الأثنين. سبتمبر 16th, 2024

لم يتردد حزب الله اللبناني في كل مناسبة في إعلان تضامنه الكامل مع المقاومة الفلسطينية وقطاع غزة في مواجهة الإبادة الجماعية التي يتعرضان لها من قبل المحتل الصهيوني منذ السابع من أكتوبر 2023.

ورغم تشديد الحزب على أنه لا ينوي توسيع نطاق الحرب إلى مستوى إقليمي إلا إذا توافرت كافة المبررات لذلك، إلا أن الوضع الراهن في المنطقة يبدو مختلفًا تمامًا.

فالتصعيد الإسرائيلي المستمر، والذي يشمل عمليات الاغتيال المتزايدة وانتهاكاته المستمرة للقوانين الدولية وهجماته المتكررة ضد الأطراف الإقليمية الداعمة للمقاومة، يجعل الظروف مهيأة لنشوب حرب إقليمية دامية.

ولا يخفى انّه في بداية عملية “طوفان الأقصى”، كانت نوايا الإدارة الأميركية تتمحور حول قدرة جيش الاحتلال من القضاء على حركة حماس وتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة.

ولكن النتائج أدت إلى فشل استراتيجي كبير في تحقيق هذا الهدف، مما دفع واشنطن إلى تبني نهج سياسي، يركز على وقف إطلاق النار مؤقتًا، مع النظر لاحقًا في كيفية إقصاء حماس أو القضاء عليها بالتعاون مع إسرائيل، في إطار ما يُسمى بـ “اليوم التالي في غزة”.

فشل هذا المسعى الأميركي جاء نتيجة لعجز الإدارة عن إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ولم تكن الضغوط الممارسة عليه كافية لتغيير موقفه الرافض لوقف الإبادة، خشية إغضاب جماعات الضغط الصهيونية والفئات الأميركية الداعمة لإسرائيل، خصوصًا مع اقتراب الانتخابات الرئاسية.

جرائم الاغتيالات ليست غريبة على الاحتلال، فهي استراتيجية كاملة اعتمدها على مرّ تاريخ المقاومة الفلسطينية، مستهدفًا قيادات بارزة في حركة حماس مثل الشيخ أحمد ياسين، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وصلاح شحادة، وإبراهيم المقادمة، ويحيى عياش، وأحمد الجعبري، وغيرهم.

إلا أن اغتيال الشهيد إسماعيل هنية، رئيس الحركة، والمسؤول العسكري في حزب الله، الشهيد فؤاد شكر، في طهران وبيروت خلال أقل من 24 ساعة، كان له تأثير خاص وأهداف مهمة في إطار المعركة المتواصلة منذ السابع من أكتوبر.

ويرتبط اغتيال إسرائيل لإسماعيل هنيةبعدة دوافع استراتيجية وعميقة، تتجاوز الأهداف العسكرية المباشرة، وتتمثّل في:

إسماعيل هنية يُعتبر واحدًا من أبرز القيادات السياسية لحركة حماس، ولديه مكانة رمزية كبيرة ليس فقط داخل الحركة، ولكن على مستوى العالم العربي والإسلامي. اغتياله سيكون ضربة قوية للروح المعنوية للحركة، ويمكن أن يربك القيادة ويخلق فراغًا قياديًا يصعب ملؤه بسرعة.

حركة حماس هي تنظيم يتسم بالترابط التنظيمي، ولكن اغتيال شخصية محورية مثل هنية قد يؤدي إلى خلافات داخلية حول من سيخلفه، مما قد يضعف الوحدة داخل الحركة ويؤدي إلى انقسامات أو صراعات داخلية تؤثر على تماسكها وقدرتها على الاستمرار في مواجهة الاحتلال.

إسرائيل تستخدم سياسة الاغتيالات كجزء من استراتيجية الردع ضد قيادات المقاومة. اغتيال هنية، وهو شخصية قيادية معتدلة نسبيًا ضمن حماس، قد يكون محاولة لبعث رسالة تهديد لباقي قادة الحركة بأن إسرائيل لن تتردد في استهداف أي شخصيات مؤثرة، مما قد يدفع البعض إلى إعادة التفكير في استراتيجياتهم أو سلوكياتهم.

هنية يُعتبر من الشخصيات التي حافظت على علاقات قوية مع إيران وحزب الله. اغتياله قد يُفهم كجزء من محاولات إسرائيل لإضعاف المحور الإيراني في المنطقة، وقطع الروابط بين حماس وطهران، وبالتالي تقليل الدعم الذي تحصل عليه الحركة من الخارج.

في سياق سياسي داخلي مضطرب في إسرائيل، قد يستخدم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هذا الاغتيال لتعزيز موقفه أمام الجمهور الإسرائيلي، وخاصة مع اقتراب الانتخابات. مثل هذه الخطوة قد تُصور على أنها دليل على قوة قيادته وقدرته على اتخاذ قرارات صارمة لحماية الأمن القومي الإسرائيلي.

اغتيال هنية قد يكون محاولة لتغيير ديناميكية الصراع الحالي. من خلال القضاء على قيادة مؤثرة، تأمل إسرائيل في إضعاف حماس بشكل كبير أو حتى دفعها إلى تغيير استراتيجياتها، مما يمكن أن يؤثر على مسار الصراع المستقبلي في غزة وخارجها.

وتشكّل هذه الأسباب خطوة محورية لها تداعيات كبيرة تتجاوز البعد العسكري المباشر، وقد تؤدي إلى تغييرات كبيرة في المشهد السياسي والأمني في المنطقة.

من الواضح أن هدف نتنياهو في المرحلة القادمة هو إنهاء القضية الفلسطينية، مع الاعتماد بشكل كبير على الإدارة الأميركية المقبلة لتحقيق ذلك.

وهذا يثير تساؤلات عديدة بين المراقبين حول الأسباب التي دفعت نتنياهو إلى اغتيال الشهيد فؤاد شكر في بيروت والشهيد إسماعيل هنية في طهران في هذا التوقيت، بدلاً من مواصلة التصعيد بنفس الوتيرة حتى انتهاء الانتخابات الأميركية.

إذا كان الهدف من اغتيال إسماعيل هنية يتعلق بمصالح إسرائيل الاستراتيجية ضد إيران، فقد تشمل الأهداف المحتملة تقليل الروابط بين حماس وإيران، حيث كان هنية يلعب دورًا هامًا في الحفاظ على هذه العلاقة.

من خلال تصفية هنية، تسعى إسرائيل إلى تقويض الدعم الذي تقدمه إيران لحماس، مما يقلل من تأثير إيران في الصراع الفلسطيني. بالإضافة إلى ذلك، قد يسعى هذا الإجراء إلى إضعاف النفوذ الإقليمي لإيران عبر تقليل قدرتها على استخدام حماس كأداة لتوسيع قوتها في المنطقة.

اغتيال هنية قد يؤدي أيضًا إلى تحفيز ردود فعل إقليمية قد تسهم في تقليص الدعم الذي تحصل عليه إيران، حيث يمكن أن يتم تصوير العملية كجزء من حملة أوسع ضد النفوذ الإيراني. من خلال تنفيذ عمليات دقيقة مثل هذه، تعزز إسرائيل قدرتها على القيام بعمليات نوعية وفعالة، مما يبعث برسالة قوية إلى إيران بشأن قوتها العسكرية.

كما قد تُستخدم هذه العمليات أيضًا كوسيلة لتشتيت الانتباه عن الأنشطة النووية الإيرانية، مما يخلق ضغوطًا إضافية على إيران. وفي السياق الدولي، يمكن أن تسهم هذه الخطوات في تعزيز موقف إسرائيل في المحادثات الدولية بشأن قضايا إقليمية، مثل البرنامج النووي الإيراني، من خلال تقديم نفسها كداعم للأمن الإقليمي ضد التهديدات الإيرانية.

ويشير ذلك الىأهداف نتنياهو التي يسعى لتحقيقها من خلال اغتيال رئيس حركة حماس في طهران، فإلى جانب استهداف حركة حماس وقياداتها، كان الهدف هو دفع إيران لتصبح طرفًا مباشرًا في الصراع ضد الفلسطينيين.

وتهدف هذه الخطوة التصعيدية إلى تهيئة الظروف لاندلاع صراع أوسع مما يتطلّب تدخل الولايات المتحدة لدعم إسرائيل في مواجهة إيران ومحور المقاومة.

في محاولاته السابقة، فشل نتنياهو في منع الرئيس باراك أوباما من إبرام الاتفاق النووي مع إيران. ومع ذلك، تمكن من إقناع الرئيس دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق من جانب واحد، مما أدى إلى تصاعد التوترات بين واشنطن وطهران.

إذا اندلعت حرب إقليمية في الشرق الأوسط حاليًا، فقد تواجه إسرائيل مجموعة من التداعيات المعقدة. يمكن أن تتعرض لهجمات صاروخية وقصف من أطراف متعددة، مما يؤدي إلى وقوع خسائر بشرية وأضرار كبيرة في البنية التحتية. هذا النوع من التصعيد قد يزيد من الضغوط الدولية، خاصة إذا تسببت الحرب في أضرار جسيمة للمدنيين أو انتهاكات لحقوق الإنسان، مما قد يؤدي إلى دعوات لوقف القتال والتفاوض.

كما قد تواجه إسرائيل ضغوطًا من حلفائها التقليديين، مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية، للبحث عن حلول دبلوماسية. هذه الضغوط يمكن أن تؤثر على العلاقات الثنائية وتؤدي إلى تقليص الدعم الدولي.

كما أن النشاطات العسكرية للمجموعات المسلحة مثل حزب الله وحماس قد تتصاعد، مما يؤدي إلى زيادة العمليات الهجومية ضد إسرائيل وتوسيع نطاق الصراع.

والاقتصاد الإسرائيلي أيضًا قد يتأثر بشكل كبير، مع احتمال تعطل التجارة والسياحة والاستثمار، بالإضافة إلى الارتفاع في التكاليف العسكرية.

ويمكن أن يؤدي ذلك أيضا إلى أزمات إنسانية واسعة النطاق، مثل نزوح اللاجئين وتأثر البنية التحتية في المناطق المتضررة، مما يتطلب من إسرائيل التعامل مع تداعيات إنسانية معقدة.

أما على مستوى السياسة الإقليمية، قد تشهد إسرائيل تغييرات في التحالفات وتحتاج إلى التكيف مع ديناميات جديدة في المنطقة.

كما قد تؤثر التجارب والخبرات المكتسبة من الصراع على استراتيجياتها العسكرية المستقبلية وتكتيكاتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *