السبت. نوفمبر 23rd, 2024

عادة ما تشهد تونس بحلول العطلة الصيفية ارتفاعًا في الحركة السياحية وزيادة عدد الوافدين على المناطق السياحية والنزل في مختلف أنحاء الجمهورية، تعتبر هذه الفترة ذروة الموسم السياحي ومحرارًا لنجاح الاستعدادات التي قامت بها مختلف الهياكل المتدخلة في القطاع. تسعى هذه الهياكل إلى الترويج للوجهة التونسية وعرض منتج سياحي متنوع يستهدف الأسواق التقليدية والناشئة.

التطورات والإحصائيات الحديثة

من المهم الإشارة إلى أنّ السياحة تعتبر من ما قبل 2011 قطاعا وازنا في الاقتصاد التونسي إذ سجّلت في عام 1996 رقما قياسيا من خلال مساهمتها في الناتج الداخلي المحلّي الخام التي بلغت وقتها 7,1 % من الرقم الإجمالي.و في عام 2023 سجلت السياحة انتعاشا في تونس مع استقبالها 8.8 مليون زائر، بزيادة 49.3% على أساس سنوي، متجاوزة الرقم القياسي المسجل عام 2019 قبل ظهور وباء كوفيد19.

 ووفق البنك الدولي، سمح هذا الانتعاش لتونس التي تبلغ ديونها 80% من ناتجها المحلي الإجمالي، بتقليص عجز الحساب الجاري جزئيا، وذلك بفضل زيادة تدفق العملات الأجنبية في سياق نمو ضعيف للغاية (+1.2% وفق توقعات البنك الدولي).و حديثا في عام 2024، وفق وثيقة الميزان الاقتصادي للدولة التونسية ، تعتزم الحكومة استقطاب نحو 10 مليون سائح وكسر الرقم القياسي الذي تمّ تحقيقه في عام.

تحوّلات خارطة السياحة في تونس:

تشير أرقام الديوان الوطني للسياحة إلى تغيّرات جوهرية في تركيبة الوافدين على تونس بغرض السياحة اذ انخفضت نسبة السياح الأوروبيين بشكل ملحوظ، بينما زادت نسبة السياح من الفضاء المغاربي، خاصة من ليبيا والجزائر.وعلى الرغم من تقديم وكالات السفر عروضًا مغرية تتراوح بين 160 و500 يورو للإقامة لمدة 7 ليالٍ، إلا أن عدد السياح الأوروبيين يشهد تراجعًا مستمرًا مقابل زيادة ملحوظة في أعداد السياح الجزائريين والليبيين.

و يظهر النقاش حول سياسة السياحة في تونس تحديات كبيرة تواجه الحكومة في استعادة مكانتها كوجهة سياحية رائدة. كما تعكس القرارات الأخيرة بإلغاء تأشيرة الدخول للسياح من العراق وإعفاء حاملي الجوازات الإيرانية، رغبة حكومية قوية في استقطاب سياح جدد من السوق العربي والإسلامي، خاصة مع تراجع أعداد السياح الأوروبيين.

 يتطلب تحديد هدف استقطاب 10 مليون سائح بحلول نهاية عام 2024 استراتيجية شاملة تركز على تنويع الأسواق وتحسين البنية التحتية السياحية.كما قد يكون للتركيز السابق على السياحة الفندقية والنظام الشامل تأثير سلبي على الاستكشاف الثقافي للمعالم الأثرية المحلية، مما يستدعي استراتيجيات جديدة لجذب سياح مهتمين بالتراث والثقافة المحلية

تداعيات هذا التحول والصعوبات الراهنة في قطاع السياحة:

أدت تحوّلات خارطة السياحة في تونس إلى طرح عديد الأسئلة المتعلقة بالقدرة الشرائية للسياح وتأثير ذلك على القطاعات السياحية المختلفة. تشير التقارير إلى تدهور حاد في نوعية السياح مما يؤثر بشكل كبير على أصحاب المحلات التجارية و المطاعم السياحية، والمهن المرتبطة بالسياحة.

 تواجه تونس تحديات عديدة في قطاع السياحة، حيث يشير تقرير النشاط السنوي للسياحة لعام 2022 إلى أنّ عدد المؤسسات السياحية المغلقة بلغ حوالي 203 مؤسسة، مما يمثل 24% من إجمالي المنشآت السياحية في البلاد. هذه الإغلاقات تعكس تراجعاً كبيراً في القدرة التنافسية للبنية التحتية السياحية في تونس. تعود أسباب الإغلاقات إلى مشكلات مالية وإفلاسات، إضافة إلى الإغلاقات الموسمية والقرارات الإدارية والقضائية التي تؤثر سلباً على استمرارية الأعمال في القطاع  ففيم تتمثل بعض هذه الصعوبات التي يواجهها هذا القطاع؟

 نظام الإقامة الكلية والشاملة:

كما أن التنافسية الشديدة التي تمارسها وحدات الإقامة الفندقية التي تعمل بنظام الإقامة الكلية والشاملة (All inclusive) تعمل على تقليل التدفق المالي نحو المطاعم والمتاجر المحلية، حيث يفضل السياح البقاء داخل الفندق واستغلال الخدمات المتوفرة داخله، مما يقلل من الإنفاق في المجتمعات المحلية.يساهم النظام الشامل في جذب عدد كبير من السياح، لكنه في الوقت نفسه يثير تساؤلات حول النفقات التي يمكن أن تعود بالفائدة على الاقتصاد المحلي بشكل ملموس.عموما، يجب أن تتخذ السياسات والإجراءات الملائمة لضمان توازن بين جذب السياح ودعم القطاعات المحلية التي تعتمد على السياحة كمصدر رئيسي للدخل.وعبر ياسين مامي نائب شعب عن مدينة الحمامات عن موقفه السلبي تجاه نظام الإقامة الشاملة نظراً لتأثيره على تراجع أعداد الزيارات للمواقع الأثرية المحلية مثل البرج الأثري وموقع بوبوت.

 على الرغم من جذب الحمامات لأكثر من نصف مليون سائح سنوياً، إلا أن أعداد الزيارات للمواقع التاريخية تبقى منخفضة بشكل ملحوظ بالمقارنة. “السائح بالنسبة لي ليس ذلك الذي يأتي ليبقى حبيس الفندق، السائح يُقاس بمدى سياحته وتجوّله في البلد الذي اختار قضاء عطلته فيه ومدى الحركيّة الاقتصادية التي يخلقها”

الأزمة البيئية ونقص المياه

تواجه تونس أزمة بيئية خطيرة نتيجة لنقص المياه المتزايد، حيث من المتوقع أن يتسبب النقص في المياه في تأثيرات سلبية على الصحة العامة والاقتصاد المحلي.

بحلول عام 2030، يُتوقع أن تشهد بعض المناطق انخفاضًا حادًا في إمدادات المياه الصالحة للشرب، مما يزيد من ضغوط النمو السكاني والاقتصادي تتطلب السياحة التقليدية، خاصة السياحة الشاطئية والفنادق الكبيرة، كميات كبيرة من المياه مما يزيد الضغط على الموارد المائية المحدودة. كما أن زيادة عدد السياح يؤدي إلى زيادة الطلب على المياه في الفنادق والمسابح والمرافق السياحية الأخرى.

التلوث: بعض المرافق السياحية غير الملتزمة بالمعايير البيئية تسهم في تلوث المياه من خلال تصريف النفايات والمياه العادمة في البحار. و يرجع ذلك أساسا لعدم وجود سياسات فعالة و مستدامة لإعادة تدوير المياه واستخدامها القطاع السياحي.

صعوبات في جذب السياح التسويق الإعلامي:

يعد التسويق الإعلامي أداة ضرورية للترويج للوجهات السياحية غير المعروفة في تونس، خاصة في المناطق الداخلية المهملة. تتطلب السياحة في هذه المناطق حملة تعريفية بمقوماتها لجذب السياح إليها من خلال الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي. اذ يمكن أن تساهم الحملات الإعلامية الموجهة في تغيير الصورة النمطية لهذه المناطق وتعريف الناس بجمالها وإمكاناتها السياحية.

اهمال الصيانة و ضعف البنية التحتية:

تواجه هذه المناطق تحديات كبيرة بسبب البنية التحتية الضعيفة التي تدفع السياح بعيدًا. على سبيل المثال، يواجه السياح صعوبات في الوصول إلى العديد من المواقع السياحية في المناطق الداخلية بسبب الطرق غير المعبدة ونقص المرافق الأساسية مثل الفنادق والمطاعم. إن تحسين البنية التحتية في هذه المناطق، وتوفير الخدمات الأساسية، جنبًا إلى جنب مع حملات التسويق الإعلامي الموجهة، يمكن أن يحول هذه الوجهات إلى مقاصد سياحية مزدهرة تجذب السياح من جميع أنحاء العالم.

الحلول المقترحة على ضوء الإمكانيات المتاحة بالبلاد

تبني ممارسات سياحية مستدامة للمحافضة على المياه: مثل التشجيع على استخدام الموارد المائية بشكل مستدام وتقليل الاستهلاك المفرط للمياه في المنشآت السياحية. بالاضافة الاستثمار في مشاريع تحلية المياه وإعادة تدويرها وتطوير شبكات توزيع المياه. كما من الضروري تطبيق قوانين صارمة تحكم استخدام المياه في القطاع السياحي مع ضمان مراقبة تنفيذها.

السياحة البديلة:

يمكن أن تكون السياحة البديلة حلاً ناجعاً لمشاكل السياحة التقليدية في تونس. من بعض الحلول المحتملة:

تشجيع السياحة البيئية:

   – إنشاء محميات طبيعية ومناطق محمية جديدة.

   – الترويج لأنشطة مثل المشي والتخييم ومراقبة الطيور

السياحة الثقافية:

   – صيانة و دعم المواقع التاريخية والأثرية و المتاحف والمعارض الفنية، وتنظيم جولات ثقافية تشمل الحرف التقليدية والمهرجانات الشعبية.

السياحة الزراعية:

   – الترويج للإقامات الوقتية (دور الضيافة) في المزارع والريف حيث يمكن للسياح المشاركة في الأنشطة الزراعية و الريفية.

السياحة الرياضية والمغامرة:

   – تطوير مرافق رياضية مثل مراكز تسلق الجبال والأنشطة البحرية.

   – الترويج لرحلات السفاري وركوب الدراجات الجبلية و غيرها من الأنشطة و المغامرات التي تستقطب كلا من السكان المحليين و الأجانب.

السياحة العلاجية

   – استغلال المياه المعدنية الطبيعية والمراكز الصحية

   – الترويج للسياحة الصحية والاستجمام.

السياحة المجتمعية:

   – تشجيع السياح على الإقامة مع العائلات المحلية للتعرف على الثقافة والعادات المحلية.

   – تطوير برامج تطوعية حيث يمكن للسياح المشاركة في مشاريع تنموية محلية.

الترويج العالمي:

   – المشاركة في المعارض السياحية العالمية للترويج للسياحة البديلة في تونس.

   – التعاون مع وكالات السفر العالمية لتقديم باقات سياحية متنوعة.

تواجه السياحة في تونس تحديات متعددة تتعلق بالأمان والاستقرار، البنية التحتية، التسويق، التنوع البيئي، وإدارة الموارد المائية. هذه العوامل تسهم في تراجع مساهمة السياحة في الاقتصاد الوطني وتفاقم أزمة المياه.

 لتحويل هذا الواقع، يصبح من الضروري تبني نموذج السياحة البديلة الذي يركز على السياحة البيئية، الثقافية، الزراعية، والصحية، مما يدعم التجارب السياحية المستدامة والمتنوعة.

 بالإضافة إلى ذلك، يجب تحسين البنية التحتية، تعزيز الترويج والتسويق، وإشراك المجتمع المحلي لضمان استفادته من القطاع السياحي. من خلال هذه الإجراءات، يمكن لتونس أن تعيد بناء قطاع السياحة بطريقة تسهم في التنمية الاقتصادية المستدامة وتحافظ على الموارد الطبيعية الثمينة.

التسويق الرقمي والحضور عبر الإنترنت

    التسويق الرقمي والعروض و الاشهار عبر الإنترنت لزيادة الوعي بالوجهات السياحية وجذب المزيد من الزوار للمناطق الداخلية التي قد تكون وجهة سياحية . تشمل الاستراتيجيات استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وتحسين محركات البحث (SEO)، والتسويق عبر البريد الإلكتروني والمدونات.

تكنولوجيا البلوكتشين في السياحة

   – يستخدم بعض الأماكن التكنولوجيا المتقدمة مثل التكنولوجيا المالية المتقدمة (Fintech) والبلوكتشين لتحسين عمليات الدفع وإدارة الحجوزات بطرق آمنة وفعالة، مما يساهم في تحسين تجربة الزوار وإدارة المخاطر.

السياحة الفضائية والمستقبل البعيد

   – يتم استكشاف إمكانيات السياحة الفضائية كمجال جديد يفتح آفاقاً جديدة للسياحة في المستقبل، حيث تعمل الشركات على تطوير رحلات فضائية للزوار لاستكشاف الفضاء والقمر وغيرها من الأماكن.

الذكاء الاصطناعي و الابتكار في التجارب السياحية

   – يستخدم التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات لفهم أنماط سلوك الزوار وتوقع الطلب وتحسين تجربة العملاء، مما يسهم في تحسين أداء الشركات السياحية وزيادة الربحية.

   – تتجه الشركات نحو تقديم تجارب سياحية مميزة تشمل السياحة الثقافية التفاعلية، والرحلات الغذائية، والرحلات الطبيعية البيئية، مما يلبي تطلعات السياح الباحثين عن تجارب فريدة ومختلفة.

التعاون الدولي والشراكات المستدامة

   – تعمل الحكومات والمنظمات الدولية والشركات الخاصة على تعزيز التعاون الدولي والشراكات المستدامة للحفاظ على البيئة والموروث الثقافي، وتعزيز السياحة القائمة على المسؤولية الاجتماعية. هذه الإجراءات والحلول تعكس الابتكار والتطورات في قطاع السياحة، وتسعى إلى تعزيز الاستدامة وتحسين تجربة السياح والفوائد المحلية في الوقت نفسه.

بشكل عام، يتطلب التغلب على هذه التحديات جهودًا متكاملة وتعاوناً فعّالاً بين القطاع العام والخاص، بالإضافة إلى استجابة سريعة ومستدامة من السياسات الحكومية لدعم القطاعات الحيوية وتعزيز قدرة الاستجابة للتحديات المستقبلية.

إن نجاح الموسم السياحي الحالي يتطلب تضافر الجهود بين مختلف الهياكل المتدخلة وأهل المهنة لتجاوز التحديات القائمة واستغلال الفرص المتاحة. يجب أن تكون الاستراتيجيات المستقبلية مرنة ومتجددة لضمان استدامة النمو السياحي وتحقيق فوائد اقتصادية واجتماعية مستدامة للبلاد

By amine

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *