السبت. ديسمبر 28th, 2024

تعتبر حركة “إم 23” واحدة من أخطر الجماعات المسلحة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث أثارت قلقًا واسعًا على المستوى الإقليمي والدولي. نشأت الحركة في سياق الصراعات العرقية والسياسية المعقدة التي تشهدها المنطقة، والتي تسببت في نزوح الآلاف من المدنيين واستمرار حالة عدم الاستقرار. ومع تزايد التوترات، تُثار تساؤلات حول إمكانية تصاعد النزاع ليشعل حربًا إقليمية واسعة، خاصة مع تورط قوى خارجية ودول مجاورة في الأزمة.

تُعرف حركة “إم 23” هي جماعة مسلحة تأسست في عام 2012 في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية. تنحدر الحركة من بقايا جماعة “المجلس الوطني للدفاع عن الشعب”، التي كانت قد نشأت كحركة متمردة ضد الحكومة الكونغولية في بداية القرن الواحد والعشرين.

وقد أخذت اسمها من اتفاقية 23 مارس 2009، وهي الاتفاقية التي وقعها المتمردون السابقون مع الحكومة الكونغولية. تدعي الحركة أن الحكومة فشلت في تنفيذ الشروط المتفق عليها في تلك الاتفاقية، ما دفعها إلى استئناف النزاع المسلح.

ويتكوّن أعضاء الحركة في الغالب من أقلية التوتسي في الكونغو، ويزعمون أنهم يقاتلون ضد التهميش والتمييز الذي يتعرض له مجتمعهم. ومع ذلك، تُتهم الحركة بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان، بما في ذلك الاغتصاب والقتل والتجنيد القسري للأطفال. لذلك اتهمت الأمم المتحدة الحركة بأنها تتلقى دعمًا مباشرًا من رواندا وأوغندا، رغم نفي الحكومتين تلك الاتهامات. هذا الدعم المحتمل ساهم في تصاعد النزاع وتحويله إلى صراع إقليمي يؤثر على استقرار منطقة البحيرات العظمى بأكملها.

كما استطاعت حركة “إم 23” في فترة قصيرة السيطرة على أجزاء واسعة من إقليم كيفو الشمالي، بما في ذلك مدينة غوما الحيوية في عام 2012. ومع ذلك، لم تستمر سيطرتها لفترة طويلة، حيث تمكنت القوات الحكومية، بدعم من قوات الأمم المتحدة، من استعادة السيطرة على المناطق التي كانت تحتلها الحركة. وفي عام 2013، أُعلنت هزيمة الحركة رسميًا بعد سلسلة من الهجمات العسكرية التي أدت إلى تراجعها وانسحابها إلى رواندا وأوغندا.

ورغم إعلان الهزيمة، استمرت التوترات في المنطقة، حيث ظل أعضاء الحركة متفرقين عبر الحدود مع رواندا وأوغندا، وهناك تقارير تشير إلى أن الحركة قد تعود للنشاط في أي وقت.

 وقد وفّر الوضع المعقد في شرق الكونغو، والذي يتسم بالصراعات العرقية والموارد الطبيعية المتنازع عليها، يوفر بيئة خصبة لاستمرار وجود مثل هذه الجماعات المسلحة.

في السنوات الأخيرة، كانت هناك محاولات لإعادة دمج أعضاء حركة “إم 23” السابقين في الحياة المدنية، ولكن هذه الجهود لم تحقق نجاحًا كبيرًا نظرًا للتحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية المستمرة في المنطقة. الوضع الأمني في شرق الكونغو لا يزال هشًا، مع استمرار وجود عدد من الجماعات المسلحة التي تتنافس على السيطرة على الموارد وتستغل الفوضى السياسية لتحقيق أهدافها.

في الفترات الأخيرة، عادت حركة “إم 23” إلى الواجهة من خلال تجدد نشاطها العسكري في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، مما أثار قلقًا كبيرًا على الصعيدين المحلي والدولي. بعد فترة من الهدوء النسبي منذ هزيمتها في عام 2013، بدأت الحركة بإعادة تنظيم صفوفها وشن هجمات متفرقة في أواخر عام 2021، واستمرت في تصعيد نشاطها خلال عامي 2022 و2023.

وقد لعبت العديد من العوامل دورا في عودة الحركة إلى الواجهة:

أولاً: عدم الاستقرار المستمر في شرق الكونغو، والذي يشمل النزاعات العرقية، والصراعات على الموارد، وفشل الحكومة المركزية في فرض سيطرتها على هذه المناطق، قد خلق بيئة ملائمة لعودة الجماعات المسلحة، بما في ذلك “إم 23”.

 ثانيًا: الاتهامات المستمرة بوجود دعم خارجي، خاصة من رواندا، لعبت دورًا في تمكين الحركة من إعادة تسليح نفسها واستئناف عملياتها. على الرغم من نفي رواندا لهذه الاتهامات، إلا أن التقارير الدولية، بما فيها تقارير الأمم المتحدة، أشارت إلى وجود أدلة على دعم لوجستي وعسكري من قبل أطراف خارجية.

كما أشار المتحدث باسم الحركة “لوارنس كانيوكا” في هذا السياق خلال قيامه بمقابلة مع بوجانا كوليبالي الباحثة في لغة الصراع في منطقة البحيرات الكبرى “إننا لم نتحول إلى حركة غير نشطة، أوقفنا القتال فقط لأننا كنا ننتظر تنفيذ الإعلان الموقع في 12 ديسمبر الأول 2013 في نيروبي، لكن بعد 14 شهرا من التفاوض في كنشاسا مع حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية تعرضنا لهجوم مباغت من قبل قوات الحكومة”، مضيفا “نحن اقترحنا على الحكومة المساعدة في تحييد مجموعات من  قوات التحالف الديمقراطية والقوات الديمقراطية لتحرير رواندا ومليشيا الماي ماي المسؤولة عن انعدام الأمن، وعرضنا تعاونا عسكريا وسياسياً… وبينما نحن في حالة التفاوض فوجئنا بقوة هاجمت مقراتنا وقتلت 50 من حركتنا وعندما حاولنا التواصل مع الحكومة لمعرفة التفاصيل لم نجد ردا وقررنا البدء في الرد على الهجمات”.

وبالتالي فقد أدّىتصاعد العنف على يد “إم 23” إلى سيطرتها على عدة مناطق استراتيجية في إقليم كيفو الشمالي، مما تسبب في موجات جديدة من النزوح الجماعي للسكان المدنيين الذين فروا من منازلهم هربًا من القتال. ولم تقتصر العمليات العسكرية التي قامت بها الحركة فقط على استهداف القوات الحكومية، بل شملت أيضًا هجمات على القرى والمدن، مما زاد من تعقيد الوضع الإنساني في المنطقة.

استجابة لهذه التطورات، حاولت القوات الكونغولية بالتعاون مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة احتواء الحركة، لكن النتائج كانت محدودة. هذا الوضع دفع المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، إلى تكثيف الجهود الدبلوماسية للبحث عن حلول سياسية لوقف العنف وإعادة الاستقرار إلى المنطقة.

بالإضافة إلى ذلك، انعكس الصراع الدائر على العلاقات بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، حيث تدهورت العلاقات بشكل ملحوظ، مع تبادل الاتهامات بين البلدين بشأن دعم المتمردين. هذا التوتر الإقليمي ساهم في تعقيد الجهود الرامية إلى حل الأزمة وزاد من احتمالات تصاعد النزاع.

بعد اتهام الكونغو رواندا بأنّها الداعم الرئيسي لـ “إم 23” حذرت الكثير من الأطراف الدولية من إمكانية وقوع حرب، وكان المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى جمهورية الكونغو كان من أوائل الذين حذروا من تدهور الأوضاع في شرق البلاد نتيجة تصاعد نشاط حركة “إم 23”.

وقد حققت الحركة المسلحة تقدما كبير في الآونة الأخيرة، حيث توسعت في السيطرة على مناطق جديدة، مما أدى إلى نزوح عدد غير مسبوق من السكان المدنيين. وجاءت التحذيرات من المخاوف من أن هذا التصعيد العسكري قد يتسبب في تفاقم الأزمة الإنسانية ويزيد من تعقيد العلاقات بين الجارتين، ما قد يدفع المنطقة نحو صراع أوسع نطاقًا.

وفي فبراير 2023، أصدرت الولايات المتحدة تحذيرًا صارمًا لكل من جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، مشيرة إلى أنهما على “شفا حرب” ويجب عليهما تجنب الانزلاق نحوها. هذا التحذير وُصف بأنه الأكثر حدة حتى الآن، مما يعكس خطورة الوضع المتصاعد بين البلدين بسبب نشاط حركة “إم 23” في شرق الكونغو.

وفي اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي، دعت إليه فرنسا لمناقشة تزايد العنف في شرق الكونغو الديمقراطية، أكد السفير الأميركي روبرت وود أن على الكونغو ورواندا، إلى جانب الجهات الإقليمية الفاعلة، استئناف المحادثات الدبلوماسية على الفور. وشدد على أن الجهود الدبلوماسية الإقليمية، وليس الصراع العسكري، هي السبيل الوحيد للتوصل إلى حل تفاوضي وتحقيق سلام مستدام في المنطقة. هذه الدعوة تأتي في إطار محاولات المجتمع الدولي لتجنب اندلاع حرب شاملة يمكن أن يكون لها تداعيات كارثية على الاستقرار الإقليمي والأوضاع الإنسانية في منطقة البحيرات العظمى.

كما شملت الجهود الدولية لحل الأزمة بين رواندا والكونغو عدة خطوات رئيسية، حيث مثل الاتحاد الأفريقي ومنظمة الأمم المتحدة وسطاء دوليون لعقد محادثات دبلوماسية بين الطرفين بهدف تهدئة التوترات.

كذلك الولايات المتحدة وفرنسا دعتا إلى عقد اجتماعات طارئة لمجلس الأمن الدولي لمناقشة تزايد العنف، وحثت الأطراف على العودة إلى طاولة المفاوضات. كما قام الاتحاد الأفريقي بعقد قمم إقليمية بمشاركة زعماء أفارقة بهدف تعزيز الحوار وإيجاد حلول سلمية. أمّا الأمم المتحدة فقد دعت إلى تعزيز قوات حفظ السلام في المنطقة لحماية المدنيين والحد من تصاعد النزاع.

By amine

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *