الأثنين. أكتوبر 7th, 2024

يعد الصراع بين إثيوبيا والصومال هو واحد من النزاعات الإقليمية التي تعود جذورها إلى أوائل القرن العشرين. يتضمن هذا النزاع العديد من العوامل المعقدة، بما في ذلك الخلافات الحدودية، والتنافس العرقي، والسياسي، والاقتصادي، وكذلك التدخلات الدولية.

لذلك فإنّ العلاقة الثنائية بين الصومال وإثيوبيا تميّزت عبر العصور بالصراع والتدافع، كبديل عن التعاون والسلام السائدين بين معظم الدول في العالم. هذه السمة لم تكن مقتصرة على العصر الحديث بل امتدت إلى العصور السابقة، ممّا عكس طبيعة العلاقة بين إثيوبيا والعالم الإسلامي المحيط بها، التي اتسمت بالتوتر والفتور عبر مراحلها التاريخية.

ويجدر الإشارة الى أنّ الصراع يختلف بطبيعته وجوهره عن النزاع. حيث أنّه يتميز بشموليته واتساعه والمدة الزمنية التي قد يستمر فيها، في حين ينحصر النزاع في خلافات معينة تتعلق بحقوق حول مسائل مثل الحدود أو الموارد ويدور حول قضايا محددة يعتقد أحد الأطراف أنه الأحق بها ويتم حله غالبًا بوسائل سلمية. في المقابل، يمتد الصراع ليشمل جوانب أوسع وأعمق من العلاقة بين الدول، ويُعتبر الحرب أحد أوجهه، ولكنه قد يتضمن أيضًا أدوات ووسائل غير قتالية.

وتعد تركيا من أكثر الدول المتدخلة في أبعاد هذا الصراع، حيث استقبل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ووزير خارجيته تاي أسقي سيلاسي وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الذي يقوم بزيارة رسمية للبلاد لبحث العلاقات الثنائية بين البلدين من أجل الوصول الى المصالحة بين أديس أبابا ومقديشو.

وكانت تركيا قد انطلقت في محادثات وساطة بين الصومال وإثيوبيا بشأن اتفاق حول ميناء بربرة على الساحل الجنوبي لخليج عدن، الذي وقعته أديس أبابا مع إقليم أرض الصومال الانفصالي. وقد تمت هذه المبادرة بعد زيارة آبي أحمد إلى العاصمة التركية في شهر ماي المنقضي، حيث التقى الرئيس رجب طيب أردوغان وطلب منه التوسط بين البلدين لحل الخلاف.

وفي بداية شهر يوليو، استضاف وزير الخارجية التركي نظيريه الإثيوبي والصومالي، وتمّ التوقيع على بيان مشترك بعد محادثات وصفت بـ الصريحة والودية لحل النزاع بين البلدين. وأشار فيدان أن الجولة الثانية من المحادثات ستعقد في الثاني من سبتمبر المقبل في أنقرة، وهو ما يوضّح استمرار تركيا في لعب دور الوسيط للوصول الى المفاهمة بين الطرفين.  

بالتالي تعتبر الوساطة التركية أحدث مسعى لإصلاح العلاقات الدبلوماسية بين مقديشو وأديس أبابا، التي توترت العلاقات بينهما في يناير الماضي عندما اتفقت إثيوبيا مع “أرض الصومال” على استئجار شريط ساحلي بطول 20 كيلومترا من الإقليم مقابل الاعتراف باستقلاله.

يمكن إرجاع جذور الصراع إلى الفترة الاستعمارية حينما قامت القوى الأوروبية برسم الحدود دون مراعاة للعوامل العرقية والجغرافية. وفي عام 1960، عندما حصلت الصومال على استقلالها، بدأت تطالب بضم الأراضي التي يعيش فيها الصوماليون في الدول المجاورة، بما في ذلك إقليم أوغادين في إثيوبيا.

وقد بدأت أولى مراحل الصراع المسلح بشكل جدي في عام 1977، عندما قامت الصومال بغزو إقليم أوغادين الإثيوبي بهدف ضمه، يعرف هذا النزاع بحرب الأوغادين وكان قد استمر حتى عام 1978 عندما تمكنت القوات الإثيوبية، بدعم من الاتحاد السوفيتي وكوبا، من صد الهجوم الصومالي واستعادة السيطرة على الإقليم.

أدت الحرب إلى تدهور العلاقات بين البلدين، بالإضافة إلى تأثيرات كبيرة على السكان المحليين في أوغادين. شهد الإقليم انتهاكات حقوق الإنسان وأزمات إنسانية نتيجة للعمليات العسكرية والاضطرابات.

وشهدت الفترة اللاحقة تدخلاً دوليًا متزايدًا، حيث لعبت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي دورًا مهمًا في دعم الأطراف المختلفة وفقًا لمصالحهما الجيوسياسية. كما أن المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي حاولت التدخل لحل النزاع بطرق سلمية، ولكن التوترات استمرت.

ومع بداية القرن الحادي والعشرين، تغيرت الديناميكيات مع ظهور تنظيم الشباب في الصومال والنزاعات الداخلية في إثيوبيا. حاولت إثرها أثيوبيا تعزيز أمنها القومي من خلال التدخل في الشؤون الصومالية لمحاربة التنظيمات الإرهابية وضمان استقرار المنطقة.

وفي السنوات الأخيرة، ظهرت بعض المبادرات الإقليمية والدولية لتعزيز السلام والمصالحة بين البلدين وتوقيع عدة اتفاقيات تهدف إلى تحسين العلاقات الثنائية وتعزيز التعاون الاقتصادي والأمني. ومع ذلك، لا يزال الوضع هشًا ويتطلب مزيدًا من الجهود لضمان استدامة السلام.

تعتبر الوساطة التركية في حل النزاع بين إثيوبيا والصومال من بين الجهود الدولية التي تسعى لتحقيق السلام والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي. حيث تمتلك تركيا علاقات دبلوماسية قوية مع كلا البلدين، استخدمت نفوذها الدبلوماسي والاقتصادي للمساهمة في حل النزاع وتحقيق التفاهم بين الأطراف المتنازعة. وعلى مدار العقدين الماضيين، زادت تركيا من تواجدها الدبلوماسي والاقتصادي في إفريقيا، وخاصة في القرن الأفريقي، وتعتبر شريكًا اقتصاديًا هامًا للعديد من الدول الأفريقية، بما في ذلك إثيوبيا والصومال، التي لم تسلم من القوة الناعمة والتعاون الاقتصادي التي وظفتهما تركيا في الحقيقة لتعزيز تأثيرها المنطقة، ومن خلال ذلك اعتمدت تركيا على:

  • نظمت تركيا عدة جولات من المحادثات بين المسؤولين الإثيوبيين والصوماليين، بهدف تقريب وجهات النظر وبناء الثقة بين الأطراف.
  • سعت تركيا لتعزيز الحوار المباشر بين البلدين من خلال منتديات ومؤتمرات دولية وإقليمية.
  • قدمت تركيا مساعدات إنسانية وتنموية لكلا البلدين، بما في ذلك مشاريع بنى تحتية، ودعم التعليم والصحة.
  • لعبت الاستثمارات التركية دورًا في تحسين الظروف الاقتصادية، مما ساهم في تخفيف التوترات الاجتماعية والسياسية.
  • عملت تركيا على تعزيز التعاون الأمني بين إثيوبيا والصومال من خلال برامج تدريبية مشتركة ودعم تقنيات مكافحة الإرهاب.
  • ساهمت تركيا في بناء القدرات الأمنية للمساعدة في تحقيق الاستقرار ومكافحة التنظيمات الإرهابية في المنطقة.

لكن الوساطة التركية لا تخلوا من تحديات عديدة، منها التعقيدات السياسية والعرقية في المنطقة، والتدخلات الدولية الأخرى، والصراعات الداخلية في كلا البلدين. ومع ذلك، تمكنت تركيا من تحقيق بعض النجاحات في لعبتها منها تعزيز الحوار والتفاهم المتبادل بين إثيوبيا والصومال، تحسين العلاقات الثنائية وتقليل التوترات الحدودية، المساهمة في التنمية الاقتصادية والبنى التحتية، مما عزز من استقرار المنطقة.

تستفيد تركيا من الوساطة في الصراع بين إثيوبيا والصومال بعدة طرق استراتيجية ودبلوماسية واقتصادية، حيث تسعى لتعزيز مكانتها كقوة دبلوماسية مؤثرة في الساحة الدولية من خلال لعب دور الوسيط في النزاعات الإقليمية، مما يزيد من نفوذها وتأثيرها في السياسة الدولية، خاصة في منطقة القرن الأفريقي المهمة استراتيجيًا.

بالتالي يمكن أن تفتح الوساطة الأبواب أمام تعزيز العلاقات الاقتصادية مع كلا البلدين، حيث تُعتبر تركيا شريكًا اقتصاديًا مهمًا في إفريقيا، وتسهم الوساطة في تسهيل المشاريع الاستثمارية والتجارية، مثل مشروعات البنية التحتية والتعاون الزراعي والصناعي.

كما يُسهم استقرار المنطقة في تقليل التهديدات الأمنية مثل الإرهاب والقرصنة، مما يؤمن مصالح تركيا وشركاتها في المنطقة. ومن جهة أخرى، يعزز الاستقرار أيضًا تدفق التجارة الدولية عبر البحر الأحمر وقناة السويس، وهو ممر حيوي للتجارة العالمية.

ويجدر الإشارة أن تركيا تصنف نفسها جزءًا من العالم الإسلامي، ولعبها دور الوسيط يعزز صورتها كدولة تهتم بوحدة المسلمين وسلامتهم، ويمكن أن تعزز هذه الجهود من الروابط الثقافية والدينية بين تركيا والدول الإفريقية.

ومن خلال ذلك تضمن تركيا دعمًا سياسيًا من الدول الإفريقية في المحافل الدولية، مما يزيد من قدرتها على التأثير في القرارات الدولية المتعلقة بالقضايا الإقليمية والدولية، كما تساهم جهود الوساطة في تحسين صورة تركيا على الساحة الدولية كدولة تسعى لتحقيق السلام وحل النزاعات بطرق سلمية، ويعزز هذا من سمعتها كدولة تسعى للتعاون الدولي والتنمية المستدامة، وعموما تلعب الوساطة في الصراع بين إثيوبيا والصومال دورًا هامًا في تحقيق المصالح الاستراتيجية لتركيا على مختلف الأصعدة، مما يعزز من مكانتها ونفوذها الإقليمي والدولي.

وقد أظهرت أنقرة حتى الآن قدرتها على تجنب الانخراط السلبي في الصراعات الأفريقية، محافظةً بذلك على استراتيجيتها الرامية إلى بناء شراكات متعددة. إلا أن الأزمة بين الصومال وإثيوبيا تُشكل تحديًا صعبًا أمام تركيا، وتضعها أمام اختبار حقيقي لقدرتها على الحفاظ على توازن استراتيجيتها وتحقيق أهدافها في المنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *