السبت. نوفمبر 9th, 2024

أصبحت أوكرانيا لاعبًا رئيسيًا في الصراع الجيوسياسي بمنطقة الساحل الأفريقي عندما أعلنت دعمها العلني للانفصاليين الطوارق وأعضاء من جماعة نصرة الإسلام والمسلمين خلال عملية عسكرية في شمال مالي. هذه العملية أسفرت عن مقتل عدد من الجنود الماليين وعناصر من مجموعة “الفيلق الإفريقي الروسي”.

ويشير التدخل الأوكراني في الصراع إلى تحول منطقة الساحل والصحراء إلى ساحة تنافس بين القوى الدولية. كما يسلط الضوء على محاولة كييف، التي لم تحقق نجاحات ميدانية تذكر ضد الروس على أراضيها، لاستغلال الوضع في مالي كفرصة للانتقام من مجموعة القتالية الروسية، التي لعبت دورًا كبيرًا في تقويض الجهود الأوكرانية في بداية الحرب.

ولم تنفي أوكرانيا بطريقة ما ذلك، حيث أكّدت أنّ الطوارق حصلوا على جميع المعلومات اللازمة خلال اشتباكاتهم مع الجيش المالي ووحدات فاغنر، وهو ما يثبت أنّ الانفصاليين والجماعات المتطرفة اعتمدوا على صور وخرائط دقيقة لتحركات القوات الحكومية وعناصر القتالية الروسية، تم جمعها بواسطة الأقمار الصناعية وهذا ما يثبت أنه هناك قوة دولية غربية أمريكية وراء أوكراني.

ويرى بعض المراقبين أن التحرك الأوكراني لا يحدث بمعزل عن سياق أوسع، بل يشكل جزءًا من استجابة منسقة من قبل عواصم غربية تهدف إلى زعزعة الاستقرار في دول الساحل. وهي الدول التي قد أقدمت في السنوات الأخيرة على طرد القوات الفرنسية وعرقلة مصالح باريس، مفسحةً المجال البديل الروسي في دول مثل مالي، النيجر، وبوركينا فاسو.

وقد استخدمت هذه العواصم القوى الانفصالية كأداة في معركتها ضد موسكو، ودفعوا بالأوكرانيين إلى خضم الحرب كوسيلة للتغطية على إخفاقاتهم في النزاع على أراضيهم، ولتسهيل مهمة الانتقام حتى وإن كان ذلك في منطقة بعيدة.

وفي هذا السياق، يتساءل المراقبون عن الطرف الإقليمي الذي سهل للأوكرانيين دخول منطقة ذات حساسية أمنية عالية، معتبرين أن هذا التدخل لن يكون ممكنًا دون دعم من دولة مجاورة لمالي، أو عبر الاستفادة من شبكات دعم وإسناد مرتبطة بدول ذات نفوذ في المنطقة.

في وقت سابق، تم تداول أنباء عن تدخل أوكراني في النزاع السوداني خلال الأشهر الماضية، حيث قدمت أوكرانيا دعمًا لقوات الجيش السوداني في مواجهتها مع مقاتلي الدعم السريع.

وبعد ذلك، انتقلت هذه القوات إلى شمال مالي لتقديم المساعدة للانفصاليين والجماعات المتشددة في صراعهم ضد القوات الحكومية وحلفائها الروسيين.

بالتوازي مع ذلك تم الإعلان عن تنفيذ عمليات مماثلة في أفريقيا. وصرح مسؤول استخباراتي قائلاً: ” احتكار الجيوش الخاصة الروسية في أفريقيا شارف على الانتهاء وبدأت القوات المعارضة تظهر أن بإمكانها وضع هؤلاء المجرمين في مكانهم”.

وبحسب الانفصاليين الطوارق، فقد قُتل 84 من المرتزقة الروس و47 من جنود مالي خلال عدة أيام من القتال في أواخر يوليو حول قرية تين زاوتين على الحدود مع الجزائر.

وأضافت بعض المصادر أن المتمردين اقترحوا تسليم عناصر فاغنر المحتجزين لديهم إلى كييف كنوع من رد الجميل.

دعت مالي المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته في مواجهة اختيار أوكرانيا المتعمد لدعم الإرهاب.

وطالبت الدول والشعوب الأفريقية المحبة للسلام بإدانة هذه الأعمال التخريبية التي تهدد استقرار القارة.

كما أعادت مالي تأكيد شكرها للدول التي أظهرت تضامنها معها في مواجهة الهجمات الإرهابية التي تُرتكب بدعم من جهات أجنبية راعية.

في حين أشارت الحكومة الانتقالية لجمهورية مالي: “إنّ العدوان الذي تشنه أوكرانيا هو جزء من نمط أوسع لبعض الجهات الفاعلة التي تدعم وتستغل الجماعات الإرهابية المسلحة، المتحالفة مع الجماعات المتمردة، لأغراض لهيمنة والاستعمار الجديد وكسر ديناميكية التحرر واستعادة السيادة والتنمية الاجتماعية والاقتصادية التي بدأها اتحاد دول الساحل”.

سيرا على نفس خطى مالي، قام المجلس العسكري في النيجر بقطع العلاقات الديبلوماسية مع أوكرانيا بعد اتخاذ مالي نفس الإجراء بسبب اتهاماها كييف بدعم الجماعات المسلحة التي أودت بحياة العشرات من جنود الجيش المالي ومجموعات فاغنر الروسية. 

وذكر المتحدث باسم المجلس العسكري أمادو عبد الرحمن أنّ حكومة بلاده تتضامن كليا مع الحكومة المالية وشعبها مشيرا الى أنّ النيجر ثابته على قرارها بحكم سيادتها الوطنية على قطع العلاقات الديبلوماسية مع أوكرانيا.

ويُذكر أنّ مجموعة فاغنر العسكرية كانت قد دخلت في مواجهات شرسة الاثنين الماضي مع مسلحي الطوارق بالتعاون مع الجنود الماليين قرب الحدود المالية كلفتها خسائر جسيمة.

كما ذكرت المجموعة في بيان نادر أن الاشتباكات استمرت من 22 إلى 27 يوليو، حيث شاركت قوات فاغنر إلى جانب الجنود الماليين في هذه العمليات العسكرية. وأشارت إلى أن مقاتليها كانوا متواجدين في محيط بلدة “تين زاوتين”، تحت قيادة سيرغي شيفتشينكو، الذي يُعرف باسم “بوند”.

وأضاف البيان أن المعركة كانت من أشد المعارك التي خاضتها المجموعة في المنطقة، حيث واجهوا مقاومة قوية من مسلحي الطوارق.

من جهتها ذكرت المجموعة المسلحة الطوارق على تيلغرام أنّه في اليوم الأول قامت مجموعة فاغنر بالقضاء على أغلب المسلحين في حين أجبرت البقية على الفرار.

كما أعلن الجيش المالي في بيانات صادرة خلال عطلة نهاية الأسبوع عن مقتل جنديين وإصابة 10 آخرين، إضافة إلى تحطم مروحية تابعة له في مدينة كيدال يوم الجمعة أثناء مهمة دورية، دون تسجيل إصابات بشرية جراء التحطم.

وتعاني مالي، التي شهدت انقلابين عسكريين في عامي 2020 و2021، من تمرد طويل الأمد تقوده جماعات مسلحة من الطوارق وأخرى إسلامية.

وتنفي الحكومة المالية أي علاقة للقوات الروسية المتواجدة على أراضيها بمجموعة فاغنر، مؤكدة أن هؤلاء الجنود يقومون بتقديم المساعدة للقوات المحلية لاستخدام المعدات المشتراة من روسيا.

من جانبها، أعلنت حركة “الإطار الإستراتيجي الدائم للسلام والأمن والتنمية” في بيان يوم السبت أنها استولت على عربات مدرعة وشاحنات وناقلات خلال القتال الذي دار في بلدة تين زاوتين الحدودية.

بعد هذه الأحداث جاء على لسان المسؤول في الاستخبارات العسكرية الأوكرانية أندريه يوسوف الى انّ بلاده ساهمت في هذه الهزيمة عن طريق تقديم المعلومات الاستخباراتية للمجموعة المتمردة من أجل إنجاح هجومهم مشيرا “حصل المتمردون على كل المعلومات الضرورية التي يحتاجون إليها، وليس فقط المعلومات التي سمحت لهم بإجراء عملية عسكرية ناجحة ضد مرتكبي جرائم الحرب الروس. بالتأكيد لن ندخل في التفاصيل الآن. سترون من هذا في المستقبل”.

ووصف أمادو عبد الرحمن تصريحات مسؤول الاستخبارات العسكرية الأوكرانية بأنّها “تخريبية وغير مقبولة”.

كما عبّرت أوكرانيا يوم الاثنين الماضي عن استنكارها لقرار مالي قطع العلاقات الدبلوماسية مشيرة الى انّ هذه متسرّعة وقصيرة الأمد وفقا لتعبيرها، كما أكّدت أنّ “كييف ترفض الاتهامات الموجهة إليها بدعم الإرهاب الدولي”.                                                       

ووجّهت كل من النيجر ومالي ودول أخرى في غرب أفريقيا تصريحات السفير الأوكراني لدى السنغال وغينيا وغينيا بيساو وساحل العاج وليبيريا المتعلقة بالقتال.

من جهتها وزيرة الخارجية السنغالية دعوة للسفير الأوكراني، يوري بيفوفاروف، الجمعة الماضي بعد أن نشرت السفارة الأوكرانية مقطع فيديو على صفحتها على فيسبوك، وصفت فيه داكار الفيديو بأنه يظهر “دعماً غير مشروط وواضح للهجوم الإرهابي” في مالي.

وفي الأيام الأخيرة، أعلن متمردو الطوارق في شمال مالي أنهم قتلوا ما لا يقل عن 84 من أفراد مجموعة فاغنر و47 جندياً مالياً خلال معارك عنيفة في شمال البلاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *