الجمعة. نوفمبر 22nd, 2024

تعليقات المسؤولين الأميركيين على محاولة اغتيال ترامب، أجمعت على اعتبار الأمر دخيلاً وطارئاً على الحياة السياسية في الولايات المتحدة وغريباً عن “تاريخ البلاد”، فهل هو كذلك فعلاً، وكم شهد “تاريخ البلاد” من اغتيالات سياسية ومحاولات اغتيال؟

بمجرد شيوع خبر محاولة اغتيال الرئيس الأميركي السابق والمرشح الحالي للرئاسة، دونالد ترامب، عبر إطلاق النار عليه أثناء تجمع انتخابي في بنسلفانيا، أطل الرئيس الحالي جو بايدن على الأميركيين، مؤكداً أن “فكرة وجود العنف السياسي في الولايات المتحدة غير مقبولة”، وأن “لا مكان لهذا النوع من العنف فيها”.

وفي السياق ذاته، جاء تصريح وزير الدفاع لويد أوستن، الذي أكد أن “هذه ليست الطريقة التي نحلّ بها خلافاتنا في أميركا”، بالتزامن مع تصريح حاكم ولاية بنسلفانيا أن “العنف الذي يستهدف أي زعيم سياسي غير مقبول ولا مكان له في هذا البلد”، وهو تصريح مطابق حرفياً لما أدلت به النائبة الديمقراطية باربرا لي.

ولعل أشدّ “المستغربين” للحادثة هو ترامب نفسه، الذي قال بدوره إنه “أمر لا يُصدَّق أن يحدث مثل هذا الفعل في بلدنا”.

فهل كانت محاولة اغتيال ترامب، التي لم يتكشف الكثير من المعلومات والتفاصيل بشأنها بعد، حادثةً غريبةً ومستهجنةً ومعزولةً عن سياقها فعلاً؟

وهل هي الحادثة “الأولى من نوعها” في الولايات المتحدة كما توحي التصريحات أعلاه؟

كان الممثل المسرحي المعروف جون ويلكس بوث، ينوي اختطاف الرئيس الأميركي السادس عشر أبراهام لنكولن، انتقاماً منه بسبب دوره في إنهاء الحرب الأهلية وإعادة الولايات الجنوبية التي انفصلت عن الاتحاد بقوة السلاح، واقتناعاً منه بأن لنكولن هو السبب وراء كل مشكلات ولايات الجنوب، وبهدف مبادلته بأسرى حرب جنوبيين.

وبعد 3 محاولات فاشلة لخطف الرئيس الذي أُعيدَ انتخابه حديثاً، قرر بوث تعديل خطته والتخطيط لاغتيال لنكولن، وسرعان ما سنحت له الفرصة مع إعلان الأخير نيته حضور مسرحية “قريبنا الأميركي”، أو “ابن عمنا الأميركي”، في مسرح “فورد” في العاصمة واشنطن.

وفي 26 أبريل 1865، تمت بنجاح أول عملية اغتيال لرئيس أميركي، برصاصة استقرت في مؤخرة رأسه أثناء موجة ضحك على مَشاهد المسرحية، بعد أن دخل القاتل إلى المقصورة الرئيسية من بابٍ كَسَرَ بائع التذاكر، توماس ريبولد، قفلَه، لتسهيل استضافة عدد من الأشخاص لم يجدوا لأنفسهم مكاناً في المدرجات. وكرّت بعدها سبحة الاغتيالات.

في 2 يوليو 1881، وبعد أشهر قليلة على انتخاب مرشح الحزب الجمهوري جيمس غارفيلد رئيساً للولايات المتحدة، على حساب مرشح الحزب الديمقراطي آنذاك، وينفيلد سكوت هانكوك، في مفاجأةٍ غير متوقعة، توجّه غارفيلد إلى محطة القطار في واشنطن في طريقه للسفر من أجل قضاء عطلته الصيفية.

في المحطة، اقترب منه رجل أربعيني، وسحب مسدّسه ليطلق منه رصاصتين باتجاهه، مزقت إحداهما طحاله، وبسبب نقص في التعقيم، أصاب التسمم دماء غارفيلد، وفي 19 سبتمبر من العام نفسه، قضى متأثراً بإصابته.

لم يكن مطلق النار الأربعيني سوى المحامي تشارلز غيتو، الذي لم يستسِغ رفض غارفيلد طلبه تعيينه سفيراً للولايات المتحدة في باريس، كمكافأة مستحقة لما بذله في الانتخابات من جهود أدت إلى الفوز المفاجئ لغارفيلد بمنصب الرئيس.

مثل ترامب، كان الرئيس الأميركي الخامس والعشرون، ويليام ماكنلي، مستبعِداً لعملية اغتياله قبل حصولها، وربما كان استغرب حصولها لو تسنّى له ذلك بعدها، ولكنه لم ينجُ ليفعل.

تجاهل ماكنلي تحذيرات مَن حوله من حضور معرض في نيويورك في 6 سبتمبر 1901، ضمن برنامج يتضمن مصافحته للحاضرين، وسأل: “لمَ لا أفعل؟ لا أعتقد أن هناك من يريد لي الأذى”.

ولكن اعتقاد ماكنلي لم يكن في محله، ففي قاعة الموسيقى في المعرض، اقترب منه ليون كولغوش ليصافحه، قبل أن يزيح منديلاً كان يغطي به مسدّساً في يده اليمنى، ويطلق النار على بطن ماكنلي وصدره.

وكانت حجة القاتل في الدفاع عن نفسه بسيطة وموجزة: “كيف يمكن لإنسان أن يحظى بكل هذا التقدير بينما لا يحظى غيره به؟”.

في 9 سبتمبر 1901، قضى ماكنلي متأثراً بإصابته، بينما أعدِمَ كولغوش بعد ذلك على الكرسي الكهربائي، وأذيب جسده في مادة الكبريت.

في 22 نوفمبر 1963، وأثناء مروره في سيارة مكشوفة بأحد شوارع دالاس في تكساس، قُتِلَ الرئيس الأميركي الخامس والثلاثون جون كينيدي برصاصات في رأسه، ووُجِّهَت تهمة القتل إلى المشتبه به “لي هارفي أوزوالد” 24 عاماً.

وبعد يومين من الحادثة، قُتِلَ أوزوالد على يد مالك ملهى ليلي يدعى جاك روبي، أمام كاميرات التلفزيون، وحُكِمَ على روبي بالإعدام، وظل صامتاً في سجنه حتى وفاته في 3 يناير 1967.

وتحسباً لردود الفعل الشعبية، واستباقاً للتحقيقات التي يخطط لها الكونغرس، عيَّن ليندون جونسون، نائب الرئيس الذي حل مكانه، لجنة تحقيق رئاسية من 7 أعضاء، برئاسة كبير القضاة إيرل وارين، وتوصلت اللجنة عام 1964 إلى أن أوزوالد تصرف بمفرده لأنه كان مختل العقل، وأن لا أسباب سياسية وراء اغتيال كينيدي.

وبعد عقود من الحادثة، لم تقنع الرواية الرسمية أحداً، لا في الولايات المتحدة ولا خارجها، وهو ما يفسّر إعادة فتح القضية في الإعلام مراراً وتكراراً، وتداول روايات مختلفة بشأنها.

ومع تصريح رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون، اليوم الأحد، بأنّ الشعب الأميركي يستحق أن يعرف الحقيقة في قضية محاولة اغتيال ترامب، تحضر إلى الذهن فوراً قضية اغتيال كينيدي التي لم يعرف الشعب الأميركي حقيقتها حتى اليوم.

إذا كانت عمليات الاغتيال السياسي الناجحة في الولايات المتحدة أربعاً، فإن المحاولات الفاشلة أكثر من أن يحصيها تقرير موجز، ولكنه ربما يتسع للمرور على أبرزها وأكثرها أهمية.

في 5 مايو 1979، حاول ريموند لي هارفي اغتيال الرئيس الأميركي التاسع والثلاثين، جيمي كارتر، أمام مركز تسوق “سيفيك” في “لوس أنجلوس”، ولكنه فشل في مهمته ووقع في قبضة الشرطة.

وفي 30 مارس 1981، أطلق جون هينكلي جونيور النار على الرئيس الأميركي الأربعين، رونالد ريغان، أثناء خروجه من فندق “واشنطن هيلتون” إلى سيارته “الليموزين” وأصابه في صدره، قبل أن تسعفه الفرق الطبية وتنقذ حياته.

الرئيس الأميركي الثاني والأربعون، بيل كلينتون، تعرض لثلاث محاولات اغتيال في عامٍ واحد هو العام 1994، أولها على يد رونالد جين باربور أثناء ممارسته رياضة المشي، والثانية حين صدم يوجين كودور طائرته الصغيرة في حديقة البيت الأبيض، والثالثة حين أطلق فرانسيسكو مارتن دوران طلقات نارية باتجاه البيت الأبيض، قبل أن يهاجمه سياح ويسقطونه أرضاً لتعتقله الشرطة.

الرئيس الأميركي الثالث والأربعون، جورج بوش الابن، تعرض بدوره لمحاولتي اغتيال، الأولى في فبراير 2001، حين أطلق الموظف السابق في دائرة خدمات الإيرادات الداخلية، روبرت بيكيت، النار على البيت الأبيض أثناء ممارسة بوش الرياضة في حديقة البيت الأبيض، والثانية في العاصمة الجورجية تبيليسي، حين رمى أحد القوميين قنبلة يدوية باتجاهه أثناء وجوده مع الرئيس الجورجي، ميخائيل ساكاشفيلي، من دون أن تنفجر.

بدوره، الرئيس الأميركي الرابع والأربعون، باراك أوباما، تعرض لعدة محاولات اغتيال، ففي العام 2011، أطلق راميرو أورتيغا هيرنانيز النار على البيت الأبيض مصرّحاً أنّ “أوباما ضد المسيح”.

وفي العام 2013 عُثِرَ على أحد أنواع السموم داخل رسالة موجّهة إلى أوباما، وتبين أنّ مرسلها هو جيمس إيفيرت دوتشكي، الذي حُكِمَ عليه بالسجن 25 عاماً.

وبعد استعراض تصريحات بايدن وترامب المستهجنة لمحاولة الاغتيال التي “لا تشبه تاريخ هذا البلد”، واستعراض “تاريخ البلد” ذاته، وتحديداً لجهة الاغتيالات السياسية، يبدو ضرورياً المرور على تصريح روبرت كينيدي جونيور، وهو مرشح للرئاسة الأميركية أيضاً، لقناة “فوكس نيوز”، بعد ساعات من إطلاق النار على ترامب، فقد قال كينيدي “كنت في العاشرة من عمري عندما اغتيل عمي وأتذكر الأمر وكأنه حدث بالأمس”.

وبعد مرور 5 سنوات فقط، لقي والد كينيدي حتفه أيضاً، بعد أشهر قليلة من اغتيال مارتن لوثر كينغ الابن. وبعد أكثر من نصف قرن، وصف متحف سميثسونيان العام 1968 بأنه “العام الذي حطّم أميركا”.

“كان دونالد ترامب وجو بايدن في العشرينيات من عمرهما خلال العام الذي حطّم أميركا”، يقول موقع “أنهيرد” الأميركي. ربما يكون هذا هو سبب استغراب المرشحَين الرئاسيين حدوث محاولة اغتيال في الولايات المتحدة في العام 2024.

وإذا كان مجرّد تعداد الاغتيالات ومحاولات الاغتيال السياسي في الولايات المتحدة، أكبر من أن يتسع له تقرير موجز، فإنه لا يتسع حتماً لذكر الاغتيالات التي تورّطت واشنطن في التخطيط لها وتنفيذها حول العالم، ليس فقط لكثرتها، بل لصعوبة إحصائها، ولكون كثير منها لا يزال الغموض محيطاً بتفاصيله، كما اغتيال جون كينيدي، وأكثر… 

By amine

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *