الجمعة. نوفمبر 22nd, 2024

شهدت إفريقيا في الربع الأول من عام 2024 تصاعدًا ملحوظًا في أنشطة الإرهاب، حيث كشفت التقارير الأمنية عن ارتفاع عدد الهجمات الإرهابية وانتشارها في مناطق جديدة بالقارة.

تركزت معظم هذه الهجمات في دول الساحل وشرق إفريقيا، مع تفاقم الأوضاع الأمنية في دول مثل نيجيريا ومالي والصومال.

قراءة في وتيرة العمليات الإرهابية خلال الربع الأول من عام 2024

وفقًا لتقارير مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب

 (UNITED NATIONS OFFICE OF COUNTER-TERRORISM)، ارتفع عدد الهجمات الإرهابية بنسبة 15% مقارنة بالربع الأخير من عام 2023. كانت الجماعات المسلحة المرتبطة بتنظيمات مثل “داعش” و”القاعدة” أكثر نشاطًا، حيث نفذت عمليات نوعية استهدفت قواعد عسكرية ومنشآت حكومية، بالإضافة إلى الهجمات العشوائية التي أسفرت عن مقتل المئات من المدنيين وتشريد الآلاف.

كما أظهرت تقارير مؤسسة ماعت للسلام وحقوق الإنسان (Maat Foundation for Peace, Development and Human Rights ) استمرار تدهور الوضع الأمني في أفريقيا ، حيث باتت القارة مركزًا عالميًا للإرهاب. إذ شهدت دول مثل مالي، نيجيريا، والصومال زيادة كبيرة في الهجمات الإرهابية من قبل مجموعات متطرفة مثل داعش والقاعدة، والتي تستغل الصراعات المحلية والهشاشة الأمنية لتعزيز نفوذها وتجنيد المزيد من الأتباع.

حيث أنّه خلال الربع الأول من عام 2024 شهدت بوركينا فاسو عدة هجمات نفذتها مجموعات مرتبطة بتنظيم “داعش في الصحراء الكبرى” و”جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” في منطقة الساحل، وتضمنت هجمات ضد المدنيين والقوات الحكومية. من الصعب تحديد أسماء المنفذين في كل عملية بسبب العمليات الجماعية والهجمات المتكررة.

أمّا في الصومال فقد استولت حركة “الشباب” على مدن عدة في وسط البلاد بعد انسحاب القوات الحكومية في مارس 2024، واستغلت الفراغ الأمني لشن هجمات واسعة النطاق ضد القوات المحلية. بينما لا تُعلن أسماء المنفذين غالبًا، حيث تشير التقارير إلى أن هذه العمليات نفذتها خلايا إرهابية مرتبطة بتنظيم الشباب الذي يعتمد على مزيج من الانتحاريين والمسلحين.

بينما في شمال شرق نيجيريا، نفذت جماعة “بوكو حرام” وتنظيم “داعش في غرب إفريقيا” هجمات على القرى والمواقع العسكرية. وتتضمن معظم هذه العمليات خلايا مسلحة تعمل بتكتيكات حرب العصابات، ومن الصعب تحديد أسماء الأفراد المشاركين فيها.

كما أشارت مؤسسة ماعت في تقريرها أنّ الأداة المخصصة لمتابعة العمليات الإرهابية في المنطقة العربية سجلت 66 هجومًا إرهابيًا في سبع دول خلال الربع الأول من عام 2024. وهو يمثل انخفاضًا ملحوظًا مقارنة بالربع الأول من عام 2023، الذي شهد 121 عملية إرهابية، لكن على الرغم من تراجع عدد العمليات، إلا أن حصيلة الضحايا لا تزال كبيرة، حيث أودت الهجمات بحياة 233 شخصًا، بينهم 104 مدنيين و129 عسكريًا، بينما أصيب 251 شخصًا آخر، كان من بينهم 134 مدنيًا، معظمهم من النساء والأطفال، و117 عسكريًا. كما بلغت نسبة المدنيين الذين لقوا حتفهم 44.6% من إجمالي الوفيات، في حين شكلوا 53.4% من إجمالي الإصابات الناجمة عن هذه الهجمات.

هذه المجموعات تواصل توسيع نشاطاتها عبر الحدود، مما يزيد من التحديات الأمنية للدول المجاورة. كما أن الأزمة المستمرة في منطقة الساحل وغرب أفريقيا ساهمت في تصعيد التوترات بين المجتمعات المحلية، مما يزيد من حدة الصراع وعدم الاستقرار في المنطقة.

وقد أشار تقرير الأمم المتحدة إلى ضرورة تكثيف الجهود الدولية لمكافحة هذا الجحيم الإرهابي، مع التركيز على الأسباب الجذرية مثل الهشاشة والفقر وعدم الاستقرار.

وفيما يخص التوزيع الجغرافي، سجلت نيجيريا أعلى عدد من الهجمات، تليها مالي وبوركينا فاسو، حيث تسعى الجماعات المسلحة لتعزيز سيطرتها على المناطق الريفية ونشر الفوضى في المدن الكبرى. كما شهدت مناطق شرق إفريقيا مثل الصومال وكينيا ارتفاعًا في وتيرة الهجمات التي تنفذها حركة الشباب المتطرفة.

هذه التطورات تعكس التحديات الأمنية المتزايدة التي تواجهها الحكومات الإفريقية، وتؤكد الحاجة إلى تعزيز التعاون الإقليمي والدولي لمكافحة الإرهاب بشكل فعال. كما تشير إلى أن الجهود الحالية لمكافحة الإرهاب، رغم أهميتها، ما زالت غير كافية للتصدي لهذا الخطر المتصاعد الذي يهدد استقرار القارة ومستقبلها.

التحولات الدولية في مكافحة الإرهاب بإفريقيا وصعود الدور الروسي

في عام 2024، تعمق التدخل الروسي في مكافحة الإرهاب في إفريقيا، حيث أصبح جزءًا لا يتجزأ من المشهد الأمني في مناطق نفوذها. هذا التدخل يأتي عبر مسارات معقدة تتراوح بين الدعم العسكري المباشر والتعاون الأمني من خلال شركات خاصة.

حيث كان للانسحاب التدريجي للقوات الفرنسية من منطقة الساحل في عام 2022 دور أساسي في ذلك، وهو قرار أحدث تغييرًا جوهريًا في المشهد الأمني للمنطقة. فقد كانت فرنسا، لفترة طويلة، الفاعل الأساسي في دعم دول الساحل ضد التهديدات الإرهابية، ولكن انسحابها ترك فراغًا أمنيًا كبيرًا، استغلته قوى أخرى، وعلى رأسها روسيا.

 ورأت موسكو في هذا الفراغ فرصة لتعزيز وجودها الأمني والعسكري من خلال تقديم دعم عسكري مباشر للحكومات الإفريقية، وخاصة مالي، وتوفير التدريب والمعدات العسكرية، مما جعلها تتمكن من توطيد علاقاتها مع المجالس العسكرية الحاكمة في المنطقة. هذا التحول الاستراتيجي مكّن روسيا من أن تصبح شريكًا أمنيًا رئيسيًا في الساحل الإفريقي، في وقت تتراجع فيه بعض القوى التقليدية عن دورها.

ففي جمهورية إفريقيا الوسطى، استمر دور روسيا في تقديم دعم عسكري شامل للحكومة المركزية، وهو دعم تمثل في التدريب العسكري ونقل الأسلحة والذخائر ممّا ساعد الحكومة في الحفاظ على سيطرتها على المناطق التي تواجه فيها تهديدات من الجماعات المسلحة المتطرفة، حيث يسعى الروس إلى تعزيز مكانتهم كشريك موثوق للحكومات المحلية في مواجهة عدم الاستقرار.

أما في مالي، فبعد انسحاب القوات الفرنسية في عام 2022، ملأت روسيا هذا الفراغ عبر علاقات وثيقة مع المجلس العسكري الحاكم. وتعتمد الحكومة المالية على روسيا في تدريب القوات العسكرية وتزويدها بمعدات متطورة في محاربة الجماعات المسلحة المرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش.

وكان التدخل الروسي في مالي يتميز بالمشاركة الميدانية في العمليات العسكرية، حيث تقوم القوات الروسية الخاصة بدور مباشر في مكافحة الإرهاب، مع مساعدة القوات المالية على استعادة السيطرة على مناطق شاسعة تعرضت لهجمات من المتشددين. بالتالي تسعى روسيا من خلال هذا الوجود إلى ترسيخ نفسها كلاعب أمني رئيسي في منطقة الساحل التي تشهد تدهورًا أمنيًا كبيرًا.

بشكل عام، يُظهر التدخل الروسي في إفريقيا استراتيجية متعددة الجوانب تشمل العمليات الأمنية والعسكرية إلى جانب تحقيق المصالح الاقتصادية. هذه الاستراتيجية لا تهدف فقط إلى مكافحة الإرهاب، بل تتجاوز ذلك إلى بروزها كشريك سياسي واقتصادي في مناطق غنية بالموارد الطبيعية في إطار أوسع للتحولات الجيوسياسية في القارة.

By amine

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *