السبت. نوفمبر 23rd, 2024

تقع منطقة الساحل والصحراء الإفريقي في الشريط الساحلي المتاخم للصحراء الكبرى في القارة الإفريقية، وهو الحزام الفاصل بين الصحراء والمناطق الجنوبية الخصبة والكثيفة بغابات السافانا. و تضم عدة دول غنية بالثروات الطبيعية فنجد احتياطيات كبيرة من النفط في موريتانيا، موارد طبيعية هائلة مثل الصخر الزيتي، والحديد، والزنك، واليورانيوم، والبوكسايت، والفوسفات، والمنجنيز، فضلا عن الذهب في مالي وهو الحال كذلك في الكثير من الدول منها بوركينا فاسو، النيجر،… غير أن رغم امتلاكهم هذه الثروات الطبيعية الطائلة إلا أن شعوب هذه الدول تشكو الفقر، تفشي البطالة وتواتر الميليشيات المسلحة التي تعمق إنعدام الاستقرار.

الأسباب والدوافع وراء تشكيل الميليشيات:

تمثل غالبية دول الساحل والصحراء الإفريقي أرضية وبيئة ملائمة لنشاط الحركات المسلحة فهي تتسم ب:

– تضاريس جغرافية مساعدة:تتمثل في صحراء واسعة وحدود مفتوحة بين الدول منها مالي والتشاد والنيجر وموريتانيا وبوركينا فاسو، تسهل عملية التنقل. 

 تردّي الأحوال المعيشية وارتفاع معدلات الفقر إضافة إلى الجوع الناتج عن الجاف، إنتشار البطالة و الخوف في صفوف الشباب، مما يسهل تجنيدهم.

ضعف الأنظمة الحاكمة واتهامها بالفساد و البحث عن تحقيق مصالحهم الشخصية، دون التفكير والعمل على إستراتيجية تؤمن أساسيات الحياة في هذه الدول أو حتى تعزيز قدرات جيوشهم لمقاومة الميليشيات المسلحة.

التدخل الأجنبي في شؤون القارة، مما يُنمي شعور الرفض والتمرد والدعوة للانتقام من الاستعمار وخاصة كسب تأييد المواطنين الضحايا من خلال إقناعهم بمحاربة العدو الخارجي.

نجد في منطقة الساحل والصحراء حركات مسلحة متعددة، لكلّ خلفيات، أهداف وأسس يقوم عليها، من أبرز هذه الحركات :

وتأسست هذه الحركة  في نيجيريا عام 2002 على يد الشيخ محمد يوسف، إذ تقوم على منطلق “أيديولوجي”، نذكر منه القطيعة مع التعليم الغربي، وحسب اعتقادهم هو السبب الرئيسي في إفساد قلوب الشباب المسلم، إضافة إلى القناعة بكُفر مَن يتولون إدارة الدولة النيجيرية، المسلمين والغير مسلمين. وهو ما يبرر عملياتها المسلحة، فمنذ تأسيسها حتى 2015 أغلقت أكثر من ألف مدرسة، وأجبرت مليون شخص على ترك مدارسهم، وقتلت 17 ألف شخص، وشرّدت ما يربو على مليوني شخص .

-أعلنت هذه الحركة البيعة والانضمام لتنظيم الدولة الإسلامية في مارس 2015، وغيّرت اسمها إلى “ولاية غرب أفريقيا”.

تأسست “حركة أنصار الدين” في ديسمبر 2011، في مدينة كيدال شمالي مالي على يد زعيمها “إياد آغ غالي”، وتقوم على “العقيدة السلفية الجهادية”، من بين الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها تطبيق الشريعة الإسلامية في جميع أنحاء البلاد، التفرد بالحكم في الدولة المالية، القيام  بدستور ينص على الطابع الإسلامي للدولة، لأن 95% من الشعب المالي يعتنق الدين الإسلامي.

في مارس 2017 أعلنت “الجماعات الجهادية” الأساسية في منطقة الساحل (أنصار الدين وجبهة تحرير ماسينا وتنظيم المرابطون وجناح الصحراء التابع لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي) إتحادها تحت تكتّل “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”.تنفّذ عمليات  في مالي ضد القوات الفرنسية والجيش المالي. ففي 2 مارس 2018 اعترفت الجماعة باستهداف مقر رئاسة أركان الجيش ومبنى السفارة الفرنسية واغادوغو (عاصمة بوركينا فاسو) و قتل 8 أشخاص .

تأسّس “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” في 25 يناير 2007 بعد أن كان يسمى الجماعة السلفية للدعوة والقتال. يهدف إلى “تحرير المغرب الإسلامي من الوجود الغربي وحمايته من الأطماع الخارجية”، وعند تأسيسه تولّى قيادته عبد المالك درودكال ثم أبو عبيدة يوسف العنّابي، الذي يركّز في عملياته على مالي وبوركينا فاسو. وقد أشرف أبو عبيدة يوسف العنّابي على تنفيذ كثير من العمليات، منها  خطف سائحين نمساويين في جنوب تونس يوم 22 فبراير 2008.

تأسّست “حركة الجهاد والتوحيد” في أكتوبر 2011 بعد انفصالها عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. يتمحور نشاطها حول نشر الأفكار “الجهادية” في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل، في 2013، اتحدت مع تنظيم “الموقعون بالدم”، الذي يتزعمه الجزائري المختار بلمختار لإنشاء جماعة “المرابطون” و تتبنى الفكر «السلفي الجهادي»، ثم بايعت الحركة تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى في 13 مايو 2015. 

فرع من تنظيم الدولة الإسلامية، أعلن “دولته” في أجزاء واسعة من العراق وسوريا في يونيو 2014. وتأسّس هذا الفرع في 15 مايو 2015 نتيجة لانقسام داخل جماعة “المرابطون”، وينشط في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، خاصة في المنطقة المعروفة بالمثلّث الحدودي، تم في 2021 مقتل قائد التنظيم عدنان أبو وليد الصحراوي في عملية عسكرية نفّذتها القوات الفرنسية.

أعلن قيام “دولة أزواد” في أبريل 2012 في تمبكتو وكيدال وغاو في شمال مالي. و يقوم على فكرة أن “الشعب الأزوادي له الحق في تقرير مصيره، ولا يحق لدولة مالي الوجود على أرضه”. 

تأسّست في الأول من أبريل 2012، وتعمل على قيام دولة للطوارق في منطقة أزواد في الشمال المالي، إلى جانب تكوين قوة عربية مسلحة على الأراضي المالية.تعد هذه الحركة معادية للحركة الوطنية لتحرير أزواد كما هزمتها في 2013 و سيطرت على مدينة أنفيف في الشمال المالي.

تأسّس في مايو 2013 ويعمل في مناطق متفرقة من الشمال المالي، وهو مجلس يضم الحركة الوطنية والحركة العربية ومجلس وحدة أزواد.مع نهاية 2009 كثفت هذه الحركات من تمرد، وبدأت في إحياء النزعات العرقية والطائفية.

أسسها الرئيس الأسبق لبوركينافاسو توماس سانكارا (1983-1987)، الذي جنّد مليشيات للدفاع عن القيم العليا للثورة. تتمثل مهمة هذه الحركة في حماية السكان في الغابات، ومواقع التنقيب عن المعادن في نيجيريا وبوركينا فاسو، والنيجر. تتلقى هذه المجموعات دعم الحكومات كما أنها تستعين بها للإحتماء من الحركات الإسلامية في الساحل والصحراء. 

تختلف مصادر تمويل الجماعات المسلحة في الساحل والصحراء الإفريقي :

مصادر تمويل محلية :

القيام بعمليات اختطاف الرهائن والسطو على المصارف، وتجارة وتهريب الأسلحة، كذلك تلقي دعم بعض أعضاء الحكومة والبرلمان ماليّاً ولوجستياً.

مثال ذلك اختطف مسلحو بوكو حرام على دراجات نارية الفرنسي تانجي مولان فورنييه و أفراد من عائلته عندما كانوا يقضون عطلة قرب متنزه وازا الوطني في الكاميرون القريب من حدود نيجيريا لتلقي فدية تقدر ما يعادل 3.15 مليون دولار. 

مثال حركة أنصار الدين واحدة من التشكيلات التي يثبت مسارها أن التمويل هو الأهم في تحديد التبعية. فقد أعلنت ولائها لتنظيم القاعدة. ثم غيرت ولائها لصالح “داعش“. 

تتوجه أصابع الإتهام إلى العديد من الدول لكل غاياته التي يسعى إلى تحقيقها:

يذكر أن الفوضى الناتجة عن الإطاحة بنظام معمر القذافي في 2011، لها دور ملحوظ في تعميق الأزمة في هذه الرقعة الجغرافية إذ تزود هذه الدولة الجماعات المسلّحة بالأسلحة والذخيرة بشكل كبير.     

يشارك هذا البلد كذلك في تهريب الأسلحة لدول الساحل والصحراء الإفريقي حيث تنشط فيه جماعة “بوكو حرام” و هو ما يخلق فوضى ويسهل هذه العملية، إلى جانب بلدان أخرى لها يد في عمليات مشابهة مثل ليبيريا وسيراليون…

يبرز التخوف من انعكاسات صراع السلطة في السودان، بين الجيش وقوات الدعم السريع إذ يسهل ذلك تسلل العناصر الإرهابية وتهريب الأسلحة لغياب الرقابة.

-سبق اتهام فرنسا لقطربوجود رابط بينها وبين الجماعات المسلّحة رغم أنها نفتها و أقرت بوجودها في المنطقة بغاية الإستثمار و إستغلال الثروات النفطية.

تتهم هذه القوة العالمية بصناعتها للإرهاب للتغطية على حربها على الإسلام، من الشرق إلى شمال إفريقيا والصحراء والساحل الأفريقي، و ذلك من خلال صناعة “داعش” ،أسسها كل من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية “CIA” والموساد الإسرائيلي.

تعتبر فرنسا أهم دولة إتهمت عديد المرات بسعيها لتقسيم البلاد وتهديد أمنه واستقراره الهش، إذ سبق أن اتهم رئيس الحكومة الانتقالية في مالي شوغيل مايغا، فرنسا بالوقوف وراء تدريب من وصفهم بـ”الجماعات الإرهابية” الناشطة في البلاد و تحديدا أنصار الدين”، أكبر التنظيمات المسلحة في إقليم أزواد و المتعاونة مع تنظيم القاعدة.

تحاول الدول المتضررة من الميليشيات المسلحة الحد من التفشي المتنامي لهذه الضاهرة وذلك عبر للالتجاء للتحالف العسكري، للتطوير من القدرات الحالية مثال ذلك تعاون الدول الثلاثة مالي، والنيجر و بوركينا فاسو مع موسكو لشراء أسلحة، إضافة إلى تدريب الجيوش لتحسين قدراتهم القتالية. كذلك إشترت مالي عدد من طائرات بيرقدار المسيرة من تركيا مع العمل على تعزيز العلاقات بين الطرفين. 

كما أن هذه الدول تستعين بمجموعة فاغنر الروسية لمحاربة المتمردين والجماعات الإرهابية و ما يؤكد نجاح هذا التعاون هو تمكن القوات الروسية بعض من المجال الجغرافي المستولى عليه من الجماعات الإرهابية.

مثلت بلدان الساحل والصحراء الإفريقي بيئة مثالية لبسط الميليشيات المسلحة نفوذهم على المنطقة فالانفلات الأمني وغياب الردع من طرف الحكومات إضافة إلى تفاقم الأزمات الإجتماعية و الإقتصادية، يسّر توسع نطاق الجريمة المنظمة. وبالتالي، أصبحت المنطقة جاذبة للكثير من الميليشيات المحلية و الجماعات الإرهابية. نتج عن هذه الأزمات تدخل خارجي بحجة التعاون وتعزيز القدرات العسكرية رغم أن كل دولة تسعى إلى تحقيق أقصى أرباح ممكنة. فهل ستنجح هذه المجهودات من تقليص تأثير الميليشيات المسلحة في الساحل والصحراء الإفريقي في المستقبل القريب أو البعيد ؟ و هل ستنجح هذه الدول في إستعادة استقرارها الداخلي ؟

By amine

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *