجل تعزيز تنمية العولمة الاقتصادية المفيدة والشاملة للجميع، يتعين علينا معارضة جميع أشكال الأحادية والحمائية، ومقاومة المعايير والقواعد التمييزية والحصرية، وفي الوقت نفسه تعزيز تحرير التجارة والاستثمار وتسهيلهما، والحفاظ على الاستقرار والتدفق السلس لسلاسل الصناعة والتوريد العالمية، وتعزيز التفاهم المتبادل، والتكيف المتبادل، ومراعاة مصالح واهتمامات كل طرف.
ومن أجل معالجة العجز التنموي وحل المعضلة الأمنية وتجاوز الحواجز الحضارية، وهي قضايا العصر المشتركة التي تواجهها الصين وأفريقيا ودول أخرى في جميع أنحاء العالم، طرحت الصين مبادرات التنمية العالمية والأمن العالمي والحضارة العالمية، ودعت إلى السلام والتنمية والتعاون والفوز المشترك، وعززت بناء مجتمع ذي مصير مشترك للبشرية، مما حظي بدعم واسع النطاق من الدول الأفريقية. وترغب الصين في أن تكون شريكة لأفريقيا في استكشاف طريق التحديث وتقديم الدعم الشامل لأفريقيا. وفي سياق البناء المشترك لمجتمع صيني أفريقي رفيع المستوى ذي مصير مشترك، ستعمل الصين مع الدول الأفريقية لمعالجة مختلف التحديات العالمية ودفع إصلاح نظام الحوكمة العالمية إلى الاتجاه الصحيح.
————————————————-
المصدر: مجلة العالم المعاصر التابعة لدائرة الشؤون الدولية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني