اعداد قسم البحوث والدراسات الإستراتجية والعلاقات الدولية 17-07-2024
تواجه “إسرائيل” تهديدات حقيقية للمرة الأولى منذ نشأتها، على إثر استمرار الحرب الدموية على قطاع غزة. هذه التهديدات تتمثل بالمقاطعة الاقتصادية والعسكرية لبعض الدول، كما في ارتفاع حدة النقد والمقاطعة الشعبية في صفوف الشباب.
وأيضاً في صفوف بعض النخب والمؤثرين، الذين باتوا يخشون من إظهار أي تضامن مع “إسرائيل”.
رئيسة برنامج القانون والأمن القومي في معهد أبحاث الأمن القومي، والمستشارة القانونية (للحكومة والجيش الإسرائيليين)، العقيد احتياط، بنينا شربيط باروخ، والتي عملت سابقاً في قسم القانون الدولي، في وحدة المدعي العام العسكري، كما شاركت في الوفود الإسرائيلية للمفاوضات مع الفلسطينيين والسوريين؛ أعدّت دراسة تحت عنوان “إسرائيل في طريقها إلى العزلة السياسية”، حذرت فيها من أن “إسرائيل” تتعرض لذروة هجوم سياسي وإعلامي وجماهيري ضدها، يفوق في قوته، نطاقه وخطورته، الهجمات السياسية والإعلامية والجماهيرية التي تعرضت لها سابقاً، والتي نشأت على خلفية عمليات عسكرية بادرت إليها “إسرائيل” بنفسها.
ولفتت الباحثة إلى أن “إسرائيل” تتجه لأن تصبح “دولة تحت العزلة الدولية”، لأن أحد عناصر قوة “إسرائيل” هو ارتباطها بالنظام الدولي، وهذا الارتباط تحت الخطر حالياً، بسبب ظهور ظاهرة شيطنة “إسرائيل” التي دهورت مكانتها الدولية.
وحذرت الباحثة من أن فشل “إسرائيل”، في التعامل بنجاح مع هذه الحملة، يمكن أن يكون له تأثير على اقتصادها وأمنها القومي، ويضر بتحقيق أهداف المعركة العسكرية في قطاع غزة، ويؤدي إلى التراجع على كافة الجبهات.
حملة ضد “إسرائيل” على الساحة الدولية
أشارت شربيط باروخ إلى أن “إسرائيل” تلقت، بعد هجوم حماس عليها في السابع من شهر أكتوبر من العام المنصرم، دعماً واسع النطاق من معظم المجتمع الدولي، الذي اعترف بحق “إسرائيل” في الدفاع عن نفسها، لكن مع اشتداد الحرب وتزايد حجم الدمار والأضرار في قطاع غزة، وتفاقم الأزمة الإنسانية في المنطقة، حل محل الدعم لـ”إسرائيل”، انتقادات حادة واتهامات قاسية موجهة إليها، انعكست فيها سنوات عديدة من الاستثمار الذي قام به قادة الحملة ضد “إسرائيل” على الساحة الدولية، حيث نجحوا، بعد توحيد قواهم مع العناصر التقدمية في الغرب، في اختراق وإدخال الأفكار المناهضة لـ”إسرائيل” إلى الهيئات المؤثرة في العالم الغربي الليبرالي، بما في ذلك مؤسسات الأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان، والأوساط الأكاديمية، والمنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام، كما حظيت الأفكار المناهضة لـ”إسرائيل” بانتشار واسع للغاية على شبكات التواصل الاجتماعي، وتردد صدى الرسائل من خلالها إلى جماهير واسعة في جميع أنحاء العالم.
وحذرت شربيط باروخ من أنه في ظل تقديم “إسرائيل” في العالم على أنها المسببة لمعاناة المدنيين في غزة عمداً، بسبب رفضها أي إمكانية للتوصل إلى حل سياسي ينهي الحرب، استطاع منظمو الحملة المناهضة لـ”إسرائيل” من إيقاظ المشاعر المعادية للسامية، إلى جانب الارتباط بالاتجاهات العالمية الأوسع، المتمثلة في تقسيم العالم إلى ظالمين ومضطهَدين، مع تصنيف الفلسطينيين على أنهم الضحايا النهائيين الذين يجب أن يتم دعمهم بأي ثمن.
ولفتت شربيط باروخ إلى أنه في ظل هذه الظروف، من الصعب جداً وقف الانهيار الذي أصاب صورة “إسرائيل”، كون سلوك الحكومات الإسرائيلية في السنوات الأخيرة، خاصةً مع تزايد نفوذ العناصر المتطرفة في الحكومة، سمح للحملة ضد “إسرائيل” بأن تستمر وتتعمق وتتمدد، لدرجة أن الصورة السلبية لـ”إسرائيل” بأنها تلحق الضرر بالفلسطينيين بشكل منهجي، قوضت صورتها كـ”دولة” ديمقراطية وليبرالية، وجعلت الدعم الغربي، المستمر لها، أكثر صعوبةً وتعقيداً.
اللاعبون في الحملة الدولية
لفتت شربيط باروخ إلى أن التقارير الناقدة ضد “إسرائيل” يُنظر إليها في العالم على أنها تقارير موضوعية، من قبل خبراء محايدين، بحيث تُصاغ فيها الادعاءات ضد “إسرائيل” قانونياً، وتندرج في إطار قرارات وتقارير وآراء لمنظمات ولهيئات دولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة ومؤسساتها، ولجان التحقيق ومنظمات حقوق الإنسان، ونتيجة ذلك وجدت “إسرائيل” نفسها مؤخراً مدرجة في تقرير حول الدول والجهات التي تتعرض للأطفال في حالات القتال.
كما وجدت “إسرائيل” نفسها متهمة أمام المحكمتين الدوليتين الرئيسيتين في العالم: المحكمة الجنائية الدولية، ومحكمة العدل الدولية، التي أصدرت أوامر مؤقتة لـ”إسرائيل” تحثها على اللامتناع عن ارتكاب أعمال إبادة جماعية.
وحذرت شربيط باروخ من أن خطورة هذا الإجراء تكمن في أنه يُلحق بـ”إسرائيل” وصمة عار شديدة، لأنه يُظهرها على أنها ترتكب أخطر جريمة ممكنة من الإبادة الجماعية، وهذا ادعاء بات يُسمع في جميع المظاهرات ضد “إسرائيل” في جميع أنحاء العالم، وخاصة في الغرب، كما يظهر على جميع شبكات التواصل الاجتماعي، في محاولة لتثبيت فكرة صادمة مفادها أن “إسرائيل تعادل النظام النازي”، بحيث أصبحت إسرائيل رمزاً للشر العالمي في جميع أنحاء العالم، لا سيما وسط جيل الشباب، الذي يتغذى بالكامل من مصادر المعلومات في العالم الافتراضي.
وأشارت شربيط باروخ إلى أن أي بحث على الإنترنت حالياً عن مصطلحات سلبية، مثل الإبادة الجماعية أو التعذيب أو الدمار، يوصل إلى “إسرائيل” مع عدد لا يحصى من مقاطع الفيديو والمقالات، بالعديد من اللغات وفي جميع البلاد، التي تقدم “إسرائيل” ككيان مفترس وقاس، كما يُنظَر إليها اليوم باعتبارها جنوب أفريقيا في عصر الفصل العنصري، أي دولة تعاني من عيوب جوهرية، ولابد من مقاطعتها بالكامل.
شربيط باروخ حذرت من أن هذه التصورات عن “إسرائيل” تنتشر بمعدل هائل، وسيكون من الصعب للغاية التراجع عن تأثيرها الضار و”إعادة المارد إلى القمقم”، وأضافت أن أحد الجوانب الأكثر إثارة للقلق في الواقع الحالي هو أن التعبير عن الدعم لـ”إسرائيل” أصبح يمثل مشكلة، بل وخطورة، فمثقفون ونجوم ثقافة ورجال أعمال وصحفيون، وغيرهم من المؤثرين، يقولون إنهم سيدفعون ثمناً إذا عبروا بشكل إيجابي تجاه “إسرائيل”، لذلك اختاروا الصمت، أو حتى ضموا أصواتهم إلى منتقدي “إسرائيل”.
الإجراءات المتخذة ضد إسرائيل في أعقاب الحملة الدولية
رأت شربيط باروخ أنه منذ اندلاع الحرب، أعلنت عدة دول قطع علاقاتها الدبلوماسية مع “إسرائيل” أو إعادة سفرائها (من بينها بوليفيا وكولومبيا وتشيلي)، كما نشرت دول عديدة بيانات معادية، واتخذت مبادرات ضد “إسرائيل”، أو صوتت مع قرارات ضد “إسرائيل”.
كما فرضت دول مختلفة، كالولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية، عقوبات على مسؤولين إسرائيليين، ومتطرفين يهود مشتبه بارتكابهم أعمال عنف ضد الفلسطينيين.
كما هدد الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على إسرائيل كدولة، فيما اتخذت دول أوروبية خطوات ضد مصلحة إسرائيل، مثل الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين.
بالإضافة إلى هذه الإجراءات، تم فرض قيود أيضًا على التجارة مع إسرائيل من قبل دول مختلفة، كتركيا.
وأشارت باروخ إلى أن الخطوة المثيرة للقلق هي القرار الذي اتخذه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بمنع الشركات الأمنية الإسرائيلية من المشاركة في معرض مهم للصناعات الدفاعية، والذي تفاقم بسبب قرار محكمة فرنسية، بمنع دخول أي إسرائيلي إلى المعرض.
وأضافت أنه وعلى الرغم من تدخل المحكمة العليا الفرنسية ضد إجراء لمقاطعة “إسرائيل”، إلا أن “معناه الرمزي والتهديدي ظل كما هو”.
ولفتت شربيط باروخ إلى أنه إضافةً إلى ذلك، فرضت دول مختلفة (ككندا، وإيطاليا، وإسبانيا، وبلجيكا) قيوداً على تصدير الأسلحة إلى “إسرائيل”، وهددت بتوسيع القيود لتشمل المنتجات التي تدعم الحرب على نطاق أوسع.
وحذرت شربيط باروخ من أن الحملة ضد “إسرائيل” تؤثر أيضاً على جهات فاعلة مهمة، غير حكومية، بما في ذلك شركات تجارية، فضلاً عن مؤسسات أكاديمية وثقافية ورياضية، حيث انعكس ذلك في حالات مقاطعة فردية وغير مؤسسية، تمثلت في إلغاء دعوات موجهة لباحثين إسرائيليين لإلقاء محاضرات في مؤسسات في الخارج، وفي تجميد أو إلغاء تعاون بحثي معهم.
عواقب التحركات لعزل إسرائيل
رأت شربيط باروخ أن شيطنة “إسرائيل”، التي تغلغلت في الرأي العام في جميع أنحاء العالم، ليست فقط مشكلة “الصورة غيرالمشجعة” للدولة، بل لها تأثير تصاعدي كبير على قرارات صانعي السياسة في مختلف البلدان.
ولفتت شربيط باروخ إلى ان أحد الأسباب التي تجعل إسرائيل تعتبر مصدر قوة للولايات المتحدة والعالم الغربي هو تصورها كمركز ديمقراطي ليبرالي في قلب منطقة لا تشترك في نفس القيم.
لذلك، إذا لم يُنظر إلى إسرائيل على أنها تتقاسم نفس القيم مع ادلول الغربية، فإن العلاقات سوف تضعف وستعتمد بشكل أساسي على تقاسم المصالح فقط.
وعندها، وبسبب تزايد الضغوط من جانب الجمهور في مختلف البلدان للوقوف ضد إسرائيل، قد تتحول إسرائيل، في نظر مختلف البلدان وقادتها، من مصدر قوة إلى عبء، بحيث يُدفع ثمن سياسي داخلي مقابل دعمها.
ونتيجة لذلك، قد ينؤون بأنفسهم عن إسرائيل إلى حد قطع العلاقات على مختلف المستويات.
وبالتالي قد يؤدي انتشار نزع الشرعية عن إسرائيل وتحولها إلى دولة “مجذومة” في العالم، إلى إدخالها في عزلة دولية.
وحذرت شربيط باروخ من أن العزلة والانفصال عن العالم سيؤديان إلى أضرار جسيمة للاقتصاد، وانخفاض كبير في مستوى المعيشة، والإضرار بالأمن القومي في “إسرائيل”، لأن فكرة أن “إسرائيل” ستكون قادرة على التعامل بنجاح مع كافة التهديدات الأمنية التي تواجهها بمفردها هي فكرة غير عقلانية وغير عملية.
فإذا فقدت “إسرائيل” ارتباطها بمعسكر الدول الغربية ستبقى وحيدة بلا معسكر، ومثل هذه العزلة سوف تلحق ضرراً بالغاً بقدرة ردعها.
كما حذرت أيضاً من أن العزلة الدولية لإسرائيل تُلحِق ضرراً كبيراً بالأمن القومي الإسرائيلي لجهة الحد بشدة من حرية “إسرائيل” في العمل وقدرتها على مواصلة الحملة العسكرية في قطاع غزة، أو توسيع الحملة إلى ساحات إضافية، كلبنان.
وأشارت باروخ أيضاً إلى أن العزلة الدولية ستضر بعلاقات “إسرائيل” مع الدول المعتدلة في المنطقة، لأن الارتباط بالغرب، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية، يعد عنصراً أساسياً في تحفيز هذه الدول لإنشاء وإقامة علاقات سلمية مع “إسرائيل”، ومن دون هذا الارتباط، سيتم تقليل هذا الدافع إلى حد كبير.
كما لفتت إلى أن العزلة الدولية تضر أيضاً بالمصالح الفردية للمواطنين الإسرائيليين، لأن تزايد المقاطعة، ضد الإسرائيليين، سيوصل إلى مرحلة تُصبح فيه دعوة الإسرائيليين، إلى أي لقاء أو مؤتمر أو معرض، هي الاستثناء الذي يحتاج إلى تفسير، وليس عدم دعوتهم، مضيفةً أن مقاطعة الإسرائيليين في مجالات متعددة: طبية، علمية، تكنولوجية، تجارية، أكاديمية، ثقافية، وشخصية تسبب ضرراً خطيراً على مستوى الفرد الإسرائيلي، في الجانب المهني والشخصي، بشكل قد يوصِل إلى مغادرة البلاد.
وخلصت شربيط باروخ في نهاية دراستها إلى أن النتيجة المحزنة هي أن المعركة ضد “إسرائيل” قد خرجت عن نطاق السيطرة و”إسرائيل خسرت الآن على الساحة الدولية”.